عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء

 الشيخ «رفعت»
الشيخ «رفعت»

أبوالعينين شعيشع يطلق على أستاذه لقب «الشيخ الباكى».. و«أزهرى» يشن هجومًا عليه لعزفه العود وحبه للموسيقى

«عبدالوهاب» قال عنه: أنا صديق الشيخ «رفعت» إلى أن يقرأ القرآن أصبح خادمًا تحت قدميه

امتنع عن دعوة لافتتاح إذاعة برلين.. ومهراجا هندى يدعوه لإحياء ليالى رمضان مقابل «100» جنيه لليلة الواحدة فرفض

غنَّى بصوته قصيدتى «أراك عصى الدمع» و«حقك أنت المنى» بالإذاعة الأهلية واستمع إلى بيتهوفن وموتسارت وفاجنر

«الريحانى» كان يصطحبه فى «الحنطور» يوميًا للنزهة.. وعميد الأدب العربى طه حسين رفض زيادة راتبه

 

استطاع الشيخ «رفعت» وهو ضرير أن يجسد معانى القرآن الكريم بصوته كما لم يجسده أحد من قبله أوبعده فى العصر الحديث، على الرغم من مرور نصف قرن على رحيل القارئ المعجزة لم يظهر بعد من يرتل كتاب الله ويتلوه بمثل أسلوب الشيخ «رفعت»، فلم يكن تفرده فى قوة الصوت وطلاوته وحسب إنما تفرده فى خشوع فاض على ملايين المستمعين فى مختلف أرجاء العالم الإسلامى، ولعله يعد القارئ الأشهر الذى ارتبط اسمه بشهر القرآن الكريم شهر رمضان المعظم، وقد أطلق على الشيخ ألقاب كثيرة منها «خادم القرآن الكريم» و«قيثارة السماء» و«الصوت الملائكى» و« الجنجرة الذهبية»، فلا يختلف اثنان على أن الشيخ «رفعت» أعظم من قرأ القرآن بصوته الندى، «الوفد» التقت حفيديه علاء وهناء حسين محمد رفعت فى هذا الحوار.

 

فى البداية يقول حفيده الأصغر علاء حسين محمد رفعت: أنا أصغر أحفاد الشيخ رفعت وكنت أعمل فى قطاع البنوك لمدة 37 عاما وحاليًا بالمعاش، وقد تزوجت من الحاجة سلوى سيد مصطفى ولدىّ ابنتان وولد اسمه حسين على اسم والدى، أما ابنتى الكبرى، فهى خريجة جامعة فرنسية وهاجرت إلى كندا وابنتى الثانية تعمل فى البنك الأهلى وابنى حسين فهو طيار فى كندا، ولدى من الأحفاد ستة، أما عن جدى رحمه الله فاسمه مركب (محمد رفت محمود رفعت) ولد فى حى المغربلين بالدرب الأحمر بالقاهرة فى 1882وقد ولد مبصرًا حتى سن سنتين إلا أنه أصيب بمرض فى عينيه ففقد بصره، ووالده كان ضابطًا بالبوليس ويوم ولادته رقى إلى رتبة مأمور قسم الخليفة، وهناك روايتان لفقده البصر أولاهما أنه كان يسير مع والده فقالت إحدى السيدات عنه: (إنه ابن ملوك وعينه تقول ذلك)، وفى اليوم الثانى استيقظ وهو يصرخ من شدة الألم فى عينيه بسبب الحسد، حتى فقد بصره.

وعندما فقد بصره وهبه والده لحفظ القرآن الكريم وألحقه بكتاب مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز (كتاب بشتك) بشارع بورسعيد بجوار السيدة زينب حتى أتم حفظ القرآن الكريم وجوده على يد الشيخ عبدالفتاح هنيدى قبل سن العاشرة، وعند سن العاشرة من عمره توفى والده، فأصبح عائلاً لأسرته، فلجأ للقرآن الكريم حتى عين فى سن الخامسة عشرة قارئًا للسورة يوم الجمعة بمسجد فاضل باشا، حتى ذاع صيته.

وعن زواجه يقول حفيده الأصغر : إنه تزوج من الحاجة زينب سالم وهى من قرية الفرعونية بالمنوفية وعمره سبعة عشر عامًا، وأنجب منها ( محمد ومحمود وأحمد وحسين وبهية).

