عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب:لماذا أوافق على تعديل الدستور؟

بوابة الوفد الإلكترونية

مهمة الشريعة الإسلامية تطهير النفوس

خالد محمد خالد يؤكد أن فصل الدين عن السياسة يضمن نقاءه وطهره

كتاب الشيخ على عبدالرازق ليس فيه جرأة على الإسلام أو الرسول

 

فى السبعينيات أقنع عثمان أحمد عثمان ومحمد عثمان إسماعيل الرئيس السادات، بأن الإخوان يدعمون نظام حكمه، فعقدت المؤتمرات التى كان يحضرها قيادات الاخوان، كانت هذه القيادات تحرض الشباب وتدعوهم الى مواجهة السلطة.. ثم نمت هذه التنظيمات وترعرعت بعيداً عن الأعين، وبدأ القباط يشكون من تصرفات الجماعات الاسلامية، بدأت تظهر فى الأفق  مظاهر الفتنة الطائفية، بدأت باعتداءات  فردية على الكنائس، ثم وصلت ذروتها بحوادث الزاوية الحمراء، كانت سياسة الدولة المهادنة بمثابة عودة الروح لمليونيرات الاخوان، الذى فروا وعاشوا فى الخارج، ولعب هؤلاء النجوم على الجميع، وأوهموا القائمين على الحكم بأنهم حلفاؤهم، واتصلوا من وراء ظهرهم بالجماعات المتطرفة، وأمدوهم بالمال والدعم!!

فى ذلك الوقت ظهر أمراء الجماعات الذين كانت ينادون بإقامة الدولة الاسلامية، وقتها تذكرت ما قرأته فى كتب التاريخ، تذكرت ما حدث فى سنة 1924. حين وافق المجلس الوطنى الكبير فى تركيا على الغاء الخلافة الاسلامية، وفى 2 مارس سنة 1924 أعلن كمال أتاتورك الغاء هذه الخلافة، ومنذ  هذا التاريخ تحركت مطامع الملك احمد فؤاد ليكون خليفة للمسلمين، فحشد حوله البعض من رجال الأزهر الذين أصدروا بياناً يقول: ان الخلافة رئاسة عامة فى الدين والدنيا، وان الامام نائب عن صاحب الشريعة فى حماية الدين، وفى تدبير شئون الخلق الدنيوية، وفى  مواجهة هذا الفكر اصدر الشيخ على عبدالرازق قاضى محكمة المنصورة الشرعية فى ذلك الوقت كتابه الاسلام وأصول الحكم.

حرص الشيخ على عبدالرازق على التأكيد فى هذا الكتاب على أن  مسألة الخلافة مسألة دنيوية وسياسية اكثر من كونها مسألة دينية، وأنه لم يرد بيان صريح فى القرآن ولا فى الاحاديث النبوية عن كيفية تنصيب الخليفة وشروط الخلافة!!

وقال الشيخ على: انه لعجب عجيب ان تأخذ بيديك كتاب الله، وتطالع بين فاتحته وسورة الناس فترى فيه تفصيل كل شىء من أمر هذا الدين، ثم لا تجد ذكراً لتلك الامامة العامة أو الخلافة إن فى ذلك لمجالاً للمقال!

ليس القرآن وحده هو الذى أهمل تلك الخلافة ولم يتصد لها بل السنة كالقرآن ايضاً فقد تركتها ولم تتعرض لها.

ويقول الشيخ على: ان فى رسالة المجلس الوطنى التركى ما  نصه: ان الفرقة المسماة بالخارجية تنكر وجوب الخلافة وتقول إن أمر نصب الخليفة وتعيينه ليس واجباً على الأمة الاسلامية، ان وجوده وعدم وجوده سيان، فكيف وقد قالت الخوارج: لا يجب نصب الأمر أصلاً، وكذلك للأعم من المعتزلة، وقال غيرهم ايضاً، وجدنا فى هذا المقال نقضاً لدعوى الاجماع ان يثبت عندنا خلاف الأمم والخوارج وغيرهم.

