رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأكاديمية السويدية ذات «طقوس كهنوتية» معقدة فى اختياراتها

بوابة الوفد الإلكترونية

مترجمون مصريون: نحتاج إلى إعادة ترتيب الأوراق.. ونفتقد فكرة التخصص

لا توجد استطلاعات رأى حول احتياجات الجمهور.. وصعود وجوه عربية للجائزة كان أملًا ضعيفًا

صحيح أن ما أسفرت عنه نتائج جائزة نوبل للآداب، وذهاب الجائزة إلى وجوه غير معروفة عربيًا، على الأقل فيما يخص الكاتبة البولندية «أولجا توكارتشوك» والتى ما زلتُ حتى هذه اللحظة لا أعرف إن كنت أنطق اسمها بشكل صحيح أم لا. صحيح أن هذا هو ما كنت أتمناه، وكتبت عنه قبل إعلان نتائج الجائزة بساعات، وكانت أسبابى فى ذلك، أننا لسنا فى حاجة إلى تسليط الضوء على كتاب مشهورين بالفعل، يحظون كل عام بنصيب الجميع من الترجمات العربية مثل: «موراكامى» أو ميلان كونديرا واللذين تقريبًا ترجمت أغلب أعمالهما، وبأكثر من ترجمة، وأصبحا فى الأساس أكبر من أى جائزة بعد ما حظيا به من شهرة.

لذلك كنت أعتبر أن طرح نوبل لوجوه إبداعية جديدة هذا العام، ربما يفتح آفاقًا جديدة للقارئ العربى وفى ترجمات لكتّاب أكثر طزاجة. وبالطبع كانت فكرة صعود أحد الأقلام العربية أملًا رائعًا؛ لكنه أمل جميعنا كان يعلم أنه ضعيف، خاصة فى ظل ما يعرف عن الأكاديمية السويدية للآداب من أنها لجنة ذات «طقوس كهنوتية» معقدة وسرية فى اختياراتها، ولا نعرف عنها الكثير، حتى إنها الجائزة الوحيدة التى لا تعلن شيئًا عن أسماء مرشحيها ولا عن جغرافيتهم.

وعلى الرغم من كل ذلك إلا أننى أعترف بأننى شعرت بغصة فى عقلى بعد إعلان نتائج الجائزة، ليس لأن كل من توقعناهم لم يُفز منهم أحد، ولكن لأن أحدًا ممن فاز لا نعلم عنه شيئًا، وإن كان الكاتب النمساوى بيتر هندكه والذى قد حصل على الجائزة عن عام 2019 هو اسم معروف إلى حد ما وله عدد من الترجمات العربية، لكن أعتقد أن هذا يعود إلى مواقفه السياسية المشاكسة.

بينما الكاتبة البولندية «أولجا توكارتشوك» والتى فازت بالجائزة عن 2018 فليست لها ترجمات للعربية تقريبًا، وعلى الرغم من أن هذه الكاتبة فازت العام الماضى بجائزة مان بوكر الدولية، وهى جائزة لها من الأهمية ما كان يستوجب لفت النظر لكتاباتها، لكن للأسف هذا الفوز للكاتبة والذى وصفه العالم بالمستحق، لم يكن شفيعًا لها لدى أى من دور النشر والترجمة العربية؛ سواء الخاصة أو المؤسسات الرسمية للنظر بعين الإبداع على كتاباتها.

نعم؛ نحن فى مصر والوطن العربى نمتلك العديد والعديد من دور النشر والترجمة، إلى جانب المؤسسات الرسمية المختصة بشأن الترجمة، إلا أن كل هؤلاء لم يأبه أحد منهم لأولجا البولندية، وكأنهم اعتادوا اللعب على النقاط المضمونة، وهم الكتّاب المعروفون بالفعل، فليس لدى أحد وقت لغربلة الكتابات العالمية والتى تطرح كل يوم جديد، بهدف تقديم الأهم فيها للقارئ العربى المُرغم على قراءة المتاح أمامه فقط، وإلا سوف ينقطع عن العالم، ولا يعبر الجسر الوحيد للجانب الآخر من العالم ألا وهو الترجمة.

