رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لواء أركان حرب حسام سويلم يكتب: السلفيون يشعلون نار الفتنة

بوابة الوفد الإلكترونية

قدموا أنفسهم للناس باعتبارهم أهل السنة ومتبعى السلف الصالح وأصدروا فتاوى مسمومة تخلط الدين بالسياسة

أحداث الفترة السوداء من تاريخ مصر أثبتت أن هدف الإخوان والسلفيين هو الاستحواذ على السلطة

الوطن لديهم ليس سوى «حفنة من التراب العفن».. والديمقراطية عمل من أعمال الشيطان!

 

لا تختلف معتقدات وسلوكيات جماعة الإخوان الإرهابية عن معتقدات وسلوكيات الجماعة السلفية فى مصر، فكلاهما مسئولان عن إشعال الفتنة الطائفية، فالمرتكزات الفكرية لهم واحدة، قائمة على تكفير المجتمعات الإسلامية كلها بزعم عدم تطبيق الحكام للشريعة الإسلامية، ومادامت هذه المجتمعات كافرة فى نظرهم.. فإنها بكل ما فيها من شعب ومؤسسات دولة حلال الدم والمال والعرض فى عقيدتهم التكفيرية، وأن هذه الجماعات هى المنوط بها إعادة هذه الدول إلى الإسلام باستخدام القوة والعنف والإرهاب.. إذا ما تطلب الأمر ذلك. يتضح ذلك بوضوح فى عنوان الدراسة التى نشرها خيرت الشاطر - نائب المرشد وأخطر القيادات الإخوانية فى مصر - بعنوان «فتح مصر»، وذلك فى مقالة بمجلة المصور فى 2 ديسمبر 2005، بمعنى أنه - أى خيرت الشاطر- يمثل عمرو بن العاص «الثانى» الذى سيعيد فتح مصر ويدخل شعبها فى الإسلام، أما أسلوبه لتحقيق سيطرة الإخوان على المجتمع فيتمثل فى السيطرة على النقابات المهنية واختراق الأحزاب ونوادى هيئات التدريس والجامعات، فضلا عن بذل أقصى الجهود لاختراق الجيش والشرطة، ناهيك عن استهداف الشرعية المتمثلة فى رئاسة الدولة والحكومة، والبرلمان والقضاء، لذلك لم يكن غريبا بعد أن استولى الإخوان على السلطة فى مصر عام 2012 أن يخطب محمد مرسى فى 9 مايو 2012 فى مؤتمر بميدان عمرو بن العاص قائلا: «إن عمرو بن العاص دخل مصر فى وقفة العيد، وها نحن سنعيد الفتح الإسلامى من جديد».

أما السلفيون فقد كانوا أكثر مكرًا وخداعًا.. حيث قدموا أنفسهم للناس باعتبارهم أهل السنة ومتبعى السلف الصالح، وأن كل ما يصدر عنهم من فتاوى وأفكار مسمومة تخلط الدين بالسياسة، هى من السنة الشريفة، استنادا لأحاديث موضوعة ثبت كذبها وعدم نسبتها لرسول الله، فضلا عن أقاصيص وروايات تاريخية وهمية مختلفة لا أساس لصحتها، بل ثبت زيفها. وذلك كان محور دعوة قادة الجماعات السلفية فى مصر فى تقديم أنفسهم للشعب المصرى، بأنهم «الحراس على علم الحديث القائم على المنهج والتدقيق»، فى حين كانوا فى الحقيقة يلقون فى عقول الناس روايات مكذوبة وأحاديث موضوعة دون سند أو مصدر، وكانت الخطب فى المساجد وجلسات الارشاد فيها وفى الزوايا والمعاهد والمدارس التابعة للسلفيين، هى ساحات ترويج أفكارهم الهدامة، والتى اتسمت بالتناقض فضلا عن دعوات التظاهر لتنفيذ أعمال القتل والتخريب فى أنحاء المجتمع. فقد كان السلفيون أول من قاموا بحصار مدينة الإعلام، والمحكمة الدستورية العليا إبان الأحداث المأساوية التى وقعت فى يناير 2011 وما بعده لأربع سنوات حتى نهض الشعب المصرى بثورته فى 30 يونية 2013.

