رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د. هانى سرى الدين يكتب : مياه النيل لا تقبل التفريط

د. هانى سرى الدين
د. هانى سرى الدين

ليس للماء ثمن. أتذكر عبارة شائعة لأحد الخلفاء فى تاريخ المسلمين، باستعداده أن يُقدم نصف ملكه مقابل شربة ماء.

بالطبع فكل نقطة ماء تصنع حضارات وحضارات. ورغم اعتقادى بأن المؤرخ القديم هيردوت كان يُبالغ وهو يقول إن مصر هبة النيل، فإننى أرى أننا مدينون للنيل بمجد عظيم، وتاريخ طيب، وقيم خالدة انزرعت فى وجدان المصريين منذ آلاف السنين.

كان النيل أحد أقلام رسم الحضارة المصرية القديمة، حتى أننا نجد من ضمن عبارات الحكيم المصرى القديم التى تدعوه للفخر قوله «لم ألوث النهر» إلى جانب عبارات « لم أقتل. لم أزنِ. لم أؤذِ أحدًا» منه انطلق العمران وتولدت فى أنفس المصريين طيبة وفطنة وتسامح جميل تناسبت جميعا مع حضارات إنسانية متعاقبة.

إننا بلاشك نُقدر النيل، ونعى كيف كان هناك فى تصور القدامى إله للنماء يسمونه «حابى» يشبهون جسده بفيضان النيل. ويدفعنا هذا التقدير وذلك الوعى إلى النظر باهتمام وعناية وتركيز لكل ما يمثل عدوانا على النيل، وكل ما يعتبر تدخلا له أى آثار سلبية تحد من مقدار خيره الربانى القادم إلينا.

لذا، فإن كل حجر يوضع فى مجرى المياه المتدفقة من الجنوب للشمال، يلفت اهتمامنا حكومة، ومؤسسات، وهيئات، وأجهزة، وشعبا، وأحزابا، ومجتمعا مدنيا. وكل حديث عن مشروع جديد على النيل يثير التساؤلات ويحفز على البحث والاطلاع، وينبه لضرورة التحاور والمناقشة للتعرف على مستقبل المياه العذبة فى بلادنا.

لقد صارت قضية الشح المائى من القضايا الاستراتيجية التى تعنى بها كثير من الدراسات المستقبلية، خاصة فى ظل ظروف تغير المناخ، وليس ثمة شك أنها تدخل فى عمق قضية التنمية، إذ يؤثر الشح المائى المتوقع على القدرة على جذب الاستثمارات، ويؤدى وفق دراسات حديثة إلى خفض التصنيف الائتمانى لبعض الدول. وليس سرا أن هناك دولا عديدة بالشرق الأوسط تعانى من الشح المائى المستقبلى، من بينها مصر.

من هنا، فإن قضية سد النهضة، وما يحيط بها من حديث ومعلومات، يجب أن تلقى كل اهتمام سياسى وثقافى وإعلامى.

وإذا كان لنا أن نُقر بوضوح أن هناك أضرارا واضحة ومباشرة ومرجحة للمشروع على حصة مصر، فإن ذلك يعنى ضرورة التهيؤ والاستعداد التام لمنع هذا الضرر تماما.

إن علينا أن نُحدد عدة مسارات واضحة للتعامل مع قضية سد النهضة، تأخذ فى

اعتبارها جميع الإمكانات والوسائل الممكنة.

وإذا كنا لا نشُك للحظة فى جدية واقتناع الدولة المصرية فى التعامل باحترافية وإتقان وصلابة مع هذه القضية، فإن علينا أن نحتشد بما لدينا من إمكانات وقدرات تحملها كوادر مصرية وعلمية مؤهلة لدعم حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل.

إننا نثق تماما أن القيادة السياسية على وعى تام بما يُحاك من تصورات تؤثر على مصر اقتصاديا وسياسيا، ونثق فى قدرة هذه القيادة على الحفاظ على حقوق الشعب المصرى، وحقوق الأجيال القادمة، ونرى أن هناك حاجة ماسة لاستغلال كافة القدرات والإمكانيات، وإلى تحاور بناء وعملى وتعاون وثيق مع كافة الأطراف.

وحسبنا أن نكرر مقولة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الأمم المتحدة فى العام الماضى فى هذا الشأن بأننا «نعترف بحق اثيوبيا فى التنمية، لكن مياه النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة وبقاء».

من هنا بدا التعامل المصرى مع هذه القضية باحترافية ووعى عبر المسار الدبلوماسى وبوساطة دولية للوصول إلى تسوية تحفظ لمصر حقوقها، دخلنا مفاوضات سياسية جادة، اتفقنا حينا واختلفنا أحيانا، لكن كل هذا لا يعنى نهاية المطاف، فمصر كبيرة وقوية ولديها دوما حلول عديدة قد لا يتصورها أحد.

لقد كانت مصر دوما بلدا راعيا للسلام وداعيا للاستقرار ومحبا للأمن والوئام، بل ووسيطا فى تسويات دولية أزلية، لكن كل ذلك لا ينُم عن ضعف ولا ينبت من تراخٍ، وإنما بإحساس كامل بالمسئولية، فإذا لاحت لحظة المواجهة الحتمية أثبتت حضورها وبذلك كل متاح وممكن للحفاظ على أبنائها وحقوقهم.

وسلامٌ على الأمة المصرية.