رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمود على يكتب: برنامج وطنى لنشر ثقافة الديمقراطية

لا ديمقراطية دون وعى سياسى يؤمن بالمواطنة والولاء للوطن

التربية والتعليم والتنشئة السياسية أدوات تعزيز قيم المواطنة والتسامح والمشاركة

نشر قيم الديمقراطية مسئولية مشتركة يتحملها المجتمع مع الدولة

نجاح الإصلاح السياسى يحتاج إلى دولة قادرة وسلطة قوية   

الوحدة الوطنية وترسيخ مفهوم الوطن أحد أهم إنجازات ثورة 19

 

تناولنا فى الحلقات الماضية الإشكاليات والتحديات المتعلقة بإعادة بناء مصر كدولة وطنية حديثة، سواء فيما يتعلق بالمفاهيم أو المؤسسات المختلفة، وانتهينا إلى أنه من الضرورى بناء توافق عام حول مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، يقوم على تحديد طبيعة السلطة المدنية ومرجعيتها وسند شرعيتها، واحترام مؤسساتها، ونشر قيم وثقافة الدولة المدنية الديمقراطية بين المواطنين، ودعم المشاركة الشعبية فى إدارة الشأن العام، وتهيئة البيئة المناسبة لقيام تعددية حزبية فاعلة، ومؤسسات مدنية حقيقية قوية ومستقلة، وكفالة حرية الإعلام. وأشرنا إلى أنه إذا كانت ثورة 30 يونيو نجحت بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى وضع أسس بناء الدولة الحديثة من خلال دستور 2014 وتعديلاته الأخيرة، فإنها بحاجة لأن تؤسس لشرعية المشاركة الشعبية عبر المؤسسات الديمقراطية، من خلال إصلاح سياسى يرسخ مفاهيم الدولة الوطنية، ويثبت دعائم الديمقراطية، ويعزز الثقة لدى المواطنين، ويحفظ ولاءهم للدولة واحترامهم لمؤسساتها، ويستعيدهم إلى صدارة المشهد السياسى، فى إطار قيم وثقافة التسامح وقبول الآخر والتى تضع سياجا آمنا أمام دعاة العنف والتطرف، إصلاح سياسى يحمى الدولة المصرية واختيارات الأمة فى ظل قيم المجتمع العليا بكل تنوعاته وأطيافه وتعدداته السياسية والمجتمعية والدينية، إصلاح ينبع من خبرات الأمة وتجاربها وتراثها، إصلاح يتيح مشاركة جميع الأطراف فى بناء ثقافة سياسية جديدة تقوم بنشر مبادئ الديمقراطية من خلال التربية السياسية عبر الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى والجامعات والمدارس، وتعزز مفاهيم المشاركة الشعبية، وتكرس لدولة المواطنة والمساواة، فالإصلاح الحقيقى لا يمكن أن يؤتى ثماره ويؤسس لدولة وطنية حديثة الا فى إطار مناخ ثقافى ديمقراطى يحول المجتمع بكل مؤسساته إلى طاقة فاعلة مستقلة.

وكما يرى البعض فإن القيم السائدة مجتمعيا فى عالمنا العربى تحول دون وجود دولة ديمقراطية حديثة بسبب تنامى جذور الاستبداد والإقصاء ليس على مستوى السلطة فى المجتمعات فقط، وانما أيضاً على مستوى كافة القوى والفئات السياسية بما فى ذلك قوى المعارضة ذاتها، والأخطر هو عدم توافر الشروط اللازمة لبناء مجتمعات ديمقراطية «فالفكر والوعى العام يعانيان غيابا فادحا للثقافة الديمقراطية، والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية تخلو من القيم الديمقراطية، ثقافتنا مصابة بالمطلقية، لا نسبية فيها ولا حس واقعيا، ومجتمعنا مصاب بالانغلاق على تقاليده لا تسامح فيه ولا اعتراف بآخر مختلف».

لذلك فإن هذا الإصلاح الذى يؤسس للمشروع الديمقراطى ولمفهوم الدولة الحديثة ويعزز ضمانات نجاح الانتقال الديمقراطى، يتطلب إطارا منهجيا وفكريا قادرا على تفكيك نسق القيم السائدة سياسيا ومجتمعيا فى فضاء الدولة والمجتمع عبر بناء ثقافة حداثية ديمقراطية فى مختلف المجالات، تلعب فيها التربية والتعليم والتنشئة السياسية الديمقراطية دورا أساسيا، فلا ديمقراطية بدون وعى سياسى ونضج فكرى يكفل الإيمان بمبدأ المواطنة والولاء للوطن، فالديمقراطية ليست قيم معزولة عن الواقع تولد من العدم، وانما هى انعكاس لثقافة عامة وإدراك ووعى مجتمعى، تتعلم وتكتسب، وتنمو وتتطور أو تموت وتذبل وفقا لمدى تفهم وقناعة الأفراد بها وقدرتهم على تحويلها كممارسة إنسانية ذهنية وسلوكية.

