عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«التلمسانى» قال لى: العلاقة بين الإخوان والدولة علاقة ثأر لا يمحوها إلا الدم

بوابة الوفد الإلكترونية

رصاصات المنشية كشفت دموية أبناء حسن البنا وألقت بهم فى السجون

انقسام الإخوان داخل السجن بعد نكبتهم عام1954 كشف عجزهم

نجاح عبدالناصر فى عقد صفقة الأسلحة التشيكية أثار جنون الحرس القديم للجماعة

 

فى اعتقادى، أنه قبل أن نرصد النشاط السرى المتعدد لهذه القيادات التى استهدفت أساساً من ورائه، قلب نظام الحكم، فضلاً عن الانتقام من النظام التى قذف بمرشد الجماعة وأعضاء مكتب الإرشاد، وأعضاء النظام الخاص وبأعداد هائلة من الإخوان إلى غياهب السجون، بالإضافة إلى إعدام « محمود عبد اللطيف » ورفاقه، فإن سؤالاً حول ما حدث داخل السجون والمعتقلات، يطرح نفسه بإلحاح، خاصة والإجابة عن هذا السؤال ستساعد كثيراً فى الإمساك بالخيوط المتشابكة والمعقدة للأصولية الدينية الإسلامية عبر ما يزيد على نصف قرن ، نحن مع « جيلز كيبل » فى الاعتقاد بأهمية وضرورة دراسة « خبرة الاعتقال » حيث أعيد بناء فكر الجماعة داخل السجون والمعتقلات، بهدف صياغة شكل جديد للعلاقة بينها وبين الدولة  كما ولدت أفكار « الجماعات الإسلامية » ومن قبلها « معالم فى الطريق » لسيد قطب خلف جدران هذه السجون.

لقدد أقنعت بعض كوادر الجماعة نفسها، بعد اعتقالات 1954 بأن الاعتقال أمر طبيعى متوقع، حيث كانت الفترة التى سبقته بمثابة معركة بين طرفين، وقد انجلت المعركة بعد رصاصات المنشية الطائشة عن انتصار طرف(الثورة)، وانهزام طرف(جماعة الإخوان)، ليصبح من حق المنتصر أن يأسر المهزومين، ويزهو بانتصاره، وعلى المهزومين أن يجتروا مرارة الهزيمة، وعليهم أيضاً أن يفكروا فى أخطائهم وخطاياهم ليعرفوا من أين أتتهم الهزيمة.

لذا شهدت السجون والمعتقلات، كثيرًا من الجدل حول أخطاء الجماعة، إذ رأى فريق من شباب الإخوان ضرورة تقييم مواقف الجماعة فى الفترة التى سبقت اعتقالهم، كما أثاروا قضية غيبة البرامج والمناهج المحددة الواضحة المفترض أن تسير الجماعة على هداها، رافضين تمسك الإخوان بالشعارات العامة الفضفاضة، بل وصل الأمر إلى حد إثارة الشكوك حول النظام الخاص وتجاوزاته.

وفى تقديرى أن أخطر القضايا التى طرحها شباب الإخوان على بساط البحث، داخل معسكر جناج بالواحات الخارجة القضية التى ناقشت هوية الجماعة، وهل هى « جماعة المسلمين » أم مجرد « جماعة من المسلمين » ؟ .

ومع أن المناقشات قد انتهت إلى أن الجماعة هى « جماعة من المسلمين » وليست « جماعة المسلمين » فإن فريقاً من الشباب قد رتب على هذه المقدمة نتيجة على درجة كبيرة من الخطورة، والأهمية، إذ أعلن هذا الفريق، أنه طالما أن جماعة الإخوان هى مجرد « جماعة من المسلمين » وليست « جماعة المسلمين » فإن هذا معناه أن جماعة المسلمين موجودة فى مكان ما، وربما تكون ممثلة فى شكل الدولة القائمة، وهذا قد يعنى أن جمال عبد الناصر، هو الإمام الذى يسمى فى الفقه الإسلامى بالإمام المتغلب، لأنه جاء إلى الحكم بانقلاب عسكرى .

