عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب:قراءة فى شروط الترشح للعمل بسلك الكهنوت

بوابة الوفد الإلكترونية

«الشهادة الحسنة» والبر والورع من أهم شروط اختيار الخادم

لا يصح الاجتهاد فى نص صريح بالكتاب المقدس

وظيفة «الراعى» سامية لأنها تمثل المسيح على الأرض

يشترط أن يكون «الخادم» غير محب للمال ولا طامعاً فى الربح

 

منذ أيام قليلة مضت طلبت سكرتارية المجمع المقدس من أساقفة وكهنة الإبراشيات اقتراحاتهم فى شأن الشروط الواجب توافرها فيمن يرشح للعمل بسلك الكهنوت، وأعلن المتحدث الرسمى باسم الكنيسة الأرثوذكسية أن هذه الاقتراحات يجب أن تعلن للشعب القبطى ليشارك فى هذا الاختيار.

وقد صعقنى هذا الخبر، لأنه لا يصح الاجتهاد فى حكم مسألة ورد بشأنها نص صريح فى الكتاب المقدس وهالنى أن سكرتارية المجمع المقدس تناست عن عمد أن السيد المسيح لما كان موجوداً على الأرض اختار فئة مخصوصة من المؤمنين، وخولهم حق إقامة الأسرار وتكميلها لتقديس المؤمنين، كما أعطاهم سلطاناً أن يغفروا الخطايا باسمه، وأن يبشروا بالإنجيل للخدمة كلها، واعداً أن يكون معهم كل الأيام حتى انقضاء الدهر، وسمى هؤلاء المختارون بالطغمة الإكليريكية، أو الرعاة والمعلمين على اختلاف درجاتهم.

وطغمة الرؤساء هى الأساقفة، ثم الكهنة، والقسوس ثم الشمامسة، أما لفظة البابا البطريرك، والمطران، والقمص، والقسيس، فهى أسماء لدرجات كهنوتية، ليعرف كل واحد منهم بدرجته التى يخدم بها، بحسب الموهبة المعطاة له، وهذه الأسماء تختلف عن بعضها باختلاف الدرجات، وهى مقتبسة من الإنجيل باللغة التى كتب بها، وهى اللغة اليونانية، فلفظة بابا معناها أب الآباء، ومطران معناها أسقف المدينة الكبيرة، أما لفظة قمص فمعناها مدبر.

وأصحاب هذه الدرجات يقومون بوظائف متنوعة، فهم كهنة لأنهم مدعوون من الله لتقديم الذبيحة، ولأنهم يتقدسون بنعمة الروح القدس، التى يمنحونها أيضاً للغير، وهم خدام المسيح، ووكلاء سرائر الله، لأنهم أقيموا من الله لخدمة إنجيله، ومنح الأسرار للمؤمنين، وهم سفراء المسيح، لأن نسبتهم إليه كنسبة سفراء الدول لملوكها، فإنه هو دعاهم بروحه، وأقامهم لخدمته، وهم رسله، لكى يبلغوا الناس كلامه، ويعلنوا الحقائق الواردة فى كتابه.

وتأسيساً على ما تقدم فإن وظيفة الراعى تسمو على كل وظيفة، لأنه يمثل المسيح على الأرض، وهو نائبه، ولأنه أؤتمن على رعاية النفوس، وهى أثمن وديعة، فالرعاة طغمة كنائسية أسسها الله، لإهداء الناس إلى الخلاص بالتعليم والخدمة الإلهية.

وقد قال ذهبى الفم: إنهم مرسلون من قبل الله، ومعادلون بسلطتهم وواجباتهم للأنبياء والرسل وخدمتهم وإن تكن جارية على الأرض تسير على خطة النظام السماوى.

وقد أسس هذه الطغمة السيد المسيح نفسه، دون مساعدة إنسان، ولا ملاك، ولا رئيس ملائكة، وأعطاهم سلطاناً لم يعطه الله للملائكة، ولا لرؤساء الملائكة، لأنه لم يقل لهؤلاء: ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء، ولعمرى أن ملوك الأرض مقتدرون أن يضبطوا الأجسام على الأرض فقط.

