رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: بدلة الوالى

بوابة الوفد الإلكترونية

عزل «خورشيد» باشا وتنصيب محمد على.. أنضج ثورات مصر سياسيًا

الشعب أصبح مصدر السلطة الشرعية بعيدًا عن سلطة السلطان العثمانى

دعوة «أبوشقة» لائتلاف الأحزاب.. خطوة أساسية لبناء ديمقراطية حديثة

نقطة البداية فى الطريق الديمقراطى هى حق المواطن فى إدارة شئون المجتمع والحكم

 

منذ أيام أعلن المستشار بهاءالدين أبوشقة رئيس حزب الوفد تدعيمه للمشروع الوطنى الذى يتبناه الرئيس السيسى لبناء دولة ديمقراطية حديثة وأضاف أن ذلك لا يكون إلا بتفعيل المادة الخامسة من الدستور التى تنص على أن النظام السياسى يقوم على التعددية السياسية، والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، وأن الاستقرار السياسى يتطلب ثلاثة أحزاب قوية تمثل الليبرالية، والوسط، واليسار، وانطلاقا من الاحساس بالواجب الوطنى دعا سيادته إلى ائتلاف بين الأحزاب لخوض الانتخابات القادمة.

ونقطة البداية فى الديمقراطية هى حق المواطن فى الاشتراك فى إدارة شئون المجتمع والحكم، صحيح أن لكل جيل أبطاله، ولكل ثورة زعيما، والجيل الذى انتمى إليه هو جيل ثورة 23 يولية 1952، والبطل هو جمال عبدالناصر، غير أن جيلي تعلم من جيل عظيم، جيل راسخ وقدير هو جيل ثورة 19. وقراءتى للتاريخ تدعونى إلى الاعتراف بأن الحملة الفرنسية على مصر فى سنة 1798 كانت عاملاً فى تكوين الأخطار السياسية والاجتماعية بالمعنى الحديث.

فقد شهدت مصر نماذج حديثة للممارسة الديمقراطية، وأشكالا عديدة للتعبير عن الفكر الحر، والليبرالى فى أعقاب الحملة الفرنسية، إلا أن التاريخ يتوقف عند أول موقعة ديمقراطية سابقة للحملة الفرنسية، برز فيها بصورة قاطعة موقف القوى الوطنية من قضايا الشعب، وتبنى طلائع تلك القوى للمطالب الوطنية.

فقبل أن يأتى بونابرت إلى مصر بثلاث سنوات بلغت مقاومة الشعب المصرى للوالى العثمانى وللمماليك حدًا وقف بالبلاد على حافة الثورة، وأفضت هذه المقاومة الى استخلاف زعماء للبلاد «حجة» مكتوبة وقعها الوالى العثمانى وزعيما المماليك مراد وإبراهيم اللذان اقتسما السلطة فى مصر، حتى يخلو لهما حكم البلاد بتوزيع النفوذ.

وكانت هذه الحجة نواة أول دستور استخلصته مصر من حكامها فى العصر الحديث قبل أن تنقضى ست سنوات على الثورة الفرنسية، وإعلان حقوق الإنسان فى فرنسا، وعندما وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر وانتصرت جيوش بونابرت على جيوش الترك والمماليك، اتخذ بونابرت مركزا للقيادة العامة لقواته، وكانت أول خطوة اتخذها هى الدخول فى مفاوضات مع العلماء لتسلم مسئولية الحكم فى البلاد، وانتهت هذه المفاوضات بتكوين أول هيكل للدولة فى مصر بنى على الطراز الحديث: مجلس وزراء مصرى، وبرلمان مصرى، ومجالس مديريات.