وإن كان من المحتمل أن يكون الفريق الذى قال بفكرة « الإمام المتغلب » هو فريق مدسوس على الجماعة من أعوان « الشيطان » عبد الناصر، كما كان يسميه بعض الإخوان، فإن القضية التى طرحت على بساط البحث داخل « معسكر جناج » بالواحات، جد خطيرة، إذ رتب عليها بعض شباب الجماعة نتيجة أخرى أكثر أهمية وأكثر خطورة، فالمرشد العام، أصبح عندهم مجرد مرشد لجماعة من المسلمين، وليس إماماً للمسلمين جميعاً، ومن هنا فمخالفته فى وجهات النظر، والخروج عليه أمر ممكن، وهذا الخروج لا يعد خروجاً على الجماعة الإسلامية.

معنى هذا أن المجال أصبح مفتوحاً، منذ أن جرت هذه المناقشات سنة 1956 أمام من يرغب فى البحث عن « جماعة المسلمين » والفرصة أصبحت متاحة أيضاً لمن يرغب فى تشكيل « جماعات إسلامية »، تزعم كل منها أنها وحدها « جماعة المسلمين نواة الدولة الإسلامية الجديدة ».

وفى اعتقادى أن ثمة عوامل متداخلة، كانت وراء تأخر بلورة الأفكار السلفية التى اتخذت أشكالاً أكثر راديكالية من فكر جماعة الإخوان، وأن الجماعة كانت فى حاجة إلى ظروف اقتصادية اجتماعية مغايرة لظروف الخمسينيات والستينيات، وربما إلى تجربة أكثر مرارة من تجربة 1954 لتفرخ « الجماعات الدينية السياسية الإسلامية الأكثر راديكالية » وهى الجماعات التى عرفت طريقها إلى الحياة السياسية المصرية فى أعقاب الأزمة الثانية بين ثورة يوليو وجماعة الإخوان المسلمين سنة 1965 .

وحتى لا نستبق الأحداث بالإشارة إلى هذه العوامل،  فإنه تجدر الإشارة إلى أن النقد الذاتى أو المراجعة التى دارت بين أعضاء الجماعة شباباً وشيوخاً والتى وصلت إلى حد الصدام، بل واستخدام العنف فيما بينهم داخل السجون والمعتقلات تمت فى أسوأ مناخ تعرضت له الجماعة منذ تأسيسها، ولقد أفاضت مصادر الإخوان، وكذا مذكرات ومؤلفات بعض أعضاء الحركة الشيوعية المصرية، الذين رافقوا الإخوان مرحلة السجون والمعتقلات فى وصف هذا المناخ، فمن تعذيب بدنى ونفسى، إلى قتل وإبادة لبعض الإخوان فى « ليمان طره » 1957 إلى اختراق السلطة لصفوف الجماعة وتمزيقها من الداخل، وهو على أية حال حتى بعد استبعاد مبالغات بعض الإخوان نقطة شديدة السواد فى تاريخ ثورة يوليو، ويرتب على ذلك البعض أنها مسئولة عن فرز أفكار ذات طابع مريض، فهو فكر تولد فى ظل سادية ضباط السجون (المعتقلات). 

ويشترك الإخوان مع عدد غير قليل من المؤرخين والكتاب والباحثين فى أن الاضطهاد والتعذيب الذى لحق بهم كان وراء جنوح فريق منهم إلى التطرف وهو الفريق الذى كفر النظام والمجتمع وكون جماعات وتنظيمات استهدفت الاستيلاء على السلطة والثأر من النظام .

