رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: «التأديب» على صفيح ساخن!

بوابة الوفد الإلكترونية

إطلاق وصف «هيئة قضائية» على جهة ما لا يعنى أن أعضاءها قضاة

لابد من التفريق القانونى بين «السلطة» و«الهيئة»

مطلوب قانون يحدد اختصاصات النيابة والجهات الإدارية

أعضاء الهيئة القضائية يمارسون عملاً قضائياً لكنهم لا يحكمون

 

كان المقصود بالسلطة القضائية قبل قيام ثورة يوليو 1952 السلطة الثالثة، بعد السلطتين التشريعية والتنفيذية، وكان هذا الوصف يطلق على من يقولون القضاء فى الدولة، وهم قضاة ومستشارو المحاكم المدنية والجنائية، وأعضاء النيابة العامة، ولذلك كان القانون الذى يحكمهم يسمى قانون السلطة القضائية.

ولما صدر دستور سنة 1971 نص على أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم، وتصدر أحكاما وفق القانون، وأن القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، وأنه لا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضايا، أو فى شئون العدالة، كما نص على أن القانون هو الذى يحدد الهيئات القضائية، واختصاصاتها، وهو الذى ينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها وأن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ولما صدر القانون رقم 47 لسنة 1972 فى شأن مجلس الدولة دخل القضاء الإدارى ضمن السلطة القضائية.

أما النيابة الإدارية فقد انشئت بالقانون رقم 480 لسنة 1954، وأفصح هذا القانون، ومذكرته الايضاحية عما استهدفه المشرع من انشائها، وهو أن تسهم باعتبارها أداة رقابة واشراف فى تدعيم الأداة الحكومية، وتنظيم الاشراف على أعضائها تنظيمًا كاملاً، يكفل السرعة فى أداء الخدمات للجمهور، مع نزاهة القصد والكفاية، وأن تقوم - بالنسبة إلى الموظفين - بمثل ما تقوم به النيابة العامة لكافة المواطنين، فتنوب عن أداة الحكم مجتمعة فى تتبع الجرائم والأخطاء، وأنواع التقصير التى تستوجب العقاب، وتحقيقًا لهذه الأهداف، كفل لها القانون الاستقلال عن الوزارات والمصالح، حتى تحقق حيدة أعضائها، وبعدهم عن تأثير كبار الموظفين.

وعندما أعيد تنظيم النيابة الإدارية بالقانون رقم 117 لسنة 1958، كان الهدف من هذا التعديل، إصلاح أداة الحكم، والقضاء على ما يعيبها من أخطاء الموظفين، فوسع القانون من اختصاص النيابة الإدارية - بالتحقيق - إذ بعد إن كان مقصورًا على التحقيق فيما يحال إليها، وما تتلقاه من شكاوى ذوى الشأن، شمل أيضاً المخالفات التى يكشف عنها إجراء الرقابة، ولم تحلها إليها الجهة الإدارية، وشكاوى الأفراد والهيئات العامة، كما نظم القانون إجراءات التصرف فى التحقيق، ووزع الاختصاص فى شأنه بين النيابة الإدارية، والجهة التى يتبعها الموظف، على وجه يمنع افتئات الجهات الإدارية على اختصاص النيابة الإدارية.

ثم صدر القانون رقم 28 لسنة 1968 ناصًا على تعديل المادة الأولى من القانون 117 لسنة 1958، وجعل النيابة الإدارية هيئة مستقلة تلحق بوزير العدل، ويكون لوزير العدل سلطان الوزير بالنسبة لها، بما فى ذلك سلطة الرقابة والاشراف على أعضاء النيابة الإدارية.