وكان ابنه محمد محمد رفعت بمثابة عين الشيخ رفعت ووهب نفسه لخدمة والده خاصة بعد وفاة عمه محرم رفعت، ورفض أى عمل آخر وفضل البقاء إلى جانب والده، أما أحمد محمد رفعت الابن الثالث فكان يعمل مراقبًا ماليًا بوزارة التعليم ثم ابنته بهية محمد رفعت من مواليد 1914 وتوفيت 1984 ثم والدى حسين محمد رفعت من مواليد 1920 وكان يعمل بوزارة الصناعة بالغزل والنسيج، أما أحفاد الشيخ فأبرزهم نبيل محمد رفعت وإبراهيم أحمد رفعت وهناء وعلاء حسين رفعت، ثم انتقل إلى حى السيدة زينب واستقر فى منزله بالبغالة، فهو قاهرى النشأة فليس لنا أصول ريفية أوصعيدية. وكان يأتى إلى منزله كبار المشايخ والفنانين أمثال محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وليلى مراد ووالدها، وكل المفكرين، حيث مثل منزله صالونًا ثقافيًا وربطته صداقة قوية بالموسيقار «عبدالوهاب» وكانت هذه السهرات تضم أعلام الموسيقى والفن والمشاهير والبسطاء، وأذكرأنَّ الموسيقار محمد عبدالوهاب كان يقول دائمًا: « أنا صديق للشيخ محمد رفعت إلى أن يقرأ أصبح خادماً تحت رجليه» فالشيخ رفعت رحمه الله لم يكن صوتاً جميلا فقط ولكنه مجموعة أشياء دينية«كوكتيل» خاصة فى فقه المعاملات فسيرته الطيبة مازلنا نحيا عليها، وكان الشيخ أبو العينين شعيشع رحمه الله يطلق على مولانا الشيخ رفعت لقب «الشيخ الباكى» لتأثره وتدبره بتلاوة القرآن.

دراسة الموسيقى

وعن دراسة الموسيقى قال حفيد الشيخ رفعت إنه تلقى دروسًا فى تفسير القرآن الكريم والقراءات السبع وتعلم فن التجويد على يد أستاذيه الشيخ محمد البغدادى والشيخ السمالوطى، ثم اتجه أيضًا صقلًا لموهبته إلى دراسة الموسيقى ليتعلم قواعدها وأصولها، وحفظ مئات الأدوار والتواشيح والقصائد الدينية وتعلم أيضًا مبادئ العزف على العود، وبعض الآلات الموسيقية الأخرى وأتم حفظ القرآن الكريم قبل أن يكمل العاشرة من عمره، وقد قال عنه علماء الموسيقي: « فى صوت الشيخ محمد رفعت اجتمع كل مميزات الحنجرة العربية من الأنغام والأوتار الصوتية الخلاقة، فضلًا عن استيعابه المذهل لمعانى القرآن الكريم وتمثيله إياها للناس، كأنما يلمسونها بالأيدى ويرونها بالأعين فقط أثبت بترتيله الساحر موسيقية القرآن الكريم.

وتقول الحاجة هناء حسين محمد رفعت حفيدة الشيخ إنَّ جدها –رحمه الله- كان مدركا أنَّ علاقته بالقرآن، أكبر من كونه مجرد قارئ، لذلك فقد تعلم فنون القراءات والتلاوة بل وقرر أيضا دراسة الموسيقى وتعلم عزف العود لتهذيب إحساسه ومشاعره، ولذلك أحب الموسيقى، حتى أنَّه قام بغناء بعض القصائد فى محطات الإذاعة الأهلية مثل « أراك عصى الدمع» و«حقك أنت المنى» وكان يستمع للموسيقى ويعزف العود دون أن يخفى ذلك، وكان من محبى الاستماع للقرآن الكريم بصوت زكريا أحمد وأم كلثوم وليلى مراد، حتى قبل أن تشهر إسلامها، وكان عبد الوهاب يجلس تحت قدميه وهو يقرأ القرآن، ولما كان يسأله عبدالعظيم عبد الحق باشا عن سر بكائه عند الاستماع للشيخ رفعت كان يقول له إنه يشعر كأنه يستمع إلى قيثارة السماء، حتى علم أحد الأزهريين أنَّ الشيخ رفعت كان يعزف العود ويستمع إلى بيتهوفن وموتسارت وفاجنرر، فتبنى حملة للهجوم على الشيخ رفعت بالكتابة فى مجلة أزهرية فقرر الشيخ أن يستمع إلى الموسيقى سرًا حتى لايحرم نفسه من شئ يحبه، وكان يصعد إلى سطح بيته بصحبة «عبدالوهاب» ليعزف على العود ويستمع إلى الموسيقى العذبة.