أما سلطان الكهنة فإنه يمس النفس، ويرتفع إلى السماء، وما يفعله الكهنة على الأرض يتممه الله فى السماء، وما ذلك إلا لأنه أعطاهم هذا السلطان: من غفرتم له خطاياه غفرت، ومن أمسكتموها عليه أمسكت، لذلك يطلب من الراعى قبل كل شىء أن يكون سليم القلب، قوى الحجة، ثاقب الرأى، عاقلاً.

وقد أوضح الكتاب المقدس، وهو المصدر الأساسى للتشريع فى الكنيسة الأرذوكسية، الصفات التى يتحلى بها خادم الله، أسقفاً كان أو قساً، وهى تنحصر فيما يأتى بالترتيب الذى جاء فى رسالتى القديس بولس لتلميذيه تيموثاوس وتيطس، وحسب تعليم الآباء فى الأجيال المسيحية الأولى:

 

بلا لوم

يجب أن يكون الراعى بلا لوم كوكيل الله، أى كاملاً خالياً من العيوب التى تشين وظيفته، وتضر صيت كنيسته، وأن تكون نفسه أشد ضياء من أشعة الشمس، وينبغى أن يكون مجملاً بكل فضل وفضيلة، حتى لا يوجد فيه عيب لا عند الناس، ولا عند نفسه، ولكونه نائب المسيح فيجب أن يماثله، كما ماثله فى الرئاسة، وهذا توجبه عليه وظيفته بحسب كونه معلماً ومدبراً، إذ لا يليق بمن يلوم الناس على عيوبهم أن يكون هو ملوماً، فالخادم أياً كانت درجته الكهنوتية حقه أن يظهر فى الفضائل، ظهور الشمس بين الكواكب، فإنها بنورها تذهب كل نور وضياء من الكواكب، لأن الله اختاره ليكون للناس كالنيران، والخمير، وكالملائكة بين البشر.

كما يجب أن يكون صاحياً، فطناً، يقظاً، متنبهاً لواجباته غير غافل عنها، وهذا أوجب ما يتحلى به الخادم قبل كل شىء، كما يجب أن يكون عاقلاً أى متروياً فى كلامه، وفى تصرفاته، حتى لا يستهين به أحد، وأن يكون محتشماً فى حديثه، وفى مشيه، وفى جلوسه، وفى كل أعماله، وأقواله، وتصرفاته، حاملاً للناس كل كرامة، وأن يكون صالحاً للتعليم، كفؤاً للخدمة، قادراً أن يعلم الآخرين حقائق الدين، عارفاً للشريعة، لأن من فمه يطلبونها، ولكى يستطيع أن يقوم بأعباء هذا الغرض عليه أن يعرف الكتاب المقدس، معرفة تامة، ويحل رموزه بفكرته النقادة، وأن يبذل قصارى جهده فى هذه الطريقة حتى تتملك فيه كلمة الله.

ويشترط فى الخادم أن يكون غير محب للمال، ولا طامع فى الربح، وأن يكون حليماً، وحلمه يكون معروفاً عند جميع الناس، غير ضراب، وغير مخاصم، وغير مدمن الخمر، لأن الله حرم على كهنة العهد القديم تعاطى المسكرات، فأحرى بكهنة العهد الجديد أن يتجنبوا هذه الرذيلة.

ومن أهم شروط اختيار الخادم، ألا يكون حديث الإيمان، لأن مثل هذا لا يبعد أن ينتفخ، ويتعظم، ظاناً نفسه أنه أفضل ممن تعتقوا فى الديانة، وقضى عليهم زمن فى المسيحية، وأن الكنيسة لولا شدة افتقارها لما دعته إلى سياستها، وسلطته على بنيها فيسقط فى دينونة إبليس، للسبب الذى سقط به الشيطان!

كما يجب أن تكون له شهادة حسنة من الذين هم من خارج، أى أن يكون مشهوداً له بالفضل وحسن السيرة من غير المؤمنين، وذلك لسببين: أولهما: حتى لا تزدرى به رعيته، وتعيره بسيرته السابقة وتكون آمنة من جهة، وأقواله مقبولة عندها، وثانيها: لئلا يسقط من تعبيرهم فتصغر نفسه عند توبيخ غيره، فيترك خدمته، ويعود إلى سيرته الماضية.