وأخيرًا صدر دستور سنة 2014 ناصًا فى المادة 197 منه على أن النيابة الإدارية «هيئة قضائية مستقلة»، تتولى التحقيق فى المخالفات المالية والإدارية، وكذا التى تحال إليها، ويكون لها بالنسبة لهذه المخالفات السلطات المقررة لجهة الإدارة فى توقيع الجزاءات التأديبية، وأن يكون الطعن فى قراراتها أمام المحاكم التأديبية المختصة، كما تتولى تحريك، ومباشرة الدعاوى، والطعون التأديبية أمام محاكم مجلس الدولة، وذلك كله وفقا لما ينظمه القانون، كما يحدد القانون اختصاصاتها الأخرى، ويكون لأعضائها جميع الضمانات، والحقوق، والواجبات، المقررة لأعضاء السلطة القضائية.

وتنفيذًا لمادة 197 من الدستور، تناول المشرع فى قانون الخدمة المدنية الصادر بالقرار بقانون رقم 18 لسنة 2015 تنظيم الاختصاص الذى يعقده الدستور لهيئة النيابة الإدارية.

ونص فى المادة 60 على أن تختص النيابة الإدارية دون غيرها بالتحقيق مع شاغل الوظائف القيادية، كما تختص دون غيرها بالتحقيق فى المخالفات المالية التى يترتب عليها ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو المساس به، كما تتولى التحقيق فى المخالفات الأخرى التى تحال إليها، ويكون لها بالنبة لهذه المخالفات السلطات المقررة للسلطة المختصة، فى توقيع الجزاءات أو الحفظ، وعلى الجهة المختصة بالنسبة لسائر المخالفات أن توقف ما تجريه من تحقيق فى واقعة ما أو وقائع وما يرتبط بها، إذا كانت النيابة الإدارية قد بدأت التحقيق فيها، ويقع باطلاً كل إجراء، أو تصرف يخالف ذلك.

ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 81 لسنة 2016مرددًا المادة 60 دون اضافة أو حذف أو تعديل واستخلصت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بجلستها المعقودة بتاريخ 12/6/2016 فى الفتوى رقم 990 ملف 58/1/516 أن المشرع تنفيذًا للمادة 197 من الدستور، تناول بموجب قانون الخدمة المدنية الصادر بالقرار بقانون رقم 18 لسنة 2015 - الذى لم يقره مجلس النواب مكتفيا باعتماد نفاذه خلال الفترة من 2/3/2015 حتى 20/1/2016 - تنظيم الاختصاص الذى يعقده الدستور لهيئة النيابة الإدارية، وجاء القانون ليفرق بين حكمين:

الأول: الحكم الوارد فى الفقرة الأولى من المادة 60 الذى يقضى باختصاص هيئة النيابة الإدارية دون غيرها، بالتحقيق مع شاغل الوظائف القيادية، واختصاصها كذلك دون غيرها أيضا بالتحقيق مع الموظفين الخاضعين لأحكام هذا القانون، فى المخالفات المالية المنسوبة إلى أى منهم، والتى يترتب عليها ضياع حق من الحقوق المالية للدولة.

الثانى: الحكم الوارد فى الفقرة الثانية من ذات المادة الذى أناط بهيئة النيابة الإدارية التحقيق فى المخالفات الأخرى غير المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من تلك المادة، وهى المخالفات التى لا تختص هيئة النيابة الإدارية بالتحقيق فيها، وإنما تحال إليها من الجهة الإدارية، إذا قدرت ذلك، ويكون لهيئة النيابة الإدارية بالنسبة إلى هذه المخالفات - دون سواها - السلطات المقررة للسلطة المختصة فى الحفظ، أو فى توقيع الجزاءات.

وإزاء سكوت نص المادة «60» فى القانونين رقمى 18 لسنة 2015 والقانون رقم 81 لسنة 2016 عن تحديد السلطة المنوط بها ممارسة الاختصاص - فى التأديب - داخل هيئة النيابة الإدارية، فأن ممارسته قانونًا تكون مقصورة لرئيس الهيئة دون سواه، باعتباره السلطة العليا المقابلة للسلطة المختصة فى الجهات الإدارية.