ويرى أصحاب هذا التحليل، ان الصدام بين الثورة والإخوان، وما نال الإخوان على يد الضباط الأحرار من السجن والتعذيب والقتل والتشريد، هو ما جعل بين الإخوان والثورة « ثأرًا لا يمحوه إلا الدم »  يقول عمر التلمسانى : « كان تعذيب زبانية عبد الناصر وراء ظهور فكر التكفير، إذ غرست تصرفات رجال السجون والمباحث، معنى التكفير فى عقول بعض الشباب ذلك الشباب الذى كان يبيت على تعذيب ويصحو على تعذيب، دونه ما رواه التاريخ عن محاكم التفتيش، وكانت قوة ووحشية التعذيب، تدفع بعض من وقع عليهم هذا الهول الشنيع إلى الإيمان بأن ما وقع عليهم لا يمكن أن يصدر من مسلم فى قلبه ذرة من إيمان ».

إلا أنه يضعف من مقولة « الثأر الذى لا يمحوه إلا الدم » أن التعذيب وقع أيضاً وربما بنفس القوة والقسوة على الشيوعيين المصريين. : كما أن جماعة الجهاد وهى كغيرها انبثقت من صلب جماعة الإخوان المسلمين ستغتال فيما بعد انور السادات على الرغم من أنه هو الذى أخرجهم من السجون والمعتقلات ودللهم كثيراً، وأصبحوا طوال الفترة ما بين 1970 – 1979 أقرب القوى السياسية إليه .

على أية حال، إن كنا نرى أن القول بمسئولية التعذيب فى تفريخ الجماعات السياسية الإسلامية، قول ينطوى على تبسيط وتسطيح شديد للمشكلة، إلا أنه فى تصورنا لا يجوز تجاهل أثر ما حدث داخل السجون والمعتقلات فى دفع بعض الشباب إلى مراجعة الفكر الذى انضووا تحت لوائه.

لقد أثبت الجدل الحاد الذى دار بين الإخوان داخل السجون والمعتقلات، ان الجماعة باتت بعد نكبتها سنة 1954 فى أمس الحاجة إلى إعادة صياغة لفكرها، ولعله مما زاد من إلحاح هذه الحاجة أن مؤسس الجماعة، حسن البنا لم يترك سوى القليل من الأعمال الفكرية المكتوبة، وأن ما تركه لم يكن كافياً لمواجهة التحديات التى جابهت الجماعة، خاصة كما يقول جيلز كيبل، ان عبد الناصر « باغتهم » أيديولوجيا. وبعد أن فاق الإخوان من هول صدمة 1954، اكتشفوا خاصة الشباب افتقادهم للأدوات النظرية الفعالة التى تمنحهم القدرة على فهم وتحليل الأسس التى يقوم عليها النظام الذى أسسه الضباط الأحرار «حلفاء الأمس القريب».

لقد وقفت قيادات الجماعة بعد رصاصات المنشية حائرة، عاجزة عن فهم واستيعاب التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة التى شهدها المجتمع المصرى، كما وقفت عاجزة عن فهم واستيعاب الجوهر الثورى فى سياسات الثورة الخارجية، ومعاداتها للاستعمار والامبريالية العالمية، ونتيجة لهذا العجز وتلك الحيرة، برزت داخل صفوف الجماعة مواقف ورؤى متباينة تجاه إنجازات الثورة سواء على المستوى الداخلى اقتصادياً واجتماعياً أو على المستوى الخارجى عربياً ودولياً.

فبعد معارضة الإخوان لقانون الإصلاح الزراعى ولاتفاقية الجلاء انتقد المرشد العام للجماعة « حسن الهضيبى » خطط التنمية التى أعلن عنها النظام وتوقع فشلها، لأنها تنمية ليست لوجه الله ، ولم تحسن قيادات الجماعة الظن بمشروع السد العالى، بل هو عند عمر التلمسانى : « سد مشئوم انكد، سيجلب على مصر أخطارًا محققة ماحقة.. وهو مشروع كان يجب ألا يفكر فيه أحد، لأنه سيعرض الكبارى والقناطر للانهيار، هو مشروع لا داعى له، لولا المجد الأجوف الذى كان يملأ جوانب عبد الناصر تيهاً وخيلاء، ولو ذهبت مصر كلها » .

