رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمود على يكتب: الدولة الوطنية...تحديات وتهديدات

• السيسي: اغياب مفاهيم المواطنة والديمقراطية والمساواة يهدد الدولة الوطنية بالتفكك 

• النظام يفقد شرعيته عندما يهدد سلامة الدولة وينحاز لفئة على حساب الشعب

• الاحتلال العثمانى رسخ دعائم الطائفية والعشائرية فى العالم العربي

• حركات الإسلام السياسى فشلت فى الحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقرار وتحقيق العدالة 

• حق الدولة مشروع فى الدفاع عن نفسها فى مواجهة أعداء الديمقراطية

 

 

فى الحلقة السابقة أشرنا إلى ضرورة البدء فى عملية الإصلاح السياسى، بعد ان قطع الرئيس السيسى مشوارا طويلا على صعيد التنمية والإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، والى ضرورة اصطفاف تيار 30 يونيو استعدادا للاستحقاقات الانتخابية القادمة، والتى ستؤسس لمرحلة جديدة من الحراك الحزبى فى إطار التعددية السياسية والحزبية طبقا للمادة الخامسة من الدستور.

وبينا ان التعديلات الدستورية حصنت الدولة المصرية من إعادة تكرار سيناريو استغلال جماعة الاخوان للوسائل الديمقراطية للقفز إلى السلطة فى ظل ضعف الأحزاب والقوى المدنية، بعد ان أصبح الجيش هو الحامى لقيم ثورة 30 يونيو والجمهورية الثالثة، وأننا ينبغى ان نتعلم من التجربة الإنسانية المؤلمة إلى مرت بها أوروبا واغلب دول العالم نتيجة للحرب الثانية، والتى اندلعت بسبب وصول الحزب النازى الألمانى للحكم بأفكاره العنصرية المتطرفة.

واهم الدروس المستفادة من هذه التجربة، هو ان الديمقراطية وآلياتها لا يكفيان وحدهما لمواجهة هذه الأفكار والتنظيمات الفاشية والمتطرفة، وانما التأسيس الحقيقى يكون بالتوافق العام على مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، وطبيعة السلطة ومرجعيتها وسند شرعيتها، واحترام مؤسساتها، ونشر قيم وثقافة الدولة المدنية الديمقراطية بين جموع المواطنين، والمشاركة الشعبية فى إدارة الشأن العام، والتعددية الحزبية الفاعلة، وإقامة مؤسسات مدنية حقيقة قوية، وكفالة حرية الاعلام.

 ولقد اكد الرئيس السيسى، خلال كلمته أمام الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، على ثلاثة مبادئ يتعين تجديد الالتزام بها، وأول هذه المبادئ أنه لا مجال لحديث عن تفعيل النظام الدولى إذا كانت وحدته الأساسية، أى الدولة الوطنية القائمة على مفاهيم المواطنة والديمقراطية والمساواة، مهددة بالتفكك، مشيرا إلى انه يتكلم من واقع خبرة مصرية فريدة، لشعب قام بجهد جبار لاستعادة دولته وإنقاذ هويته، واختار أن تكون الدولة الوطنية القادرة والعادلة بابه للإصلاح وتحقيق تطلعاته فى الحرية والتنمية والكرامة.

وحذرنا من أن تفكك الدول تحت وطأة النزاعات الأهلية والارتداد للولاءات الطائفية بديلا عن الهوية الوطنية هو المسئول عن أخطر ظواهر عالمنا المعاصر مثل، النزاعات المسلحة وتفشى الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة فى السلاح والمخدرات، مشددا على ان المنطقة العربية أكثر بقاع العالم عرضة لمخاطر تفكك الدول الوطنية وما يعقبها من خلق بيئة خصبة للإرهاب وتفاقم الصراعات الطائفية. ويعد الحفاظ على قوام الدولة وإصلاحها أولوية أساسية لسياسة مصر الخارجية فى المنطقة العربية.

وفى هذا السياق، سوف نعرض فى هذه الحلقة للإطار العام لمفاهيم الدولة وعلاقتها بالسلطة وشرعيتها، والدولة الوطنية فى منطقتنا، والاشكاليات التى تواجهها فى اعقاب هيمنة حركات الإسلام السياسى على ثورات الربيع العربى، وحق الديمقراطية فى الدفاع عن نفسها، على ان نتناول فى الحلقة القادمة ان شاء الله الوضع المصرى بصفة خاصة.