فالديمقراطية كقيمة ثقافية واجتماعية تعلى من قيمة الفرد وإنسانيته وحريته وحقوقه أيا كان، وتلتزم بمبادئ المساواة والتسامح والتنوع بأشكاله المختلفة وسيادة القانون التداول السلمى للسلطة والعدالة فى توزيع الثروة، وتؤمن بقبول الآخر وبالحوار كوسيلة لإيجاد الحلول، لابد لها من «بيئة اجتماعية حاضنة لتلك المضامين القادرة على تنميتها وحمايتها والحفاظ عليها، وتوفر الشروط اللازمة لانطلاقها من خلال دور فاعل لوسائل التنشئة السياسية المختلفة لتصبح تلك القيم والمضامين جزءا جوهريا من الثقافة العامة والسياسية كنمط سلوكى، فالديمقراطية لا تنمو بالشعارات بقدر ما تنمو من خلال زرع قيمها ومضامينها فى العقل البشرى لممارستها فى الحياة العامة كمنهج عام».

وتربية الوعى بهذه المفاهيم الديمقراطية مهمة مشتركة تتقاسمها الدولة والمجتمع معا، بحيث تتحول إلى ثقافة مؤسساتية وشعبية فى آن واحد وقيمة عليا ثابتة ترضيها وتحترمها كافة الأطراف، ولا يجوز التنازل عنها أو التفريط فيها، والا تحولت لقيمة نسبية مما قد يودى كما يحذر البعض إلى استغلال القوى الفاشية والمتطرفة لها كآلية وحالة مؤقتة للقفز إلى السلطة ومن ثم الانقلاب عليها من ناحية، أو هيمنة النزعة الفردية وقيم السوق وتسليع كل الأشياء وترسيخ اللامساواة والفساد وتدمير النسيج الاجتماعى وبالتالى انعدام القدرة على الاهتمام بالشأن العام من ناحية اخرى.

وإذا كان لا توجد ديمقراطية من غير مواطنين ديمقراطيين، فإنه كذلك لا يمكن بناء دولة ديمقراطية حديثة ومجتمع ديمقراطى من غير حياة سياسية حية وقوية وفاعلة، «فالمجتمع الحى سياسيا تسرى فيه الروح وتسرى فيه الفكرة الحية الموقظة المنهضة والتى هى بمثابة الروح التى بها تحيا الامم فالذى يحيى الامم والشعوب هى الافكار.. والمجتمع الحى سياسيا هو مجتمع قادر على تحويل أزماته وصعوباته التى يعيشها إلى محطات نمو، فالمجتمع الحى لا تطحنه الأزمات ولا تغلبه، لأن له آليات واسعة وثقافة اجتماعية وسياسية قادر على مواجهة تلك الأزمات، وحتى لو عجزت السلطة فالمجتمع قادر على ذلك عبر مؤسسات المجتمع المدني».

 كذلك المجتمع الديمقراطى هو ضمانة فى حد ذاته لبقائه واستقراره وتطوره والقدرة على تحديد مطالبه والتعبير عنها وإلزام السلطة بها، وتصحيح مساره ذاتيا بشكل بناء وهادئ وبما يحفظ تماسكه أن تطلب الأمر ذلك، عبر آلية الانتخابات الدورية العادلة والحرة التى تؤسس لشرعية السلطة وتداولها السلمى وطريقة تولى الحكم، وتضمن شرعية الإنجاز، فى إطار تبادلى لإدارة الاختلاف بين كافة الأفكار والتوجهات السياسية والمجتمعية، فى ظل القيم العليا المتوافق عليها، وبما يكفل عدم تسرب القوى المعادية لهذه القيم للسلطة، حيث تتحول السلطة السياسية فى المجتمعات الديمقراطية إلى سلطة وظيفية تدير وتنظم شئون الحياة المختلفة، بينما تبقى السلطة الأساسية فى يد المجتمع ممثلة فى الافكار والقيم الثابتة بداخله «فليس من حق السلطة السياسية أن تقرر للناس عقائدهم ولا أن تختار لهم القيم الكبرى.. ولا يجوز لها الانحياز لطرف على طرف آخر داخل المجتمع، وهى ليست سلطة لتحزيب الوظائف السياسية على حساب الكفاءة أو على حساب العدالة والمساواة فى الفرص.. وتتطلب ثقافة الديمقراطية من الدولة أن يسود حكم القانون فيها، وأن يتمكن كل فرد من أن يأخذ حقوقه الكاملة بوصفه فردا تتساوى فرصه وحظوظه مع بقية الأفراد.. والتحول الديمقراطى هو تحول يصيب جميع ثنايا المجتمع، فهناك حاجة لتأسيس علاقات ديمقراطية داخل الأسرة وفى المدرسة والجامعات ومؤسسات العمل، والمؤسسات الأخرى، ومن دون ذلك يستحيل أن يحصل تغير اجتماعى، ويتم تبنى الديمقراطية بوصفها منهجًا سياسيا واجتماعيًا لأى دولة كانت».

