رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شهادات إسرائيلية.. على انتصار مصر فى حرب الاستنزاف

بوابة الوفد الإلكترونية

مؤشى ديان يشيد بتطوير القوات المسلحة المصرية بعد هزيمة 1967

المدافع والصواريخ لم تتوقف عن إطلاق النار أثناء بناء خط بارليف

آرييل شارون يؤكد أن جنوده واجهوا الموت على امتداد قناة السويس

«تل أبيب» اضطرت إلى إنفاق أموال طائلة لبناء الخنادق والسواتر الرملية

الجنرال بيجال آلون يؤكد أن الجيش المصرى عزز أسلوب الدفاع المضاد للطائرات

القائد العسكرى رفائيل إيان يؤكد أن العسكرية المصرية طبقت عمليات جديدة لم تشهدها إسرائيل

أثارت حرب الاستنزاف جدلاً حاداً وواسعاً داخل إسرائيل وخارجها، والثابت أن الجدل تفجر أكثر من مرة، لكن البداية كانت عندما أعلن العميد «ماتى بليد» MATE BLID، عضو هيئة أركان الجيش الإسرائيلى أثناء حرب الاستنزاف، والمسئول عن شعبة الإمداد فى الجيش الإسرائيلي، فى الصحف العبرية أن: «إسرائيل منيت بالهزيمة فى حرب الاستنزاف، وأن الجيش الإسرائيلى فشل من الناحية العسكرية، وأن هذه الحرب تعد أول مرة يُهزم فيها فى ساحة القتال منذ قيام دولة إسرائيل... لدرجة أنها قبضت على أول قشة أُلقيت إليها بوقف إطلاق النار»(126).

 

ولقد حدد العميد «بليد» مظاهر وأوجه هزيمة إسرائيل فى حرب الاستنزاف فيما يلي:

أولاً: تخلى إسرائيل عن سيطرتها على سماء مصر تحت تهديد الصواريخ المصرية.

ثانياً: عجز إسرائيل عن منع بناء حائط الصواريخ.

ثالثاً: فشل إسرائيل فى تقييد حركة الروس غربى القناة.

رابعاً: عدم جدوى ضرب العمق المصري.

خامساً: عدم النجاح فى هز صورة النظام المصري(127).

 

ويعترف وزير الدفاع الإسرائيلى بقوة المدفعية المصرية وبشراسة وشجاعة قوات الكوماندوز المصرية، عندما وصف فى حزن واضح نتائج العملية السابقة، حيث قام بزيارة الموقع فى اليوم التالى يقول: «توجهت إلى المنطقة جواً، وبدأت الجولة بتفقد قاعدة «كوبرا» التى قصفتها المدفعية المصرية، بصورة خاصة، فبدت المنطقة وكأن عاصفة قد ضربتها، حيث أحدثت قنبلة موقوتة من عيار 160ملم فجوة فى غطاء الأسمنت المسلح للحصن الرئيسي، وأصيب أيضاً الجزء الأكبر من التحصينات السطحية من غير أن تقع خسائر فى الأرواح!!»(128) أما الصدام بين قوات الكوماندوز المصرية والدورية الإسرائيلية، فوفقاً لما ذكره موشيه ديان: «فإن الـ15 رجلاً من المصريين هاجموا الدورية على بعد حوالى كيلو مترين والنصف من «كوبرا» انتهى باحتراق عربة مجنزرة، ومدرعتين إسرائيليتين.. ورحل المصريون بعد أن زرعوا الألغام فى الموقع الذى اختلطت على أرضه بقع الدم بالمازوت بقطع الملابس المحروقة للجنود الإسرائيليين»(129).

 

وعندما حلت الذكرى الأربعين لحرب الاستنزاف تفجرت المناقشات بين الذين شاركوا فى هذه الحرب من القيادات الإسرائيلية، وكشف المؤرخ العسكرى الإسرائيلى «إبراهام زوهار» عن أن إسرائيل تعمدت إسقاط هذه الجولة عمداً من الذاكرة الجمعية الإسرائيلية، وأكد أن «إسرائيل واجهت حرباً محدودة أو صغيرة لم تتعود عليها، حرب كان هدفها تحطيم أعصاب المقاتل الإسرائيلي.. تلقت خلالها إسرائيل الضربات تلو الضربات من المصريين» وفى المحصلة النهائية فإنه وفقاً «لزوهار» فإن إسرائيل واجهت حرباً سيئة(130).