ولأن الأمر فى حاجة إلى اجابات قاطعة؛ فما كان علينا إلا التوجه إلى أولى المعرفة من خلال أصحابه، لنسألهم ونعلم منهم؛ هل حركة الترجمة فى مصر تتوجه نحو الطريق الصحيح؟ وهل هم راضون عن خطواتها وطموحاتها وإنجازاتها؟ أم أنهم يرون أنها أصابها العوار وهى فى حاجة إلى من يأخذ بيدها للاتجاه الصحيح؟ وما الخطوات المطلوبة لإنجاز هذه الخطوات.

لقاؤنا الأول كان مع الدكتورة راقية جلال الدويك، الكاتبة والمترجمة، والحاصلة على الجائزة الكبرى فى مجال الترجمة عن رواية«رحلة الخروج» الصادرة عن سلسلة الجوائز فى 2018. والواقع أن رأى الدكتورة «راقية» حمل لنا بعض من التفاؤل، فهى لا ترى الصورة قاتمة للغاية حيث تقول فى رأيها: أرى أن حركة الترجمة تسير بشكل جيد فى العموم، خاصة فى الآونة الأخيرة بعد تصاعد الاهتمام بالكتب المترجمة، وتأكيد أهمية الترجمة كناقل ثقافى أساسى فى ظل عالم مفتوح يحتاج باستمرار لتبادل الثقافات والخبرات والعلوم والمعارف، ولا يوجد طريق لتحقيق ذلك أفضل من الترجمة.

واستطردت «الدويك»: «لوحظ فى السنوات القليلة الماضية انتشار دور الترجمة الخاصة، حيث بدأ القارئ العادى والناشر الخاص يهتم بأن ينتج ثقافة مترجمة ويصل بها لجمهور هو فى تزايد مستمر.. بل إن دور النشر الخاصة التى اعتادت مسبقا نشر المؤلفات العربية، فقط سواء عامية أو فصحى، فقد اتجه الكثير منها مؤخرا إلى ترجمة الكتب الأجنبية، ونشرها ضمن منشوراتها والتعامل معها كمنتج ثقافى أساسى يجد قارئه المهتم به».

وعن مشكلات الترجمة التى غالبًا ما تواجه المترجم. وتابعت الدويك: أنا أرى أن الترجمة كعملية ثقافية بالأساس هى مهمة ثقيلة ليس من السهل الاضطلاع بها من قبل أفراد أو مؤسسات فردية، وإنما تحتاج إلى مؤسسات رسمية، فمسألة اختيار كتاب للترجمة وسط مجال ثقافى شديد التنوع والثراء هى أمر معقد يحتاج لتحديد أوجه النقص فيما هو مطروح فى سوق النشر ليتم سده من خلال الترجمة، كذلك فاختيار المترجم المؤهل والمناسب لنوع النصوص المزمع ترجمتها هى مهمة حساسة للغاية وشديدة الصعوبة، فليس كل من أجاد اللغة الأجنبية يستطيع نقلها إلى لغته بالجودة اللازمة لتوصيل الرسالة التى يضمها الكتاب أيًا كانت لغته وفحواه، والأهم بالنسبة لى هى فكرة الترجمة المتخصصة، فليس كل مترجم يستطيع ترجمة أى نص، فكل مجال له مفرداته ومصطلحاته ولغته الخاصة، مما يؤكد الحاجة المتزايدة لتأهيل مترجمين متخصصين أكفاء، ليكون المنتج الترجمى على مستوى العمل الأصلى قدر المستطاع. كذلك فالجهد المبذول فى عملية الترجمة جهد شاق يحتاج للمقابل المادى المكافئ له، وهى مهمة قد لا تستطيع دور النشر الخاصة القيام بها فى ظل ارتفاع أسعار المواد الخاصة بعملية النشر بشكل عام. ولكن تظل أهمية الترجمة كناقل ثقافى وجسر حضارى أمرا راسخا يستحق كل ما يبذل لتحقيقه من جهود عامة وخاصة.