حيث أثبتت أحداث هذه الفترة السوداء من تاريخ مصر أن كلا الفريقين - الإخوان والسلفيون - هدفهما واحد، وهو الاستحواذ على السلطة، والاستراتيجية واحدة لتحقيق هذا الهدف، وهى قائمة على المتاجرة بالدين وخداع وتضليل الناس وجذبهم بشعارات دينية هى كلمات حق يراد بها باطل مثل إقامة الحدود، وتطبيق الشريعة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واستعادة الخلافة.. وغيرها من الشعارات الإسلامية البراقة. أما أساليب تنفيذ هذه الأهداف فتتمثل فى المظاهرات التخريبية والاستيلاء على الميادين والاعتصام بها، واتخاذها مركزا لجمع الإرهابيين والأسلحة والأموال والتخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية فى سائر ربوع مصر، كما كان الحال فى اعتصام ميدانى رابعة والنهضة وميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية، حيث تشارك الإخوان مع السلفيين فى إثارة الفوضى وأعمال العنف والإرهاب فى ربوع مصر خلال المظاهرات التى وقعت فى تلك الفترة. ولم يكن يميز السلفيين عن الإخوان فى هذه الأعمال، سوى أن السلفيين حرصوا.. ويحرصون حتى اليوم على المظهر من حيث ارتداء الجلباب الأبيض القصير، فضلا عن اطلاق اللحى وارتداء «العدية» وهى العمامة البيضاء ذات الذيل، أما الإخوان فكانوا يخلطون فى زيهم بين الجلباب والبدلة، وأقل تمسكا بالشكليات، وإن اجتمع الاثنان فى إطلاق اللحى. كما يختلف السلفيون عن الإخوان فى أن السلفيين أشد عداوة وكراهية وحقدًا على الأقباط فى مصر، بينما يحاول الإخوان إخفاء هذا الشعور من باب «التقية» السياسية.

استهداف الأقباط

- وتؤكد العمليتان الإرهابيتان الأخيرتان فى دير الأنبا صمويل بالمنيا أن الأقباط أصبحوا مستهدفين أكثر من أى وقت مضى، لأنه أضيفت لأول مرة أسباب سياسية بجانب الدوافع الطائفية، فقد صنفوا ظلما بأنهم ذراع للنظام أو معاونون له.

- والواضح أن هناك مسارين لاستهداف الأقباط فى مصر:

المسار الأول: طائفى نتيجة التعصب والجهل استنادا إلى أحاديث موضوعة موجودة فى كتب التراث، وترسخت فى عقول المتطرفين السلفيين والإخوان وتنظيمات الإسلام السياسى أيا كان اسمها، نتيجة التعصب والجهل والطائفية ولا تجد من يتصدى لها من شيوخ المسلمين، نتج عنها رفض بناء الكنائس أو منع الأقباط من الصلاة أو الاعتداء على بيوتهم، كما تكرر فى المنيا وغيرها.

المسار الثانى: فهو مسار الانتقام السياسى والطائفى الذى كرسه تنظيم داعش مؤخرا، منذ أن بث شريطه الشهير منذ ما يقرب من عامين، وأعلن فيه استهداف المسيحيين دون أن يشير لمفاهيم أهل الذمة التى تبنتها الجماعات الجهادية فى سبعينيات القرن الماضى، بل تعامل معهم باعتبارهم فئة سياسية باغية قبل أن يكونوا طائفة دينية يجب فى عرفهم اضطهادها، ووضعهم فى نفس مرتبة النظم التى يحاربونها ويصفونها بـ«النظم الطاغوتية» أو «المرتدة». بل من بيان داعش الأخير وصف المسيحيين بأنهم جماعة معاونة للنظام وتوعدهم بالثأر. وهذا الكلام ليس مغلوطا فقط إنما أيضاً يلوى حقائق الواقع ويزورها، لأن المسيحيين فى مصر ليسوا جميعا مؤيدين الحكم الحالى، بل منهم معارضون سياسيون ولكن دون اللجوء لأساليب العنف.

وأبرز دليل على الفكر الهدام والمنحرف والتخريبى الذى يتبناه السلفيون وغيرهم من فصائل الإسلام السياسى، أنه لم يقتصر فقط على هدم واحراق الكنائس والمنشآت الدينية والمدنية للأقباط فى مصر، بل امتد أيضاً إلى تدمير وإحراق المنشآت الاستراتيجية فى الدولة.. مثل مقار المحاكم والشهر العقارى وأقسام الشرطة ومحطات القوى والارسال الفضائى وآبار النفط والسدود وأبراج الكهرباء والقطارات والكبارى.. ناهيك عن جرائم قتل المسئولين فى الدولة ورجال الشرطة والجيش، واحتلال المساجد لترويج أفكارهم المتطرفة من خلالها بغرض تفريخ إرهابيين جدد.

