رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

87 عاما من القوة الناعمة

بوابة الوفد الإلكترونية

في مساء الخميس 31 مايو 1934 استمع المصريون إلي صوت أحمد سالم أول مذيع للإذاعة المصرية يقول: «ألو.. ألو.. هنا الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية»، ثم كانت البداية بتلاوة قرآنية بصوت القارئ الشيخ محمد رفعت ليكون بذلك أول من تلا القرآن الكريم عبر ميكروفون الإذاعة المصرية، ثم يعود صوت المذيع الشاب أحمد سالم ليعلن عن أول فاصل غنائي بصوت أم كلثوم «هنا القاهرة.. سيداتي وسادتي أولي سهرات الإذاعة المصرية في أول يوم من عمرها تحييها الآنسة أم كلثوم»، وتخللت ساعات الإرسال التي امتدت من السادسة مساءً، وحتي الحادية عشرة فواصل موسيقية وزجلية وقصيدة شعر ومونولوج فكاهي ثم كان الختام بفاصل موسيقي لمحمد عبدالوهاب مع التخت الخاص به.

ومنذ اليوم الأول حرصت الإذاعة المصرية علي استقطاب نجوم ذوي شهرة ومكانة رفيعة بين الجمهور حتي تنال بذلك ثقة واحترام المستمعين فكان من بين نجومها أم كلثوم وصالح عبدالحي ومحمد عبدالوهاب وزكريا أحمد والسنباطي وكتبت شهادات ميلاد نجوم كبار مثل فريد الأطرش الذي كانت بدايته مع الإذاعة كعازف عود، واحتل الفكر والأدب حيزاً لا بأس به أمام ميكرفون الإذاعة فخرجت للمستمعين أحاديث طه حسين ومحمد حسين هيكل والعقاد والآنسة مي وسهير القلماوي وفكري أباظة الذي كان من أوائل المتحدثين في الإذاعة عقب افتتاحها.

وخلال سنوات قليلة اتخذت الإذاعة مكاناً في قلب وعقل المستمع المصري وأصبحت وسيلة مهمة من وسائل التأثير في الرأي العام وهو ما أدركته إيطاليا وهي علي مشارف الحرب العالمية الثانية فسعت الإذاعة الإيطالية إلي توقيع عقد مع «أم كلثوم» لإذاعة أغان لها عبر الأثير الإيطالي لضمان اتجاه مؤشر المصريين إليها وبعدها تذيع هجوماً علي الإنجليز والحكومة المصرية وتوجه دعوتها إليهم بالثورة وتأييد إيطاليا وألمانيا.

وهو ما رفضته أم كلثوم رفضاً تاماً، وفي عام 1942 وبسبب دقة الموقف في البلاد أثناء الحرب العالمية الثانية قرر مصطفي النحاس باشا أن تنتقل تبعية الإذاعة المصرية إلي وزارة الداخلية بعد أن كانت تتبع وزارة المواصلات ووزارة الشؤون الاجتماعية.

وفي عام 1948 أعلنت الإذاعة المصرية قرار مصر بتقدم قواتها نحو الحدود الفلسطينية وسعت إلي وضع الشعب المصري في حالة تأهب فكثفت من الأخبار العسكرية ونقلت ما يجري في الجبهة إلي جانب إذاعة الأغاني الوطنية والحماسية وكلمة شيخ الجامع الأزهر الذي حث فيها الجنود علي القتال الأمر الذي زاد من حدة الاستعداد في نفوس المصريين إلي الذهاب إلي الحرب والانضمام لفرق الفدائيين.

ومنذ اللحظة الأولي أدركت حركة الضباط الأحرار جدوي وخطورة هذا الجهاز الخطير الذي يشغل مكاناً أساسياً في معظم البيوت المصرية، وبالفعل كانت أولي الكلمات التي عبر بها الضباط الأحرار عن حركتهم عبر موجات الأثير الإذاعي فخرج صوت الرئيس الراحل محمد أنور السادات في صباح 23 يوليو 1952 ليعلن بداية عهد جديد بعد أن عاشت مصر سنوات طويلة في ظلمات الرشوة والفساد. وفي عام 1956 جاء قرار جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس.

قصفت بريطانيا الإذاعة المصرية ورغم أن راديو بريطانيا قال إنه سيتم ضرب محطات الإذاعة بالقنابل إلا أن رجال الإذاعة في ذلك الوقت آثروا الموت علي ألا ينقطع صوت مصر وتحولوا إلي كتيبة فدائية حتي يستمر صوت الإذاعة المصرية واتخذت هندسة الإذاعة قراراً يقضي بإنشاء محطة طوارئ عاجلة في مدينة القاهرة، ووصل صوت مصر إلي المستمعين عبر محطات احتياطية أعدها مهندسون في القاهرة بصفة مؤقتة واستمر العمل ولم يمر 48 ساعة من القصف حتي كانت المحطات الرئيسية للإذاعة المصرية تبث علي الهواء.

