عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية هاني زكريا.. 30 عامًا مع الصقور انتهت بعشق العقبان

حكاية هاني زكريا
حكاية هاني زكريا

الهوى ميل النفس إلى ما يلائمها، وهذا الميل خُلق في الإنسان لضرورة بقائه، كلمات قليلة قالها الإمام ابن القيم، ليصف بها طبيعة حال الإنسان، فكلًا منا له ميوله، وكلًا منا له هوايته التي لا يضاهيها عنده شيء آخر، ولكن من النادر أن نرى من يهوى الجوارح، وهي طيور ليس من السهل التعامل معها نظرًا لحدتها ووحشيتها.

عشق الجوارح منذ نعومة أظافره، حتى أنه اشترط على والده أن تكون هدية نجاحه وهو في الصف السادس الابتدائي، صقر، وهنا كانت المفاجأة التي اصطدم بها والده، فكيف لطفل في هذا العمر أن يطلب اقتناء صقر وهو طائر متعارف على خطورته وخاصة في التعامل مع طفل لم يتعدَ الحادية عشر من عمره.

بطل الحدوتة هو هاني زكريا، الذي بدأ شغفه لتلك الطيور الجارحة وهو في الصف الرابع الابتدائي، ويمكننا أن نُرجع السبب في ذلك لخاله الذي كان يهوى تربية الحمام، فكان كل أسبوع يصطحب ابن شقيقته الصغير لسوق السيدة عائشة لشراء عدد من أزواج الحمام، حتى حانت اللحظة الفارقة في حياة ذلك الطفل، فأثناء التجوال بين جنبات السوق والبحث هنا وهناك عن أفضل سلالات الحمام، رأى هاني صقرًا يقف في عزة وشموخ فوق أحد أقفاص الطيور للبيع.

كاد الطفل أن يفقد وعيه من شدة إعجابه بهذا الطائر الذي لم يكن يعرف نوعه في البداية، ولم يقدر أحد على تحريكه فبدا وكأنه تمثال تجمد مكانه، وتعلقت عينه عاليًا على ذلك الصقر، وكانت البداية التي تعلق قلبه فيها بالطيور الجارحة.

عندما نجحت في الابتدائية حقق لي والدي مطلبي واشتريت أول صقر في حياتي، وكان نوعه شرياص، كلمات قالها هاني وهو يستعيد ذكريات الماضي الجميل الذي مرَّ عليه حوالي 30 عامًا، 10 جنيهات كانت ثمن ذلك الصقر آنذاك، وكانت الخطوة الأولى لهاني في مسيرته الشيقة مع الجوارح، بدأ معها في البحث والقراءة لينهل المزيد من المعلومات التي تؤهله للتعامل مع هذا الطائر، ولكن لم تستمر فرحته كثيرًا بطائره المحبب لقلبه، لمَ؟ لشعور والده بتراجع مستواه الدراسي في الصف الأول الإعدادي والذي دفعه لإطلاق صراح الصقر، وكانت الصدمة شديدة على الطفل الصغير الذي انهمر في البكاء والصراخ، ولكنه لم يستسلم لتصرف والده.

وبضحكة كلها إصرار وعزيمة، قال هاني "بدأت أحوش مصروفي واشتريت صقرًا جديدًا"، الأمر الذي جعل والده يشعر بفقد الأمل في صرف نجله الصغير عن حب تلك الهواية، وعاد هاني من جديد للقراءة عن الجوارح ومشاهدة برنامج عالم الحيوان، بالإضافة لحرصه الشديد على التردد الدائم على حديقة الحيوانات لمشاهدة أنواع الصقور، وهنا كانت الصدفة لتعرفه على طائر جارح جديد تمكن من الاستحواذ على قلبه وعقله وتفكيره، وهو طائر العقاب.

الأسد ملك الغابة، والعقاب ملك السماء، أقوى وأعظم الطيور الجارحة التي لا يضاهيها في قوتها طائر آخر، هو رمز للشعوب، وكانت راية الرسول صل الله عليه وسلم تسمى براية العقاب، بعينان يملأهما القوة والعظمة كان يتحدث هاني عن طائره المحبب، الذي كان يحمله على يده اليسرى أثناء الحديث

معي، في حين أن أصابع يده اليمنى تتسلل بحب ودلال على رقبة طائره الذي يطلق عليه اسم هيراكين، وفي وسط حكيه قال إن الطائر الذي يتوسط علم مصر هو العقاب وليس النسر كما هو شائع، والسبب في انتشار معلومة أن النسر هو رمز العلم يرجع للترجمة الخاطئة عن اللغة الإنجليزية.

في بادئ الأمر كان يهاب هاني طائر العقاب ويكتفي بمشاهدته من بعيد، ولكن في الوقت ذاته كان منبهرًا بقوته وجمال شكله، حتى قرأ عنه وعرف المزيد من المعلومات، وقرر في الثانية والعشرون من عمره أن يقتني طائر العقاب، وهنا اشترى عقاب من نوع البوتيد كان ثمنه وقتها 300 جنيه، والبوتيد هو أصغر أنواع العقبان في الحجم، ومتوافر بمصر، فالعقبان لها أنواع كثيرة أقواها هو العقاب الذهبي لكنه من الأنواع النادرة.

اعتبريه عمود من أعمدة البيت، بهذه الكلمات القليلة في عددها والعميقة في معناها، بدأ هاني حياته مع زوجته، التي اصطدمت فور دخولها لعش الزوجية للمرة الأولى بوجود صقر، فقد استأنس هاني وجود الجوارح معه في منزل واحد منذ صغره حتى كبر وتزوج وأنجب، فهو الآن يقتني في منزله عقاب يسمى هيراكين وهو اسم أحد الأعاصير الجوية، وصقر اسمه فولكان ويعني البركان الثائر، وبومة اسمها راكان وذلك لطبيعتها في الانعزال والاختباء.

ممارسة الصقارة بالنسبة لهاني أصبحت إدمانًا، لا يقدر على الإقلاع عنها، ولمجرد شعوره بعدم اقتناء جارح يسبب له أزمة نفسية، فالجوارح أصبحت هي المتحكمة في حالته المزاجية وتعد الميزان النفسي له، عقب حوالي 30 عامًا من ممارسته للصقارة، أصبح بمثابة مدرب لهم هو من يضع الأسلوب المناسب للجارح الذي يؤهله إلى اصطياد فريسته، ويعد هو المخرج لمشهد المناورة الذي يتم ما بين الطائر والفريسة.

بشعر بمتعة رهيبة وأنا بشارك في عملية طبيعية من خلق الله عز وجل بطريقتي الخاصة، بحدة عينين وابتسامة على شفاهه اختتم هاني زكريا حكايته التي بدأت منذ ثلاثة عقود، وكأن ملامحه أخذت بعض الشيء من ملامح رفقائه في الحياة.