<>

طبقا لخلاصة تعريفات الدولة من فقهاء القانون الدستورى فإن الدولة هى التوصيف القانونى لشعب محدد، يعيش على اقليم معين وتعد أساس السلطة العامة، يخضع فيها الشعب لمجموعة من النظم تحدد الطابع العام لتوجهها السياسى والاقتصادى والاجتماعى، بهدف تحقيق المصالح المشتركة لأفرادها مجتمعين، وتتمتع الدولة بشخصية قانونية موحدة. 

وتتكون أركانها من الشعب والاستقلال السياسى والأرض والسلطة العامة ممثلة فى السيادة التى تعد السلطان الأعلى وتسمو فوق كل الارادات، ولا وجود للدولة الا بوضعها كمؤسسة لها حق السيادة الذى يمكنها من مد سلطاتها من خلال مؤسساتها المختلفة على كافة اقليمها، بما تمتلك وحدها منفردة من قوة عسكرية وامنية، تتيح لها القدرة على الدفاع عن نفسها ومواطنيها ضد أى عدوان خارجى، او تمرد داخلى، والا فقدت استقلالها فى مواجهة الخارج وعرضت نفسها لشبح الحرب الاهلية فى الداخل... «وبدون هذه القوة فإن احتمالية تدمير الدولة أو تقويضها من الداخل سيكون أمرًا مقضيا»... مع وجود الفارق بين السلطة وما تفرضه من نفوذ طوعى على مواطنيها وبين القوة المستخدمة من قبل الجماعات المتمردة القائمة على العنف والاكراه.

ولا توجد دولة بدون حكم متمثل فى مفهوم السلطة، فالسلطة هى أساس وجود النظام السياسى وجوهر الحكم، ولا بديل عن وجود السلطة نظرا لحاجة المجتمعات الإنسانية إلى ضمان الاستقرار والنظام والأمن، وفى الدولة الحديثة لا توجد سوى السلطة المدنية والتى تتوزع بين سلطات ثلاث هى السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وترتكن مقومات هذه الدولة وفقا لتوافق الفقهاء على عدة مبادئ هى الفصل بين السلطات والاعتراف بالحقوق الفردية ووجود دستور وسيادة القانون والرقابة القضائية.

<>

وترتبط السلطة فى الدولة الحديثة بمفهوم اخر وهو مبدأ الشرعية، والتى تستمد من إرادة مواطنيها، فى إطار عقد اجتماعى وهو الدستور الذى يشكل طبيعة العلاقة المتبادلة بين الحاكم والمحكومين فى إطار تحديد الحقوق والواجبات لكل منهما، وتعنى الشرعية كما يرى الفقهاء « توافق العمل او النهج السياسى للحكم مع المصالح والقيم الاجتماعية للمواطنين بما يؤدى إلى القبول الطوعى من قبل الشعب بقوانين وتشريعات النظام السياسى.... وفى مقابل طاعة المحكومين للأوامر الصادرة عن السلطة يقوم الحاكم بتقديم الدليل على قدرته على خدمة شعبه عامة وفى الاوقات الحرجة خاصة»، وهو ما يسمى بالشرعية العقلانية.

والى جانب الشرعية العقلانية توجد شرعية الكاريزما، والتى يمثلها فى لحظة تاريخية قيادة مؤثرة فى ظرف استثنائى تحظى بقبول شعبى تصل للحكم عبر ثورة ضد النظام القائم.

وفى هذا الإطار يظهر مفهوم الشرعية الثورية، والتى تنطلق من واقع وجود ازمة شرعية تواجه النظام القائم نتيجة لوجود شرخ فى العلاقة بين الحاكم والمحكومين، تتمثل فى اخلال الحاكم بالعقد الاجتماعى القائم بينه وبين مواطنيه، سواء فى خروجه على قيم ومبادئ هذا العقد، او محاولته فرض قيم سياسية او دينية خارج القيم المجتمعية السائدة، او تهديده لسلامة ووحدة الدولة، او عجزه عن الوفاء بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لشعبه، او انحيازه لفئة معينة على حساب صالح مكونات فئات الشعب الأخرى المختلفة. 