كما يشترط فيمن يرشح للكهنوت ألا يكون معجبا بنفسه، وغير غضوب، وأن يكون محباً للخير، باراً ورعاً، ضابطاً نفسه، قاهراً جسده، متسلطاً على كل شهواته، ملازماً للكلمة الصادقة.

ويشترط فيه أيضاً أن يكون قد تجاوز سن الأربعين، والحكمة فى الالتزام بهذه السن، أن تكون قد غربت عنه غرة الشباب وحدته، وتميز بسن الكبر وخبرته، يكون قد تخطى مرحلتى الصبا والشباب، بما فيهما من قلة الخبرة وهوى الشباب، واندفاعه، والتسرع فى الحكم على الأمور، والانبهار بمن يعجب بهم، والتعصب ضد من لا يوافق هوى من يعجب بهم!

وبالإضافة إلى وجوب توافر الشروط السابقة، فإن القانون الكنسى يمنع ابن المرأة الراجع أن يصير فى أى درجة كهنوتية، والمرأة الراجع: هى التى مات زوجها، فرجعت إلى أهلها، وتزوجت ثانية، فلا يجوز لنسلها من زواجها الثانى أن يُرسم كاهناً.

ويشترط لإتمام السيامة موافقة شعب الإبراشية، لأن الآباء الرسل عندما فرغ مكان يهوذا بسقوطه، وأرادوا تقديم من يحل محله، لم يستأثروا بهذا الحق، بل طلبوا من جماعة المؤمنين بأسرها أن يستخدموا حقهم فى الاختيار.

ولا يحق للبابا، ولا للأسقف، حرمان الشعب من هذا الحق، فالذى يقصر منهما فقد أهان الله وأخطأ إليه، واستهان به، لعدم قيامه بواجبه فى تكليف جماعة المؤمنين باختيار خادم الله اللائق.

تلك هى شروط سيامة رجال الكهنوت طبقاً لما ورد فى الإنجيل، فمتى وجد النص من كلام الله وأعمال الرسل، فليس هناك محل للاجتهاد، وبالتالى فلا يجوز للمجمع المقدس، ولا لغيره مهما علا شأنه أن يخالف هذه الشروط، وأن يطلب اقتراحات فى شأن تعديل هذه الشروط!

 

اللياقة الصحية

وإن كان ما تقدم، وكانت القوانين الكنسية خلت من أى نصوص خاصة بشرط الحالة الصحية، فإنه يمكن الاستهداء بقوانين الوظيفة العامة بما يتماشى مع النظام الكنسى، فلا شك أنه حتى يكون الأسقف أو القسيس صالحاً للقيام بأعمال الخدمة، فيجب أن يكون لائقاً صحياً لأداء هذه الخدمة، وبالتالى فإن اشتراط السلامة من الأمراض فى كل مرشح لخدمة الكهنوت له ما يبرره، فهو يضمن وجود خادم غير مصاب بأمراض معدية، أو عاهات جسدية، أو عقلية تعيق أداءه للخدمة، وحرمان الشعب من خدماته بسبب غيابه المتكرر عن إبراشيته أو كنيسته، وعلى هذا الأساس فإنه حتى يكون الخادم قادراً على القيام بمهام رسالته يجب أن يكون صحيح الجسم، والبدن، وخالياً من الأمراض النفسية والعقلية.

ويجب أن تنتهى خدمة الخادم فى حالتين، الأولى: فى حالة الحكم عليه فى جناية أو جنحة مخلة بالشرف، والثانية حالة فقده شروط اللياقة الصحية، فشرط اللياقة الصحية وحسن السمعة، هما شرطان للالتحاق بخدمة الكهنوت ابتداء، وشرطان للاستمرار فى الخدمة، فإذا فقد الأسقف أو القسيس أياً منهما، فإنه يجب حرمانه من الخدمة.