ولكن من ناحية أخرى وكما يتفق الكثيرون، فإن عملية الانتقال الديمقراطى تقتضى بطبيعة الحال وجود دولة قادرة ذات فاعلية وسلطة قوية، وهذه القدرة والقوة بمعناها الشرعى هو ما يمكن الدولة من إنجاز عملية البناء الديمقراطى لكافة مؤسساتها، وإتاحة الفرصة لإقامة مجتمع منفتح وفعال وقوى، عبر حالة من التوافق والثقة المشتركة، وبما يمكن من حماية عملية الانتقال من القوى الاقصائية والأحادية والمتطرفة، ويكفل الاستقرار والسلم الاجتماعى.

 وفى الواقع فإن الديمقراطية هى مكون حضارى ثقافى نتاج تضحيات وكفاح أمم وشعوب، وإذا كانت الثقافة بهذه الرؤية هى «السمات المميزة للأمة من مادة روحية وفكرية وفنية ووجدانية، وتشمل مجموعات المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية المستقرة فيها، وطرائق التفكير والإبداع الجمالى والفنى والمعرفى والتقنى، وسبل السلوك والتصرف والتعبير، وطراز الحياة، كما تشمل تطلعات الإنسان للمثل العليا، ومحاولاته إعادة النظر فى منجزاته، والبحث الدائب عن مدلولات جديدة لحياته وقيمه ومستقبله، وإبداع ما يتفوق به على ذاته»، فإنه لا يمكن إقامة مجتمع ديمقراطى بدون ثقافة ديمقراطية تستند إلى قيم المواطنة والمشاركة والتسامح.

 وتعرف المواطنة باعتبارها «العلاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق فى تلك الدولة»، أى انها مناط الحقوق والواجبات فى إطار الولاء للوطن، التى تتيح لأعضاء الجماعة الوطنية التمتع بحقوق وواجبات متساوية من خلال المشاركة فى مؤسسات الحكم، ويتفاوت هذا المفهوم من مجتمع لآخر وفقا للسياقات التاريخية والثقافية والسياسية للمجتمعات، الا أن ذلك التفاوت لا يمنع من وجود قواسم مشتركة عامة حاكمة للمفهوم فى أى مجتمع أهمها المساواة فى الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد دون أى تمييز على أساس من الجنس أو الدين أو اللون أو العرق أو الفكر، والعدالة فى توزيع عوائد الثروة وإتاحة نفس الفرص أمام الجميع، وأن يكون الولاء والانتماء هو الرابطة التى علاقة المواطن بوطنه ومؤسساته وفقا للقانون وحده، والذى يكفل فى ذات الوقت حق الجميع فى المشاركة فى الحياة العامة وتولى المناصب العامة دون أى تمييز، ويتولد فى مقابل هذه الحقوق التى يتمتع بها المواطن، التزامات عليه بتحمل مسئولياته تجاه وطنه فى العمل على تنميته والدفاع عنه. 

بينما يشار للمشاركة السياسية بأنها «حرص الفرد على أن يكون له دور إيجابى فى الحياة السياسية من خلال المزاولة الارادية لحق التصويت أو الترشيح للهيئات المنتخبة أو مناقشة القضايا السياسية مع الآخرين أو الانضمام إلى المجتمع المدني».

وتربط الموسوعة السياسية المشاركة السياسية بمدى توافر الحرية الشخصية للمواطن فى إطار مبدا المساواة، وكفالة الحقوق الدستورية والقانونية لحق المشاركة فى اتخاذ القرار، وإتاحة الفرص أمام المواطنين لممارسة حقهم فى المشاركة السياسية دون أى ضغوط، وتعد الانتخابات أبرز مظاهر هذه المشاركة باعتبارها تعبيرا عن إرادة الأمة، طبقا لإقرار مبدأ حق المواطنين فى اختيار ممثليهم، كما

تتنوع اشكال المشاركة مثل الانضمام لعضوية الأحزاب السياسية أو النقابات المهنية أو النقابات العمالية أو الجمعيات الأهلية.

