رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وجدى زين الدين يكتب: لماذا تحارب جماعة الإخوان الوفد؟!

بوابة الوفد الإلكترونية

ملخص الحلقة الماضية

تناولت الحلقة الماضية أعداء الوفد إبان ثورة 1919، ورأى الزعيم خالد الذكر سعد زغلول فى النشاط الشيوعى وأثره على الحركة الوطنية، ولماذا أصدر الزعيم قر اراً بحل الحزب الشيوعى؟!، ولماذا اختلفت التنظيمات الماركسية حول موقفها من الوفد، ومن قيام الملك أحمد فؤاد بفتح القصر لحزب الاتحاد لمطاردة الوفد.

 

نستكمل الحديث عن الوفد وخصومه إبان ثورة 1919، ويأتى على رأس هؤلاء جماعة الإخوان الإرهابية التى حاربت الوفد هرباً شعواء منذ تأسيسها عام 1928، ودور الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس فى الرد على هذه الجماعة، وكيف استطاع الزعيم أن يخرس الإخوان وإبعادهم عن السياسة، ما جعل الجماعة تتعاطف وتناصر خصوم الوفد، وتأييد إسماعيل صدقى.

وتعتمد الدراسة فى هذه الحلقة على عدة مراجع مهمة فى هذا الشأن أبرزها رؤية الكاتب لمعى المطيعى، وطارق البشرى فى كتاب الحركة السياسية فى مصر من 1945 إلى 1952، وماريوس كامل فى كتاب الوفد وخصومه، ومذكرات إسماعيل صدقى، وجمال بدوى فى كتاب كان وأخواتها.

 

لم تكن جماعة الإخوان المسلمين التى تأسست عام 1928 تتميز فى سنواتها الأولى عن الجماعات الإسلامية الأخرى، فأحكمت أنشطتها فى بناء المساجد وإنشاء المعاهد التعليمية ونشر الدعوة بوصفها دعوة دينية وأخلاقية فى العام الأول، وظلت الجماعة فى علاقات هادئة مع جماهير الوفد خاصة فى الريف، إذ كان التأييد للوفد موجوداً داخل الجماعات الإسلامية المختلفة.

ويمكن القول إن الجماعة بدأت تتطرق إلى موضوعات ذات دلالة سياسية بدءاً من عام 1934، وفى رسالة بعنوان «دعوتنا» لم ينكر حسن البنا الاتهام الموجه إلى الجماعة بأنها تتوخى أغراضاً سياسية، وفى المؤتمر الثالث الذى عقد عام 1935 جرى الحديث عن الموقف من «التيارات المختلفة».

وفى أغسطس 1936 كتب «حسن البنا» رسالة «نحو النور» أرسلها إلى الملك فاروق و«النحاس باشا» رئيس الوزراء، وإلى عدد من الحكام العرب، وكانت الرسالة تحمل آراء سياسية، وتدعو الرسالة إلى إلغاء الحزبية! وهذا الموقف يهم الوفد بالدرجة الأولى، وقد لا تتأثر به الأحزاب الأخرى.. وبدأت الجماعة تتحدث عن الإمبريالية وانتشار الربا وسيطرة الشركات الأجنبية على الثروات.

وفى نهاية الثلاثينيات كانت الجماعة قد انتشرت فى كل أنحاء البلاد ما أوجد منافسة قوية بين الجماعة والوفد، واختارت الجماعة التنظيم العسكرى، ويذكر «طارق البشرى» فى كتابه «الحركة السياسية فى مصر 1945- 1952» أن دعوة الجماعة لرفض الحزبية كانت دعوة موجهة ضد الوفد فى الأساس، وكان الهدف أن تحطم الوفد إما باصطناع أحزاب منافسة أو بالدعوة إلى إلغاء الحزبية، وكان الحديث عن الزعامة يحمل غمزاً واضحاً فى الزعامة الوفدية، وظهر للسراى من تجربتى حزب الاتحاد 1925 والشعب 1931، فشل محاولاتها إنشاء حزب لها، وأصبح عليها أن تعتمد فى صراعها مع الوفد على العواطف الجماهيرية الفجة تجاه فاروق الذى تولى الملك صبياً، وعلى حزب السعديين الذى انشق على الوفد، كما رأت السراى الاقتراب من أى تنظيم جماهيرى جاهز يمكن له من القوة لقاء استخدامها إياه.

<><>

لما جاءت حكومة الوفد عام 1942 وشرعت فى إجراء انتخابات جديدة قرر مرشد الإخوان ترشيح نفسه «كانت علاقاته قد توطدت مع السعديين» فاستدعاه «النحاس باشا» وطلب إليه أن ينزل عن هذا الترشيح مقابل أن تطلق يده للمضى فى دعوته على أن تكون دعوة دينية خالصة لا شأن لها بالسياسة، فوافق المرشد العام، وأقيلت حكومة الوفد، وجاءت حكومة السعديين فى أكتوبر 1944، فحاول الإخوان أن يوطدوا العلاقة بالسعديين فأعلن السعديون لهم أن أقل ما يطلب منهم هو إعلان الخصومة الشديدة للوفد، ووافق الإخوان على ذلك.