كما لم تحسن الجماعة الظن بمؤتمر باندونج ليس فقط لأن مواقف الدول التى اشتركت فيه لم تكن قد تبلورت بعد عند انعقاده، بل لأن الدول الشيوعية الكبرى كانت مشتركة فيه.. يقول محمود عبد الحليم : « لاحظنا من قصاصات الصحف التى وصلت إلى المعتقل، أن رئيس وزراء الصين شواين لاى وهو أحد دهاقين السياسية كان محتفياً بجمال عبد الناصر احتفاء أسبنا أن له مغزى، وأن له هدفاً » .

ومؤتمر باندونج عند محمود عبد الحليم، تمخض فقط، عن قرارات رائعة لكنها جميعاً كانت « حبراً على ورق » أما النتائج العملية لهذا المؤتمر الشهير، فتمثلت فقط فى فتح أبواب كثيرة كانت مغلقة فى وجه الشيوعية الدولية على حساب المد الإسلامى، وهو عند صلاح شادى، مصطبة استخدمها عبد الناصر ليفرض زعامته على الدول العربية، فعبد الناصر هو « بطل مزيف لدعوى الحياد، إذ إن مهاجمته لحلف بغداد لا تعنى شجبه للأحلاف فى ذاتها، وإنما تعنى فقط شجبه للأحلاف التى تصادر زعامته للدول العربية.. » .

إلا أن نجاح عبد الناصر فى عقد صفقة الأسلحة التشيكية كان مفاجئاً لقيادات الجماعة إذ وقفت هذه القيادات حائرة أمام هذا الحدث التاريخى الذى استهدف كسر احتكار الغرب للسلاح، ومع ذلك، فعندما أعلن أحد أعضاء مكتب الإرشاد على سبيل الاجتهاد الشخصى أن هذه الخطوة تنطوى على الكثير من العبقرية السياسية من عبد الناصر، فإنه تعرض لمساءلة عاصفة غاضبة من الحرس القديم للجماعة، إذ كيف يوصف عبد الناصر بالعبقرية، وهو رجل لا وفاء عنده ولا خلق ولا شرف .

وفى نفس الوقت، لم يتحمس الإخوان لإعلان الدستور فى 16 يناير

1956 ولا لانتخاب عبد الناصر رئيساً للجمهورية يوم 23 يونيو من نفس العام، فمن ناحية كان معظمهم يعتقد أن الدستور كغيره من مواثيق الثورة، لا قيمة حقيقية له، فهى نصوص دبجها : الشيطان الماكر عبد الناصر، بهدف إلهاء الشعب عن طغيانه وفساده ومفاسده..»  ومن ناحية أخرى كان الإخوان تطبيقاً لأفكار حسن البنا يرفعون شعار « القرآن دستورنا » ويرفضون أى شكل من اشكال الحكم المعروفة، لأنهم لا يؤمنون إلا بالفكرة الإسلامية، ويرون فيها غناء عن كل ما فى الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية، وعن كل ما فى دساتير العالم، من مبادئ سياسية واقتصادية واجتماعية، وكما اتضح من كتابات الإخوان بعد حسن البنا، ومن أقوال حسن الهضيبى وأعضاء مكتب الإرشاد، اثناء محاكمات 1954، فإن الإخوان فى واقع الأمر، كانوا لا يزالون يفتقدون لمعنى محدد حول ما كانوا يقصدونه، بالفكرة الإسلامية، وبنظام الحكم الإسلامى، ولم تعن فى الواقع الخطوط العريضة التى أعلنها وتمسك بها وأورثها حسن البنا لمن أتى من بعده من منظرى الإخوان، فى تقديم إجابات نظرية محددة وقاطعة حول الكيفية التى يدير بها الإخوان شئون الأمة فى حالة وصولهم إلى السلطة .