وبذلك يكون مجلس الوزراء الذى شكله بونابرت، هو أول مجلس وزراء فى تاريخ مصر، أما أخطر خطوة اتخذها بونابرت فى مصر لإعادة بناء الدولة على الأسس الحديثة، فكانت قيامه بإنشاء أول برلمان مصرى عرف يومئذ باسم الديوان العام، وقد أصدر بونابرت عند انشاء هذا البرلمان مرسومًا خطيًا سمى «فرمان الشروط» حدد فيه اختصاصات البرلمان الذى أنشأه، من حيث صفته التشريعية، وحدد فيه أنواع مشروعات القوانين التى يمكن أن يوحى بها فيصدرها بونابرت، ولذلك فيمكن اعتبار فرمان الشروط هو أول دستور بالمعنى الحديث عرفته مصر فى تاريخها المعاصر.

وبمطالعة فرمان الشروط يتضح أن اختصاصات هذا المجلس كان لإبداء الرأى فى نظام الحكم، ونظام القضاة، ونظام الملكية والتوريث، ونظام الضرائب، أما كيف مارس هذا البرلمان اختصاصاته فكان فى كل محافظة مجلسان أو ثلاثة أو أربعة موزعة على البنادر الهامة، ورأى الديوان العام أن يوفق كل مجلس من هذه المجالس من بين أعضائه ثلاثة مندوبين إلى القاهرة ليمثلوه فى البرلمان، معنى ذلك نقل نظام الحكم النيابى إلى أعماق البلاد، ويتجلى هذا النظام فى ربط كل أجزاء البلاد بالسلطة التشريعية القائمة فى القاهرة، وتكوين قيادات منظمة تكون مرتبطة بالعقل المفكر ألا وهو برلمان القاهرة.

وتخوف بونابرت، واعتبر ذلك بمثابة شوكة فى جنب الحكم الفرنسى، فقرر بعد ذلك أن يتكون البرلمان من 25 عضوًا، منهم 9 أعضاء يمثلون القاهرة، و16 يمثلون المديريات، وبلغ تخوف بونابرت، هذا الجهاز النيابى الذى أنشأه بنفسه فهذا مصدر خطر عليه، أنه قرر أن هذا البرلمان لا يجتمع إلا إذا دعاه الحاكم العام إلى الاجتماع، وبذلك يكون شل حركته، ثم وضع اللمسة الأخيرة فى هذا التراجع من تجربة الديمقراطية إلى الحكم المطلق بأن جعل مجالس الوزراء، وهو من أعضائه ينبثق من هذا البرلمان المكون من 25 عضوًا!!

فبعد أن أراد بونابرت أن يزرع فى مصر تجربة فصل السلطات. عاد فتراجع، وأدمج السلطتين. بعد أن تمكن بونابرت من دمج السلطات معًا، أتيح له قدر كبير من السيطرة والحكم المطلق، فأصدر أكثر من مرسوم خاص بالنظام القضائى، ونظام التوريث، وفرض رسوم على الشهادات الحكومية، وأدخل نظام الضريبة التصاعدية على الأملاك والعقارات.

قوبل فرض هذه الضرائب والرسوم بسخط عام، وكان أعضاء البرلمان فى مقدمة الساخطين ولكنهم لم يوفقوا إلى تخفيضها، وانتهى الصراع بين البرلمان وبونابرت بأن عطل الأخير اجتماع البرلمان.

وثار المصريون لتعطيل البرلمان، كما ثاروا على هذه الضرائب الفادحة، فاندلعت ثورة القاهرة الأولى فى 21/10/1798 ودامت ثلاثة أيام انتهت بقمع الثورة، ولكن بونابرت اضطر إلى التراجع فأعاد الحياة النيابية!!

وقد اثبتت الحوادث - بعد خروج الفرنسيين - أن هذه الفترة الصغيرة التى شارك إبانها المصريون فى السلطة، كانت العامل الحاسم فى تبلور القيادة الشعبية، وفى دخول الشعب طرفا فى حكم بلاده، وإذا كانت يقظة 1795 انتهت بإملاء «حجة» على الباشا العثمانى وعلى مراد وإبراهيم زعيمى المماليك، فإن هذه اليقظة اشتدت فى عام 1805، ولم تمض ثلاثة أعوام على خروج الفرنسيين إلى حد قيام جماهير الشعب بتحدى الباب العالى، وعزل الباشا العثمانى، بعد أن كان عزل الولاة الأتراك عملاً سياسيًا لا يشارك فيه إلا المماليك!!