وقد يتساءل البعض عن الحكمة فى حرمان الأسقف أو القس من الخدمة إذا فقد شرط اللياقة الصحية؟.. فالمعروف أن الشخص الطبيعى هو الإنسان الذى يخوله القانون بأن يتمتع بالحقوق، ويتحمل الالتزامات، وتبدأ شخصية الإنسان منذ ولادته حياً، وتنتهى بوفاته.

وترتبط أهلية الإنسان بشخصيته القانونية، فكل شخص أهل من الناحية القانونية، يتمتع بالحقوق ويتحمل الالتزامات، ما دام أنه لا يوجد أى عارض من عوارض الأهلية فى القانون أصابه، وعوارض الأهلية فى القانون كالجنون، فالجنون هو اختلال فى القوة المميزة بين الأمور الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب، فتعطل أفعالها، ولا تظهر آثارها.

فالمجنون يعد فاقداً للأهلية، وعدم التمييز، ولا يستطيع أن يبرم أى تصرفات، سواء كانت ضارة ضرراً محضاً أو نافعة نفعاً محضاً.

أما العته، فهو خلل فى العقل، فيعتبر المعتوه قليل الفهم، وفاسد التدبير، ومختلط الكلام، فالمعتوه كالمجنون محجور لذاته، فهو يتمتع بأهلية أداء ناقصة تسمح له بإجراء التصرفات النافعة نفعاً محضاً، دون التصرفات الضارة ضرراً محضاً.

والسفه أو الغفلة، فالسفيه هو من كانت عادته التبذير والإسراف فى النفقة، فهو يتصرف تصرفاً لا لغرض، أو لغرض لا يعده رجال القضاء والقانون غرضاً، أما ذو الغفلة فهو الذى يصدق كل ما يقال له، ولا يهتدى إلى التصرفات الرابحة المفيدة، فيغبن السلامة قلبه.

وفاقد الذاكرة، هو مريض بمرض الزهايمر، وهو مرض يصيب الدماغ، ويؤدى إلى حدوث تنكس تدريجى فيه، هذا التنكس يؤدى إلى حدوث الخرف، وحدوث ضعف فى الذاكرة، وحدوث اضطرابات فى التفكير والإدراك، والخرف هو تدهور مستمر فى وظائف الدماغ، ينتج عنه اضطراب فى القدرات الإدراكية مثل الذاكرة والاهتداء والتفكير السليم والحكمة.

وقد أصدرت جمعية الطب النفسى الأمريكية دليلاً بأعراض هذا المرض، منها حدوث انحدار مستمر فى القدرات الإدراكية، يتمثل فى خلل فى الذاكرة،

أو اضطراب فى اللغة، صمت، أخطاء لفظية، قصر العبارات، أو اضطراب فى القدرات الحركية، أو اضطراب فى القدرة على معرفة الأشياء بأسمائها، أو خلل واضح فى الوظائف الاجتماعية أو الروحية، يمثل انحداراً بيناً مقارنة بالمستوى الذى كان عليه قبل المرض.

وأجمعت المدارس الطبية أن الزهايمر والخرف، مرض يصيب المخ، ويؤدى إلى ضمور الخلايا العصبية، وفقدانها لوظائفها بشكل تدريجى، وبطء يؤدى إلى تدهور فى وظيفة الذاكرة ثم يلى ذلك باقى الوظائف العقلية، مما يؤدى إلى صعوبات فى الإدراك، والسلوك، والحكم على الأمور، ومع تقدم المرض تضعف درجة استقلالية المريض، وتزداد حاجته لمن حوله.

وبالتالى فإن الخرف أو الزهايمر، إنما هو مرض عقلى يصيب المخ، وينظر إليه من الناحية القانونية، كما ينظر إلى المعتل العقلى، ويحكم على تصرفاته قياساً على تصرفات المجنون، والمعتوه، والسفيه، وذلك بحسب شدة المرض ومرحلته.