 

وبهذا الصدد فإن «موشيه ديان» الذى شغل منصب وزير الدفاع الإسرائيلى منذ عام 1967 وحتى عام 1974، أى أنه كان المسئول الأول فى الفترة التى وقعت فيها حرب يونيو 1967 وحرب الاستنزاف 1967-1970، وحرب أكتوبر 1973، خصص فصلاً كاملاً لحرب الاستنزاف عندما نشر مذكراته سنة 1976(131)، أشار فيه إلى أن مصر بدأت الحرب فى أعقاب حرب يونيو 1967 مباشرة وأن عبد الناصر أعاد بناء الجيش المصري، وجند العالم العربى كله ضد إسرائيل، وأنه نجح فى مؤتمر الخرطوم رغم الهزيمة فى أن يدفع الدول العربية إلى الالتزام باللاءات الأربع الشهيرة: لا للاعتراف بإسرائيل، لا للسلام معها، لا للتفاوض معها، لا تنازل عن الحقوق القومية للفلسطينيين(132).

ويؤكد ديان أنه «فى خلال 18 شهراً فقط، لم تكن مصر قد أعادت فحسب تشكيل قواتها العسكرية، وعادت بها إلى مستوى ما قبل حرب الأيام الستة، بل إنها عززت قطعها المدرعة وسلاحها الجوي»(133).

كما يشير إلى أنه «بعد مرور أربعة أشهر على حرب الأيام الستة وعلى وجه التحديد يوم 21 أكتوبر 1967، أغرق زورق طوربيد مصرى من نوع «كومار» سوفييتى الصنع، مجهز بصواريخ الطراد الإسرائيلى إيلات على بعد حوالى 13 ميلاً والنصف ميل من بور سعيد، وتسبب ذلك فى خسارة 47 بحاراً إسرائيلياً بين قتيل ومفقود»(134).

ويذكر ديان أنه رغم «قيامنا بضرب معامل تكرير البترول قرب مدينة السويس، فإن المصريين ردوا على الفور واشتعلت نيران المدفعية على طول الجبهة»(135)، «بل إنهم استأنفوا القصف فى قطاع آخر»(136).

وحسب شهادة «موشى ديان»، فإن عبد الناصر كان يقوم بتصعيد محسوب، وأن هذا التصعيد «بلغ الذروة فى أوائل سبتمبر 1968، عندما فتح المصريون النار فى شمال القناة، وقتلوا عشرة أفراد وجرحوا 18 آخرين... وبعد أسبوعين قصفت المدفعية المصرية المواقع الإسرائيلية على الضفة الشرقية، لمدة تسع ساعات متواصلة، وتسببت فى خسائر كبيرة 15 قتيلاً و34 جريحاً، كما قامت بعض قوات الكوماندوز بالتسلل داخل الخطوط الإسرائيلية المحصنة، وأداروا معركة حتى الفجر ثم عادوا إلى الضفة الغربية»(137).

ويعترف موشيه ديان كذلك، بأن القوات المصرية أثناء بناء خط بارليف كانت مصرة على ألا تفقد زمام المبادرة، فلم تتوقف المدافع والصواريخ عن إطلاق نيرانها على المواقع الحصينة، ولم يتوقف تسلل قوات الكوماندوز ولم تتوقف عمليات زرع الألغام(138).

يقول: «بينما كنا نواصل العمل ليلاً فى بناء خط بارليف، ازدادت المبادرات الحربية المصرية، ففى خلال الأشهر الأربعة التى انتهت يوم 13 يوليو 1969، خسرنا 29 قتيلاً، وحوالى 120 جريحاً وبعد أربعة قامت طائراتنا بقصف أهداف عسكرية بين القنطرة وبورسعيد... واستمرت الغارة خمس ساعات، فأسقطنا خمس طائرات معادية، وخسرنا طائرتين»(139).

تستمر شهادة «موشيه ديان» على هذا الشكل، ليؤكد أن عبد الناصر كان يحارب إسرائيل بالسلاح والسياسة فى آن واحد، وأنه كان يخرج من جعبته كل يوم ما لم تكن تتوقعه إسرائيل، التى ظن قادتها بعد معركة يونيه 1967 أنهم ضيقوا الخناق عليه وأنه لم يعد أمامه وأمام مصر إلا أن يلقى بسلاحه ويستسلم(140).