الكنائس لا تهدد الإسلام

وفى مقدمة الشعارات الباطلة التى يروج لها السلفيون دعاة الفتنة، أن التوسع فى بناء الكنائس فى مصر سيؤدى إلى تغيير الهوية الإسلامية لمصر، وتصاعد نفوذ المسيحيين على حساب المسلمين، الأمر الذى يفرض من وجهة نظرهم، ليس فقط منع بناء كنائس جديدة، ولكن أيضاً احراق وتدمير المتواجد فيها، وقد وضع هؤلاء السلفيون المتطرفون دعاواهم هذه موضع التنفيذ بمحاولة جعل المسلمين فى مواجهة شبه مستمرة مع المسيحيين، أججتها للأسف بعض وسائل الإعلام المغرضة فى الجانبين.

إلا أن المسئولين عن التوعية السياسية والدينية والاجتماعية فى مصر لم ينتبهوا إلى حقيقة بديهية ومهمة كان من الواجب تسليط الضوء عليها من قبل وسائل الإعلام والثقافة، وهى أن الإسلام بمبادئه وركائزه العقائدية وأخلاقياته وتاريخه أقوى وأعظم من أن يتأثر سلبا ببناء عدد إضافى من الكنائس هنا أو هناك، أو أن ترميم كنائس مقامة سيغير معتقدات المسلمين وهويتهم ونفوسهم، وكلها مفاهيم باطلة وسخيفة، وذلك أن هوية مصر الإسلامية لا يمكن أن تتغير أو يتهددها احتفال المسيحيين بأعيادهم واحترام تقاليدهم، بل ومشاركة المسلمين لهم فيها، وهو ما اعتاده المصريون عبر القرون مثل عيد شم النسيم الذى يواكب عند المسيحيين عيد القيامة، كما أن مشاركة المسيحيين للمسلمين فى الحياة السياسية والاقتصادية وتولى المناصب فى الجيش والشرطة.. بما فى ذلك عدد من المناصب القيادية فى مؤسسات الدولة - وزراء ومحافظين - لا يمكن أن يؤثر على الهوية الإسلامية الأصيلة لمؤسسات الدولة المصرية.

التنطع سمة السلفيين

يكشف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحدد سمات المتشددين فى الدين، والمغالين فى كل أمر من أموره بغير ما أمر به القرآن والسنة، وكلاهما يتسم بالتيسير وعدم التشدد، بأن وصفهم سيدنا رسول الله، وحدد مصيرهم فى الحديث الشريف «هلك المتنطعون». والمقصود بهم المتعمقون الذين يخرجون عن حد الاتزان، والمتقعرون فى استخدام مفردات اللغة، المتكلفون الفصاحة فى الكلام والتشدق به، واستخدام غريب الألفاظ فى مخاطبة الناس لاستمالة قلوبهم، وهو أمر منهى عنه فى الدين.

كما أطلق التنطع فى الدين على كل من يتشدد فيه، سواء بالأقوال أو الأفعال، فيبتعد بذلك عن الوسطية والاعتدال، وهما روح الإسلام، لذلك دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهلاك، وهو دلالة على ذم ما هم فيه من حال التنطع، وإخبار عن هلاكهم فى الدنيا والآخرة. ويدخل فى التنطع أيضاً المغالاة فى العبادة إلى درجة تخرج عن أمر الشرع، فى حين حث الإسلام فى كثير من الآيات والأحاديث على التيسير وعدم التشدد فى أمور الدين والدنيا، مصداقا لقوله تعالى «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» «185 - البقرة»، وأيضاً الحديث الشريف: «إن الدين يسر، فأوغلوا فيه برفق، فما شاد الدين أحد إلا غلبه».