«بدلة الوالى»

وتعتبر ثورة أول مايو سنة 1805 التى أفضت إلى عزل «خورشيد باشا»، والمناداة بمحمد على واليًا على مصر فى 13 مايو سنة 1805، أنضج ثورات مصر سياسيا، فالسنوات الأربع الفاصلة بين جلاء الفرنسيين، وتنصيب محمد على واليًا على مصر، عرفت خمسة ولاة، منهم أربعة قتلوا أو عزلوا خلال سنتين، وشهدت صراعًا مريرًا بين فرق المرتزقة، ولم يكن الشعب المصرى طرفًا ايجابيًا فى هذا الصراع.

أما ثورة مايو 1805، فقد كانت ثورة مصرية شعبية قامت بها الجماهير، وعمت فيها المظاهرات أرجاء القاهرة، وقام عمر مكرم والشيخ الشرقاوى بإلباس محمد على بدلة الوالى فى دار الحكمة بعد اختياره والياً على مصر.

وما فعله عمر مكرم والشيخ الشرقاوى، له مغزى ديمقراطى خطير، لأن رموز السلطة كانت فى الماضى يسبغها السلطان العثمانى على الوالى، أما الآن فإن قيام محمود الشرقاوى بإلباس محمد على مسوح الحكم باسم الشعب، هو أن الشعب غدا فى المرة الأولى فى تاريخه السياسى مصدر السلطة الشرعية فى تنصيب الولاة والأخطر من ذلك أن العلماء حين بايعوا محمد على لم يفوضوا إليه السلطة المطلقة، وإنما اختاروه واليا «بشروطنا»، أما هذه الشروط التى اشترطها العلماء، وتعهد محمد على باحترامها، كانت تمثل معنى بالغ الأهمية فى تطور الفكر الديمقراطى المصرى، وتستمد قوتها من أن الزعماء المصريين قننوا به مبدأ أن الأمة مصدر السلطات.

ولقد لعبت بعد ذلك البرجوازية المصرية الناشئة الدور الأكبر فى تثبيت محمد على واليا على مصر، وكان انتصارها فى تلك المعركة انتصارا للسياسة التى رسمها كبار العلماء والأعيان فى تسيير شئون الحكم.

فمرسوم التثبيت مبنى على أن محمد على مؤيد من الشعب، مرضى عنه من زعمائه، موثوق فى عدله ومن ذلك يتبين أن البرجوازية كانت وراء تثبيت محمد على، كما كانت وراء تعيينه واليًا على مصر من البداية.

ولقد كان من الممكن أن تفسح هذه الانتصارات الديمقراطية الطريق واسعًا أمام البرجوازية المصرية الناشئة لتلعب دورها التاريخى فى تحويل المجتمع المصرى من الاقطاع إلى الرأسمالية، لولا أن محمد على شاء أن يقيم دولة لا تقوم على الاقتصاد الحر بمعاونة البرجوازية المصرية، ولكن بالانفراد بالحكم سياسيا وانشاء دولة احتكارية، الأمر الذى أدى إلى اصطدامه بالطبقة البرجوازية الوليدة والاطاحة بها.

وعندما وقعت سلسلة من الاضطرابات الشعبية قضى عليها محمد على بعنف وسهولة، وساعده فى ذلك أنه لم يكن هناك أية زعامة شعبية، ولكن محمد على اضطر رغم ذلك إلى الاستعانة بالعناصر المصرية العليمة بشئون البلاد وتقاليدها.