ولعل هذا ما دفع موشيه ديان إلى التصريح للإذاعة الإسرائيلية بأن: «مصر هى العدو الرئيسي، وعلى إسرائيل أن تكون مستعدة لازدياد النشاط العسكري»(141)، كما أبدى امتعاضه من أن الحرب التى يشنها عبد الناصر على إسرائيل: «أدت إلى زيادة الأعباء على وزارة الدفاع حيث باتت تستوعب 20% من الإنتاج القومي، فى حين أن النسبة كانت فى أمريكا إبان حرب فيتنام 9%»(142).

 

ولم تختلف شهادة وتصريحات «آرييل شارون»(143) عن شهادة موشى ديان وتصريحاته، حيث يؤكد أن حرب الاستنزاف كانت أخطر مشكلة واجهت قيادة الجبهة الجنوبية التى تسلمها فى نهاية عام 1969، حيث بلغت حرب الاستنزاف أوجها بعد سنتين من استمرارها وتصاعدها ويؤكد أن هذه الحرب: «لم تكن تهدد وجود إسرائيل نفسه، لأنها كانت تجرى بعيداً عن قلب البلاد الحيوي... لكن على الجانب الآخر كان جنودنا على امتداد القناة يواجهون الموت باستمرار»(144).

ولقد أشار «ارييل شارون» إلى أنه بعد أسبوع أو أسبوعين من بناء خط بارليف، اضطر جنود إسرائيل إلى التخندق اتقاء لنيران المواقع المصرية المواجهة(145)، إن المواقع الأمامية تعرضت طوال عام 1968 إلى نيران كثيفة من المدفعية المصرية الثقيلة، وسببت هذه الضربات خسائر جسيمة فى الأفراد والمعدات(146).

ويؤكد «شارون» فى مذكراته أن إسرائيل اضطرت إلى إنفاق أموال طائلة لبناء الشبكة الدفاعية المعتمدة على نظام من السواتر الرملية العالية على امتداد القناة، وعلى الغرف المحصنة تحت الأرض، ومزالق الدبابات، ومخازن التموين والذخيرة وطرق الدورية، كل هذا بهدف السيطرة على الممر المائي... لقد تم بناء اثنين وثلاثين موقعاً محصناً يمثل كل منها نوعاً من القلعة المصغرة القادرة على الصمود فى وجه القذائف المدفعية الأفقية»(147).

يشرح ذلك الفريق محمد فوزى بقوله إن إسرائيل اضطرت إزاء نشاط وإيجابية القوات المسلحة المصرية واستمرار الاشتباكات اليومية لجميع الأسلحة وارتفاع نسبة خسائره فى الأفراد والمعدات، بالإضافة إلى تهديد خطوط تموين ومواصلات قواته فى سيناء، أن يضاعف قواته على الجبهة، وأن يدعم مواقعه الدفاعية شرق القناة بوحدات عاملة ووحدات من المظلات بدلاً من الوحدات الاحتياطية، كما بدأ يغير أسلوبه القتالى بإنشاء خط دفاعى بطول 170كم فى مواجهة قناة السويس، واضطر لتحصين هذا الخط لإنشاء نقاط دفاعية قوية مستخدماً الأسمنت المسلح، والحديد، حماية لأفراده ضد قاذفات المدفعية المصرية، الأمر الذى كلفه أكثر من 200 مليون دولار على إنشاء خطوط خلفية على المحاور الرئيسية الثلاثة المعروفة فى سيناء مع تواجد احتياطى تكتيكى وتعبوى مدرع لمساعدة قواته وتأمينها على الجبهة، واضطر العدو إلى تمركز وحدات صغيرة فى المناطق المهمة على شاطئ خليج السويس وخليج العقبة وفى عمق سيناء فازداد حجم القوات الإسرائيلية لتأمين شبه جزيرة سيناء المحتلة، وبذا لم يقتصر الاستنزاف على خسائره فى المواجهة فقط بل فى حتمية تأمين باقى سيناء الأمر الذى أثر على الاقتصاد الإسرائيلي(148).