 

الأسقف

فإذا كان الأسقف يمثل حضور المسيح وسط شعبه، وخدمته مرتبطة باتحاده بشعب الله داخل إبراشيته، ومهمته الرعاية الروحية لنفوس شعبه، وممارسة سلطانه الرسولى فى إعطاء الحل للمؤمنين التائبين، والتعليم، والكرازة بالإنجيل، والإشراف على أعمال الرعاية بالشركة مع القسوس، وممارسة القضاء، والتحكيم والمصالحة بين أفراد الشعب، وهو الذى يملك سلطان الرسامة، ومن ثم فإن إصابته بأى من الأمراض العقلية تجعله غير صالح للقيام بمهام الأسقفية، وبالتالى يكون من اللائق إعادته إلى ديره لتلقى العلاج، فإن أذن له الله بالشفاء عاد إلى كرسيه، وإن لم يأذن له الله بالشفاء بقى فى ديره.

ويثور التساؤل عن مدى شرعية الكهنة الذى قام الأسقف بسيامتهم حال مرضه بمرض من الأمراض التى تعيب أهليته وأداءه للخدمة، فالمعروف أن الأسقف كما جاء فى رسالة بولس الرسول الأولى إلى تلميذه الأسقف «تيموثاوس» يجب أن يكون صاحياً، حذراً ومتنبهاً إلى خدمته، سريع النظر، وبعيد النظر، لأنه هو الناظر على الكنيسة، وعلى شعب الله، فيجب أن يكون ذا بصيرة حادة، وذهن متوقد، كما يجب أن يكون عاقلاً رزيناً، يتصرف بحكمة وتمييز واعتدال.

وسر الكهنوت سر مقدس به يضع الأسقف يده على رأس الشخص المنتخب، ويطلب من أجله فينسكب عليه الروح القدس، ويمنحه إحدى درجات الكهنوت، ويصبح له سلطان مباشرة الخدمات الكنسية، ومن ثم فإنه يجب أن تتوافر فيمن يمنح هذا السر، أن يكون صاحياً عاقلاً، فإذا فقد أياً منهما فإنه لا يستطيع أن يمنح هذا السر، وبالتالى فإن كافة التصرفات التى يجريها الأسقف المصاب بعاهة عقلية تكون معدومة ولا ترتب أثراً.

ولا يحول دون ذلك ما يمكن أن يقال من أن الكهنوت دعوة إلهية، واختيار إلهى، وتعيين من الرب، فلا يصح أن يمنح هذا السر المقدس من لا يملك القدرة أصلاً على وضع اليد على رأس الشخص المنتخب، ولا فى استطاعته أن يطلب من الله من أجله أن يكب عليه الروح القدس، وأن يمنحه إحدى درجات الكهنوت.

وهكذا الأمر أيضاً فى حالة القس والقمامصة، فالقس هو كاهن الله، ووكيل أسراره، وله حق ممارسة الأسرار الكنسية، ومن ثم فإنه يجب أن يكون عاقلاً ليدير الخدمة حسناً، وبدون مشكلات أو عثرات، وهذا الشرط هو شرط ابتداء وانتهاء، فيجب أن يكون متمتعاً بكامل قواه العقلية بدءاً من تاريخ سيامته، وطوال مدة خدمته، فإذا فقد هذا الشرط أصبح غير صالح للخدمة، ويتعين إقصاؤه عنها.

 

البابا

ويبقى أهم تساؤل: ما هو دور البابا البطريرك إذا نما إلى علمه بأن مرضاً أصاب أحد الأساقفة، فهل يبقيه على كرسيه، ويعرض أحوال إبراشيته، وشعب إبراشيته للخطر، أم أعطته القوانين الكنسية أية سلطات فى هذه الحالة؟.

والإجابة أن حفظ كرامة الأسقف اقتضت إرساء مبدأ مهم أنه لا يجوز أن يكون هناك أسقف على إبراشيتين فى وقت واحد، وقد أخذ بهذا المبدأ مجمع خلقدونية وأصدر استناداً إليه القانون رقم «12»، والأصل أن هذا المبدأ مستمد من التقليد الكنسى القديم، من تواجد الزواج الرمزى بين الأسقف وإبراشيته، بحيث لا يجوز أن يسام أسقف على إبراشية بها أسقف آخر على قيد الحياة، ومن هذا المنطلق أعطت القوانين الكنسية البابا حق سيامة «خور أبيسكويس» لخدمة بعض القرى أو الأقاليم الخارجة عن كردون المدينة التى عليها أسقف، ولذلك لتفادى تقليد الكنيسة القاضى بألا ينصب لمدينة واحدة أسقفان، وتكون مهمة «الخور أبيسكويس» تغطية خدمات واحتياجات القرى والأقاليم التابعة لهذه المدينة.