ارتباطه بشهر القرآن

وتضيف حفيدة الشيخ إنه عندما يحل شهر رمضان يتبادر إلى الأذهان صوت القارئ الشيخ محمد رفعت للمستمعين، فقد بدأت الإذاعة اللاسكية إرسالها فى مايو 1934 فى رمضان، وكان الشيخ رفعت حينئذ قارئ الإذاعة المعلم وموضع إعجاب الجميع، وسر ذلك أنَّ قراءة الشيخ رفعت تجيء فى قمة العبادة، حيث توقيت القراءة فى ميعاد قبيل المغرب، كما تستجاب الدعوات ساعة الإفطار، وكل ذلك ربَّى وجدان الشعب المصرى والعالم الإسلامى على إدراك علاقة الشيخ رفعت بشهر رمضان المبارك.

الإذاعة

وتقول الحاجة هناء حفيدة الشيخ : مع افتتاح الإذاعة المصرية نهاية 1934 تم التعاقد مع الشيخ محمد رفعت للقراءة لمدة سنتين قابلة للتجديد، واعتبر البعض وقتها أنَّ قراءة القرآن فى الإذاعة بدعة مضلة، حتى حسم الشيخ الأحمدى الظواهرى شيخ الأزهر وقتها الموقف، وأصدر فتوى شرعية تفيد أنَّ قراءة القرآن الكريم بالإذاعة ليست محرمة

أومكروهة، فانضم إلى الإذاعة بعد الشيخ رفعت الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى ثم أبو العينين شعيشع حتى أفردت الإذاعة بعد ذلك إذاعة خاصة للقرآن الكريم تطورت حتى شملت بجانب الترتيل كل علم يتصل بكتاب الله تعالى.

وقد كان الشيخ أبو العينين شعيشع شغوفًا بصوت جدى، ولذلك أخذ يقلد صوته فى بداية حياته حتى لم يكن أحد يستطيع التفريق بين الصوتين.

وذات مرة وفد إلى مسجد فاضل باشا وأصر على الجلوس عند دكة الشيخ وعلى مقربة منه، ولما فرغ الشيخ رفعت من القراءة أقبل الناس على تقبيل يده وقال أحدهم للشيخ هل سمعت عن ذلك الصبى أبو العينين شعيشع الذى يقلدكم، فقال الشيخ رفعت نعم سمعته وبارك الله فيه ويقول الشيخ شعيشع وقتها اندفعت من مكانى أقبل يده فربت على كتفى قائلًا : من يابنى قلت له تلميذك أبو العينيع شعيشع فدعا لى وأثنى على تلاوتى.

أقرب الأصدقاء

وتضيف حفيدة الشيخ إنَّ أقرب أصدقاء جدها كان الموسيقار محمد عبدالوهاب وكان يجمعهما لقاء أسبوعى فى منزل الشيخ رفعت وكان أيضًا يجتمعان فى المناسبات المهمة، كما كان من أقرب أصدقاء جدى السياسى فكرى أباظة ومحمد التابعى والشاعر الكبير أحمد شوقى وكامل الشناوى وزكريا أحمد، كما ارتبط به فى آخر أيامه الفنان نجيب الريحانى وكان يأتيه أثناء مرضه إلى منزله يوميًا، كما كان يصطحب جدى هو وبديع خيرى خارج المنزل ويركبان «الحنطور» الخاص بالشيخ رفعت ويتنزهون فى القاهرة، وكانت أم كلثوم أيضًا تتعلم منه الأصوات ومخارج الحروف فى بداياتها. إلا أنَّ الشيخ لم يترك مصر مطلقًا، وكان يكره الغربة ورفض رحلات خارجية قدمت له من أمراء وملوك عرب وأجانب، فقد جاءته دعوة رسمية من القائمين على إذاعة برلين بألمانيا لافتتاحها فرفض، وتكرر الأمر فى إذاعة مونت كارلو بباريس ولندن، كما رفض دعوة مهراجا هندى نهاية الثلاثينيات لإحياء ليالى رمضان هناك مقابل 100 جنيه فى الليلة الواحدة. وتضيف حفيدة الشيخ رفعت إنَّ الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى كان له موقف غريب من قيثارة السماء ومن الأزهريين بشكل عام، حيث كان عضوًا فى لجنة الاستماع بالإذاعة ورفض رفع أجر الشيخ رفعت أسوة بقراء آخرين وكان يقول إنَّ قراءة القرآن ليست إبداعًا حتى يستحق الزيادة فى الراتب.