ومع ذلك – وحسب اعتراف شارون – لم تصمد هذه القلاع أمام قذائف المدفعية الثقيلة المصرية التى كانت تنهمر عليها كالمطر(149)، يقول: «خلال السنوات الثلاث لحرب الاستنزاف لم يتوقف المصريون عن إطلاق مدافعهم، ففى كل ساعة كانت قنبلة تنفجر فى قلب التحصينات، حيث ينشغل جنودنا بإصلاح الأضرار وتحصين المواقع وكانت القنبلة كافية لشل قدرتهم على الحركة والمبادرة، وكانت هذه المبارزات المدفعية اليومية، بالإضافة إلى إطلاق المدفعية الثقيلة من حين إلى آخر، وإلى الكمائن والغزوات ضد الدوريات الإسرائيلية وعربات التموين، تكلفنا أرواحاً غالية جداً»(150).

ويشير «شارون» كذلك إلى أنه: «نتيجة لتساقط الجنود كل يوم برزت فى إسرائيل حركة احتجاج شعبية ضد الحكومة وسياستها وبدأ كل شيء بسلسلة من الرسائل التى وجهها طلاب الصفوف النهائية فى بعض المدارس الثانوية إلى رئيسة الوزراء جولدا مائير وعندما نشرت فى الصحف أثارت تحركات عميقة فى الرأى العام،كما عرضت على خشبة المسرح مسرحية نقدية، لاذعة، ساخرة عن حرب الاستنزاف، عنوانها «ملكة الحمام» لكن الرقابة منعتها لأنها تنسف معنويات الشعب»(151).

ويستطرد «شارون» فى مذكراته شارحاً أن: «عبد الناصر راهن على نقطة الضعف الإسرائيلية حيث كان مدركاً للحساسية المفرطة عند الإسرائيليين لخسارة أرواح بشرية، وكان يأمل فى تكبيد إسرائيل خسائر تجعل الوضع لا يطاق فى نظر الشعب، وكنا على علم بما يراهن عليه، ولذلك فعلنا المستحيل لنبرهن أن مصر هى أكثر عرضة للتجريح منا، وأن قصفهم المتواصل سيرتد عليهم، صحيح أن قوة النيران المصرية على طول القناة كانت أقوى من قوتنا، لكننا لم نكن نكتفى بالقصف المدفعى للرد عليهم، ففى عام 1969 شنت قواتنا غارات مثيرة، كما قامت وحدة من الضفادع البشرية بغزو الجزيرة الخضراء وتدميرها»(152).

ولعل ما أورده «أرييل شارون» يجيب على محدودية تأثير ضربات الطيران الإسرائيلى فى العمق، حيث لم تحقق أهدافها وإن كانت قد تركت آثاراً تخريبية، يقول: «غير أن هذه الغارات على قلب مصر نفسها لم تكن كافية لإقناع عبد الناصر بإيقاف الضربات والهجمات، بل على العكس»(153)، حيث استمرت عمليات الاستنزاف، رغم الهجمات الإسرائيلية على العمق؟

يفسر ذلك «ييجال آلون»(154) أحد العسكريين الإسرائيليين الذين آمنوا وروجوا لفكرة الحدود الآمنة غير المحددة التى تبلور فكرة الأمن بشكل جغرافي، وتسقط العنصر التاريخى كلية فى كتابه «الستار الرملي» الذى ألفه أثناء حرب الاستنزاف محاولاً امتصاص آثارها السلبية، ومشيداً بانتصار إسرائيل فى يونيو 1967، ولعل أهم ما ورد فى هذا الكتاب تركيزه الواضح على عناصر الاستراتيجية العسكرية لنظرية الأمن الإسرائيلى حيث أشار إلى أنها تتكون من خمسة مبادئ على النحو التالي:

< مبدأ="" التفوق="" والردع="" الذى="" يفترض="" ضرورة="" تمتع="" إسرائيل="" بالتفوق="" العسكرى="">

< مبدأ="" الحرب="" الخاطفة="" التى="" تتطلب="" التركيز="" على="" سلاح="" الطيران="" ونقل="" الحرب="" إلى="" أرض="" العدو="" فى="" أول="" فرصة="">

