رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدكتور محمد الخشت يكتب: قوانين الدعاء وقوانين الطبيعة والتاريخ

مثال تطبيقي على أن العودة للأصول النقية (القرآن والسنة الصحيحة) التي تسبق التراث، تجنبنا التشدد والمزايدة على الدين، وتبعد بنا عن التحديد الخطأ للعلاقة مع الله تعالى والعلاقة الخطأ مع قوانين الكتاب وقوانين الطبيعة وقوانين التاريخ.


"إن الدعاء مطلب ديني، بل هو احتياج إنساني أيضا. وأشعر أنا شخصيا أن الدعاء جزء لا يتجزأ من حياة الروح في توجهها نحو الواحد الأحد، لكنني أعلم أيضا أن الله قد جعل لكل ظاهرة قانونا ثابتا وسببا مطردا لا يتخلف. ومن الحمق دعاء الله بما يخالف قوانينه في الكتاب والطبيعة والتاريخ.


وبينما يعكف أهل العلم في معاملهم وعلى أبحاثهم من أجل دراسة فيروس كورونا المستجد والتوصل إلى علاج، نجد طائفة تترك الأخذ بالأسباب وتتهاون في الالتزام بالإجراءات الصحية، وتزايد على الدين، وتكتفي بالدعاء دون التزام بعدم إلقاء النفس إلى التهلكة.  ولهم في هذا مرجعية من بعض أهل الفقه والكهنوت، ويتناسى الجميع القانون الإلهي في الدعاء، وهذا القانون نجده في الكتاب كما نجده في الواقع وفي التاريخ. ومن المستقر أن قوانين الدعاء في الكتاب تحترم قوانين الطبيعة، ومن هنا فلا يجوز الدعاء بما يخالف قوانين الطبيعة، كما أنه من المستقر أن الدعاء لابد له من عمل متقن يرفعه فيتحقق.


أما قانون الكتاب فهو: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر: من آية 10). فالدعاء يحتاج قوة دفع وبدونها لن يصل إلى الله تعالى ويتحقق، وتتمثل قوة الدفع في العمل؛ فإذا أخذت بالأسباب تحقق الدعاء، وإذا لم تأخذ بالأسباب فالفشل هو المصير المحتوم مهما ارتفع صوتك. وإذا أخذت بأسباب خاطئة فسوف تفشل أيضا. لكنهم على الدرب سائرون في الاتجاهين، إنهم يسيرون بمنهج خاطئ ويفشلون دائما، ومع ذلك يرجعون للسير على المنهج نفسه. وهم يكتفون بالدعاء دون عمل طوال قرون، ومع أن الله لم يستجب لهم لأنهم لم يتبعوا قوانينه، فإنهم لا يزالون يدعون على خصومهم بالهلاك، والنصر عليهم، والنتيجة أنهم لا يزالون منهزمين؛ لأنهم لم يستجيبوا لقوانين الله في الطبيعة وفي الكتاب وفي التاريخ.


إن لله قوانين في الكتاب وفي الطبيعة وفي التاريخ، وهي قوانين ثابتة مطردة لا استثناء فيها مهما علا قدرك. وحتى لا يتسع خيال البعض تجاه عقيدتي الخاصة، فليس هذا كلامي، بل كلام محمد عليه الصلاة والسلام، فقد كان يؤكد أن ظواهر الطبيعة آيات لها قوانين وسنن ثابتة لا تنخرق لأحد من عباده، جاء في الحديث الصحيح سندا ومتنا الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، واللفظ لمسلم (كتاب الكسوف حديث رقم 901)، عن عائشة قال الرسول عليه الصلاة والسلام:” إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا حياته". والرسول كان يأخذ بالأسباب ويحترم قوانين الطبيعة والجسد ويتعامل مع الأمراض بطريقة تقوم على الأخذ بطرق التداوي، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود في سننه -واللفظ له- وأحمد، وابن ماجه، والترمذي، والنسائي في الكبرى، وابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم والذهبي، عن أسامة بن شريك، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت، ثم قعدت، فجاء الأعراب من هاهنا وهاهنا، فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتداوى؟ فقال: " تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد، الهرم".  وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وعند أحمد بن حنبل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله عز وجل داء، إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله". وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم والذهبي. هذا حديث صحيح واضح في معناه، لكن يخرج علينا الملا علي قاري في كتابه (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)، بتفسير غريب له، أعرضه عليكم، يقول الملا علي القاري: "والمعنى: تداووا ولا تعتمدوا في الشفاء على التداوي"! وللأسف نجد من يخرج علينا طالبا التمسك بالتراث كله ككتلة واحدة، في مزايدة غريبة، متناسيا أن التراث به الصواب وبه الخطأ.