ولقد تجسد عجز قيادات جماعة الإخوان المسلمين عن فهم جوهر التحولات التى كانت تتابع خارج أسوار السجون والمعتقلات فى موقفهم من تأميم قناة السويس، فعندنا أصدر عبد الناصر قرار التأميم يوم 26 يوليو 1956، وقع الإخوان فيما أسماه بعضهم « محنة التأييد » إذ خالف وكيل الجماعة « الدكتور خميس حميدة » موقف مكتب الإرشاد، الذى رفض إرسال برقية تأييد لعبد الناصر، بحجة أن إرسال مثل هذه البرقية والإخوان مسجونون، قد يفسر على أنه نفاق، أو ضعف لاستجداء الإفراج عنهم ، فضلاً عن أن بعض أعضاء مكتب الإرشاد كان يرى أن قرار التأميم قرار غير مدروس .

أما الفريق الذى بارك خطوة التأميم، فكان يرى أن القرار، قرار وطنى، يحقق حلماً طالما راود الشعب المصرى ، وأن فقهاء المسلمين أفتوا بأن الحاكم الظالم لو دعا المسلمين إلى « الجهاد » لرد أعداء الله، وجب على المسلمين أن يجاهدوا معه ، وأن خطوة التأميم يجب تأييدها لقيمتها السياسية، وأهميتها الاقتصادية، فضلاً عن أن تأييد الإخوان لعبد الناصر سيسهم فى تخفيف حدة التوتر بين الجماعة والنظام .

يذكر عبد الحليم خفاجى، أن هذا الفريق الذى سارع إلى تأييد عبد الناصر، وأرسل بالفعل برقية تأييد  سرعان ما ندم على خروجه على قرار مكتب الإرشاد، وأنه لولا وقوع العدوان الثلاثى ونشاط رجال المخابرات المخرب بين صفوف الإخوان، لتجاوز الإخوان المحنة التى نتجت عن هذا التأييد، إذ عاد هذا الفريق « النادم» وأعلن أنه سيؤيد عبد الناصر فى معركته ضد العدوان الثلاثى الغاشم، دونما انتظار لقرار مكتب الإرشاد الذى أعلن أنه منعقد لدراسة الموقف .

ولقد جاء قرار مكتب الإرشاد أيضاً، رافضاً لتأييد عبد الناصر « ببرقية » إبان العدوان الثلاثى وأبلغوا ضابط المخابرات الذى تردد عليهم بهدف معرفة موقفهم من التحدى الذى يواجهه النظام، فضلاً عن رغبته فى إحراجهم، ومحاولة حصوله على برقية تأييد، أنهم لكى يؤيدوا النظام، فعلى الحكومة أن تعمل على سرعة اجتماع الهيئة التأسيسية للجماعة، وعلى رأسها أعضاء مكتب الإرشاد بقيادة المرشد العام حسن الهضيبى، حتى يكون لقرارهم فاعلية فى هذا الموقف العصيب .

وبالطبع أدرك ضابط المخابرات، ميكافيلية موقف مكتب الإرشاد، واكتفى بالحصول على تأييد عدد ليس بالقليل من اعضاء الجماعة، وهو تأييد على أية حال سيكرس الانقسام بين صفوفها.

وبعد انسحاب القوات المعتدية عن أرض مصر، توج عبد الناصر زعيماً للعالم العربى، وارتفع المد القومى العربى عالياً، ومع ذلك ظلت جماعة الإخوان المسلمين متمسكة بمقولة حسن البنا حول القومية الإسلامية والوحدة الإسلامية، فأنكروا القومية بالمفهوم الذى طرحه عبد الناصر، لأنها حسب تصورهم تولد الخصومات والعداوات بين المسلمين، بسبب ادعاءات زائفة، ترجع إلى الأصل أو اللون، وإن كانوا قد دافعوا عن عروبة مصر، فإن هذا الدفاع جاء فى مواجهة القول بفرعونيتها.