< مبدأ="" الهجوم="" المضاد="" الإجهاضي،="" وهو="" ضرورة="" أن="" تكون="" الحرب="" الخاطفة="">

< مبدأ="" الحرب="" القصيرة="" بسبب="" ضعف="" الموارد="">

< مبدأ="" الاعتماد="" على="" القوة="">

ولقد استهدفت حرب الاستنزاف – كما رأينا – المبادئ الخمسة وضربتها فى مقتل، حيث تبخرت هذه المبادئ عندما اصطدمت بالخطط والاستراتيجيات المصرية، وبإنجاز العسكرية المصرية المتناغم والرائع خلال السنوات الثلاث حيث:

< اهتز="" مبدأ="" التفوق="" والردع="" تحت="" وطأة="" المبادرات="" العسكرية="" المتتابعة="" والناجحة="" للمدفعية="" والصواريخ="" المصرية،="" فضلاً="" عن="" عمليات="" القوات="" الخاصة="" والفدائيين="">

< أجبرت="" إسرائيل="" على="" أن="" تخوض="" لأول="" مرة="" فى="" تاريخها="" حرباً="" ممتدة="" لثلاث="" سنوات="" متصلة،="" وبالتالى="" لم="" تتمكن="" من="" تنفيذ="" مبدأ="" الحرب="">

< ولم="" تتمكن="" إسرائيل="" من="" نقل="" الحرب="" إلى="" أرض="" العدو،="" لأنها="" كانت="" تدور="" بالفعل="" على="" أرض="" العدو="" «الضفة="" الشرقية»،="" ولم="" يكن="" بمقدورها="" التوغل="" فى="" الوادى="" والدلتا="" وإلا="" ابتلعتهم="" الكثافة="" السكانية="" المصرية="" عن="" بكرة="" أبيهم،="" وكرر="" معهم="" الشعب="" المصرى="" تجربة="" الكفاح="" المسلح="" التى="" أجادها="" مع="" الفرنسيين="" أواخر="" القرن="" الثامن="" عشر،="" ومع="" الإنجليز="" منتصف="" القرن="">

< وكذلك="" كان="" تنفيذ="" مبدأ="" الهجوم="" المضاد="" لإجهاض="" قوة="" العدو="" مستحيلاً،="" لأن="" الجيش="" المصرى="" على="" الضفة="" الغربية="" كان="" متأهباً="" طوال="" الوقت="" ومنتظراً="" لحظة="">

< وفشلت="" إسرائيل="" فى="" فرض="" مبدأ="" الحرب="" القصيرة="" حتى="" لا="" تتأثر="" برامج="" الإنتاج="" والتنمية="" بسبب="" استدعاء="" القوى="" البشرية="" للمجهود="" الحربى="" لأن="" مصر="" خططت="" لحرب="" طويلة،="" لا="" تؤثر="" فقط="" على="" برامج="" الإنتاج="" والتنمية="" بل="" يمتد="" أثرها="" لتحقيق="" خسائر="" فى="" الأرواح="" وتصيب="" الأحياء="" بعاهات="" مستديمة،="" واستفادت="" مصر="" من="" وفرة="" العنصر="" البشرى="">

وأخيراً أثبتت حرب الاستنزاف أن إسرائيل لا تملك قوة ذاتية تعتمد عليها، بل تستمد قوتها العسكرية والسياسية بل والاقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذى يفسر هرولة المسئولين الإسرائيليين على واشنطن إبان اشتداد وطأة الضربات المصرية على الخطوط الإسرائيلية(157).

لقد أقر «آلون» رغم محاولته بث الأمل فى نفوس الشباب الإسرائيلى «أن الجيوش العربية وفى مقدمتها الجيش المصري، استطاعت أن تستعيد قوتها، وما زالت شهيتها مفتوحة – حسب تعبيره – للمزيد من الأسلحة لزيادة طاقاتها العسكرية، سواء من ناحية الكم أو الكيف، وفى الوقت نفسه فإنها تعمل جادة لاستيعاب

أسلوب الدفاع المضاد للطائرات استيعاباً كاملاً، بالإضافة إلى الحظائر والمخابئ التى تم إنشاؤها لحماية الطائرات، والدبابات البرمائية التى وردت لعبور قناة السويس أو لإنزالها على السواحل، ولم يقتصر الأمر على شراء صواريخ أرض – أرض، وبحر – بحر بل ركزت على إنتاجها أيضاً لاقتناعها باستحالة الإغارة على التجمعات السكنية والصناعية فى إسرائيل بالمقاتلات والقاذفات من الجو، إذ من المستحيل مواجهة تفوق السلاح الجوى لإسرائيل ونظام دفاعها الجوي، لذلك فإنه من الأضمن للعرب أن يحققوا أهدافهم بأسلوب «الضغط على الأزرار» أى بإطلاق الصواريخ»(158).