«السلطة القضائية»

ومفاد ما تقدم أن السلطة القضائية شئ، والهيئات القضائية شئ آخر، فالسلطة القضائية يمارس أعضاؤها أعمالا بحتة، فهى تشمل كل من يحكم، أى كل من يقول كلمة القانون فى المسألة المعروضة عليه، وهم من يطلق عليهم بحسب الأغلب الأعم وصف القضاة.

أما الهيئة القضائية، فقد يمارس أعضاؤها عملاً قضائيا، أو شبه قضائى، ولكنهم لا يحكمون أى لا يقومون بالعمل القضائى البحت، والعبرة ليست بالتسمية، وإنما بحقيقة العمل الذى يمارسه أفراد الهيئة، فمن الصعب أن نقول أن وكيل النيابة الإدارية يحكم، أو أن مستشار فى هيئة النيبة الإدارية يفصل فى نزاع مطروح أمامه بحكم ملزم للجميع، صحيح أن كل من هؤلاء يمارس عملا قضائيا، أو شبه قضائى، لكنه يندرج تحت هيئة قضائية وليس سلطة قضائية.

وقد أكدت محكمة النقض بجلستها المعقودة بتاريخ 30/4/1960 فى الطلب رقم 84 لسنة 24 ق - طعون رجال القضاء - أن ضابط اعتبار الوظيفة من الوظائف القضائية، إنما يستمد من القوانين الصادرة فى هذا الشأن، وأن إطلاق وصف هيئة قضائية على هيئة ما لا يعنى أن أعضاءها قضاة، حتى ولو قاموا بوظيفة قضائية، أو بعمل قانونى، لأن العبرة هى بحقيقة العمل الذى يؤديه العضو، فهذا الوصف الذى خلصه المشرع لبعض الهيئات لم يكن إلا لاضفاء بعض الحصانات على أفرادها.

وإذ كان الدستور اعتبر هيئة النيابة الإدارية هيئة قضائية فأنه لا يمكن التسليم بأن أعضائها يعتبروا من ضمن أعضاء السلطة القضائية، حتى ولو كانوا فى نظام تعيينهم يتمتعون بنفس مزايا وكادر رجال القضاء، ودرجاتهم، وحتى ولو تشابهت الوظائف فى الأسماء «كوكيل نيابة» أو «رئيس نيابة» أو «مستشار»، إذ أن التدخل لدى أعضاء النيابة الإدارية فى شأن قضية تقوم بتحقيقها، لا يكون جريمة جنائية، كما هى الحال بالنسبة التدخل لدى قاضى أو محكمة، حيث تنص المادة 120 عقوبات على أن كل موظف توسط لدى قاضى أو محكمة لصالح أحد الخصوم، أو أضرارا به، بطريق الأمر أو الطلب، أو الرجاء أو التوصية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة تتجاوز خمسائة جنيه.

فإذا كانت النيابة الإدارية تقوم بعمل قضائى كالتحقيق، والاحالة إلى المحكمة التأديبية، وتكون ممثلة فى المحاكم التأديبية، وتقوم بالنسبة - إلى الموظفين - بمثل ما تقوم به النيابة العامة لجميع المواطنين، ونص قانونها على أن يكون أعضاء النيابة من حيث شروط تعيينهم كأعضاء النيابة العامة، وكذلك من حيث الاشراف الفنى، والندب والاعارة، وإذ أعطى الدستور هذه النيابة أعضاء كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية، فأن مثل هذه النصوص لا يجوز معها القول بأن النيابة الإدارية سلطة قضائية، ولا أن شأنها شأن النيابة العامة، ثم ترتيب الأثار الطبيعية على ذلك، والذى يتصادم مع قانون السلطة القضائية، بل وقانون النيابة الإدارية ذاته وأية ذلك الأمور الآتية:

أن صلاحيات النيابة الإدارية ليست بالاتساع المخول للنيابة العامة، وعلى سبيل المثال أن وقف الموظف عن عمله احتياطياً، إذا اختصت مصلحة التحقيق معه ذلك، لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، هو حق أصيل للسلطة المختصة فى الجهة الإدارية التى يعمل بها العامل، كما هو حق أيضا طبقا لنص المادة 62 من قانون الخدمة المدنية لرئيس هيئة النيابة الإدارية، ولا يجوز مد هذه المدة إلا بقرار من المحكمة التأديبية المختصة، فإذا كانت السلطة المختصة هى الوزير أو المحافظ أو رئيس مجلس إدارة الهيئة بحسب الأحوال، فأن هذا الحق لا يملكه سوى رئيس هيئة النيابة منفردًا، ولا يجوز لغيره من أعضاء الهيئة ممارسة هذا الحق، وامتناع أى شخص عن تنفيذ قرار النيابة العامة يعتبر جريمة، حيث أن امتناع أى شخص عن تنفيذ قرار صادر من النيابة الإدارية لا يشكل ثمة جريمة جنائية، وأمر الحبس أو الضبط قد يصدره عضو نيابة عامة بدرجة وكيل، بينما فى حالة وقف موظف يتعين أن يصدر القرار من أعلى سلطة فى النيابة الإدارية.

وعضو النيابة الإدارية وإن كان يمثل الادعاء أمام المحكمة التأديبية التى تشكل من رئيس وأعضاء من مجلس الدولة خاضعين للقانون 47 لسنة 1972 إلا أنه خاضع لأحكام قانون هيئة النيابة الإدارية، وهو ليس عضواً ضمن تشكيل المحكمة الإدارية العليا إنما هو يمثل النيابة الإدارية فى الطعون المقامة منها.

وأعضاء النيابة العامة الذين يمثلون الادعاء أمام محكمة الجنح، والجنح المستأنفة، والجنايات ينقلون للوظائف القضائية بالقضاء، لأن هناك ثمة امتزاج بين النيابة العامة والقضاء، حيث أن أعضاء النيابة الإدارية لا ينقلون للعمل بوظائف مجلس الدولة.

وقانون النيابة الإدارية تناول أسباب التنحى بالنسبة لرئيس وأعضاء

المحكمة التأديبية، ولم يشير لا من بعيد أو قريب إلى أسباب تنحى أو عدم صلاحية أعضاء النيابة الإدارية، وبالتالى فإن نظام الصلاحية والتنحى لا يسرى على أعضاء النيابة الإدارية لتغاير وظائف الأخيرة مع وظائف رجال القضاء.

ليست سلطة

وبذلك فإنه يمكننى القول إن النيابة الإدارية ليست سلطة قضائية، وأن نظام التنحى بسبب عدم الصلاحية ونظام الرد والمخاصمة، لا تسرى على أعضائها، وهى النظم المعروفة فى قوانين المرافعات المدنية والتجارية، وقانون الإجراءات الجنائية المطبق على من يجلسون مجلس الحكم.

وبالتالى فإذا ارتكب عضو هيئة النيابة الإدارية خطئاً جسيماً أضر بالغير، أو ارتكب غشاً أو غدراً أو تدليساً، فإن الطريق الوحيد للمضرور الواجب أن يسلكه هو طريق تخاصمه العضو بطريق دعوى المسئولية عن الفعل الضار طبقاً للقواعد العامة.