الملك فؤاد

وتصاعد  غضب الملك فؤاد على الشيخ على، فحرض انصاره أن يحيلوه الى هيئة كبار العلماء نكاية له، وفى صبيحة يوم الاربعاء 12 من اغسطس سنة 1925 انعقدت هيئة كبار العلماء برئاسة المرحوم محمد ابو الفضل الجيزاوى شيخ الجامع الأزهر فى ذلك الوقت، وكان عدد اعضائها أربعة وعشرين عالماً، ومثل الشيخ على أمام الهيئة فحياها، فلم يرد  عليه أحد، وبعد مناقشة طويلة ومداولة مستفيضة، أصدرت  الهيئة حكمها بادانة الشيخ على وإخراجه من زمرة العلماء، وترتب على هذا الحكم محو اسم الشيخ على عبدالرازق من سجلات الجامع الأزهر وطرده من الوظيفة، وعدم اهليته للقيام بأعباء أية وظيفة دينية أو غير دينية أخرى.

وأقامت هيئة كبار العلماء قضاءها على أن الشيخ على جعل الشريعة الاسلامية شريعة روحية محضة، جاءت لتنظيم العلاقة بين الانسان وربه فقط، فى حين أن كتاب الله وسنة رسوله كلاهما مشتمل على أحكام كثيرة فى أمور الدنيا وأحكام كثيرة أخرى فى أمور الآخرة، فهل فى استطاعة الشيخ على أن يشطر الدين الاسلامى شطرين؟. ويلغى منه شرط الاحكام المتعلقة بأمور الدنيا ويضرب بآيات الكتاب وسنة رسول الله عرض الحائط؟!

وأضافت الهيئة أن الشيخ على قال: إن الجهاد لا يكون لمجرد الدعوة الى الدين، ولا لحمل الناس على الايمان بالله ورسوله، وإن النبى إذا كان قد لجأ الى القوة والرهبة، فذلك فى سبيل الملك، وهو أمر خارج عن حدود رسالته ولم ينزل به وحى، ولم يأمر به الله.

وسردت الهيئة كل الآيات الواردة فى الجهاد، وقالت: هل يجوز أن يقال بعد ذلك فى محمد إن عمله السماوى لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معانى السلطان، وانه لم يكلف  ان يأخذ بما جاءهم به ولا أن يحملهم عليه.

وقالت الهيئة: إن الشيخ على عبد الرازق زعم ان نظام الحكم فى عهد النبى كان موضع غموض موجب للحيرة، ورضى لنفسه مذهباً هو قوله ان ولاية محمد  ولاية رسالة غير مشوبة بشىء من الحكم، وهذه هى الطريقة الخطيرة التي خرج اليها، وهى أنه جرد النبى من الحكم، وما زعمه الشيخ على مصادم لصريح القرآن لقوله تعالى: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله».

واستردت الهيئة قائلة: ان الشيخ على أنكر اجماع الصحابة على أنه لابد للأمة  من خليفة يقوم بأمرها فى الدين والدنيا، وقال إنه يقف فى ذلك فى صف جماعة غير قليلة من أهل القبلة، وهو دفاع لا يبرئه من أنه خرج على الاجماع المتواتر عند المسلمين، وحسبه فى بدعته انه فى صف الخوارج، لا فى صف جماهير المسلمين: وأضافت الهيئة: ان الشيخ على زعم ان حكومة أبو بكر والخلفاء الراشدين من بعده كانت حكومة لا دينية، لأن زعامة أبى بكر لا تستند الى وحى ولا إلى رسالة، وهو أمر مضحك فإن أحداً لا يتوهم أن أبا بكر كان نبياً يوحى اليه.

ووقع شيخ الجامع الأزهر على الحكم الذى أصدرته هيئة كبار العلماء، وبعث به الى عبدالعزيز باشا فهمى وزير العدل فى ذلك الوقت، ليصدر أمراً بتنفيذ الحكم بعزل الشيخ على من وظيفته فى القضاء الشرعى فرفض الوزير اجراء الأمر بتنفيذ الحكم.

وأعلن وزير العدل انه استحضر كتاب الشيخ على وقرأه مرة وأخرى، فلم يجد فيه أدنى فكرة يؤاخذ عليها مؤلف الكتاب، بل العكس فقد وجده يشيد بالاسلام وبنبى الاسلام، ويشير الى أن النبوة فى الاسلام هى وحى من عند الله، وان الوحى لا خلافة فيه.

