رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عالم ما بعد كورونا

انتشار الفيروس اختبار صعب لإرادة الدول والشعوب

النجاح المبكر لأى دولة يجعلها قادرة على العبور نحو مستقبل أفضل

 

قضية مواجهة «كورونا» لم تعد مسألة عادية بل هى تحدٍ جدى كبير، فمواجهة انتشار كورونا اختبار صعب لإرادة الدول والشعوب، فالنجاح المبكر لأى دولة فى مواجهة انتشار هذا الوباء يعنى قدرتها على العبور نحو مستقبل أفضل وتعافى اقتصادها أسرع، واعتبارها أنموذجاً متميزاً فى إدارة الأزمات والقدرة على مواجهتها.

فى حين أن تفشى الوباء فى أى دولة من الدول وعدم تمكنها من التخلص السريع من آثاره المدمرة صحياً واقتصادياً سيعوق بالطبع تقدمها سنوات، ما يجعل من مواجهة هذا الوباء والعمل على التخلص السريع منه ومن آثاره تحدياً حقيقياً يتطلب عزيمة وإصراراً كبيرين من الدول والشعوب لتخطى هذه المحنة، ولا يتأتى ذلك ولا يمكن أن يتأتى إلا بالاستجابة السريعة لتوجيهات مؤسسات الدولة فى الإجراءات الوقائية، واستخدام أقصى درجات الحسم مع المخالفين. ويؤكد كثير من المراقبين والمحللين الدوليين أن عالم الغد لن يكون هو عالم الأمس، بل إن ما تسفر عنه آثار انتشار هذا الفيروس ربما تسهم فى إعادة تشكيل كثير من التحالفات الدولية والإقليمية فى كثير من مناطق العالم، وربما تغير موازين القوى فى كثير من مناطق العالم، بل ربما موازين القوى الدولية.   

عالم ما بعد كورونا سيحتاج من كثير من المؤسسات إعادة ترتيب أولوياتها، سواء فى مجال الصحة، أم فى مجال التعليم، أم فى مجال التحول الرقمى والتكنولوجى، أم فى مجال الخطاب الثقافى والخطاب الدينى، والعناية بفقه النوازل.

      والطامة الكبرى فى الخطاب الدينى تكمن فى انسداد أفق غير المتخصصين ممن لا حظ لهم من العلم النافع، ممن جمدت عقولهم عند حفظ بعض المسائل أو الأحكام الجزئية دون أن يلموا بشىء من فقه الأولويات أو فقه النوازل، أو فقه المقاصد، ودون أن يفرقوا بين الكليات والجزئيات أو يفقهوا مراد الشارع منها، فيقفون عند ظواهر النصوص لا يتجاوزون الظاهر الحرفى لها إلى فهم مقاصدها ومراميها، فيقعون فى العنت والمشقة على أنفسهم وعلى من يحاولون حملهم على هذا الفهم الخاطئ المتحجر، ما يتطلب تصحيح المرجعيات، بالرجوع إلى أهل الاختصاص فى كل مجال دون تلقى أى معلومات فى الشأن العام سواء الدينى أم الثقافى أم الأمنى أم القانونى من غير أهل الاختصاص أو من الصفحات أو المواقع المجهولة أو المشبوهة، فضلاً عن مواقع الجماعات المتطرفة وكتائبها الإلكترونية المأجورة وأبواقها الإعلامية الخائنة العميلة بيِّنة الخيانة والعمالة، مع تطبيق القانون بحسم تجاه كل من تسول له نفسه النيل من أمن الوطن واستقراره، وتفعيل القانون بمنتهى الحسم تجاه الجرائم الإلكترونية واعتبارها من أخطر جرائم العصر.

وقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشك مدى حاجة الناس إلى دولة قوية تكون قادرة على إدارة الأزمات والعبور بمواطنيها إلى بر الأمان، فمهما كانت قدرة الفرد المالية ومهما كانت وجاهته الاجتماعية فلا منجاة له وقت الشدائد والأزمات إلا فى ظل دولة قوية وإدارة سياسية حكيمة، ولذا قالوا: رجل فقير ضعيف فى دولة قوية

غنية خير من رجل غنى قوى فى دولة فقيرة ضعيفة، لأن الأول له دولة تحمله وتحميه، والآخر لا ظهر له ولا سند لا فى الداخل ولا فى الخارج، ومن ثمة لزم العمل على ترسيخ كل معانى الولاء والانتماء الوطنى وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية.

ولكى نحول المحن إلى منح، علينا أن نعظم الدروس الإيجابية، ونتخلص من العادات والأمور السلبية، فنجعل من النظافة منهج حياة، ونتخلص من عادات أكد أكثر الفقهاء على كراهتها مثل عادة المعانقة التى ذهب الإمام مالك إلى القول بكراهتها، وهو قول كل من الإمام أبى حنيفة وصاحبه الأمام محمد، وقال الشافعية بكراهتها إلا لقادم من سفر، ومن أباحها فإباحتها عنده مقيدة بعدم ترتب ضرر عليها، أما إن ترتب عليها أى ضرر كنقل العدوى نتيجة انتشار فيروس أو وباء كطاعون أو نحوه فإنها لا تجوز قطعاً، فالقاعدة أنه لا ضرر ولا ضرار، والضرر يزال.

عالم ما بعد كورنا لا مجال فيه لغير التقدم العلمى، ولا مجال فيه لغير الدول القوية اقتصادياً، ولا مجال فيه لغير الشعوب المنتجة القادرة على تحقيق اكتفائها الذاتى وتعظيم مواردها الاقتصادية، ولا يتحقق ذلك إلا بالعلم والعمل الجاد والحرص على الإتقان، ولا سيما أن ديننا هو دين العمل والإنتاج والإتقان، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إن الله يحب إذا عمل أحدكم علماً أن يتقنه».

وقد تعلمت من المحن أن مع العسر يسرا، وبعد العسر يسراً، ولا يغلب عسر يسرين، فلا نيأس ولا نحبط، فلا يأس من الحياة ولا حياة مع اليأس، فما دامت الحياة قائمة علينا ألا نيأس من رحمة الله، وأن نتحلى بالأمل فى فضله ولطفه، وتعلمت منها أن فى ديننا من الفسحة والسعة واليسر والمرونة ما يتسق مع الفطرة الإنسانية السليمة، ويحقق المصالح المعتبرة للبلاد والعباد، وتعلمت منها أن ديننا الحنيف قد أحاط النفس البشرية بسياجات عظيمة من الحفظ والرعاية والاهتمام، وجعلها مقصداً سامياً، وأحد أهم المقاصد الكلية الضرورية التى ينبغى الحفاظ عليها.