هكذا تراوحت نغمة «آلون» فى شهادته بين التفاؤل فى رسم مستقبل مشرق لإسرائيل، وذلك عندما اجتر ذكريات انتصارها الخاطف فى يونيو 1967، وبين الاكتئاب والتشاؤم وهو يراقب ما يدور على أرض الواقع من استنزاف أدى إلى تحويل أبطال إسرائيل – حسب تعبيره – الذين انتصروا فى يونيو إلى قتلى فى الحرب التى فرضها عليهم عبد الناصر(159).

 

وعلى نفس المنوال جاءت شهادات الجنرال «عيزرا وايزمان» رئيس الأركان العامة الإسرائيلية إبان حرب الاستنزاف، واللواء «شلول لاهاط» قائد اللواء 252 الذى كان مسئولاً عن قطاع القناة خلال حرب الاستنزاف، والعميد «عامى إيلون» الذى شارك أيضاً فى الحرب، بالإضافة إلى ما ذكره الباحث الإسرائيلى «دان عيراف»، وما سجلته الصحافة الإسرائيلية من وقائع ويوميات الحرب 1967-1970، حيث أكد «عيزر وايزمان» فى كتابه «على أجنحة النسور» بما لا يدع مجالاً للشك، انتصار مصر وهزيمة إسرائيل فى هذه الجولة يقول: «إن حرب الاستنزاف التى سالت فيها دماء كثيرة لأفضل جنود إسرائيل، مكنت المصريين من اكتساب حريتهم على مدى ثلاث سنوات للتحضير لحرب أكتوبر العظمى وإنه من الغباء أن نزع بأننا كسبنا حرب الاستنزاف، فعلى العكس كان المصريون – رغم خسائرهم – هم الذين حصلوا على أفضل ما فى تلك الحرب... وفى الحساب الختامى فسوف نذكر حرب الاستنزاف على أنها حرب لم تكسبها إسرائيل، وهى نفس الحقيقة التى مهدت الطريق أمام المصريين لشن حرب يوم كيبور 1973»(160). أما اللواء «شولو لاهاط» فإنه يذكر أن: «المصريين فتحوا النار بغزارة كثيفة، وأنه لن ينسى طوال حياته قوة النار التى تم توجيهها تجاههم على الجانب الآخر من القناة، وحسب تقديره فإن المصريين أطلقوا 40 ألف قذيفة صاروخية على المواقع المحصنة عسكرياً خلف خط بارليف فى اليوم الذى اندلعت فيه حرب الاستنزاف، وحسب شهادته أيضاً فإن الجنود الإسرائيليين حاولوا الرد على هذا القصف بالدبابات والمدفعية، ولكنهم فشلوا بسبب قوة النيران المصرية. كما أشار إلى خطورة العمليات التى نفذتها قوات «الكوماندوز المصرية» فى الأراضى الإسرائيلية خلال هذه الحرب، وهى العمليات التى كبدت القوات الإسرائيلية خسائر كبيرة»(161)، وترصد رواية العميد «عامى ايلون» زاوية مهمة حيث يركز على الاستراتيجية المصرية، مؤكداً أن مصر: «طبقت استراتيجية جديدة، فبقدر ما كانت إسرائيل قوية، رفضت مصر الاستسلام وبالتالى لم تلحق بهم الهزيمة، ومر اليوم وراء الآخر دون حسم للحرب، فانتصرت مصر»(162). أما الباحث الإسرائيلى «دان عيراف» فيؤكد أن: «حرب الاستنزاف خلت من البطولة الإسرائيلية»(163)، بل يصل الأمر بالشاعر الإسرائيلى «حاييم جوري» ليؤكد أن حرب الاستنزاف كانت من أقسى الحرب وأنها هددت استقلال إسرائيل(164). ويفسر ذلك «قائد الأركان الإسرائيلى عيزرا فايتسمان بالشلل الذى أصيبت بها أجنحة ومراوح الطائرات الإسرائيلية، بعد تكبدها خسائر فادحة على أيدى المصريين»(165).

