رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

معارك ما بعد الطلاق!

تكدس أمام محكمة الأسرة
تكدس أمام محكمة الأسرة للفصل فى القضايا

سوء الاختيار ونقص الخبرة وتدخل الأهل.. أبرز أسباب الانفصال

قديماً كان الطلاق هو أبغض الحلال، أما الآن فهو أسهل الحلول لأى خلاف بسيط ينشب بين الزوجين، فلا مكان للأهل أو الجيران لحسم قرار الانفصال كما كان يحدث فى العقود الماضية، حيث لا صوت يعلو فوق صوت عناد الطرفين ورغبتهما فى ترك الحياه الزوجية دون التفكير فى تداعيات هذا الأمر على أطفالهما.

الغريب أن الخلاف لم يعد حكراً على الشباب، بل نجد زوجين فى الخمسينيات أو الستينيات قررا الانفصال رغم عدم رغبة أبنائهما فى ذلك، ويتطور الأمر أحياناً ليصل لـساحات المحاكم وتصبح هى الحكم الوحيد للمعارك المتعددة بين الزوجين، والغريب أن المشكلات لا تنتهى بعد وقوع الطلاق ولكن يبدأ الأصعب والأكثر منها.

ومع أن كل طرف لديه الكثير من الحجج والحكايات التى قد يتفق البعض على منطقيتها وأحقيتهم فى الطلاق، إلا أنه لا يزال هناك جزء أكبر لا يفكر فى حل أو إعطاء فرصة للطرف الآخر قبل اتخاذ هذه الخطوة المدمرة للأسرة، فوفقاً للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء هناك حوالى 222 ألف حالة طلاق فى عام 2020 بمعدل 586 فى اليوم الواحد.

ورغم أن هذه الأرقام حسب بعض المتخصصين لا تثير القلق خاصةً أنها أقل من المعدل العالمى للدول الأوروبية التى تحدث فيها هذه الحالات بشكل مكثف، لكن يجب أن نعترف بأن هذه الظاهرة تزداد خطورة يوماً بعد يوم، وتحتاج لوقفة لمعرفة أسبابها وتداعياتها على المجتمع بأكمله.

من القصص الكاشفة لأسباب هذه الظاهرة حكاية نهى (62 عاماً) التى قررت الانفصال عن زوجها بعد زواج دام لأكثر من 40 عاماً، معلنة التمرد على حياتها وفضلت أن تهرب مما أطلقت عليه «سجن الزوجية».

وقالت «نهى»: إنها تزوجت فى سن صغيرة بناءً على رغبة والديها لكى يروا أحفادهم قبل أن يرحلوا عن هذه الدنيا على حد قولهما، مشيرةً إلى أنها تحملت ويلات هذه الحياة ومصاعبها لسنوات طويلة من أجل أبنائها والبالغ عددهم ثلاثة، لكن الآن وبعد أن كبروا وتزوجوا وأنجبوا، قررت إنهاء حياتها الزوجية لكى تعيش الباقى من عمرها فى سلام وطمأنينة دون أن يزعجها أحد أو يرفع صوته عليها.
 

وأشارت إلى أنها اتخذت هذا القرار لأنها كانت تتحمل إهانة زوجها وضربه لها من أجل أولادها، لكنها الآن لم تعد تطيق هذه المعاملة القاسية، وتريد أن تعيش وسط أحفادها وكرامتها مصانها، مؤكدةً أنها فكرت أن تلجأ للمحكمة للحصول على حقوقها المادية بعد الطلاق، لكنها تنازلت عنها من أجل أبنائهم.
ارتفاع نسبة الطلاق فى مصر

أما سعاد عفيفى من أسيوط، فقد تزوجت فى عمر 18 عاماً من رجل يعمل مبيض محارة، واستمر زواجها لأكثر من 5 سنوات، حيث انتقل بها إلى القاهرة للسكن فى عزبة خير الله بعد فترة من الزفاف، وبعد إنجابها طفلين بدأت تنشب الخلافات بينهما بسب امتناع الزواج عن الإنفاق على البيت.
 

تقول: «زواجنا كان تقليدى زى معظم الزيجات فى البلد، أهلى اتبعوا المثل القديم الرجل لا يعيبه غير جيبه، وطالما العريس رجل صنايعى ولديه صنعة محترمة، يبقى خير البر عاجله، وتم الزفاف ولم تمر سوى سنة وبدأت الخلافات تنشب من حين لآخر على مصاريف البيت، ولكن كانت بتعدى أهلى مرة يساعدونى وأهله مرة يساندونا، لحد ما قررت أنزل بنفسى أشتغل فى مطعم بمدينة نصر.. لأن الأولاد بدأوا يكبروا ومصاريفهم زادت فكنت أعمل فى المطعم وأقدم الخدمات للزبائن من الساعة 10 صباحاً وحتى الساعة 11 مساءً مقابل 2500 شهرياً».
 