ومن أبرز سلوكيات المتنطعين التى نهى عنها الدين، مخالفتهم ما أمر به القرآن وسنة رسول الله فى أن يلتزم المسلم نفسه ومن يعول فقط ولا مسئولية عليه تجاه الآخرين، مصداقا لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتهم» (105 - المائدة)، حيث يوجه المتنطعون أحاديثهم وأعمالهم للآخرين، بل ويضغطون عليهم وتهديدهم والتعدى على حرماتهم بما يصل إلى حد القتل، متجاهلين وغافلين ومتناسين ما بأنفسهم من مساوئ ومخاز، مخالفين بذلك أمر المولى عز وجل، كما يخالفون الحديث الشريف «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان». حيث يتجاهلون ارتباط هذا الحديث بحدود مسئولية المسلم فى الإسلام، والتى تنحصر فى نفسه ومن يعول فقط، عملا بقوله تعالى: «قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة» «6 - التحريم» أى أن من رأى منكم منكرًا فى نفسه ومن يعول، فعليه أن يغيره بيد القدرة التى منحها الله له، فإن كان من الضعف بحيث لم يستطع أن يغير ما فى نفسه ومن يعول بيد القدرة التى مكنه الله منها، فليغير هذا المنكر بلسانه - أى يذكر نفسه ومن يعول بعواقب ما بنفسه من منكر ليردعها عن المضى فيه وهو ما يعرف بالنفس اللوامة التى يقسم بها الله، فإذا بلغ بنفسه الضعف حتى لم يستطع أن يغير ما بنفسه من منكر، وردعها عن المضى فيه «فبقلبه» أى يكون المنكر قد وقر فى قلبه، وهنا يصبح فعلا أضعف الإيمان، هذا هو المنطق السليم للحديث الشريف الذى يتاجرون به ليحللوا لأنفسهم الاعتداء على الآخرين بدعوى تغيير المنكر فيهم من وجهة نظرهم، غافلين تماما عما بأنفسهم من منكر، وكذا أهليهم المسئولين عنهم أمام الله فى الدنيا والآخرة.

لذلك يجب ألا يؤخذ من هؤلاء المتنطعين دين ولا إيمان، لا سيما بعد أن وصل الأمر إلى زعمهم بأنهم يحكمون بأمر الله!! يحللون ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون، دون سند فى قرآن أو سنة، وهى أبرز سمات المتنطعين، ناهيك عن تعاليهم على عامة الناس، وانتفاخ وتضخم «الأنا» لديهم، بزعم أنهم أكثر الناس إيمانا وعلما فى الدين، ومن هم دونهم أقل شأنا، وعليهم أن يأخذوا مسائل الدين والدنيا من فتاواهم المنحرفة!!

الدور التخريبى

- لقد أثبتت الأحداث التى ارتكبها المتنطعون عن السلفيين فى فترة التسيب والانحطاط الحضارى والأخلاقى التى واكبت أحداث 25 يناير 2011 فى مصر، والتى وصلت إلى حد الجرائم التى يعاقب عليها القانون، أن هؤلاء المتنطعين كانوا من خطباء المساجد والوعاظ، ويصدق فيهم قول المولى عز وجل «كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» «3 - الصف».

فقد رصد لأحد كوادرهم.. ويدعى أشرف يوسف حسن، وكنيته «أبو أنس» شريط فيديو يوم 9 مايو 2011، فى ذروة أحداث فتنة 25 يناير، وهو فى وسط مجموعة من السلفيين يخطب فيهم قائلا «والله ما نبقاش رجالة إذا ماولعناش الليلة كل الكنائس فى امبابة»، وكان يشير تحديدا لكنيسة «مارمينا» وذلك بعد أن وصف المسيحيين بأسوأ الألفاظ، متهما إياهم بتجميع سلاح فى الكنائس، وأنهم يطلقون النار على المسلمين.. وهو ما لم يحدث اطلاقا من جانب المسيحيين فى هذه الأحداث السوداء، وقد أحرقت بالفعل وغيرها من الكنائس فى هذا اليوم.

ناهيك عما أصدروه فى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى من سيل الفتاوى الضالة والهدامة التى ساهمت فى اشعال نيران الفتنة فى المجتمع المصرى، لاسيما بين المسلمين والمسيحيين، ولذا ينطبق عليهم حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «أجرؤكم على الفتيا وأجرؤكم على النار»، وحديثه الشريف الآخر «من قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار».