ثمة شهادات أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، من ذلك ما أوردته صحيفة «دافار» العبرية، عندما أشارت إلى أنه: «ليس صحيحاً أن المصريين استنزفوا فى حرب الاستنزاف وإنما نحن الذين استنزفنا»(166)، والاعتراف الواضح «لحاييم إيزاك» بأنه: «من الإجحاف أن تدخل إسرائيل رأسها فى التراب، ولا تعترف بقسوة ما عانته فى حرب الاستنزاف، فبالإضافة إلى الـ700 جندى الذين سقطوا فى حرب الأيام الستة، تصل الأعداد إلى مئات الجنود والمدنيين الذين سقطوا على الخطوط خلال الأعوام الثلاثة... وأن نسبة الخسارة كبيرة جداً إذا ما قيست بنسبة خسائر الأمريكيين فى الحرب العالمية الثانية، وفى حرب كوريا وحتى فى حرب فيتنام، إننا نخدع أنفسنا إذا ادعينا بأن حرب الاستنزاف التى فرضها عبد الناصر علينا لم تترك فينا أثراً»(167).

وتأتى شهادة ضابط سلاح المشاة الإسرائيلى «رفائيل إيتان» على نفس المنوال فتؤكد على أن حرب الاستنزاف طبقت العسكرية المصرية عمليات عسكرية جديدة ومهمة لم تعهدها إسرائيل من قبل، فهى حروب جديدة على الجيش الإسرائيلى هددت أمن إسرائيل، وهى أقرب إلى عمليات انتحارية كانت تقوم بها القوات المصرية(168).

واللافت للنظر أن الجنرال «ياشيا جافيش» تنبأ فى يناير 1969 بأن عبد الناصر يخطط لعبور قناة السويس(169)، وإن كان قد أخذه الغرور فأعلن فى نفس التوقيت أنه على ثقة تامة بقدرة الجيش الإسرائيلى على رد أية محاولة يقوم بها الجيش المصرى لعبور القناة(170).

ولقد رصدت المجلة العسكرية الإسرائيلية، خسائر إسرائيل فى حرب الاستنزاف، وهى تقديرات لاقت قبولاً من المصادر العسكرية المصرية(171)، حيث أشارت إلى أن إسرائيل خسرت 27 طائرة دمرت تدميراً كاملاً، وأن البحرية فقدت المدمرة إيلات وسبعة زوارق وسفن متنوعة، وأن كل فرد إسرائيلى تحمل حوالى 417 دولاراً خلال عام 1970 بينما لم يكن الإنفاق العسكرى يتجاوز 138 دولاراً للفرد عام 1966، وأن عبء الاستنزاف على الاقتصاد الإسرائيلى زاد بنسبة 30%(172)، بالإضافة إلى 721 قتيلاً من الجنود وعدد كبير من الجرحى الذين أصيبوا بعاهات مستديمة، وبالجملة فإن أرباح هذه الحرب على الجانب المصرى فاقت خسائرها(173).

ويعلق الكاتب العسكرى الشهير «إدجار أوبالانس» على هذه النتائج مؤكداً أن عبد الناصر فى هذه الحرب كان أكثر نجاحاً وإنه أجبر سلاح الجو الإسرائيلى على الابتعاد عن الأجواء المصرية وحصره فقط فى منطقة القناة(174)، ويرتب على المقدمات السابقة نتيجة مهمة، حيث يشير إلى أن استراتيجية عبد الناصر فى حرب الاستنزاف كانت تستهدف الإعداد ليوم «تستطيع فيه القوات المسلحة المصرية تدمير خط بارليف وتحصيناته القوية عندما يعبر الجيش المصرى قناة السويس دافعاً الإسرائيليين ينسحبون أمامه حتى تل أبيب».