صحيح أن الدستور سنة 2014 منح هيئة النيابة الإدارية سلطة التحقيق فى المخالفات التأديبية التى تتضمنها البلاغات الواردة إليها من الجهات الخاضعة لولايتها، أو من أى جهة رسمية أو رقابية، أو شكاوى العاملين بالجهات أو شكاوى غيرهم، كما منحتها سلطة إصدار القرارات التأديبية بتوقيع الجزاءات التأديبية على الموظفين فى القضايا التى باشرت التحقيق فيها إعمالاً للمادة 179 من الدستور، وتملك أيضاً سلطة تحريك ومباشرة الدعاوى التأديبية أمام المحاكم التأديبية، كما تملك فحص الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية بمجلس الدولة، ويملك رئيسها سلطة الطعن على أحكام هذه المحاكم إذا رأى وجهاً لذلك، وتختص هذه النيابة بمباشرة الطعون المقامة منها أمام المحكمة الإدارية العليا، إلا أن اختصاص هيئة النيابة الإدارية فى إصدار قرارات تأديبية بتوقيع الجزاءات التأديبية على الموظفين فى القضايا التى باشرت التحقيق فيها إعمالاً للمادة 179 من الدستور مقيد بعدة قيود.

أولها: إن قانون الخدمة المدنية الذى تناول تنظيم الاختصاص الذى عقده الدستور لهيئة النيابة الإدارية لم يتطرق إلى السلطات المختصة المنوط بها ممارسة الاختصاص بتوقيع الجزاءات التأديبية على الموظفين فى القضايا التى باشرت التحقيق فيها، ومن ثم فإن ممارسة هذا الاختصاص يكون معقوداً لرئيس هيئة النيابة الإدارية دون سواه بحسبانه السلطة العليا المقابلة للسلطة المختصة فى الجهات الإدارية، دون تفويض فى هذا الاختصاص، وبالتالى فإن أياً من أعضاء هيئة النيابة الإدارية مهما كانت درجته القضائية، لا يملك إصدار أى قرار بمجازاة أى موظف، فإذا أصدره يكون هذا القرار قد صدر من غير مختص مما يوصمه بعيب الانعدام.

ثانيهما: إن رئيس هيئة النيابة الإدارية لا يملك توقيع أياً من عقوبة الإحالة إلى المعاش أو عقوبة الفصل من الخدمة، بالنسبة إلى شاغلى الوظائف القيادية، وسلطته بالنسبة لهم مقصورة على توقيع عقوبتى التنبيه أو اللوم.

ثالثهما: إن رئيس هيئة النيابة الإدارية لا يملك سلطة توقيع عقوبة الغرامة المنصوص عليها فى القانون على العامل الذى انتهت خدمته.

رابعهما: إن سلطة رئيس هيئة النيابة الإدارية فى توقيع جزاءات تأديبية على الموظفين فى القضايا التى باشرت التحقيق فيها، سلطة مقيدة بالعقوبات التى تملك توقيعها الجهة الإدارية التى يعمل فيها العامل موضوع المساءلة وكلاهما لا يملك توقيع عقوبة الإحالة إلى المعاش أو الفصل من الخدمة، وهذه العقوبات لا تملك توقيعها إلا المحكمة التأديبية المختصة.

خامسهما: إن قرارات الجزاء التى يصدرها رئيس هيئة النيابة الإدارية، مثلها مثل قرارات الجزاء التى تصدرها الجهات الإدارية، فيجب أن تكون هذه القرارات قائمة على سببها الصحيح، وأن تكون العقوبة متناسبة تماماً مع الذنب المرتكب.

سادسهما: إن قرارات الجزاء التى يصدرها رئيس هيئة النيابة الإدارية مثلها مثل قرارات الجزاء التى تصدرها الجهات الإدارية خاضعة لرقابة القضاء التأديبى، الذى يملك إلغاء هذا القرار إذا لم يكن مسبباً، أو إذا كانت النتيجة التى انتهى إليها القرار غير مستخلصة استخلاصاً سائغاً من الأوراق، أو إذا كانت مصدر القرار لا يملك حق توقيع العقوبة، أو إذا كانت العقوبة الموقعة على العامل ليست من العقوبات المنصوص عليها قانوناً، أو إذا كان استعمال سلطة تقدير الجزاء جاء مشوباً بالغلو.

