رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: البابا على منصة القضاء

بوابة الوفد الإلكترونية

القانون المدنى يعتبر البطريركية من الأشخاص العامة

 

صدر دستور سنة 2014 ناصاً على أن النظام السياسى يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية, والفصل بين السلطات والتوازن بينها, وتلازم المسئولية مع السلطة, واحترام حقوق الإنسان وحرياته, كما نص على أن حرية الاعتقاد مطلقة, وأن حرية ممارسة الشعائر الدينية, وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون, وأن مبادئ شرائع المسيحيين المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لشئونهم الدينية.

ومفاد ما تقدم أن السلطات العامة هى القوى المعتبرة قانوناً, فى توجيه النظام الاجتماعى والاقتصادى والسياسى للمجتمع, فى ظل دولة قانونية تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات, وتتكون هذه السلطات من ثلاث سلطات وفقا للتعريف الوظيفى, والتى تنقسم وفقا له إلى سلطة تشريعية, وسلطة قضائية, وسلطة تنفيذية, وفى ظل سيادة القانون تمارس هذه السلطات وظائفها النابعة من الدستور, فالسلطة التشريعية إعمالا لنص المادة 101 من هذا الدستور هى التى تتولى سلطة التشريع, وإقرار السياسة العامة للدولة, والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية, والموازنة العامة للدولة, وتمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

ورئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية، وهو الذى يرعى مصالح الشعب، ويحافظ على استقلال الوطن ووحدة أراضيه وسلامتها، وهو الذى يكلف رئيساً لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة، وهذه الأخيرة هى الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة، وتتكون من رئيس مجلس الوزراء، ونوابه، والوزراء، ونوابهم وهى المنوط بها وضع السياسة العامة للدولة، والإشراف على تنفيذها، والمحافظة على أمن الوطن وحماية حقوق المواطنين وحماية مصالح الدولة.

وتنقسم الدولة إلى وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، منها المحافظات والمدن والقرى، ويجوز إنشاء وحدات إدارية أخرى تكون لها الشخصية الاعتبارية، ويكون لهذه الوحدات موازنات مالية مستقلة ثم السلطة القضائية التى تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويختص القضاء بالفصل فى كافة المنازعات والجرائم، كما يختص مجلس الدولة بالفصل فى المنازعات الإدارية، والفصل فى الدعاوى والطعون التأديبية، وتتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتفسير النصوص التشريعية.

وقد أناط المشرع الدستورى بالبرلمان إصدار قوانين تحدد المجالس القومية، والهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، كما تحدد اختصاصاتها ونظام عملها، وضمانات استقلالها والحماية اللازمة لأعضائها.

ووفقا لما تقدم فإن الدستور وحده هو الذى يحدد السلطات العامة فى الدولة، وفى ظل سيادة القانون تمارس هذه السلطات وظائفها النابعة من الدستور، ومن الطبيعى أنه يوجد لكل دولة عدد من المؤسسات التى تمارس السلطة، والسلطة هى مجموعة من الامتيازات التى تتمتع بها جهات الإدارة، وتستخدمها من أجل إشباع الحاجات العامة فى الدولة، وهدف فكرة السلطة هو تحقيق الصالح العام، ونظرا للدور الحيوى الذى تضطلع به الإدارة، وسمو الهدف الذى تسعى لتحقيقه فهى تتمتع بامتيازات معينة.

وهذه الامتيازات لم تأت عبثا، بل أملتها طبيعة العمل الذى تقوم به الإدارة، وتستخدمها من أجل إشباع الحاجات العامة فى الدولة، فالإدارة كشخص اعتبارى من أشخاص القانون العام فإن هذا القرار يعد امتيازا فعالا، لذلك تتمتع بامتياز النفاذ المباشر الذى ينقل هذا القرار من المرحلة النظرية إلى مرحلة التطبيق العملى.

النفاذ المباشر

والإدارة حين تصدر أى قرارات إدارية فإنها تتمتع فى هذه الحالة بامتياز النفاذ المباشر، ويقصد بهذا الامتياز بوجه عام تنفيذ القرارات وانتقال القرار من المرحلة الإدارية النظرية إلى حيز التطبيق العملى، وتتميز الإدارة بالنسبة للقرارات الصادرة منها بمزايا متعددة، أهمها أنه يفترض فى كل قرار إدارى أنه صادر بناء على سبب صحيح، وعلى من يدعى العكس الإثبات بأن القرار صدر بدون سبب، ويترتب على ذلك نتيجة مهمة، وهى أنه بمجرد صدور القرار الإدارى يكون واجب النفاذ، حتى ولو كان غير سليم، وعلى من يريد المنازعة فيه التظلم أو الطعن فيه بالإجراءات القانونية.