<>

ويرى الباحثون ان مفهوم الدولة الوطنية، لا يمكن فصله الارتباط بمفهوم الحداثة، مستندين فى ذلك إلى التجربة النازية العنصرية فى المانيا، والتجربة الفاشية المستبدة فى إيطاليا، وان هذه الدولة الوطنية الحديثة تقوم على الديمقراطية كنظام للحكم الرشيد، والتداول السلمى للسلطة، والمواطنة، ودستور يحمى الحريات وحقوق الانسان المدنية والسياسية والاجتماعية، ويكفل قيام نظام اقتصادى حر يمنح مواطنيها فرصا متساوية، وهو ما يحول دون قيام أنظمة مستبدة او متطرفة، وعلى راسها مشروع قوى الإسلام السياسى.

وان إحدي إشكاليات ازمة الدولة الوطنية، هى مشروع حركات الإسلام السياسى الذى، يناقض مفهوم الدولة الوطنية فى مبادئها الأساسية، فالشعب فى الدولة الوطنية يعنى تجمعا بشريا يعيش فى إقليم محدد ونظام سياسى واحد بغض النظر عن الدين او العرق او اللغة، بينما يقوم مفهوم الامة الإسلامية لدى حركات الإسلام السياسى على رابطة الدين فقط وهى الرابطة الوحيدة بين أبنائها، وكذلك الدولة  المحددة كإقليم معين بحدود جغرافية ثابتة فى الدولة الوطنية، يقابلها مفهوم الدولة الإسلامية التى لا تخضع لأى قواعد جغرافية وانما هى فقط دار الإسلام، بالإضافة للدستور والذى يعتبر فى الدولة الوطنية  عقدا اجتماعيا مفصلا ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين ويحدد حقوق وواجبات الطرفين وفقا لقيم مجتمعية وتوجهات سياسية واقتصادية واجتماعية محددة، بينما الشريعة لدى حركات الإسلام السياسى بمفهومها الواسع لا يحد تطبيقها حدود جغرافية لوطن معين.

<>

ولعل ابرز التهديدات التى تواجه الدولة الوطنية هى الطائفية بأشكالها المتنوعة، خاصة عندما تعبر عن مواقف وسلوكيات جماعة معينة فى سعيها للوصول للسلطة، هنا تظهر الطائفية كما يرى البعض « فى اللحظة التى تتحول فيها الهويات الثقافية او الدينية للجماعات إلى هويات سياسية وإيديولوجية، أو بشكل معاكس متى صارت الجماعة السياسية تحكم ولا تحاكم تصبح طائفة دينية وتفقد معنى الجماعة السياسية القائم على المحاكمة والفوز والهزيمة... لذلك تنتمى الطائفية إلى مجال السياسة وليس إلى مجال الدين والعقيدة ، وتشكل سوقا موازية سوداء للسياسة أكثر مما تعكس قيما أو مذاهب دينية لجماعة معينة، وهى بالأحرى استخدام الدين فى السياسة لتحقيق أهداف دنيوية لا علاقة لها بالدين، لأنه بدون تدخل السياسة تبقى الطائفية حبيسة القاع الاجتماعى وتبقى اختلافا فقهيا او دينيا  دون أن يتشابك الفضاء الخاص الاجتماعى بالفضاء العام السياسى ودون أن ينتقل المستوى ما دون الوطنى إلى المستوى الوطنى».

ويربط البعض بين الاحتلال العثمانى للدول العربية ، وبين انتشار التعصب الطائفى والمذهبى والعشائرى فيها، حيث «تبدى الصراع الطائفى تارة صراعا إسلاميا - مسيحيا، واخر إسلاميا - قبطيا، وتارة صراعا سنيا- شيعيا، واخر سنيا – زيديا، او درزيا – مارونيا»، وان هذه الصراعات اعاقت تقدم الدول العربية، وباتت عقبة امام تطورها، فالتعددية الطائفية تناقض مبدأ التعددية الديمقراطية بما تتضمنه من قبول الاخر، وترك المجال للتنافس بين الأفكار المتعارضة والأيدولوجيات المختلفة لتقديم افضل الحلول الممكنة من اجل تحقيق الصالح العام.