للأسف هذا التفسير الغريب لا يزال مسيطرا على قطاعات من البشر في عصرنا! ولا يزال يحكم عقليتهم في التفكير، ولذا تجاهلوا قوانين المرض والعدوى، وأصروا على التجمعات، مرة مزايدة على صلاة الجمعة على الرغم من تحقق العدوى وفق التقارير العالمية، ومرة بعمل مظاهرات دينية جماعية! وهذه نتيجة طبيعية لأن قادتهم يتمسكون بالماضي كله سواء أصاب أو أخطأ! وهناك طائفة كانت تناقش مسألة جواز صلاة الجماعة أو عدم الجواز في

حالة العدوى المحققة طبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية، وانتهوا إلى (جواز) عدم صلاة الجمعة في المسجد في حال تحقق العدوى! بينما الوضع الصحيح هو (وجوب) عدم الصلاة في المسجد لتحقق العدوى. فما الدليل الشرعي على هذا؟
لن أجتهد ولن أستنبط، بل فقط أقول العودة للأصول النقية للدين دون وسيط (القرآن الكريم والسنة الصحيحة). فماذا يقول القرآن وماذا تقول السنة؟ يقول تعالى :(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة :195). ونفهم الإحسان هنا بمعنى إتقان العمل وتجويده، فهل نلتقي ونجتمع ونسير في مسيرات جماعية ونعرض أنفسنا للعدوى، أليس في هذا إلقاء لأنفسنا إلى التهلكة؟ أليس في صلاة الجماعة والجمعة مع تحقق العدوى نتيجة التقاء الجموع، مخالفة صريحة لأمر إلهي صريح؟ لكن المزايدين عندنا يحرفون الكلم عن مواضعه ويتسببون في هلاك الناس مخالفين للأمر الإلهي الصريح، وغافلين عن مقاصد الدين العليا وضرورة من ضرورياته الخمس للحفاظ على الحياة.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (668)، ومسلم (699) واللفظ له، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: " إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ “. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ. فَقَالَ: " أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟! قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ، فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ". عزيزي القارئ، على الرغم من أنك ربما لا تعرف معنى كلمة (عَزمة) ولا معنى (الدحض)، فإنك تجد نفسك تفهم بكل وضوح المعنى العام، وهو أن الرسول ومن بعده ابن عباس كانوا يصلون الجمعة في البيت عند وجود مطر حتى لا يمشي الناس في الطين والدحض. وبعد أن أدركت القارئ الكريم المعنى العام يمكن توضيح أن معنى (عزمة) أي موضع العزيمة والإرادة المؤكدة وعدم التردد وإمضاء الرأي، أي هي موضع النية المصحوبة بالإصرار على التنفيذ، أو بعبارة أسهل هي أمر واجب تنعقد الإرادة لقصده وفعله. أما معنى الدحض فهو (الزلق). وروى البخاري (666)، ومسلم (697) عَنْ نَافِع، قَالَ: " أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ (جبل بين مكة والمدينة)، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: "أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ"، فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ، أَوِ المَطِيرَةِ، فِي السَّفَرِ. ومن الواضح الجلي إذن أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان بكل بساطة لا يصلي في المسجد أثناء البرد والمطر والسفر. وروى البخاري (855)، ومسلم (564) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ). وظاهر كلامِ أحمد بن حنبل: أنه يحرمُ الصلاة في هذه الحالة في المسجد.


وتأسيسا على كل ما سبق يكون السؤال: في حالة تحقق العدوى، هل منع التجمعات وصلاة الجماعة والجمعة جائز أم أنه واجب؟ أتصور أن الإجابة واضحة".