والأصل أن القرار ينفذ اختيارا عن طريق الأفراد، ولكن من حق الإدارة أن تلجأ للنفاذ المباشر، أو للتنفيذ عن طريق القضاء أو لاستعمال القوة الجبرية لكى تنفذ القرار.

فالنفاذ المباشر معناه أن الإدارة تملك تقرير حقوقها قبل الأفراد بمقتضى قرارات إدارية تصدرها وتنفذها بإرادتها وحدها دون حاجة لتدخل القضاء.

بل إن النفاذ المباشر معناه أيضاً حق الإدارة فى أن تنفذ أوامرها على الأفراد بالقوة الجبرية دون حاجة إلى إذن مسبق من القضاء، أى أن الإدارة تملك بما لها من امتيازات السلطة العامة تنفيذ قراراتها مباشرة فى حالة امتناع الأفراد عن ذلك طواعية، أو وجود مقاومة من المنفذ ضده، دون حاجة للجوء للقضاء لاستصدار حكم يجبر الأفراد على هذا التنفيذ.

فامتياز النفاذ المباشر هو سلوك الإدارة الطريق الإدارى بإصدار قرارات إدارية وتنفذها بإرادتها، والتخلى عن الطريق القضائى من أجل اقتضاء حقوقها من الأفراد، فالإدارة فى ظل هذا الامتياز الممنوح لها يمكنها تنفيذ أوامرها فى مواجهة الأفراد بالقوة إذا رفضوا تنفيذها اختيارا دون حاجة للالتجاء إلى القضاء، مما يؤدى إلى اقتضاء حقوقها مباشرة، وعلى من يريد مناقشتها أن يلجأ إلى القضاء، فى حين يتعين على الأفراد فى نطاق القانون الخاص استصدار حكم من القضاء يعد بمنزلة السند التنفيذى لقضاء حقوقهم، لأن التنفيذ فى المعاملات المدنية لا يتم إلا رضاء أو قضاء!

فهذا الامتياز يكفل للإدارة سرعة تنفيذ قراراتها، وقد خصها هذا الامتياز دون الأفراد تمكينا لها من أداء مهمتها، وضمانا لحسن سير المرافق العامة، فالدولة والفرد ليسوا سواء طالما أنها تتصرف على أساس السيادة والسلطة، أى أنه يعد أحد المسكنات الخطيرة التى تملكها الإدارة بما يمس حقوق الأفراد وحرياتهم، لأنه يخول الإدارة تعطيل نصوص جوهرية فى القانون، ففى حال عدم الالتجاء من قبل الإدارة مقدما للقضاء يحرم الأفراد من ضمانة كبرى ضمنتها لهم جميع الدساتير، مما يؤدى إلى المساس بالنظام الاجتماعى للأفراد.

ولا تثور مشكلة النفاذ المباشر إلا فى حالة القرارات التى تخاطب الأفراد، وتطلب منهم التزاما بعمل أو امتناعا عن عمل، ولم يقوموا بالامتثال طواعية، ذلك أن الإدارة تستند فى استعمالها لحق النفاذ المباشر لقرارها إلى قرينة الصحة المفترض توافرها فى تلك القرارات، والتى بموجبها يفترض سلامة القرار الإدارى، وصحته، ومطابقته للقانون ومن ثمّ فهو قابل للتنفيذ الفورى، وعلى من يدعى عكس قرينة الصحة أن يثبت خروج القرار عن إطار المشروعية!

وهذا الامتياز لا يؤخذ على إطلاقه، فهو لا يجيز للإدارة أن تتعدى على حقوق الأفراد التى يحميها القانون ولا يجيز لها اكتساب حقوق قبل الأفراد بإرادتها وحدها، مخالفة بذلك حكم القانون، لأن الإدارة سلطة عامة خاضعة للقانون، فإذا كان القرار الذى تصدره مخالفا للقانون جاز للفرد صاحب الشأن أن يطعن فيه أمام القضاء، وأن يطلب برد الحقوق التى تكون الإدارة قد استولت عليها بدون وجه حق.