<>

وفى هذا السياق، وفى ظل هيمنة حركات الإسلام السياسى على ثورات الربيع العربى، وصعود بعضها للحكم، يطرح الباحثون تساؤلات منطقية حول

مفهوم الثورة فى حد ذاته وتأثيره السلبى فى هذه الحركات وغياب القوى والأحزاب المدنية عن الساحة، مشيرا إلى ان الفوضى التى دمرت ليبيا بعد سقوط نظام القذافى لا يمكن اعتبارها ثورة، والحقيقة ان الواقع الليبى يؤكد صحة هذه الفرضية بعدما تحولت ليبيا لساحة للحرب الاهلية فى ظل سيطرة الجماعات الإرهابية على الحكم، ويمتد التساؤل لليمن بعد سقوط نظام عبدالله صالح، واندلاع الحرب الاهلية بعد استيلاء الحوثيين على السلطة، وظهور تنظيم القاعدة على الأراضى اليمنية.

وكذلك الوضع فى مصر بعد تنحى الرئيس مبارك يستمر التساؤل «ماذا قدمت الحركة الإسلامية الإخوانية والسلفية فى عهد مرسى على صعيد تحرير الاقتصاد، سوى مزيد من الاحتكار الرأسمالى الداخلى والخارجى الذى فاقم الفقر وزاد عدد الفقراء؟ وماذا قدمت على صعيد الحفاظ على سيادة مصر ودورها العربى بعيدا عن المشاريع الخارجية بأشكالها الأمريكية والتركية وبصفة خاصة الإسرائيلية؟».

ويحمل الباحثون حركات الإسلام السياسى الفشل فى «قيادة عملية التغيير وقدرتها على الحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقرار وتحقيق العدالة والمساواة والمواطنة وبناء الدولة العقلانية الحديثة «متسائلين» هل منعت مثلا سيطرة الحركة الإسلامية فى الصومال فشل الدولة وتفتتها؟ ماذا فعل حسن الترابى والرئيس عمر البشير على صعيد صون الوحدة الوطنية السودانية وإعاقة تفتت السودان؟».

ويؤكد الباحثون ان تماسك الهوية الوطنية أساس لضمان استقرار الدولة وثبات توازنها، وان الحرية والديمقراطية والمساواة السبيل للاندماج الاجتماعى، وان المواطنة هى قاعدة الانتماء للجماعة الوطنية، باعتبارها علاقة بين الفرد والدولة، أى المواطن والوطن، شرط شعوره بالانتماء، وقدرة الدولة على تشكيل فضاء أرحب لهذا الانتماء.

<>

ويبقى التساؤل اذا كانت الدولة المدنية الوطنية دولة ديمقراطية، كيف يمكن لها الدفاع عن نفسها فى مواجهة أعداء الديمقراطية فى الداخل، هذا التساؤل الهام والضرورى طرحه وصول قوى غير ديمقراطية للحكم عبر وسائل الديمقراطية، كما حدث مع النازيين فى المانيا، والفاشست فى إيطاليا، والاخوان فى مصر، الإجابة كما يرى الدكتور رفعت عيد، ان هناك تصورين، الأول يتبنى موقف الديمقراطية المدافعة عن نفسها، حيث  يمكن بالفعل فى الدولة الديمقراطية ان ينشأ وضع تنتظم فيه مجموعة لا ترفض الديمقراطية وقيمها فقط، بل قد تستغل الديمقراطية لتكون وسيلة لإحراز القوة والفوز بالانتخابات ومن ثم الوصول إلى السلطة، وبمجرد اعتلاء الكرسى تعمل من خلال أغلبيتها على انتهاك قيم الديمقراطية ومبادئها، الأمر الذى سيتيح لها القضاء على النظام الديمقراطى وتشكيل نظام حكم من نوع آخر، أى انهم يستخدمون «الديمقراطية من أجل إسقاط الديمقراطية»، لذلك يؤيد بعض الفقهاء حق الدولة الحق فى استخدام وسائل غير ديمقراطية لمنع وصول هذه المجموعات إلى السلطة، ومن قبيل هذه الوسائل سن القوانين اللازمة لحظر التحريض العنصرى، وتحديد حالات حل الحزب إذا خرج عن اطار القانون، واستعمال الترسانة التشريعية للدولة لحظر مثل هذه الجماعات ومنع اجتماعاتها وتجريم انشطتها واعتقال أعضائها والحجر على أموالها. 