أما تعليق «الدويك» على نتائج «نوبل» للآداب هذا العام كان: أعتقد أن الأسماء الفائزة مؤخرا بجائزة نوبل فى الأدب تؤكد على أهمية أمر أساسى، لعله الباقى بعد كل سجالات الانتشار والأسماء اللامعة، ووسائل النشر التى أصبحت أسهل من حديث الشارع العادي؛ ألا وهو الجودة.. ستظل جودة المنتج الأدبى هى الفيصل الحقيقى فى تحديد قيمة المنتج، واستمراره وبقائه حتى لو لم يحظ بوهج الدعاية، ولمعة الانتشار التى قد يحظى بها عمل آخر، تم دعمه بطرق متعددة ليس من بينها جودته الاصيلة.

وعن رأيها فى عدم معرفة القارئ العربى شيئًا عن الكاتبة البولندية «أولجا توكارتشوك» أجابت: لأنه يندر الترجمة عن البولندية، بالطبع توجد ترجمات عن لغات عديدة لكن الغالب يكون فى الإنجليزية والفرنسية.. لكن مؤخرا هناك توجها للترجمة عن لغات أخرى أظن ستكون البولندية من ضمنها بعد نوبل هذا العام.

أما مترجم اللغة الألمانية محمد رمضان حسين؛ فقد كان

رأيه أن حركة الترجمة العربية بالفعل ليست بخير، وأنها تحتاج خطوات كثيرة مهمة، ويجب أن تكون سريعة، حتى يمكن تخطي أزماتها الحالية، فيقول فى ذلك: رغم كل الجهود التى تشهدها حركة الترجمة فى الوطن العربى من مؤسسات عامة وخاصة وأفراد، وهى بالفعل جهود مقدرة ومثمنة قفزت بحجم ومستوى الترجمة إلى العربية قفزة كبيرة فى العشرين عامًا الماضية، لكن للأسف ما زالت أقل من القليل، ولا يعدل كل نتاج الوطن العربى فى الترجمة نصف أو ربما ثلث إنتاج دولة أوروبية واحدة، فما زالت المشاكل والعوائق تكبل كل العاملين فى هذا المجال.

وعن الخطوات التى ينبغى اتخاذها على طريق تصحيح المسار، تابع «حسين»: بالتأكيد لا يسع أى مترجم الرضا عن حال الترجمة إلى العربية الآن، فهى إن كانت تسير ببطء للأمام لا يعنى أبدًا أنها على المسار الصحيح، فإن كنا نتكلم عن تحسين مسار حركة الترجمة فيجب أولا وضع ومناقشة سياسات الترجمة، وأوضاع وحقوق المترجم، وجودة وإخراج الترجمات.

وعن رأيه فى نتائج « نوبل» للآداب هذا العام، قال: وربما تكون نقطة إيجابية لصالح القراء أن تطرح الجوائز العالمية أسماءً غير معروفة ولم يسبق ترجمتها، فللأسف أغلب سوق الترجمة العربى يعمل وفقًا لما يطلبه الزبون، فنحن هنا لا نتكلم عن قارئ واع أو مثقف مستنير يوجه سوق النشر لضخ أعمال ترقى بالذوق والثقافة، ولكن زبون لا ينشغل كثيرًا بمحتوى السلعة التى يشتريها من باب الوجاهة الاجتماعية فقط، وللأسف ساهم بعض الناشرين بالفعل فى وجود هذا الزبون وتهميش القارئ الحقيقى، فصرنا فى حلقة مفرغة، ودوامة مفزعة تشد معها المترجم الذى يسعى لمجاراة السوق وكسب قوت يومه من مهنته وإبداعه.