وخلاصة ذلك أن حق النفاذ المباشر المقرر للإدارة لا يكسبها حقا لها، ولكنه يضعها فى مركز أفضل إزاء الأفراد، فالفرد لا يمكنه الحصول على حقوقه قبل الغير إلا بعد رفع دعوى أمام القضاء والبت فيها بحكم قضائى يتولى تنفيذه بعد ذلك، أما الإدارة فلها أن تحصل على حقوقها قبل الأفراد دون حاجة للالتجاء إلى القضاء، وللأفراد أن يرفعوا الأمر إلى القضاء إذا رأوا أن الإدارة اعتدت على حق مقرر لهم، ذلك أن الإدارة فى منازعاتها مع الأفراد تكون فى مركز المُدعى عليه!!

وبذلك يمكننى القول أن امتياز التنفيذ المباشر يعد أداة لتحقيق التناسق والتطابق بين النظام القانونى والآثار القانونية للقرارات الإدارية من ناحية، وبين الحقيقة المادية الواقعية من ناحية أخرى، خصوصا لأنها تتوخى تحقيق المصلحة العامة من وراء التمسك بهذا الامتياز.

العقود الإدارية

وإذا كانت الإدارة تمارس وظيفتها الإدارية من خلال القرار الإدارى، فإن هناك وسيلة أخرى تؤدى بها أعباء وظيفتها، هذه الوسيلة هى العقد الإدارى، فالعقد إذا كان أحد طرفيه شخصا معنويا عاما، وكان متصلا بمرفق عام، وتضمن شروطا غير مألوفة فى نطاق القانون الخاص، فإنه يعتبر عقدا إداريا وقد منح المشرع الإدارة عدة امتيازات فى مجال العقود الإدارية، وتستفيد الإدارة من هذه الامتيازات سواء نص العقد على ذلك أو لم ينصل، ويمكن تقسيم هذه الامتيازات إلى عدة تقسيمات لكن علينا أن نشير ابتداء إلى أن العقود الإدارية تختلف عن العقود المدنية فى أنها تستهدف مصلحة عامة لسير العمل فى مرفق عام، وأن كفتى المتعاقدين فيها غير متكافئتين، إذ يجب أن يراعى فيها دائما تغليب الصالح العام، على مصلحة الأفراد.

وهذا الهدف يجب أن يسود شروط العقد، وعلاقة المتعاقدين فى تطبيقه وتفسيره، وإنهائه، لذلك يكون لجهة الإدارة دائما الحق فى تنفيذ العقد، وتغيير شروطه سواء بالحذف أو الإضافة، وفى إنهائه فى أى وقت طالما أن الصالح العام يقضى ذلك.

وعلاقة المتعاقدين فى العقود الإدارية لا تستند إلى شروط العقد فحسب، وإنما أيضاً إلى القواعد القانونية والتنظيمية المتعلقة بالمرفق العام، وهذا بخلاف العقود المدنية التى تحكمها قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين) وعدم انفراد أحد الطرفين بتعديل شروطها أو إنهائها، والصلة بين العقد الإدارى والمرفق العام ترتب آثارا مهمة فى مجال تنفيذ هذا العقد، الذى يعتبر وسيلة من وسائل تسيير المرافق العامة، واتصال العقد الإدارى بخدمة مرفق عام يجعله متميزا ببعض الأحكام الخاصة المغايرة لقواعد القانون المدنى، لذلك يكون للإدارة سلطات فى مواجهة المتعاقد معها غير معروفة فى القانون الخاص أهمها سلطة الرقابة.

سلطة الرقابة

وتعتبر الرقابة من أهم الآثار التى تترتب على اتصال العقد بنشاط مرفق عام، وهى عبارة عن نشاط إنسانى يتجه شطر عملية تنفيذ العقد مركزا على توقيع حدوث الأخطاء، ومحاولة إيجاد المخرج لتجنبها، والتغلب عليها عن طريق قياس النتائج المحققة، ومقارنتها بالمعايير الموضوعة، فرقابة الإدارة لعملية تنفيذ العقد تعمل على مسار التنفيذ عن طريق معالجة القصور والانحرافات، وتبصير القائمين على التنفيذ بمواطن الزلل ونواحى القصور أو الإهمال حتى يمكن علاجها.

ولا تستمد الإدارة سلطتها فى الرقابة من النصوص المنخرطة فى العقد، وإنما من فكرة المرفق العام الذى أبرم العقد من أجله.