بينما يرى البعض أن المشاركة السياسية سند هام لشرعية نظام الحكم، وضمانة للانتقال السلمى للسلطة بشكل دورى، كما تمكن المحكومين من اختيار حكامهم ومراقبتهم وعزلهم عند الاقتضاء، وتعزز دورهم فى توجيه السياسات العامة للدولة والتأثير عليها، باعتبارها وسيلة كاشفة لأولويات واحتياجات المجتمع.

ولا شك أن المشاركة الفعالة للمواطنين فى صنع القرار من خلال الاشكال المختلفة للمشاركة السياسية والمجتمعية، تؤدى فى النهاية إلى تحملهم المسئولية إلى جانب الدولة ومؤسساتها فى مواجهة التحديات والقضايا التى يشتبك معها الدولة والمجتمع.

لذلك ينظر البعض إلى عملية المشاركة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من ثقافة الديمقراطية، تكفل الانصهار والاندماج بين كافة فئات الوطن وتعزز الوحدة الوطنية بينهم بغض النظر عن اية تباينات أو اختلافات بينهم سواء فى الجنس أو اللون أو الدين أو العرق، وهى اختلافات أدت إلى حروب أهلية وصراعات طائفية ومذهبية، حينما غابت قيم المواطنة وفقدت المشاركة جدواها.

ويحدد إعلان المبادئ بشأن التسامح مفهوم التسامح بأنه يعنى الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثرى للثقافات المختلفة، وأنه الوئام فى سياق الاختلاف، ويتعزز بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، وهو واجب أخلاقى وسياسى وقانونى، وممارسة ينبغى أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول، ولا يعنى التسامح القبول بالظلم الاجتماعى أو التخلى عن المعتقدات بل يعنى حرية كل فرد فى التمسك بمعتقداته، والتزامه بقبول تمسك الآخرون بمعتقداتهم وسلوكهم وقيمهم، وعدم فرض آرائه على الغير.

ويقتضى التسامح من الدولة ضمان العدل والمساواة فى المعاملة، وتكافؤ الفرص للجميع اقتصاديا واجتماعيا دون أى تمييز، وعدم تهميش الفئات المستضعفة، واستبعادها من المشاركة الاجتماعية والسياسية.

ويؤكد الإعلان على أن التسامح ضرورى بين الأفراد وعلى صعيد الأسرة والمجتمع المحلى، وان المدارس والجامعات وكافة وسائل التعليم والتربية والإعلام والاتصال، عليها أن تضطلع بدور بناء فى قيم التسامح والحوار والانفتاح وقبول الآخر، ورفض الجماعات والأيديولوجيات غير المتسامحة.

وقد طرحت العديد من الأفكار والاجتهادات حول سبل بناء الشخصية الديمقراطية فى مجتمعات الانتقال الديمقراطى، منها دراسة الدكتور محمود صالح الكروى «النظام السياسى.. بين جدلية الثقافة الديمقراطية وبناء الشخصية»، والتى سعت إلى وضع قواعد وضوابط واضحة ومحددة فى هذا المنحى، مؤكدة أن ثقافة الديمقراطية يجب النظر إليها من زاوية الأفراد الذين يشكلون الأكثرية، وليس بمقاييس الصفوة والنخبة من المجتمع، وأن عملية بناء الشخصية الثقافية الديمقراطية، تبدأ بأحداث تغيير فى فكر وسلوك وقيم المواطن وعلاقته التفاعلية مع الآخر، وتركيز التربية على مبدأ المواطنة لبناء «مجتمع مثقف فى ذوقه، فى معرفته، فى إدراكه لواجباته وحقوقه والشعور بالمساواة أمام القانون والمساواة فى الحقوق والواجبات، وأن يلائم بين حق الاختلاف وواجب المصلحة العليا للمجتمع، وأن يصار لتهيئة المواطن لكى يشغل دورا متميزا ومقبولا ومكانة داخل الجماعة بما يجعله ينخرط بإيجابية فى كل ما يهم شئون بلده بالشكل الذى لا يتعارض مع الصالح العام، إلى جانب تكوينه فنيا بما يسهم فى تربية قيم الجمال لديه ومن ثم قيم النظام».