هذا إلى جانب ما كشفت عنه الأجهزة الأمنية من قيام أعداد من قياداتهم وكوادرهم بإنشاء تنظيمات مسلحة سرية، يتم تمويلها وتسليحها وتدريبها والإشراف عليها من قبل دول معادية فى الدائرتين الإقليمية والدولية، ساعين لبناء قاعدة شعبية تأتمر بأوامر قياداتهم، ولا تخرج عن سمعهم وطاعتهم، وبما يؤدى إلى الاستقطاب الحاد، ودخول العمل الإرهابى حقبة جديدة تعتمد على عناصر أكثر تشددا ثم تفريخها مسبقا، تقدر الأجهزة الأمنية اعدادهم بالملايين منتشرين فى ربوع العالم العربى والإسلامى، لعل أشهرها، الصحوة فى سوريا وداعش فى العراق وطالبان فى أفغانستان، أما فى مصر فإن جرائم تنظيم أنصار بين المقدس الذى يرتكب جرائم القتل والتخريب فى سيناء، أبرز مثال على ذلك بعد أن أعلن مبايعته لتنظيم داعش.

وقد عمل هؤلاء السلفيون على اضعاف الروح الوطنية، فالوطن لديهم جميعا واتباعهم، كما لدى جماعة الإخوان، ليس سوى «حفنة من التراب العفن»، والرابطة لديهم دينية منحرفة ليست وطنية، فى حين أن الإسلام لا يفرق بين ولاء وانتماء المسلم لعقيدته وولائه وانتمائه لوطنه، وهو ما يعبر عنه الحديث الشريف: «من مات دون أرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد». إلا أن هؤلاء المتنطعين يضربون عرض الحاط بكل ما يحث عليه القرآن، ويحض على الارتقاء بالولاء والانتماء للوطن والدفاع عن حرماته، فكل هذه القيم النبيلة ليست من وجهة نظرهم إلا «عناصر جاهلية ووثنية».

أما الديمقراطية فى مفهوم هؤلاء المتنطعين فليست سوى سبيل للوصول إلى السلطة فقط، ولكن بعد الوصول إلى ما يطلقون عليه «مرحلة التمكين»، ذلك أن الديمقراطية فى مفهومهم «عمل من أعمال الشيطان»، وبذلك تفرض جماعتهم - أو حزبهم - قانونها ورؤيتها على الجميع بقوة السلاح، بل لقد وصل الأمر لأن يفتى واحد من كبارهم بأن من يتعامل ويتعاون من المسلمين مع المسيحيين، فهو «من العلمانيين دعاة جهنم ومثواهم النار»، وهى دعوة لإثارة الفتنة والحض على الكراهية والتطرف، فضلا عن إثارة الانقسامات بين فئات المجتمع وشركاء الوطن.

وتزداد خطورة تغلغل السلفيين فى المجتمع المصرى واختراق صفوفه، عندما ندرك حقيقة أنه يتم استخدامهم بواسطة القوى الأجنبية من أجل إشعار الناس فى الداخل والخارج بأن الإسلام مجرد خرافة ودين يدعو للإرهاب والقتل والتخريب، والسلفيون يساعدون على ذلك بنشر فتاواهم المنحرفة عن الإسلام التى تشيع الكراهية والعداء ضد غير المسلمين، ذلك أن أى داعية سلفى يمكن جرجرته بواسطة وسائل الإعلام التى تجندها أجهزة المخابرات الأجنبية لخدمتها، إلى الحديث فى موضوعات كثيرة للغاية فى أمور الدين والدنيا، فيخوض فيها بما يتعارض مع الدين والقيم الاجتماعية التى ترسخت فى المجتمع، ويخرج ليقول إن المسيحيين كفار.. وغير ذلك من المعارك التى تثير التهكم والازدراء، وبما يدفع الناس إلى كره الدين والوطنية ووحدة الصف.

أما حزب النور الذى يمثل التيار السلفى

فى مصر، فليس له أى نشاط اجتماعى إيجابى، فلم نره يشارك فى معارك بناء الوطن.. سواء على الصعيد الخدمى أو التنموى أو المعنوى، خاصة عندما تقع بعض الكوارث البيئية أو المجتمعية، لا فى مصر ولا فى خارج مصر حيث البلاد التى تكتوى بنار الجماعات السلفية مثل الصومال، فلم نشاهد من هذا الحزب - لا على مستوى القيادات ولا القواعد الحزبية - أى نشاط إيجابى، سوى السعى للظهور على شاشات الفضائيات لترويج شعاراتهم الزائفة وفتاواهم الباطلة والمنحرفة، وأبرز مثال على ذلك عدم مشاركتهم فى حملة الدولة لعلاج فيروس «سى»، أو اغاثة المتعرضين للسيول، والسلفيون فى ذلك لا يختلفون أبدا عن جماعة الإخوان فى موقفها العدائى والسلبى ضد المجتمع المصرى.