<>

هكذا لم تحقق الإجراءات الإسرائيلية فى مواجهة حرب الاستنزاف المصرية أى نجاح، ولم تحقق عملية تغيير القيادة الميدانية لجبهة سيناء فى تغيير الوضع على الجبهة حيث استمر نجاح القوات المصرية فى تحقيق الانتصارات والضغط على إسرائيل، بعد عزل الجنرال «جافيتش» وتعيين الرجل الدموى أو رجل المهام الصعبة كما كانوا يطلقون عليه «آرييل شارون» بل إنه فشل فشلاً ذريعاً ولم ينجح فى وقف عمليات الاستنزاف المصرية(175).

وهكذا أسقط فى يد القيادات الإسرائيلية، ولم يكن أمامها سوى خيارين: الأول أن تطلب وقف إطلاق النار بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، والثانى أن تتمادى فى غاراتها الجوية وتخترق سماوات مصر إلى العمق وتستهدف الأهداف المدنية فى الدلتا ووادى النيل – وكما رأينا – طبقت إسرائيل بالفعل «استراتيجية السماوات المفتوحة» التى بدأ تنفيذها فى السابع من يناير 1970 تحت قيادة «شارون» ورغم ذلك لم تنهر الجبهة الداخلية، وفشلت غارات العمق، وضغطت مصر على الاتحاد السوفييتى باعتباره المورد الرئيسى للأسلحة ليزودها بشبكة قوية من صواريخ الدفاع الجوي، ونجحت مصر فى لى ذراع إسرائيل وإجبارها على التراجع وتغيير استراتيجية «السماوات المفتوحة» حيث تحولت من النقيض إلى النقيض، حيث أعلن موشيه ديان «استراتيجية السماوات المغلقة» وأعلن أن المناطق الداخلية فى مصر لا تعتبر مناطق حيوية لأمن إسرائيل، وهى لا ترغب فى العمل ضدها. وكما يقول اللواء طه المجدوب كان من المفروض أن يقول لا تستطيع العمل ضدها بعد أسبوع تساقط الفانتوم كما رأينا(176).

ولقد تصاعدت عمليات الاستنزاف كما رأينا فى شهر مايو 1970 وتزايدت الضغوط المصرية براً وجواً ضد القوات الإسرائيلية وكان أبرزها عملية العبور الناجحة التى تمت فى القطاع الشمالى فى وضح النهار، حيث دمرت القوات المصرية مركبات مدرعة للعدو وقتلت معظم أفرادها وأسرت من بقى حياً، وعادت سالمة للضفة الغربية(177).

وفى يونيه 1970 انهار أمل إسرائيل فى الصمود أمام عمليات الاستنزاف المصرية، كما انهارت ثقتها المفرطة فى قدرتها على ردع مصر ومنعها من استكمال بناء قواعد الصواريخ فى منطقة القناة.

ولقد علقت إحدى الصحف الغربية على ذلك بقولها: «لقد أراد المصريون ذلك.. فتحملوا التضحيات من أجل أن يحققوا ما أرادوا تحقيقه.. فنجحوا وكان لهم ما أرادوا»(178).

ولعل مجمل الوقائع السابقة والاعترافات والشهادات الإسرائيلية المهمة التى أوردناها تجيب عن خمسة أسئلة جوهرية ومهمة:

ـ الأول: لماذا اقترح موشيه ديان انسحاب القوات الإسرائيلية وإعطاء الفرصة لمصر لتُشغل قناة السويس؟(179)

ـ الثاني: لماذا عرضت جولدا مائير أكثر من مرة التفاوض مع جمال عبد الناصر مبدية استعدادها لأن تتم المباحثات فى القاهرة؟(180)

ـ الثالث: لماذا صرح «إسرائيل جاليلي» وزير الدولة فى مجلة جويش كرونيكل فى العاشر من مايو 1970 بأن وقف إطلاق النار هو الأمر الملح والحيوى لإسرائيل؟ ولماذا صرح موشى ديان فى صحيفة «لامرحاف» فى نفس الوقت، بأن الحكومة الإسرائيلية مستعدة لوقف إطلاق النار دون شرط، حتى لو مكن هذا الأمر المصريين من تنظيم أنفسهم وتركيب صواريخ جديدة؟(181)

ـ الرابع: لماذا قبلت إسرائيل مبادرة روجرز على الفور؟

-       الخامس: لماذا نجحت مصر فى عبور قناة السويس فى السادس من أكتوبر 1973؟