وفي منتصف مايو 1967 تطورت الأوضاع في الشرق الأوسط وأدرك الجميع أن مواجهة عسكرية قادمة بين مصر وسوريا وبين إسرائيل من ناحية أخري

وانطلقت الأغاني والنداءات الوطنية عبر موجات الإذاعة المصرية إلا أن أزمة حقيقية عاشتها الإذاعة المصرية بسبب تضارب البيانات التي أذاعتها مع بيانات الإذاعات الأخري في أعقاب 5 يونيو وسرعان ما انكشف الأمر واتضح كذب البيانات وتم تحميل الإذاعة جزءاً من المسؤولية في الواقع المؤلم الذي حدث في 1967 إلا أنها لم تقف عند ذلك كثيراً وسرعان ما تماسكت وبدأت في إذاعة البيانات العسكرية عن حرب الاستنزاف ومواجهة الإعلام المعادي وخرجت إلي الجمهور المصري بالبيانات العسكرية

الصحيحة خلال حرب 1973 وكانت حلقة الوصل بين الشعب المصري وجنودنا علي الجبهة.

وفي عام 1981 كانت مصر علي موعد مع حدث خطير حيث اغتيل الرئيس السادات وجاء خطاب الرئيس محمد حسني مبارك عبر الإذاعة والذي نعي خلاله الرئيس السادات وطمأن فيه المواطنين أن البلاد تحت السيطرة ولا داعي للخوف أو الهلع، وكانت رسالة مهمة للمصريين في ذلك الوقت وكان يجب لنجاحها هي أن تصل لكل مواطن علي أرض مصر وهو ما تم عبر ميكروفون الإذاعة المصرية

البداية «ليكن في علم الجمهور أنه لن يسمح ابتداءً من 29 مايو 1934 ببقاء التراكيب الكهربائية اللاسلكية التي بالرغم من مخالفتها أحكام الأمر العالي الصادر في 10 مايو 1926 تركت حتي الآن تسامحاً ويجب فك التراكيب قبل ذلك التاريخ وإلا طبقت الجزاءات المنصوص عليها في ذلك القانون»

كان هذا بمثابة الإنذار الأخير الذي وجهته الحكومة المصرية إلي الإذاعات الأهلية المصرية التي عرفت طريقها إلي آذان المصريين في العشرينيات من القرن الماضي، وبالرغم من اختلاف الروايات حول قصة أول بث إذاعي فإن هذه الإذاعات انتشرت بسرعة كبيرة واستغلها أصحاب المحال التجارية في الترويج لبضائعهم

كما استغلها البعض في بث رسائل الغزل والغرام وكانت وسيلة للمنافسة بين المحال التجارية وبين المطربين في ذلك الوقت فاتسم أغلب مضمونها بالسوقية والابتذال والخروج علي الذوق العام، ولم يكن بغريب علي الأسماع في ذلك الوقت أن يخرج شخص بصوت عالٍ فينادي «ألو ألو الحق يا أخينا أنت وهو في قنبلة انفجرت في الموسكي» ثم يأتي مرة ثانية «القنبلة التي انفجرت الآن هي الأسعار المذهلة التي تبيع بها محال الضبع للعب الأطفال»

استمرت الإذاعات الأهلية علي مدار عشر سنوات وحملت أسماء مميزة مثل «راديو فاروق»، «راديو سابو»، «راديو الأميرة فوزية»، «راديو أمير الصعيد»، «راديو مصر الملكية»، إلي أن جاء القرار بتوقفها وإنشاء إذاعة مصرية حكومية بعد أن زادت حدة السخرية بين هذه الإذاعات إلي درجة غير معقولة وآلت إلي شركة «ماركوني» البريطانية، مهمة إدخال الإذاعة المركزية التي تغطي جميع أنحاء البلاد وتولت مسؤولية تشغيل محطات الإذاعة لمدة عشر سنوات وفقاً للعقد المبرم بينها وبين الحكومة المصرية

ووراء هذا المجهود الكبير في تأسيس الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية، يختفي وراء الستار، أول رئيس للإذاعة محمد سعيد باشا لطفي، شقيق فيلسوف الجيل أحمد لطفي السيد

وبدأ محمد سعيد باشا لطفي حياته فلاحاً يباشر بالرعاية والاهتمام الزراعات في أراضيه، وأراضي أسرته فاكتسب من الزراعة صفة الصبر والأناة وهما ضرورتان لبناء رجال الإذاعة، ثم عين بعد ذلك مأموراً لأحد المراكز فاكتسب الضبط، والربط، وهذا ما يفسر إحكام إدارته لهذا الصرح العظيم، تحية لأول رئيس للإذاعة المصرية في عيدها السابع و الثمانين ، وتحية لكل من احترم وقدر أثير الأجواء المصرية