كما تتمتع الإدارة بالنسبة إلى العقود التى تبرمها مع الأفراد بسلطة توقيع الجزاءات على المتعاقد المقصر، فالمرافق العامة أنشئت لكى تسدى خدمات أساسية للجمهور لا غنى له عنها، لذلك كان لزاما باسم المصلحة العامة، أن تؤدى هذه المرافق خدماتها على نحو يمكن الجمهور من الاستفادة منها،

وهذا لا يتحقق إلا بضمان سيرها بانتظام واطراد، فأى تعطيل فى سير تلك المرافق ينجم عنه أضرار بالغة الأهمية بأعمال الجمهور، ومصالحه الأساسية من ناحية، واضطراب فى النظام العام من ناحية أخرى.

لذلك إذا امتنع المتعاقد عن التنفيذ أو تأخر أو أهمل فى أدائه أو أحل غيره بدلا منه دون إذن من الإدارة فإنه يكون مقصرا فى تنفيذ التزاماته، وتوقع عليه جزاءات من قبل الإدارة المتعاقدة بغية الاستمرار فى تنفيذ الالتزام المتعلق بالمرفق العام وإزالة دواعى الإخلال أو التقصير.

والجزاءات التى يتعرض لها المتعاقد الذى أخل بالتزاماته كثيرة ومتنوعة أهمها الجزاءات المالية، فيجوز للإدارة مطالبة المتعاقد معها بتعويض الضرر الذى أصابها من جراء تأخيره فى تنفيذ التزاماته، وإن كان ظاهره جبر الضرر إلا أنه يحوى فى طياته إرغاما للمتعاقد على تنفيذ التزاماته حتى يستطيع المرفق العام أن يستمر فى أداء خدماته الجوهرية.

ولا تخل مطالبة المتعاقد بالتعويض بحق الجهة الإدارية فى توقيع غرامة إذا تأخر المتعاقد فى تنفيذ ما التزم به، ودون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ إجراءات إدارية أو قضائية.

وتملك الإدارة أيضاً وسائل الضغط والإكراه، ففى حالة عدم وفاء المتعاقد معها بالتزاماته، فإنها لا تقف منه موقف المتفرج، إنما تملك وسائل أخرى يمكن أن تلجأ إليها من شأنها ضمان دوران سير المرفق العام.

ومن بين تلك الوسائل أن تحل الإدارة نفسها محل المتعاقد معها فى تنفيذ ما التزم به، أو أن تسند التنفيذ إلى شخص آخر على أن يكون الحلول على حساب المتعاقد الذى قصر فى تنفيذ التزاماته أو على مسئوليته المالية وتملك أيضا الإدارة حق تعديل عقودها إذا استحدثت ظروف لم تكن متوقعة وقت إبرام العقد، وسلطة الإدارة فى هذا التعديل ليست مجرد مظهر للسلطة الإدارية التى تتحلى بها، وإنما مناطها احتياجات المرفق العام.

وتملك أيضاً الإدارة حق فسخ العقد فى حالة خطأ المتعاقد الجسيم، أو إذا كان الفسخ يحقق صالحا عاما، فإذا استعمل المتعاقد مع الإدارة الغش أو تلاعب فى تعامله معها أو إذا شرع بنفسه أو بغيره بطريق مباشر أو دون ذلك فى رشوة أحد موظفى الجهات الخاضعة لأحكام قانون المناقصات والمزايدات، أو إذا أفلس المتعاقد مع الإدارة أو أعسر فإن من حق جهة الإدارة فسخ العقد ومصادرة التأمين النهائى.

كما تملك أيضاً جهة الإدارة سلطة شطب اسم المتعاقد معها من سجل المتعهدين أو المقاولين فى حالة استعماله الغش معها أو تلاعب فى تعاملاته معها، أو إذا شرع بنفسه أو بغيره بطريق مباشر أو بدون فى رشوة أحد موظفيها.

كما تمتك الإدارة أيضاً إذا توفى المتعاقد أن تفسح العقد إذا لم يكن لها ثمة حقوق قبله، كما تمتلك الإذن لورثته من بعده فى الاستمرار فى التنفيذ.

فإذا كانت جهات الإدارة تتمتع بامتيازات عديدة، ومنها امتياز النفاذ المباشر، وامتياز سلامة القرار الذى تصدره، هذا الامتياز الأخير يعنى مشروعية القرار، وأن صحته أو مفترض إلى يثبت العكس، وبالتالى فإن الأفراد المخاطبين بهذه القرارات ملزمون باحترام ما تتضمنه من أوامر ونواهٍ.