التنظيم الدولى

الجميع يعرفون جيدا وجود تنظيم دولى للسلفيين، وهو ما كشف عنه الكاتب أحمد الحصرى فى مقاله بصحيفة البوابة فى 11 نوفمبر 2018. فقد أشار إلى دراسة موثقة تقول أن البداية كانت فى عام 2009، حيث يعتبر هذا العام نقطة تحول كبرى فى تاريخ السلفيين.. ففى ذلك العام قررت وزارة الداخلية بقيادة حبيب العادلى الاستعانة بالسلفيين لمواجهة جماعة الإخوان خاصة بعد ما حققته الجماعة الإرهابية من مكاسب سياسية فى انتخابات 2006، وبذلك كانت الوزارة - كما يقول المثل «كالمستجير من الرمضاء بالنار»!! حيث تم فتح المجال أمام السلفيين إعلاميا ودعويا!! وأسسوا مجموعة قنوات فضائية ساعدتهم فى تكوين جيش جرار من الأتباع السذج فى مختلف بقاع مصر.

وفى مقابل هذا فقد التزم السلفيون بالابتعاد عن السياسة.. ولكى يؤكدوا حسن نواياهم أعلنوا فى بيان رسمى أن الديمقراطية «كفر»، وأن الخروج على الحاكم «حرام»، وأن ممارسة العمل السياسى «رجس من عمل الشيطان»، ووصفوا البرلمان بأنه «طاغوت لأنه يشترك مع الله فى التشريع»!! وتعهدوا بالاكتفاء بإلقاء الدروس الدينية فى المساجد، ولكن فجأة بعد «ثورة» 25 يناير تأكد للجميع أن السلفيين أشد كذبًا من جماعة الإخوان الكذابين، بل وأكثر كذبا من مسيلمة الكذاب، فقد انفتحت شهية السلفيين للعمل بالسياسة بحماس شديد، وأسسوا عدة أحزاب سياسية «النور، الفضيلة.. وغيرها»، ودخلوا البرلمان «الذى سبق أن وصفوه من قبل بأنه الطاغوت الأكبر الذى يشترك مع الله فى التشريع»!!

وللباحث ماهر فرغلى، دراسة بعنوان «التنظيم الدولى للسلفيين.. النمو الصامت» قال فيها «إن السلفيين يبالغون فى السرية ولا يتحدثون مطلقا عن تنظيمهم الدولى، وأضاف ماهر فرغلى: «أنه عقب ما يسمى بـ«الربيع العربى»، بدأ التنظيم الدولى فى الظهور رويدًا رويدًا.. وهذا التنظيم شبيه لحد كبير جداً بالتنظيم الدولى لجماعة الإخوان المجرمين، فكلا التنظيمين يؤمن بفكرة الأممية، ولا يؤمن بالوطن! ومصر بالنسبة لكلا التنظيمين هى فقط مجرد ولاية تابعة لدولة الخلافة، كما يرفضان الحدود الجغرافية بين الدول، ويؤمنان بالتنظيم العابر للقارات، وأن الوصول لحكم مصر يحتاج إلى دعم دولى، وأن هذا الدعم سيأتى عن طريق التنسيق مع فروع التنظيم فى الخارج.

ويعتبر كتاب «السلفية والعمل السياسى» لصاحبه الشيخ أبوالحسن مصطفى المازنى، بمثابة «مانيفستو» السلفيين فى مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وهو مرجعهم فى العمل السياسى، وهذا الشيخ داعية مصرى هاجر من مصر إلى اليمن واستقر هناك.. وقد زار ياسر برهامى - سكرتير عام الحركة السلفية فى مصر - عدة مرات، واتفق الرجلان على أن مصر واليمن ظروفهما السياسية واحدة، وكلا الرجلان على صلة مستمرة ودائمى التشاور.. ولأن ياسر برهامى هو المسئول عن التنسيق بين أفرع التنظيم السلفى فى عدة دول عربية، لذلك فإنه يقوم بزيارات متكررة لكل من تونس وليبيا وقطر والسعودية والكويت وذلك لهدف أساسى هو جمع الأموال خاصة من دول الخليج، وبعد 25 يناير قام برهامى بزيارة السودان فى عام 2012 والتقى بالشيخ أحمد كرمو حطيبة «عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية فى السودان» وذلك لتكوين فرع التنظيم الدولى فى السودان، وقد رصدت الأجهزة الأمنية أن السلفيين فى مصر قدموا العديد من المساعدات المالية والغذائية والدوائية للسلفيين فى سوريا، وقد ظهر ذلك واضحاً فى تصريحات ياسر برهامى بشأن «جبهة النصرة» و«أحرار الشام».