نهاية قيثارة السماء

وعن رحيل الشيخ محمد رفعت يقول علاء حسين حفيد الشيخ أراد الله أن يصاب الشيخ قبل وفاته بثمانى سنوات بعدة أمراض متلاحقة ألزمته الفراش وعندما شفى لاحقه المرض اللعين وهو مرض (الفواق) أو(الزغطة) الذى منعه من تلاوة القرآن الكريم والكلام أيضًا، حيث تعرض لورم فى الأحبال الصوتية منع الصوت الملائكى من الوصول للناس، وقد حاول بعض أصدقائه ومحبيه أن يجمعوا له بعض الأموال لتكاليف العلاج فلم يقبل التبرعات التى جمعت له والتى بلغت فى ذلك الوقت 20 ألف جنيه وفضل بيع بيته الذى كان يسكن فيه فى حى «البغالة» بالسيدة زينب وقطعة أرض أخرى لينفق على مرضه، وعندئذ توسط الشيخ أبو العينين شعيشع لدى وزير الأوقاف آنذاك الدسوقى أباظة فقرر له معاشًا شهريًا، وقد نعى الشيخ رفعت فى عصر العاشر من مايو 1950 الأستاذ عبد الوهاب يوسف أحد رواد الإذاعة إلى شعب مصر والعالم، ولم يملك نفسه فانهار باكيًا، فأسرع الأستاذ أنور المشرى ليكمل النعى فقال: « أيها المسلمون فقدنا اليوم أعظم صوت رتل القرآن الكريم، رحم الله قيثارة السماء وأسكنه فسيح جناته، فقد أمتع أرواحنا ومازال يحلق بنا مع أجمل الكلمات من كتاب الله عزوجل، ويضيف نجل الشيخ إنهم عندما فتحوا خزائن بنك مصر التى أهديت للمشاهير فى جميع الفنون مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وغيرهما من المشاهير وهى خزن شخصية لهم، وعندما فتحوا خزينة جدى وجدوا مصحفا وروشتة طبيب فقط لاغير، فلم يترك مالًا ولاغيره، إلا أنَّه ترك لنا السيرة الحلوة والسمعة الطيبة التى مازلنا نحيا تحت لوائها. وقال الحفيد الأصغر إنَّ وزارة الثقافة تولت مشروع الحفاظ على تراث قيثارة السماء الشيخ رفعت من خلال تأشيرة وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى للمسئولين، بحيث يكون لهم حرية التصرف لكن روتين المسئولين وقتها أجهض مشروع ترميم المدفن الذى بناه له أحد محبيه بالسيدة نفيسة والذى أصبح مزارًا لعشاقه ليقوم بترميمه أحفاد الشيخ مع المهندس عبدالله عبدالحليم أحد محبى الشيخ بالجهود الذاتية، وقد سخر الله زكريا باشا لحفظ تراث الشيخ رفعت رحمه الله، وكان زكريا باشا من محافظة أسيوط وهو عضو مجلس الشيوخ المصرى الأسبق وكانت زوجنه حفيدة على باشا مبارك، وهو الذى أسس بنك مصر مع طلعت باشا حرب وبعده تكونت جمعيات من محبى الشيخ رفعت ومريديه قاموا بجمع ما يقرب من 278 أسطوانة تضم 19 سورة مدتها 21 ساعة وقدموها هدية لإثراء المكتبة الإذاعية وفاء منهم للشيخ رحمه الله.