<><>

المعروف تاريخياً أن جماعة الإخوان قد وصلت إلى ذروة توسعها عام 1946، واتخذت مواقف مؤيدة لحكومة صدقى 1946 ولحكومة النقراشى سنة 1947، واتخذت موقف العداء الصريح من كل قوى الحركة الوطنية، ومنها الوفد والتنظيمات الماركسية.

ووقعت مصادمات شديدة بين الطلاب الإخوان فى الجامعة والطلاب الوفديين واليساريين، ونذكر منها المظاهرة التى قام بها طلاب الإخوان فى جامعة فؤاد الأول، جامعة القاهرة حالياً، فى 11 يناير 1948، واعتدوا فيها على الطلاب الوفديين واليساريين، وأعلنوا تأييدهم إسماعيل صدقى، واستشهدوا بالآية الكريمة «واذكر فى الكتاب إسماعيل»، وقام الطلبة الوفديون واليساريون والمستقلون بالرد عليهم فى اليوم التالى مباشرة فى مظاهرة عنيفة هتفت بشعارات «لا ملك إلا الله، وبحياة الجمهورية الأولى، وحياة مصطفى النحاس» وألقى البوليس القبض على قادة هذه المظاهرة وهم: «فاروق القاضى، ومحمد منيب الجعلى، وسعد مسيحة، وإلهامى سيف النصر، وحسين الغمرى، ولمعى المطيعى».

<><>

السبعة ونصف: «الوفد السعدى»

فى أول يناير سنة 1930 شكل «مصطفى النحاس باشا» وزارته الثانية «أول يناير 1930، 19 يونيه 1930» وكانت المفاجأة استبعاد «على الشمسى» من التشكيل الوزارى الجديد، وعام 1932 قدم «نجيب الغرابلى» استقالته لخلافه مع «مكرم عبيد» لأسباب مهنية، وقدم «الغرابلى» استقالته بتشجيع من مؤيدى «على الشمسى»، ولكن «النحاس باشا» طلب من «الغرابلى» سحب الاستقالة، فاستجاب «الغرابلى»، وفى 20 نوفمبر 1932 حرم الوفد عدداً من أعضائه شكلوا نوعاً من التكتل داخل الوفد، وهم: «حمد الباسل وفتح الله بركات ومراد الشريعى وعلوى الجزار وفخرى عبدالنور وعطا عفيفى وعلى الشمسى» وكان معهم فى الأساس «نجيب الغرابلى» أى أنهم كانوا ثمانية.. أطلقوا على أنفسهم اسم «الوفد السعدى»، ولقصر قامة «على الشمسى» أطلقت عليهم الصحافة اسم «السبعة ونصف» وقد نفخ القصر فى هذا الانشقاق، وكان «إسماعيل صدقى» يشدد من قبضته على الشعب والحياة الدستورية، وكان الإنجليز والملك يقفون خلف إسماعيل صدقى الذى يؤيد الانشقاق الجديد عن الوفد، وأيد حزب الأحرار الدستوريين هذا الانشقاق، وطالب بحكومة ائتلافية، ولكن الوفد رفض هذا الطلب.

ولم يؤثر هذا الانشقاق فى الوفد، وذلك لأن عدداً من العناصر القيادية حاصرت هذا الانشقاق أمثال «أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى ومكرم عبيد»، وقد ذاب هذا الانشقاق وبدأ حجمه يتآكل بعودة عدد منهم إلى الوفد، وانصراف عدد آخر عن العمل السياسى.. ولم تستمر غالبيتهم فى إظهار العداء للوفد ولمصطفى النحاس، ولم تكن هذه العناصر شرسة فى خصومتها مع الوفد.

 

جماعة مصر الفتاة 1933

البداية فرعونية، وهى لا تغضب أحداً، بدأ بها «أحمد حسين» و«محمد حسين هيكل» وتخليا عنها بعد فترة، وفى عام 1930 بدأ نشاطه الصحفى فى مجلة «الصرخة» بدعوته للفرعونية: «يا شباب النيل يا سلالة الفراعنة، مصر مركز العالم وأم الحضارات، مصر فوق الجميع». ويوقع مقالاته باسم أحمس، ويؤسس فيلق «أحمس»، ويطلب من «محمد محمود» أن يرأس هذا الفيلق، «أحمس» ومحمد محمود صعيديان، وتقرب من محمد محمود والأحرار الدستوريين.. وبدأ نشاطه بولاء لا حدود له للجالس على العرش.. وهذا كله له مدلوله لدى الوفد.