وانه من حق الدولة كذلك عندما يكون هناك خطر يتهدد الديمقراطية أو السلطة، أن تمس بالحقوق الأساسية وتقيد حرية الحركة وحرية التنظيم وحرية التظاهر والتعبير، وكذلك إخراج حركات حزبية أو أى إطار آخر معاد للديمقراطية عن القانون، وان ذلك ينطوى على خطر المساس بالديمقراطية او قيمها.

والتصور الثانى يرفض مبدا الديمقراطية الرافعة عن نفسها، ويحظر على الدولة المساس بحقوق الإنسان عدا الحالات التى ترتكب فيها أعمال جنائية، وعلى هذا يجوز للمنظمات المعادية للديمقراطية أن تجتمع وتتظاهر ما دامت لم ترتكب أى عمل جنائى يبرر المساس بحقوقهم.

ويرى «عيد» انه على الرغم من وجاهة هذا التصور، إلا أن تبنيه لن يبعد الدولة عن خطر انهيار الديمقراطية، ذلك أن الدولة لا تتخذ أية تدابير ضد اجتماع وتظاهر المجموعات المعادية للديمقراطية، فى حين أن هذه المجموعات تعمل لإسقاطها، وبذلك لو وجدت الدولة نفسها أمام اختيار أحد التصورين، فإن عليها أن تراعى ظروفًا أخرى قد تؤثر على مدى حصانة الديمقراطية فى الدولة، مثل ماضى المجتمع والثقافة السياسية السائدة فيه ومدى التزام المواطنين بقيم الديمقراطية ومدى وجود ظواهر وعمليات معادية للديمقراطية فى الدولة.

لذلك تميل دساتير الدول الديمقراطية إلى إقرار بعض البنود التى تتيح المساس بالحريات الأساسية فى أوقات الطوارئ والحرب لحماية أمن الدولة ووجودها، لذا فالدولة التى تتعرض لظروف غير عادية تهدد كيانها يجوز لها لمواجهتها ودفاعًا عن نفسها أن تلجأ إلى قواعد استثنائية ما كان لها أن تطبقها فى الظروف العادية، خاصة أن هدف الحريات هو شعور المواطن بأهميته وكرامته، فإذا كان التمسك بهذه الحريات من شأنه تعريض الدولة ومؤسساتها المخاطر تهددها، فلا محيد من التنازل المؤقت عن هذه الحريات، وقاية للدولة وسلامتها، وإلا ما فائدة المناداة بحريات الأفراد فى دولة ليس لها وجود أو أن وجودها مهدد بالزوال؟

<>

وفى مصر كان رفاعة الطهطاوى اول من تحدث عن مفهوم الوطن والأمة المصرية، وفى اعقاب الاحتلال البريطانى، وانطلاق الدعوة للتحرر من نير الاحتلال، انقسمت الحركة إلى تيارين تبنى الأول مفهوم الجامعة الإسلامية والارتباط بالدولة العثمانية، وعبر عن هذا الاتجاه الحزب الوطنى القديم ممثلا فى مصطفى كامل ومن بعده محمد فريد، بينما تبنى التيار الثانى مفهوم الدولة الوطنية المصرية وعبر عن هذا التيار الليبرالى الذى بلغ أوجه باندلاع ثورة 1919 وحمل لواءه فى الأساس حزب الوفد بقيادة سعد زغلول ومن بعده مصطفى النحاس، وكان شعار الثورة «الدين لله والوطن للجميع»، تعبيرا خالصا عن مفهوم المواطنة باعتبارها مناط الحقوق والواجبات.

واعتبرت الوحدة الوطنية بين المسلمين والاقباط وترسيخ مفهوم الوطن والمواطنة احد اهم إنجازات الثورة، وهو ما عبر عنه قانون الوفد حينما نص على ان مصر هى «يتوحد فيها المسلمون والاقباط فى الرباط المقدس للوطن»، وهو أيضا ما عبر عنه سعد زغلول بقوله «ان للأقباط ما لنا من الحقوق، وعليهم ما علينا من واجبات على قدم المساواة، ان الثورة لم تقم تعصبا لدين ولكنها اشتعلت حبا فى الوطن».. وللحديث بقية.

المراجع:

• مبادئ القانون الدستورى.. الدكتور السيد صبري

• موجز فى اهم الأنظمة السياسية.. الدكتور رفعت عيد

• الدولة الوطنية بعد الثورات.. حسن طارق

• ازمة الدولة الوطنية العربية.. حسام عيسى

• موسوعة السياسة.. عبدالوهاب الكيالي