 ويقترح «الكروى» قيام النظم السياسية فى مرحلة الانتقال الديمقراطى، بتحمل مسئولية وضع برنامج وطنى، يهدف إلى بناء الشخصية الثقافية الديمقراطية، من خلال أحداث تنمية شاملة متعددة المراحل فى مختلف مرافق الحياة ابتداء من التنشئة الاجتماعية المتشبعة بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فى البيت ثم المدرسة فالجامعة ومكان العمل والشارع والحى.

معتبرا أن ذلك حجر الأساس للديمقراطية، ولتشكيل ردعا ضد الاستغلال والتعصب من خلال «التسامح الديمقراطى الذى بدونه لا ديمقراطية ولا استقرار ولا أديان ولا وطن وإنما مزيد من التشتت والشرذمة، ولا حد أدنى من التضامن تجاه المخاطر الخارجية».

 وأن يترافق ذلك مع بناء المؤسسات الحديثة كمعيار رابط وفاعل لهذه الغايات والذى يطلق عليه جوهر التماسك الاجتماعى الهادف صوب تحقيق البيئة الديمقراطية من أجل بناء الشخصية المطلوبة لقيادة والدارة النظام السياسى الديمقراطى.

ويخلص «الكروى» إلى أن الديمقراطية كنظام للحكم هو الأكثر ترجيحا ونجاحا حتى الآن فى قدرتها على إدارة أوجه الاختلاف وتعارض المصالح فى إطار الجماعات المتعددة داخل الدول، محذرا من أن العمل على بناء مؤسسات ديمقراطية فى أى دولة بشخصيات لا تؤمن بالديمقراطية فكرا وسلوكا سيؤدى إلى الفوضى والضعف، مشيرا إلى أنه لا يعقل «أن يدعى شخص ما رغبته فى بناء دار ويجلب أدوات غير أدوات البناء»، لأن الديمقراطية كما يراها لها أدواتها وأهمها وأولها ثقافة الديمقراطية لأنها شرط تخصيب التربة وشرط النماء لبناء الشخصية الديمقراطية. وهذه العملية تحتاج إلى مرحلة طويلة فى البناء والأعداد بدءا من رياض الأطفال صعودا إلى الجامعة. 

والخلاصة أننا فى حاجة إلى برنامج وطنى لنشر ثقافة الديمقراطية، لأنه وكما يرى العالم السياسى «روبرت دال» فى مقولته الشهيرة «أن الديمقراطية تتطلب من المواطنين مجموعة من القيم والتوجهات السياسية مثل الاعتدال والتسامح والفعالية والمعرفة والمشاركة، وبخاصة أن الاعتقاد بشرعية النظام والقدرة على فهمه تعد دائمًا عنصرا حاسما فى استمرارية الديمقراطية والعكس يؤدى إلى انهيارها أو تعثرها».  

والجدير بالذكر كما عرضنا من قبل، أن رفاعة الطهطاوى كان أول من تحدث فى مصر عن مفهوم الوطن والأمة المصرية، وأن التيار الوطنى فى كفاحه من أجل الاستقلال تبنى مفهوم الدولة الوطنية المصرية، وعبر عن هذا التيار الليبرالى الذى بلغ أوجه باندلاع ثورة 1919 وحمل لواءه فى الأساس حزب الوفد بقيادة سعد زغلول ومن بعده مصطفى النحاس، وكان شعار الثورة «الدين لله والوطن للجميع»، تعبيرا خالصا عن مفهوم المواطنة باعتبارها مناط الحقوق والواجبات.

واعتبرت الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط وترسيخ مفهوم الوطن والمواطنة أحد أهم إنجازات الثورة، وهو ما عبر عنه قانون الوفد حينما نص على أن مصر هى التى «يتوحد فيها المسلمون والأقباط فى الرباط المقدس للوطن»، وهو أيضاً ما عبر عنه سعد زغلول بقوله «إن للأقباط ما لنا من الحقوق، وعليهم ما علينا من واجبات على قدم المساواة، إن الثورة لم تقم تعصبا لدين ولكنها اشتعلت حبا فى الوطن».

 

المراجع

- الثقافة الديمقراطية.. ريناس بنافى 

-  الدولة ودورها فى بناء ثقافة الديمقراطية.. جهاد المحيسن

- مفهوم المواطنة فى الدولة الديمقراطية.. على خليفة الكوارى

- النظام السياسى بين جدلية الثقافة الديمقراطية وبناء الشخصية.. د. محمود صالح الكروى

- المشاركة السياسية الآليات والعوامل.. د. ماجد محيى آل غزاى

- المواطنة ودورها فى بناء ثقافة الديمقراطية.. حمزة إسماعيل

> الموسوعة السياسية