وأما بالنسبة للتنظيم الدولى فى الدول الأفريقية، فهذا الملف يتولاه المهندس محمد حماد، عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية بالإسكندرية، التى تعتبر معقل السلفيين فى مصر، وقام محمد حماد بزيارات مكوكية متواصلة لعديد من الدول الأفريقية مكنته من تكوين جيل سرى شكل نواة لتنظيم سرى عالمى، ويعتبر سلفيو الكويت هم مركز التنظيم الدولى للسلفيين بقيادة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، وهو مصرى الجنسية وحاصل على الجنسية الكويتية وهو مؤسس حزب الأمة عام 2005 وشارك حزبه فى انتخابات البرلمان الكويتى.. وجاء إلى مصر عقب أحداث 25 يناير وساهم فى إنشاء حزب النور، وذهب إلى تونس فى مارس 2012 وساهم فى تأسيس حزب جبهة الإصلاح.

وفروع التنظيم الدولى للسلفيين ليست مقصورة على الدول العربية والأفريقية فقط.. فهذا التنظيم له تواجد قوى فى أوروبا أيضاً، يؤكد ذلك البيان التأسيسى الصادر عن المجلس التنسيقى الإسلامى العالمى، بتوقيع الصحفى المصرى د. جمال سلطان رئيس تحرير جريدة المصريون، حيث ذكر هذا البيان أن التنظيمات السلفية فى أوروبا وحدها بلغت 16 منظمة منتشرة فى هولندا وألمانيا وفرنسا وسويسرا، وغيرها، ففى بريطانيا مثلاً يوجد تنظيم سلفى قوى يسمى «رابطة الأوروبيين المسلمين» ويرأسه وزير بريطانى مسلم سابق هو «الفريدو تايوليز» وتحذر صحيفة «دايلى هيرالد» الأمريكية من غزو الفكر السلفى لأوروبا، وقالت إن فى بريطانيا يدير السلفيون 7٪ من مساجدها البالغ عددها 1740 مسجداً.

وفى عام 2012 تم القبض فى مطار القاهرة الدولى على وفد ألمانى سلفى، وبعد التحقيق معهم تبين أن قائدهم هو الداعية الألمانى «ستيفن لو» المعروف باسم «أبوآدم» وهو أحد قيادات التنظيم الدولى السلفى، وهو أيضاً المسئول عن فرع التنظيم الدولى للسلفيين فى ألمانيا.. وهو جندى سابق فى الجيش الألمانى، واعتنق الإسلام من 15 سنة، ويقول «هانس جيورج» رئيس هيئة حماية الدستور فى ألمانيا: إن برلين قد أصبحت عاصمة السلفيين فى العالم، وأضاف أن مجموعات السلفيين قد تزايد عددها من 3800 مجموعة عام 2011 إلى 9700 فى عام 2017.

وأخيراً بقى القول بأن التنظيم الدولى للسلفيين يصف ما حدث يوم 3 يوليو 2013 - وهو ما عرف بنظام ثورة 30 يونية - بأنه انقلاب عسكرى!، كما يصف تنحية محمد مرسى عن الحكم بأنه جريمة متكاملة الأركان!

خلاصة القول:

لقد ثبت بما لا يسمح بأى شك أن دعوة السلفيين ودعوة جماعة الإخوان تكاد تكونان واحدة فى المتاجرة بالدين لتحقيق أهداف سلطوية ومنافع مادية، ولو على حساب الإسلام وأهله، فلا تختلف دعوة السلفيين عن دعوة الإخوان إلا فى الشكل وأساليب تنفيذ الهدف الواحد وهو الوصول إلى السلطة والاستحواذ عليها، كما ثبت أن وسيلة الإرهاب واستخدام العنف وإثارة الفتنة واحدة عند التنظيمين، أما المرتكز الأساسى الدينى لديهما فهو واحد، وهو تكفير كل من لا ينتمى إليهما واستباحة حرماته، فضلاً عن استباحة حرمات الدولة، وربما أبرز دليل على ذلك ما جاء على ألسنة قاداتها أخيراً عن تحريم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، والزعم بأنه بدعة، حتى وصل الأمر بجماعة طالبان السلفية فى أفغانستان إلى تنفيذ تفجير انتحارى يوم 20 نوفمبر الماضى استهدف لقاء دينى لكبار علماء الدين فى العاصمة الأفغانية «كابول» بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، راح ضحيته مقتل 50 شخصاً وإصابة 72 آخرين، منهم 24 فى حالة حرجة.