ففى نوفمبر سنة 1824 كون مجلسًا من الأغوات والأفندية، وكانت اختصاصاته مناقشة ما يقترحه محمد على خاصًا بسياسته الداخلية، وكان هذا المجلس يعرف بالمجلس العالى، وكان ينعقد يوميًا، فلما أثبت منفعته للوالى أو بتوسيع اختصاصاته، ودفعه نحو التطور بادخال العناصر المصرية فيه، وبذلك صار هذا الديوان يتألف من قطار الدواوين، ورؤساء المصالح، واثنين من العلماء، واثنين من التجار، واثنين من ذوى المعرفة بالحسابات، واثنين من الأعيان، عن كل مديرية من مديريات القطر المصرى ينتخبهما الأهالى.

لذلك لا يمكننى القول بأن هذا المجلس رغم انتخاب بعض أعضائه، كان صورة من صور النظم النيابية، فلم يكن سلطة أو هيئة أعلى من محمد على، ولا حتى مساوية له، فهو صاحب المجلس، وهو خالقه، وأعضاء المجلس كانوا أول الأمر رؤساء المصالح، والدوائر الحكومية، ومنهم موظفون تابعون لولى الأمر ومصدر النعم، كذلك فقد كانت قرارات المجلس استشارية، فكان الرأى الأخير لصاحب الدولة وولى النعم.

ولقد دفع نجاح هذا المجلس محمد على إلى مزيد من الاستعانة بالمصريين فى الحكم، فأصدر فى سنة 1829، قرارا بإنشاء مجلس المشورة، ورغم أنه لم يكن له سوى سلطة استشارية، فإن البعض يعتبرونه أول هيئة نيابية شورية، ولكن النظرة الدقيقة لتشكيله تكشف أنه قد جاء تشكيله طائفيًا قبل أن يكون نيابياً، فقد كان محمد على يسير فى حكمه على مبدأين: الأول أن كل مسألة لابد أن تبحث فى المجلس، ويؤخذ بشأنها رأى فيه، والثانى أن المرجع الأخير يكون له ولكن فى سنة 1829 أصدر محمد على القانون الأساسى للدولة، مشتملا على نظام الحكم، موزعًا أعمالها على دواوين خاصة، فألغى مجلس المشورة، وأنشأ بدلا منه مجلسين، المجلس الخصوصى لسن القوانين، ثم المجلس العمومى لبحث ما تحيله عليه الحكومة من

الشئون.

وقد شهدت فترة محمد على علي بعض قوانين حريات الأفراد، ويمكن ارجاؤها إلى مصدرين، الخط الشريف الصادر من الباب العالى فى نوفمبر 1839، وقانون السياستنامة الصادر سنة 1937، وخلاصة ما تقدم إن تقييم تجربة محمد على الديمقراطية تؤكد أن ذهنه لم يتجه قط إلى إنشاء نظام دستورى، بل إن المطلع على قانون «السياستنامة» يتبين أن مقدمته أشارت إلى وجوب أن تكون القوانين الخاصة بكل دولة موافقة لطبيعة أهلها وأخلاقهم، ويوجه القانون بعد ذلك النقد لطريقة تصنيف الشئون المصلحية، ولهذا عدل محمد على عن هذا النظام وأقام بدلاً منه نظاماً إداريًا بحتاً.

«نهاية دولة»

كانت اتفاقية لندن ايذانًا عملياً بنهاية الدولة التى أسسها محمد على، فتم تكوين مجلس لإدارة شئون البلاد برئاسة إبراهيم بن محمد على، وقرر المجلس تولى السلطة الفعلية فى ابريل سنة 1848 وأبلغ الأمر إلى الباب العالى، الذى بعث إليه بفرمان التولية إلا أن إبراهيم توفى بعدها بحوالى أربعة أشهر.

وتولى بعده عباس الأول، وجمع عباس فى يده جميع السلطات، واتسم عهده بالصفة الفردية المطلقة، إلا أنه امتاز علاوة على ذلك بالرجعية حتى غدا عصره أكثر عهود أسرة محمد على اظلاما، وجهلاً وتخلفًا!