وبعد قيام الوحدة المصرية السورية ( فبراير 1958 ) أعلن بعض الإخوان تأييدهم لهذه الخطوة كخطوة مرحلية أولية فى طريق الوحدة الإسلامية المنشودة، «فوحدة العرب أمر لابد منه لإعادة مجد الإسلام، وإقامة دولته وإعزاز سلطانه... والإسلام لا يعترف بالحدود الجغرافية، ولا يعتبر بالفوارق الجنسية الدموية، ويعتبر المسلمين جميعاً أمة واحدة ويعتبر الوطن الإسلامى وطناً واحداً مهما تباعدت أنظاره وتناءت حدوده ، ومن هنا فخطوة الوحدة المصرية السورية خطوة على الطريق، وحتى هذه الخطوة المرحلية، فإن قيادات الجماعة لم ترحب بأن تتحقق على يد عدوهم اللدود جمال عبد الناصر خاصة وأنهم كانوا يعتقدون أن هدف عبد الناصر الحقيقى من رفع شعار الوحدة والقومية العربية، تحقيق مجد شخصى ومصلحة مادية تترتب على ضم الدول العربية لمصر.

على أية حال، سيظل رجال الحرس القديم يعتقدون أن « وباء الإلحاد والوجودية والشيوعية، قد بدأ فى اجتياح المجتمع المصرى، بعد أن قذف بهم عبد الناصر، خلف قضبان السجون وأسوار المعتقلات، وأن المعركة كانت تدور فى الخارج بين المؤمنين من جانب وبين دعاة الإلحاد والوجودية من جانب آخر، وهى معركة كانت تفتقدهم على أية حال.. » ، وستظل نظرة أعضاء مكتب الإرشاد عدائية للنظام العلمانى ولعبد الناصر شخصياً، الذى بدأ بعد 1954 حسب تصورهم « يغير وجه مصر ويحولها إلى سجن رهيب، وشعب صامت صمت نزلاء القبور، بعد أن كسر الأقلام، وأخرس الألسنة، وكمم الأفواه، وبعد أن قهر حرية الرأى والفكر... » .

ورغم خروج فريق من الشباب على مكتب الإرشاد، ورفضه لمقولات رجال الحرس القديم، إلا أن مكتب الإرشاد استمر معبراً عن الرأى العام للجماعة، كما ظل المرشد العام مصدراً وحيداً للقرارات المصيرية التى تتعلق بعلاقة الجماعة بالدولة، مما هيأ المناخ لبروز خطط الثأر والانتقام من النظام ومن عبد الناصر على وجه الخصوص، سواء بين الإخوان الذين فروا داخل السجون أم بين الذين لم يقبض عليهم، والذين فروا خارج البلاد قاصدين دول الخليج.

ولقد واكب تفسير ما حدث الانتقام والثأر من النظام، عملية بحث جاد لتغير ما حدث كما واكب محاولة سيد قطب لملء الفراغ النظرى الذى بات واضحاً أن الجماعة كانت تعانى منه، وثمة شواهد كثيرة تدفعنا إلى القول بأن كلا من « عبد الفتاح إسماعيل » قائد تنظيم 1965 وسيد قطب، المنظر الراديكالى الجديد لفريق عريض من شباب الإخوان، كان يبحث عن الآخر، وكان من المفترض أن يثمر اللقاء عن اغتيال عبد الناصر وقلب نظام الحكم.

ولقد كشفت أجهزة الدولة فى أعقاب صدور الأحكام فى محاكمات 1954 عن تنظيمين جديدين، أطلقت على الأول « تنظيم جهاز التمويل » مارس – ابريل 1955، وعلى الثانى « تنظيم جهاز العنف » يوليو 1955، ولم يعلن عن المحاكمات التى أجريت مع أعضاء هذين التنظيمين وقتئذ، وانضم المحكوم عليهم فى هاتين القضيتين إلى الإخوان الذين حوكموا أمام محاكم الشعب . وهذا موضوع آخر.