واستطرد وزير العدل قائلاً: ثقة فى ذمتى أن أنفذ هذا الحكم الذى صدر من هيئة غير مختصة بالقضاء فى جريمة الخطأ فى الرأى من عالم  مسلم يشيد بالاسلام، وكل ما فى الأمر أن من يتهمونه يتأولون فى أقواله، ويولدون منها تهماً ما أنزل الله بها من سلطان!

وغضب الملك فؤاد من وزير العدل، وثارت ثورة يحيى باشا ابراهيم رئيس مجلس الوزراء فاستقال عبدالعزيز باشا فهمى وزير العدل، واستقال تضامناً معه ثلاثة وزراء هم: محمد على علوبة، وتوفيق دوس واسماعيل صدقى.

 

العلماء يلوذون بالعرش!!

وبعد اثنين وعشرين عاماً، غيرت هيئة كبار العلماء رأيها فى الشيخ على، فبعد أن كان كافراً، خارجاً على الاسلام، منكراً لكثير مما ورد فى القرآن والسنة، إذ هو فى سنة 1947 مؤمن يستحق العطف، ويستوجب العفو!!

وتنشنر صحيفة الأهرام الصادرة فى 26 من فبراير سنة 1947 مقالاً تحت عنوان العلماء يلوذون بالعرش.

قالت فيه: عندما أصابت الأزهر تلك الصدمة، التى نزلت فجأة فى شيخه الأكبر الشيخ مصطفى عبدالرازق، اتجهت نية كبار العلماء الى تكريم ذكراه فى شخص شقيقه الشيخ على عبدالرازق، وذلك بأن يلوذوا بالسدة الملكية، ملتمسين عذراً ملكياً على أثر القرار الذى اتخذته هيئة كبار العلماء من قبله، فما إن اختمرت هذه الفكرة حتى أخذت سبيلها الى التنفيذ، وأعدت صيغة الالتماس، الذى يرفع فى هذا الشأن، وحمله الى القصر جماعة كبار العلماء، وأعضاء المجلس الأعلى للأزهر!!

وجاء بالالتماس: إن حضرة صاحب الجلالة تفضل فشمل أسرة عبدالرازق بالعطف، وعين المغفور له الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخاً للأزهر، وقد قوبل هذا بالحمد والثناء والدعاء لجلالة الملك، ثم تفضل جلالة الملك وواسي الأزهر تكريم عطفه وجميله مواساته فى مصابه بوفاة شيخ الأزهر، وان المجتمعين من أعضاء جماعة كبار العلماء، وأعضاء مجلس الأزهر الأعلى، وشيوخ الكليات، يلتمسون من جلالة الملك وفضله غزير على الأزهر وشيوخه ومن ينتمون إليه، أن يتفضل فيضيف مكرمة الى مكارمه الحميدة التى عمر بها جلالته هذا البيت الطيب، فيعفو عن الأثر المترتب على الحكم الذى أصدرته جماعة كبار العلماء منذ اكثر من عشرين عاماً!

وختموا هذا الملتمس بالدعاء لجلالة الملك، ووقعه أعضاء هيئة كبار العلماء، وأعضاء مجلس الأزهر الأعلى وبعض العلماء، وكان المفتى فضيلة الشيخ حسنين مخلوف متغيباً عن هذا الاجتماع، ولما علم به، بادر فرفع الى جلالة الملك التماساً مؤيداً به ذلك المسعى الحميد.!.

 

وزارة الأوقاف!

ويحكى لنا التاريخ أن وراء هذه الواقعة حكاية، فقد أراد الملك فاروق ان يعيد على عبدالرازق وزيرا الأوقاف، وعندما استشعر رجال الأزهر وهيئة كبار العلماء هذه الرغبة، اجتمعوا فى «25 فبراير» سنة 1947، وقرروا اعادة شهادة العالمية للشيخ على عبدالرازق، وادخاله من جديد فى زمرة كبار العلماء، لكن المشايخ المجتمعين وجدوا أنفسهم فى مأزق، لأن هيئة كبار العلماء لم يتوافر فيها العدد القانونى الذى يمكنها من الغاء قرار سابق صادر عنها، فتقدم المجتمعون الى الملك بهذا الالتماس، وفى يوم 3 مارس سنة 1947 أصدر الملك فاروق مرسوماً بتعيين على عبدالرازق وزيراً للأوقاف!!