ثم تولى الحكم الخديو إسماعيل، وفى أوائل أغسطس سنة 1864 أرسل المندوب الفرنسى تقريرًا إلى حكومته فى باريس أشار فيه إلى أن إسماعيل باشا يفكر فى رفع مستوى مصر إداريًا، بنوع من الحكم الذاتى فى جمع الضرائب، وكان محور الفكرة الاصلاحية يدور حول تكوين المجلس من شيوخ القرى!!

كانت فكرة إسماعيل تحقيق المزيد من السيطرة على كبار الأعيان، بتكوين هذا المجلس منهم، وقبل نشر المرسوم الخاص بتكوين المجلس، أعلنت الصحف الفرنسية والإنجليزية أن إسماعيل سينشئ هيئة تشريعية فى مصر على خط الهيئة التشريعية الفرنسية!

وفى نوفمبر سنة 1866 أصدر الخديو إسماعيل، مرسوما بتكوين مجلس شورى النواب، وقد تضمن هذا المرسوم قانونين، قانون اللائحة الأساسية، وقانون اللائحة النظامية، لكن حين طالب المصريون بالتحرر من النفوذ الأجنبى، فقد اتفقت فرنسا وإنجلترا وألمانيا، على أن يطلبوا من الباب العالى، المبادرة إلى عزل الخديو إسماعيل، وفى 26/6/1879 عزل الخديو إسماعيل، وبعزل إسماعيل دخل نضال البرجوازية المصرية مرحلة جديدة.

الثورة العرابية

لم يكن عزل الخديو إسماعيل عملاً مستهدفًا لذاته، بل بهدف ضرب الحركة الوطنية فى الشكل الدستورى، لذلك كان من الطبيعى أن يحل البرلمان، وتحكم البلاد حكما مطلقا، عن طريق القوى المحلية المتعاونة مع الاستعمار، خاصة بعد أن أصبح فى يدهم نموذج للحاكم المتردد كالخديو توفيق.

وقد اقتضت الظروف الوطنية بمنطقها الطبيعى أن تتداخل مصالح الشعب، مع مصالح فئة من ضباط الجيش، ولو رجعنا إلى الخلف قليلاً، لوجدنا أن وزارة نوبار، قررت إحالة 2500 ضابط إلى الاستيداع، فذهبوا فى 18 فبراير سنة 1879، ومعهم عدد من النواب إلى وزارة المالية، وضبطوا نوبار والوزير البريطانى، واحتلوا غرف الوزارة، كان قرار احالتهم مسببًا بالوفر بالميزانية نتيجة للديون الباهظة، كان الضباط قد هددوا فى أرزاقهم، وحرموا من رواتبهم، فكان من الطبيعى أن تتجه الحركة الوطنية بعد خلع إسماعيل اتجاهًا آخر، فبدلاً من اعتبار الخديو فى جانب الثورة، أصبح فى معسكر الأعداء، فقد طلب الحراسة على مصالحه، واعتبر كل من يشهر يدًا فى وجه الاستعمار فهو مضطر أن يشهرها فى وجه الخديو!!

وقامت الثورة على شعارين: أولهما: التخلص من النفوذ الأجنبى، وتنظيم مالية البلاد لتسديد الديون التى تكبل الاقتصاد المصرى، وهذا هو طابعها الوطنى، وثانيهما: هو تحطيم الحكم المطلق باقامة حكم نيابى تكون فيه الوزارة مسئولة أمام برلمان منتخب من الأمة.

وقد وقعت قيادة الثورة تحت تأثير جزء كبير من ملاك الأراضى الذين ساروا شوطًا بجانب الثورة، ولكن عندما تطلبت الأمور الحزم، تخلوا عنها، وانحازوا إلى الخديو!

هذا الجزء من  كبار الملاك كان يمثله شريف باشا، الذى حاز مركزًا ملحوظًا فى صفوف الثورة باستقالته فى أغسطس سنة 1879، عندما رفض توفيق طلبه بتشكيل مجلس نواب، كان رفض توفيق تشكيل المجلس بداية الاتجاه الثورى نحو فرض المجلس بالقوة المسلحة.