هذه القرينة هى التى تميز الإدارة فى تعاملها مع الأفراد، فعلى حين أن الفرد العادى يتعين عليه بداية إثبات الحق الذى يدعيه، فإن دعوى الإلغاء توجه إلى قرار يتمتع بقرينة السلامة، وبالتالى يقف الفرد هنا فى موقف المدعى، وتقف الإدارة فى موقف المدعى عليه، فالأول هو الملزم بإثبات ما يدعيه، أو إثبات عكس القرينة القاضية بصحة القرار، فإذا نجح فى ذلك فإن هذه القرينة لا تزول بصفة آلية، بل ينتقل عبء الإثبات على عاتق الإدارة فإن عجزت عن إثبات صحة قرارها كان قرارها غير صحيح وزالت عنه قرينة السلامة!!

وقد يتساءل البعض: هل تعتبر الكنيسة القبطية شخصاً من أشخاص القانون العام، تتولى مرفق عام من مرافق الدولة، مستعينة فى ذلك بقسط من اختصاصات السلطة العامة، وهل الأبراشيات التابعة لها تعتبر هيئات إدارية؟!

أقول بكل صدق: إنه ولئن كان القانون المدنى اعتبر بطريركية الأقباط الأرثوذكس شخصاً من أشخاص القانون العام، إلا أن الدساتير المصرية، ومنذ دخول المسيحية مصر لم تمنح البطريركية أى قسط من اختصاصات السلطة العامة، ولم تعتبرها وحدة من وحدات الجهاز الإدارى للدولة، ولا هيئة من الهيئات المستقلة، ولا مؤسسة من مؤسسات الدولة، فلم تجعل لها موازنة خاصة، ولم تنفق عليها، ولم تضف أى حماية قانونية على أموالها بل أنها تتقاضى منها ثمن ما تستهلكه من مياه وكهرباء!

والعقود التى تبرمها البطريركية تحكمها قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، ولم يمنحها المشرع أى وسيلة من وسائل تسيير المرافق العامة فى مجال تنفيذ العقود التى تبرمها، فلا تمتلك أى سلطان فى مواجهة المتعاقد معها، فلا تملك سلطة توقيع جزاء إذا قصر فى تنفيذ التزاماته، كما لا تملك توقيع غرامة عليه، ولا أن تحل غيره بدلا منه إذا امتنع أو تأخر أو أهمل فى أدائه لالتزاماته، كما لا تمتلك فسخ العقد الذى أبرمته، وكل ما لها هو اللجوء إلى القضاء لتستظل بحمايته!!

وهكذا يبين أن الكنيسة لا تعتبر مرفقا عاما لتخلف شروط المرفق العام فى شأنها، فهى ليست مشروعا ولا نشاطا أنشأته الدولة أو أحد أشخاص القانون العام، بل هى مكان يقوم فيه الفرد بأداء شعائره الدينية كما أن الغرض من إنشاء الكنيسة هو تحقيق منفعة روحية خاصة بأبناء الطائفة فضلا عن عدم خضوع الكنيسة لإشراف الدولة ماليا أو إداريا، كما أنها لا تملك امتيازات السلطة العامة كما أنها ليست هيئة دينية مثل هيئات الدولة، إنما هى مؤسسة دينية وليست من المصالح العامة التى تعد جزءا من الجهاز الإدارى للدولة!

وعلاقة الكاهن بالبطريرك ليست علاقة عمل استنادا إلى أن اختيار هذا الأخير وهو رئيسه الدينى لا يعدو أن يكون إجراء تنظيميا للتحقق من أهلية الكاهن لأداء رسالته الروحية، ولا يرتب له أكثر من مجرد التوجيه الدينى، وتبعيته له تبعية روحية، وما يتقاضاه رجل الكهنوت لا يعد من قبيل الأجر، وإنما هو هبات رخص له فى قبضها، ولا يستطيع أن يحصل عليها جبرا، ومن ثمّ فلا يخضعون لقانون الخدمة المدنية ولا لرقابة محكمة القضاء الإدارى.

كما أن العلاقة بين العاملين بدور العبادة من غير رجال الدين هى علاقة عمل تخضع لأحكام قانون العمل الذى ينظم العلاقة بين رب العمل وعماله، ومن ثمّ لا يخضعون لا لقانون الخدمة المدنية ولا لرقابة القضاء الإدارى.

ومن حيث أن البابا والأساقفة ورجال الكهنوت هم من رجال الدين، ويتمتعون بالصيغة الدينية عندما يمارسون الشعائر الدينية، ويخضعون فى هذه الحالة لأصول الشريعة المسيحية التى بينها الإنجيل تفصيلا، وبالتالى فإن القرارات الصادرة منهم هى قرارات دينية، غير خاضعة لرقابة القضاء، إنما هى خاضعة لرقابة الله دون سواه.