ومن هنا تأكدت تماماً أن مسألة الخلافة هى بصدق مسألة دنيوية

وسياسية اكثر من كونها مسألة دينية لا سيما وأن القرآن والاحاديث النبوية خلت من بيان صريح عن  كيفية تنصيب الخليفة وشروط الخلافة!

وحين طالعت التاريخ حسبما سجله الزميل طارق البشرى وتأكدت من صدق قوله ان جماعة الاخوان كانت أقل التنظيمات السياسية المصرية تعرضاً للمسألة الوطنية، وان مطلب الخلافة كان مقدماً عندها على أى هدف قومى آخر، وطالبت بألا يكتفى فى الدستور بالنص على أن دين الدولة هو الإسلام، بل ان تكون جميع القوانين اسلامية، وطالبت بالغاء القوانين الوضعية، والغاء الحزبية ورفعت شعار الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد فى سبيل الله أسمى أمانينا، تيقنت تماماً أن هدف الاخوان هو الوصول الى الحكم فضلاً عن ان دعوة الاخوان كان فى تأكيدها على الدين وحده ما يفرق بين طوائف الشعب الدينية خاصة المسلمين والاقباط، كما كان فى هذا التأكيد على جانب الدين ما يقضى على تراث كفاح الشعب تحت راية: الدين للديان، والوطن للجميع، فكان نمو الجماعة عاملاً فى ظهور التوتر الشديد، والحذر البالغ من جانب الاقباط.

والشىء المؤكد أن دعوة حسن البنا كانت جهاداً وعملًا، فكان يقول: «استطيع أن أجهر بصراحة بأن المسلم لا يتم اسلامه الا اذا كان سياسياً بعيد النظر فى شئون أمته، فالاسلام جهاد وعمل، وما لم تقم الدولة الاسلامية فان المسلمين جميعاً آثمون ومسئولون بين يدى الله عن قعودهم فى اقامتها وقعودهم عن ايجادها. وقد حدد حسن البنا مفهومه للجهاد فى شكل واضح: الاخوان المسلمون سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها!!

وقد أشار أحمد مأمون فى كتابه «كيف يفكر الاخوان؟» الى ان الجماعة اعلنت صراحة انها لا تؤمن بالوصول الى السلطة عن طريق الانتخاب، فعندما كانت العناصر الشابة تطلب من المرشد أن يتحرك نحو السلطة كان يقول لهم: فى الوقت الذى يكون فيه منكم ـ معشر الاخوان ـ ثلاثمائة كتيبة، جهزت كل منها نفسها روحياً بالايمان والعقيدة، وجسمياً بالتدريب، فى هذا الوقت طالبونى بأن أخوض بكم  لجج البحر، واقتحم بكم عنان السماء، وأغزوا بكم كل جبار عنيد.

 

من هنا نبدأ

وفى سبيل الرد على الإخوان بانشاء حكومة دينية، اصدر الكاتب خالد محمد خالد فى ابريل سنة 1950 كتابه من هنا نبدأ. قال فيه: فى المجتمع اليوم رأى ذائع يطالب ذووه بحكومة دينية تحكم بما أنزل الله، وتقيم الحدود فى الأرض، ونرى فى الحكومات الدينية تجربة فاشلة، والعمل على عودتها انتكاس الى الأوتوقراطية المرهقة، التى تخلصت منها الانسانية بمشقة وكيد، وفيها مجازفة بالدين ذاته، مجازفة تعرض نقاوته للكدر وسلامته للخطر، لقد جاءت المسيحية تعلن المحبة، وجاء الاسلام يعلن التوحيد، كل منهما يدعو الى الحب، ويمجد المتحابين فى الله، كان الرسول يحس إحساساً واضحاً بمهمة كان يعرفها حق المعرفة، وهى أنه هادٍ وبشير، وليس رئيس حكومة ولا جباراً فى الأرض، عرضوا عليه يوماً ان يجعلوا له مثلما للأباطرة والحكام ففزع وقال: لست كأحدهم إنما أنا رحمة مهداة.

دخل عليه عمر ذات يوم فوجده مضطجعاً على حصير أثر فى جنبه، فقال له: أفلا تتخذ لك فراشاً وطيئاً ليناً. فأجابه: مهلاً يا عمر،  أتظنها كسروية؟ إنها نبوة لا ملك.