وأشارت «سعاد» إلى أنه بعد فترة من عملها فى المطعم، اعتمد زوجها على عملها وتكاسل عن العمل نهائياً وأصبحت تنفق على البيت بمفردها، وهو ما تسبب فى مزيد من الخلافات، وأضافت: «فى النهاية اضطررت إلى ترك المنزل مع أولادى حتى يشعر بالمسئولية ويفكر فى العمل، ولكنه لم يتغير بل انتهز فرصة غيابى عن المنزل وباع الأثاث ما اضطرنى فى النهاية إلى طلب الطلاق».
 

وأشارت «سعاد» إلى أنه امتنع فى البداية عن تطليقها ما اضطرها إلى اللجوء لمحام لرفع قضية وبالفعل حصلت على الطلاق، كما أنها أقامت دعوى قضائية بسبب تبديده القائمة، وحصلت على حكم قضائى، ورغم ذلك فالحكم لم ينفذ حتى الآن ولم تحصل على أى شىء من القائمة، ونفس الأمر تكرر فى قضية النفقة الخاصة بالأولاد، فطبقاً لحديثها حكمت محكمة البساتين بأحقيتها فى نفقة تقدر بحوالى 1500 جنيه من الزوج من عام 2018 وتنفذ حتى الآن، ولكن بنك ناصر الاجتماعى أعطاها نوعاً من الإعانة تبلغ 500 جنيه شهرياً.
فشل الأقارب والأهل فى حل الخلافات الزوجية

وأضافت قائلة: إن القضايا تأخذ فترة طويلة فى المحاكم، ومعظم الأحكام المتعلقة بالنفقة لا تنفذ خاصةً إذا كان الزوج يعمل فى مهن حرة مثل زوجى، ما يجعلنى غير قادرة على الحصول على مستحقاتى المالية منه، وفى النهاية يضطر المحامى إلى حبسه لعدم التزامه بالنفقات المقررة، لافتةً إلى أنها مازالت تعمل فى المطعم لتنفق على طفليها، واستأجرت شقة فى عزبة الهجانة بمدينة نصر إيجارها 1000 جنيه شهرياً، وساعدها أولاد الحلال فى فرشها بعفش بسيط.

أما جيرمين عادل، فهى من أسرة ميسورة، والدها مدير لإحدى الشركات الكبرى ووالدتها متوفاة وتعيش مع أخيها وخالتها فى منطقة مصر الجديدة بالقاهرة.. تزوجت حسبما حكت لنا بشكل تقليدى جارها فى العمارة.. حيث كان مناسبًا من الناحية المادية فهو موظف بأحد البنوك وعائلته ميسورة الحال، ولكن بعد عام ونصف العام من الزواج وعقب إنجابها طفلتها الوحيدة بدأت الخلافات تنشب بينهما لدرجة يستحيل تجاوزها واستكمال الحياة الزوجية.

تقول: «للأسف كان زوجى من النوع «المدلل» لا يتحمل المسئولية، يعتمد على أسرته فى كل شىء.. فوالدته ووالده ينفقان عليه رغم وظيفته المرموقة حتى أنهما قاما بشراء شقة الزوجية له وفرشها بالكامل»، مشيرةً إلى أنها عندما كانت تريد مصاريف البيت كانت تطلبها من حماتها وليس من زوجها الذى كان ينفق أمواله على احتياجاته الشخصية دون النظر لطفلته، مؤكدة أن الحياة لم تعد تطاق مع زوجها بعدما اكتشفت خيانته لها فى شقة الزوجية، لذلك لجأت لطلب الطلاق لتتفرغ لتربية ابنتها وهو ما حدث بالفعل.

 

أسباب الانفصال

تقول رندا يوسف، مدرس بقسم المجتمع الريفى جامعة أسيوط: إن الطلاق من أخطر المشكلات الاجتماعية التى تهدد كيان الأسرة وتؤدى إلى انهيار المجتمع، فعلى الرغم من جوازه شرعاً، بنص الآية الكريمة: «الطـلاق مرتـان، فإمـساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، فإنه أبغض الحلال عند الله، فقال الرسول (ص): «إن أبغض

الحلال عند الله الطلاق»، فالطلاق هو الحلقة الأخيرة من مراحـل الـشجار والنزاع.

وأشارت إلى أن الطلاق لا يحدث نتيجة لعامل واحد وإنما هناك عدة عوامل متداخلة تؤدى إليه، منها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، لافتةً إلى أن فتور الحياة العاطفية يؤدى إلى صراع فى الأسرة خاصةً فى ظل عدم توافر المال اللازم لإدارة شئون حياتهم.
 