كما أعطت القوانين الكنسية البابا حق تعيين نائب له، تكون مهمته إدارة شئون الإبراشية التى حالت الحالة الصحية لأسقفها دون القيام بها، كما أعطته حق حرمان الأسقف الذى فقد الإدراك من القيام بالشعائر الدينية، ومنعه من رسامة الكهنة والشمامسة، وإبرام التصرفات القانونية، وإيداعه المستشفيات المتخصصة للعلاج.

وبالنسبة لأموال الكنيسة فإن المادة 41 من قوانين الرسل ولقد كانت قد أوجبت أن تكون أموال البيعة تحت ولاية الأسقف، فإن ذلك لا يبرر انشغاله بهذه الأموال وإدارتها، بل يجب أن يكون للإبراشية مدبر للأموال يرعى شئونها المالية، لضمانة التصرف فى أموال الكنيسة بسلامة وتدبر.

والقوانين الكنسية لم تشترط أن يكون المدبر علمانياً أو إكليروسياً، فالاختيار مؤسس على المدبر الصالح الذى يختاره الأسقف داخل إبراشيته، فإذا كان الأخير لا يملك المقدرة على إدارة شئون إبراشيته، ولا على اختيار المدبر الصالح، فإن للبابا وحده أن يختار هذا المدبر، وهذا ما أوجبه القانون رقم 11 الصادر من مجمع نيقية الثانى.

وإذا كان الواجب على الأسقف أن يعامل الجميع بالمساواة، وأن يعدل فى القضاء، وأن يدير أمور إبراشيته بعقل وحكمة، لكن حين يعتريه المرض، وتزداد حاجته لشخص ممن حوله يساعده فى كل أموره، فإن الأسقف يترك أذنه لهذا الشخص فيسمع منه نميمته على رجال الإكليروس، ووشايته على أفراد الشعب، ويترك له الحبل على الغارب، فينفذ له أوامره، فيرسم له ما يشاء من كهنته، ويرقى له ما يشاء من قمامصة! بل ينصاع له، فينقل له من يشاء من الكهنة من كنيسة إلى كنيسة، ويكلف من شاء لإدارة أمور الكنيسة، ومن هنا يبدأ التمايز والتنافر.

هذا التمايز هو الذى يحدث الخصومات، والمحاسدات، والتحزبات، فيكون صانعه مجلبة للشر بين الإكليروس وبين الشعب، وبالتالى فإن تواجد الأسقف المريض داخل إبراشيته مجلبة للشر، والانقسام، وبالتالى فإن دور البابا باعتباره خليفة الرسل، والأب الأول فى الكنيسة، وأعلى درجة فى الرتبة الأسقفية، وله رياسة الكهنوت، والمؤتمن من قبل المسيح على كل الشعب، وعلى نفوس الرعية، والحارس الأول على إيمان الكنيسة وعقيدتها وقوانينها وطقوسها، أن يأمر بتعيين نائب بابوى فى كل إبراشية أصيب أسقفها بحالة مرضية، أقعدته الفراش، وحالت حالته العقلية من إدارة شئونها، وذلك ليدير أمورها، ويحافظ على أموالها بتعيين مدبر يرعى شئونها، ويراجع تصرفاتها، وأن يطلب من الأسقف المريض الانصياع لرأى الأطباء والتفرغ لتلقى العلاج فى ديره الذى عاش فيه، ليبقى باقى أيامه ممارساً للحياة المسيحية الأصيلة، التى لا ترتكن إلى سلطان دنيوى فى هذا العالم، ولا تأبه بأمجاده وكراماته الدنيوية الزائفة، يحيا حالة فقر اختيارى وتكريس كامل للحياة مع الله.