وأضاف خالد: صحيح ان الرسول فاوض، وعقد المعاهدات وقاد الجيوش، ومارس كثيراً من مظاهر السلطة التى مارسها الحكام، وأقام بعض خلفائه من بعده حكومات واسعة النفوذ، عظيمة  السلطان، كان العدل  مداها ولن هذا لا يعنى أن هناك طرازاً خاصاً من الحكومات يعتبره الدين بعض أركانه وفرائضه، بحيث اذا لم يقم يكون قد انهد منه ركن، وسقطت فريضة، بل قل حكومة تحقق الغرض من قيامها يباركها الدين، ويعترف بها، والرسول لم يكن حريصاً على ان يمثل شخصية الحاكم، لان  مقام الرسول ارفع مقام، ومن اجل هذا رأيناه ينفض يده من اكثر شئون الدنيا، ويقول للناس: أنتم أعلم بشئون دنياكم.

إن التوفيق الذى صادف أبا بكر وعمر وجعل لحكومتيهما تاريخاً مجيداً لا ينهض دليلاً مناقضاً لرأينا فى فساد الحكومة الدينية، لأن هذا الطراز الرفيع من الحكم اعتمد على الكفاءة الشخصية والكمال الذاتى اللذين تمتع بهما رؤساء تلك الحكومات، بدليل انه عندما توفى عمر وجاء عثمان ذهبت تلك المقاييس المثالية، وحلت محلها أخطاء أودت بحياة عثمان وفتحت على المسلمين ابواب فتنة عاصفة، هوجاء بسبب تلك البطانة التى استغلت وداعة عثمان وثقته المطلقة، فطبعت الحكم بطابعه وسخرته لأطماعها.

ثم توالى بد ذلك الحكم الجائر والملك العضوض الذى تنبأ به الرسول فى حديثه: الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً عضوضاً، فالذين يريدون ان يجعلوا الدين دولة ويؤمنوا بوجوب قيام حكومة دينية يبررون ذلك بثلاثة أمور: القضاء على الرذائل ـ  اقامة الحدود  ـ تحرير البلاد والعمل لاستكمالها وإنعاش أهلها.

والدين وحده من غير ان يكون دولة هو القادر على القضاء على الرذائل، ولا سبيل الى ذلك إلا بتطهير النفس، وتعويدها على احترام ذاتها  وليست الدولة هى التى تستطيع بقوانينها ان تهب نقاوة النفس، فما أيسر مغافلة القوانين، فمكافحة الاثم بقانون تجعل له من اللذة ما يدفع الكثيرين الى تذوقه.

وإقامة الحدود، فالحدود فى الاسلام كثيرة، وحدود السرقة والزنا والخمر التى يلوح بها طلاب الحكومة الدينية، ويمنون الناس بإقامتها، فحد السرقة أوقفه عمر فى ايام المجاعات وصارت سنة  رشيدة من بعده، وحد الزنا شرط الله لإقامته أن تثبت الخطيئة بإقرار مقترفها أو بالبينة، واشترط ان تكو البينة اربعة شهود يرون الفعل ذاته، او على حد تعبير الرسول كالمرود فى المكحلة والرشاء فى البئر، ويكاد يكون من المستحيل اثبات هذا القول، وحد الخمر مثل حد الزنا تماماً فى صعوبة تنفيذه.

وانتهى خالد فى كتابه الى ان الحكومة القومية تحمى عقائد الدين وتصونها، ولكن بوسائلها المعقولة، التى يحبذها الدين وتعتمد على الاقناع وتحترم حرية الفكر والدين، يجب ان يظل كما أراده ربه نبوة لا ملكاً، وهداية لا حكمة، وموعظة لا سوطاً، وإن فصل الدين عن السياسة، وتحليقه فوقها خير عامل لبقاء نقاوته وطهره، وإن فصله عن الدولة ينجيه من تحمل تبعات أخطائها ومظالمها ويحفظ له فى نفوس الناس وداً مكيناً وذكراً باقياً واستجابة وتلبية، فماذا حدث فى أمر هذا الكتاب؟ هذا ما سأرويه فى الحلقة القادمة.