لقد كثر الحديث عن تجديد الخطاب الدينى، حتى مل الناس من ذلك وهم لا يلمسون أى نتيجة لهذا الحديث المتكرر على ألسنة المسئولين والكتاب وفى كافة وسائل الإعلام، وكأنه «طحن بغير طحين»! حيث لا تزال الجرائم الإرهابية ترتكب كلما استرخت أيدى رجال الأمن عن ملاحقة الإرهابيين، أما الفكر الإرهابى والمتطرف فلا يزال يعيث فساداً فى المساجد والنوادى والزوايا والمدارس والمعاهد، فضلاً عن بعض القنوات الإعلامية والفضائية التى تعتمد فى الترويج لنفسها فى الإعلانات على دعاوى مشايخ السلفية، ناهيك عما تحويه رسائل التواصل الاجتماعى من فكر سلفى وإخوانى منحرف عن صحيح الدين، ولا تجد من يرد عليها ويثبت بطلانها وتعارضها الصارخ مع صحيح الدين فى القرآن والسنة الصحيحة التى لا يمكن أن تختلف عن آيات القرآن، بديهياً لأن مصدرها واحد وهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن برز أى اختلاف بينهما فهو عدم فهم من المفسرين لآيات القرآن ومقصدها فى الهداية، أو لغرض خبيث فى نفسه، وهو الاحتمال الأقوى كما أثبتته الأحداث.

ومن ثم لا يمكن أن تقتصر تنقية الخطاب الدينى أو تجديده على بعض الدورات أو الندوات لدعاة وخطباء المساجد، ولا حذف بعض العبارات من كتب التراث تتحدث عن فقه أكل لحم الأسير أو معاملة العبيد والسبايا.. وغيرها من المسائل التى لا يمكن أن يقبلها أى عقل سليم ونفس طيبة، ناهيك عن اختفاء هذه الظواهر من عالمنا منذ سنوات، وإن كانت لا تزال موجودة فى الكثير من كتب التراث التى يتم التعامل معها جميعاً بتقديس بالغ، رغم أنها تستوجب الاستئصال نهائياً من هذه الكتب، إلا أنه للأسف الشديد لا نجد من جانب رجال الدين الشجاعة اللازمة لقول ذلك والعمل على استئصال هذه الموروثات العفنة من كتب التراث، وهذه هى البداية الحقيقية، بل والخطوة الأولى من أجل تجديد الخطاب الدينى.

أما الخطوة الثانية فى تجديد الخطاب الدينى.. فتتمثل فى الرد على كل دعاوى التطرف والفتنة والإرهاب، رداً موضوعياً من واقع آيات القرآن والأحاديث الصحيحة المتفقة مع آيات القرآن، بمعنى آخر، يتمثل فى شن حرب فكرية شاملة ومستمرة، لا هوادة فيها ضد جميع الدعاوى المتطرفة التى تبيح وتدعو إلى الإرهاب باعتباره وسيلة لنشر الإسلام، بمعنى حصر جميع دعاوى التطرف والإرهاب التى تستند إليها الجماعات الإرهابية فى زعم آراء الفكر المتطرف المنحرف فى تبرير جرائمها ضد المسلمين.. وأبرز هذه الدعاوى: دعوة إعادة الخلافة، والحكم بما أنزل الله، وتطبيق الحدود، وإقامة الشريعة، والإكراه فى الدين، وازدراء الوطنية، والمفاهيم الباطلة للهجرة والجهاد، ودعاوى التكفير والقتل، مع إبراز فريضة إعمال العقل فى كل أمور الدين، كما نعمل عقولنا جيداً فى أمور الدنيا من تجارة.. وغيرها، والحض على الارتقاء بقيم الولاء والانتماء الوطنى، وإثبات أنه لا تعارض بينها وبين الولاء للعقيدة، وأن السبيل لإصلاح المجتمع يبدأ بإصلاح النفوس، أسوة بدعوات رسل الله تعالى الموجهة أصلاً لإصلاح النفوس، والتى بإصلاحها ينصلح كل شىء فى المجتمع، وهذا هو السبيل الوحيد لتنقية التراث من كل ما علق به من شوائب.