وأخذ الصدام منذ ذلك اليوم يتخذ أشكاله المختلفة، حتى كان يوم الجمعة 9 سبتمبر سنة 1881 حيث جمعت الأمة وراء قيادة أحمد عرابى، وأجبرت الخديو على اقرار المطالب الشعبية، وكان من بينها دعوة مجلس النواب للانعقاد، على أنهم يكون له نفس الحقوق الدستورية، والتشريعية التى تتمتع بها المجالس الأوروبية.

كان هذا المطلب - ضمن قائمة مطالب عرابى - ظاهرة هامة، على تقدم الوعى النيابى فى مصر ونزولاً على طلب عرابى - وتحت ضغط ثورة الضباط - قرر الخديو توفيق دعوة البرلمان إلى الانعقاد وبعد أن أرغمت وزارة رياض على الاستقالة، تشكلت وزارة شريف المؤيدة من قيادة عرابى الثورية، وبذلك عاد شريف إلى الوزارة بأمر الشعب.

وتشكل المجلس النيابى وشكل جمعية تأسيسية، وعرضت عليه مواد الدستور، التى تتضمن مسئولية الوزارة أمام البرلمان، وتخويله حق تقرير الميزانية، والرقابة على أعمال الحكومة، والتزامها بعدم فرض أية ضريبة أو إصدار أى قانون إلا بعد تصديق مجلس النواب، فاقترح شريف تأجيل النظر فى المادة الخاصة باقرار الميزانية فرفض الاقتراح، واستقالت وزارة شريف، وشكلت وزارة البارودى، وعرضت عليها اللائحة فوافقت عليها ووقعها الخديو فى الحال!!

هذه الاختصاصات التى أعطيت لمجلس النواب، وبالأخص حق تقرير الميزانية، هى نفس الأسباب التى من أجلها أطيح بالخديو إسماعيل، لذلك قدم وكيلا إنجلترا وفرنسا فى يناير 1882 إلى الخديو مذكرة تتضمن اتفاقهما على تأييد سلطة الخديو عند أى صعوبات من شأنها عرقلة مجرى الأعمال فى مصر.

وشهد مجلس 1881 - 1882 مناقشات دستور سنة 1882 فقد قدم شريف مشروع الدستور، والذى كان واضحًا فيه ضغط عرابى والعسكريين، كان المشروع يتكون من 53 مادة وأهم مواده: الأعضاء ينتخبون لفترة أربع سنوات، والخديو بمشورة الوزارة يختار رئيس المجلس، والوزراء أمام المجلس مسئولون  ومتضامون، ولا تفرض ضرائب إلا بعد عرضها على مجلس النواب.

اعتقد شريف أن الدستور فى كثير من نواحيه تقدمي، وقد راقب الباب العالى تحضير هذا الدستور، وأنقذ شريف عدة مرات من أن يمنح المجلس سلطات واسعة، وفى 7 فبراير سنة 1882 صدر الدستور.

وبمجرد صدور الدستور بدأت الفتن تطل برأسها، وحاولت الارستقراطية الشركسية أن تعاود سيطرتها على الجيش، فكانت مؤامراتها وبالاً عليها.

وأسرعت بريطانيا وفرنسا إلى التدخل، بهدف تدمير قيادة الثورة نفسها المتمركزة فى الحزب العسكرى، فقدمت طلبًا بإبعاد عرابى خارج البلاد، وزملائه خارج القاهرة، واسقاط وزارة البارودى ودعمت طلباتها بتحرك عسكرى بحرى حول الإسكندرية.

ولم تنجح هذه التحركات، فى اضعاف المد الثورى، فقد واصل جنود حماية القاهرة مساندتهم لعرابى وبدأ يواجه الخديو صراحة، ويعارض اتجاهاته علانية.. فماذا جرى بعد ذلك.