وأكد الدكتور أحمد عمرو عبد الله الشاعر والمترجم والذى يعمل أستاذا مساعدا بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، فى حديثه أنه لا يخفى على أحد حال الترجمة العربية الآن من حيث الكم والكيف، وأن هناك تفاوتًا فى هذا النمو بين الدول العربية، وقد تكون التحديات التى تواجه المترجمين والقراء والجهات الممولة والداعمة أحد العوامل القائمة وراء ذلك. ويضيف عبد الله: للأسف لا توجد لدينا أسس واضحة يمكن الاستناد إليها لاختيار الكتاب المراد ترجمته، كما لا يوجد أى استطلاعات حول احتياجات الجمهور لترجمة موضوعات أو كتب بعينها، بالإضافة إلى عزوف البعض عن الاشتراك فى عمل جماعى واقتصارهم على الترجمة الفردية.. وعلى الرغم من أهمية الترجمة، قد ينشغل البعض فى ترجمة الكتب والروايات الأجنبية عن تأليف منتج عربى أصيل تسعى مجتمعات وثقافات ولغات أخرى إلى نقله إلى بلدانهم بلغتهم، خاصة أن لغتنا العربية هى أكثر لغات العالم ثراء.

والدكتور أحمد عمرو عبدالله كانت له وجهة نظر فى نتائج نوبل هذا العام حيث يقول: إن إحدى الجوانب المحبطة حصول الكاتبة البولندية أولجا توكارتشوك جائزة نوبل للآداب عن 2018 والتى لم يعلن عنها إلا  أمس الأول، فى حين يجهلها المجتمع العربى بهذا الشكل، وعلى الرغم من ذلك توجت بالجائزة وفرضت مؤلفاتها على العالم.

ويتساءل: ما العوامل التى دعمتها هى ونفتقر إليها نحن؟ هل انتشار ثقافة الترجمة والتأليف داخل مجتمعها، أم توفير وسائل الدعم والتحفيز الكافى كالجوائز التى تقدم لعمل جاد سواء مؤلفًا أو مترجمًا؟

وعن المشكلات التى قد تواجه القارئ وقت قراءته نصًا مترجمًا يقول عبد الله: نجد فى الفترة الأخيرة أن كثيرًا من الأعمال المترجمة، إما تختلف عن النص الأصلى حتى تتناسب مع ثقافة القارئ، أو أن تلتزم بالنص الأصلى دون أى اعتبار لثقافة القارئ. وهذا التغير من لغة إلى أخرى أو من ثقافة إلى أخرى يمكن أن يفسد فهم القارئ حتى لو كانت جملة بسيطة، وهى معادلة صعبة يحسمها المترجم المتخصص ذو الخبرة العملية والحس الثقافى. إن الترجمة أكثر من مجرد إتقان لغتين فقط، بل هى تعنى أن يكون المترجم قادرًا على ترجمة ونقل الرسالة بشكل مناسب، وفقًا للغرض منها والجمهور المستهدف، مع عدم التركيز على الجوانب اللغوية فقط، ولكن أيضًا عليه الاهتمام بالعوامل الاجتماعية والثقافية. ويضيف: كما يعد احترام عقل القارئ أمرًا فى غاية الأهمية، فعلى الرغم من أن ترجمة الروايات والكتب الأدبية والقصص الأقرب إلى عواطف الجمهور ولها آثار إيجابية، إلا أننا بحاجة إلى ترجمة الكتب العلمية المبسطة التى تجذب الجمهور العام غير المتخصص والتى تسهم أيضًا فى تطوير الفكر العربى، وهو ما يعرف بتبسيط العلوم كخطوة لتوصيل المفاهيم العلمية المتخصصة للقارئ العادى.