وترتيباً على ذلك فإن القضاء الإدارى، هو وحده الذى يملك مراقبة سلامة الإجراءات التأديبية، ولم يتردد لحظة فى إلغاء أى قرار تأديبى، إذا استشعر أن العامل لم تتح له الفرصة المعقولة للدفاع عن وجه نظره، أو إذا كان التحقيق الذى أجرى مع العامل قد فقد الضمانات اللازمة لسلامته، كحالة العامل الذى لم يقف على حقيقة التهمة المسندة إليه، أو العامل الذى لم تتح له فرصة تقديم ما يبرئ ساحته، أو العامل الذى رفض سماع شهوده.

مطلوب قانون!

ولا جدال فى أن هيئة النيابة الإدارية هى الأمينة على الدعوى التأديبية، وهى التى تتولى إقامتها، ومباشرتها أمام المحاكم التأديبية، وهى التى تتولى الطعن فى أحكام هذه المحاكم، ومباشرة الطعون المقامة منها أمام المحكمة الإدارية العليا، وهى النائبة عن المجتمع فى تعقب المخالفات التأديبية التى تقع من الفئات الخاضعة لولايتها، بهدف حماية المال العام، وضمان حسن سير المرافق العامة، وتحقيق العدالة التأديبية، واكتشاف أوجه الخلل والقصور فى النظم والإجراءات الإدارية والمالية، وهى التى تختص بالتحقيق فى البلاغات الواردة إليها من الجهات الخاضعة لولايتها، أو من أى جهة رسمية أو رقابية، وهى المختصة بإبلاغ النيابة العامة عن الجرائم الجنائية التى تكشفت عنها التحقيقات الى أجرتها.

وإزاء القصور الشديد فى قانون هيئة النيابة الإدارية بعد أن اعتبرها دستور سنة 2014 هيئة قضائية مستقلة، وأناط بالقانون تحديد اختصاصاتها الأخرى، وكان الدستور المصرى قد عرف ما يسمى بالقوانين الأساسية، التى تخضع فى إعدادها والتصويت عليها لإجراءات تختلف عن تلك التى تخضع لها القوانين العادية.

وقد حدد الدستور المصرى نطاق تطبيق القوانين الأساسية بعدة موضوعات ذات أهمية بالغة، ومن بينها تنظيم القضاء.

وقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا فى حكمها الصادر بتاريخ 15 مايو سنة 1993 إلى أن شرطين يتعين اجتماعهما معاً لاعتبار مشروع معين مكملاً للدستور: أولها أن يكون الدستور ابتداء قد نص صراحة فى مسألة بعينها على أن يكون تنظيمها بقانون أو تتماً لقانون أو فى الحدود التى بينها القانون، أو طبقاً للأوضاع التى يقررها فإن هو فعل، دل ذلك على أن هذا التنظيم بلغ فى تقديره درجة من الأهمية والثقل لا يجوز معها أن يعهد به إلى أداة أدنى.

ثانيهما: أن يكون هذا التنظيم متصلاً بقاعدة كلية، مما جرت الوثائق الدستورية على احتواها وإدراجها تحت نصوصها، وتلك هى القواعد الدستورية بطبيعتها التى لا تخلو منها فى الأعم أية وثيقة دستورية، والتى يتعين كى يكون التنظيم التشريعى محكماً لها أن يكون محدداً لمضمونها مفصلاً لحكمها مبنياً لحدودها.

ولما كانت القوانين المكملة للدستور تأخذ مرتبة القانون العادى، ويجوز التفويض فيها، وكان الدستور قد تطلب صدور قانون بين اختصاصات النيابة الإدارية، وسلطاتها سواء فى وقف العامل احتياطياً لصالح العمل، أو فى توقيع جزاء تأديبى عليه، ومن ثم فإن السلطة التشريعية تكون مهمتها إصدار قانون يحدد اختصاصات رئيس وأعضاء هذه النيابة، وسلطاتها، وحدود هذه السلطات، وكافة المهام الملقاة على عاتقها وماهية الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضائها وكيفية مساءلتهم تأديبياً.