وأوضحت أنه من ضمن أسباب الطلاق عدم التفاهم بين الزوجين، وعدم طاعة الزوجة لزوجها، وسوء معاملة الزوج لزوجته، وعدم الخبرة الكافية بالحياة الزوجية، وسوء الاختيار من البداية، والتباين فى المستوى التعليمى، وعدم التفاهم والانسجام الثقافى، وعدم تحمل الزوج المسئولية، وضعف شخصية الزوج، والتقصير فى تلبية احتياجات الأسرة، وعدم التوافق الجنسى بين الزوجين، وتدخل الأهل فى حياة الزوجين خاصةً فى حال الإقامة مع أهل الزوج، ووجود اضطرابات نفسية لدى أحد الزوجين، والغيرة المفرطة، ونوبات الغضب، والتسلط، وعقم أحد الزوجين، وجهل الطرف الآخر بالحاجات الجنسية، وأنانية الزوج، وقصر فترة الخطوبة.
 

وأشارت إلى أنه حسب دراسة ميدانية على ١١٠٠ سيدة من واقع كشوف قضايا محكمة الأسرة، حول أسباب هذه الظاهرة الخطيرة التى أصبحت تنتشر بشكل كبير فى المجتمع، فحوالى 77% من حالات الطلاق سببها الأساسى ضرب الزوج لزوجته، ثم يليه بنسبة 74% عدم التوافق فى العلاقة الحميمة، وبنسبة 70% سوء معاملة الزوج وكثرة المشكلات، ومن 60٪ إلى 65% بسب بخل الزوح وإجباره الزوجة على اقتراض مال من الآخرين ومحاولة السيطرة على دخلها، و48% من هذه الحالات كانت بسب رغبة الزوج فى إنجاب الذكور.
 

وبجانب هذه الأسباب المختلفة للطلاق فإن مواقع التواصل الاجتماعى وأهمها «فيس بوك» لها دور فى وقوع نسبة لا تقل عن ٢٠٪ من حالات الطلاق، وفقًا لبيانات محاكم الأسرة، حيث فضل العديد من الأزواج الانفصال بعدما اكتشف أحدهما خيانة الآخر عن طريق الفيس بوك.

وأكدت راندا يوسف، أن الطلاق له العديد من الآثار السلبية على الأبناء، حيث يعانى 75% منهم من الشعور بالتشتت بين الأب والأم، بينما 65% أصيبوا بعقـد نفسية عند الكبر، فى حين 64% تولد لديه شعور بالكراهية تجاه آبائهم، مشيرةً إلى أن هناك العديد من الحلول للتغلب على هذه الظاهرة منها تحمل الزوج المسئولية مع زوجته، وحسن معاملته لها، وعدم تدخل الأهل فى الحياة بينهما، وقدرة الزوج على تلبية مطالب الأسرة، وعدم إكراه الزوجة على الارتباط برجل لا تريده، والتعاون بين الزوجين، وعمل دورات تدريبية لتثقيف الشباب قبل الزواج، والتكافؤ فى المستوى التعليمى والاجتماعى.

 

القانون

من ناحية أخرى، أوضح على سيد، محامى أحوال شخصية، أن المرأة المصرية تعانى فى ظل قوانين الأسرة الحالية، حيث إنها تضطر إلى إقامة دعوى قضائية للحصول على نفقة لها ولأبنائها، وفى هذه الحالة تتحمل لأكثر من أسبوعين حتى يبت فى قرار إقامة الدعوى من قبل مكتب تسوية منازعات الأسرة والذى عادةً يحيل القضية للمحكمة وتستمر فى أروقتها للنظر فيها لأكثر من سنة ونصف أو سنتين، وفى حال تم البت فيها تنتظر فترة زمنية ليست بقليلة حتى تتشكل لجنة لمعرفة قيمة الراتب الشهرى الذى فى حال إن كان غير موظف يصعب تقديره بشكل سليم مما يظلم الزوجة والأبناء.
 

وأضاف أنه بعد صدور حكم النفقة ففى كثير من الحالات لا ينفذ الحكم على الزوج وتضيع حقوق الزوجة، مشيراً إلى أن كثيرًا من السيدات يلجأن الآن إلى الخلع ويتنازلن على حقوقهن المادية للتخلص من علاقة فاشلة من وجهة نظرهن، وبعضهن يلجأن لدعوى الطلاق وعادةً ما يكون الحكم ليس فى صالحها لأن القاضى لا يحكم فيها إلا إذا ثبت وقوع ضرر عليها وهو ما يصعب إثباته بشكل رسمى فى معظم الحالات.
 

وأوضح أن قوانين الأحوال الشخصية بحاجة إلى إعادة النظر بها لكى تحصل المرأة على حقوقها بشكل كامل دون عذاب فى المحاكم، علاوةً على أنه لابد من تفعيل دور مكتب تسوية منازعات الأسرة، خاصةً أنه لا يحاول تقديم أى حلول لتجنب وقوع الطلاق بين الزوجين، ولا يقوم بدوره المنوط به، بل كل ما يفعله أنه بعد انقضاء أسبوعين على الدعوى يتم رفعها إلى المحكمة للبت فيها، وكأنه بذلك يزيل همومًا من على صدره أو لا يريد التورط فى مشكلات من المفترض أن يعمل على حلها قبل رفعها للمحكمة.