ودعا إلى مشروع القرش برئاسة «الدكتور على باشا إبراهيم»، وأعلن عن تكوين «جمعية مصر الفتاة» فى 12 أكتوبر 1933، وتحول إلى رجل القصر «على ماهر» الذى مال بطبعه لدول المحور إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية، فكان الوفد بحنكة زعيمه «مصطفى النحاس» يعادى الفاشية والنازية، ويحرص على الديمقراطية. وتعرض الوفد و«النحاس» باشا لهجوم حاد من مصر الفتاة وأحمد حسين.. وكانت القمصان الخضر «مصر الفتاة» و«القمصان الزرق- الوفد» تتشابكان فى معارك دامية فى الشوارع، وتعرض الوفد، ومصطفى النحاس لحملات شعواء من «أحمد حسين» ومصر الفتاة. وللتاريخ من حق «أحمد حسين علينا» أن نقول إنه بعد أن لقى التعذيب من جانب تلميذه فى مصر الفتاة «جمال عبدالناصر» اعترف بكل أخطائه فى حق الوفد ومصطفى النحاس، وكتب مقالات بجريدة الجمهورية بعنوان «شهادة للتاريخ عن مصطفى النحاس» بتاريخ 28 أغسطس 1975، أشاد فيها بسيادة القانون

وأحكام الدستور فى عهود الوفد ومصطفى النحاس.

وعلى الرغم من أن بعض أعضاء مصر الفتاة أعلنوا فى فترة ما أن «ما يمثلونه هو الوفدية الحقة، فإن شعارات مصر الفتاة كانت تجنح إلى شعارات موسولينى وهتلر «ألمانيا فوق الجميع مثلا»، وبلُغة «أحمد حسين» فإن مصر فوق الجميع إمبراطورية عظمى تتألف من مصر والسودان وتحالف الدول العربية، وتتزعم الإسلام.

والروح السائدة فى مصر الفتاة هى «الروح العسكرية»، وأعضاؤها كانوا يسمون «جنود مصر الفتاة»، وللحقيقة فإن البرنامج الاجتماعى الاقتصادى لمصر الفتاة لم يكن مرفوضاً من جانب الوفد، ويرى «ماريوس كامل ديب» أن مصر الفتاة جمعت بين ثلاثة تيارات: «الراديكالية الوفدية- التيار الإسلامى- التيار الفاشى».

وقد ظهرت النزعة الفاشية فى مصر الفتاة فى الفترة من 1933- 1938. وانقسم الأعضاء إلى أعضاء عاديين وجماهيريين، وسمى فرقة من فرق المجاهدين باسم «فرقة فؤاد الأول»، ثم «فرقة فاروق».. وكل هذه الأعمال موجهة بطريقة أو أخرى ضد الوفد.

وهناك العديد من الأدلة الصريحة على أن «على ماهر» العدو القديم اللدود للوفد كان يستخدم مصر الفتاة ويمولها منذ يوليو 1935، وازدهرت الجماعة بمؤازرة على ماهر «يناير- مايو 1936»، وحظيت بالمساعدة العلنية من «محمد على علوبة» وزير المعارف. وخلال عام 1938 عمدت «مصر الفتاة» إلى تبنى آراء القصر وتوجهاته.

ولقد واجهت حكومة الوفد «1950-1952» موقفين متعارضين من «الحزب الاشتراكى- مصر الفتاة سابقا»، عند إلغاء المعاهدة 8 أكتوبر 1951 اتخذ الحزب الاشتراكى موقف التأييد لحكومة الوفد، وأعلن ذلك فى «صحيفة الاشتراكية 11 أكتوبر 1961»، وقابل «أحمد حسين» فؤاد باشا سراج الدين والدكتور محمد صلاح الدين، وأعلن أن خدمة القضية الوطنية يكون بالوقوف إلى جانب الحكومة. ولكن الحزب الاشتراكى سرعان ما عدل عن هذا الموقف، وهاجم حكومة مصطفى النحاس بضراوة، وتحول التأييد الواضح إلى خصومة واضحة.

 

الهيئة السعدية 1937

قبل أن أدخل فى التفاصيل، أسجل أن عناصر هذه الخصومة كانوا رجالاً يعرف بعضهم أقدار بعض.. وكان «أحمد ماهر» لا يسمح أبداً لأحد من جلسائه بأن يسىء إلى «مصطفى النحاس» لأنه يعرف قدر «مصطفى النحاس».. وبعد أن اغتيل «محمود فهمى النقراشى» لم يكن فى جيبه سوى مبلغ 25 قرشاً!

وكان من القرارات الأولى التى اتخذتها حكومة الوفد «يناير 1950- يناير 1952» معاش استثنائى للمرحوم محمود فهمى النقراشى.

وكان قادة الانشقاق «السعدى» أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى وإبراهيم عبدالهادى.. وكل واحد منهم «رجل من مصر» وله تاريخ.. ومع مساء يوم السبت 24 فبراير تقدم «محمود العيسوى» المحامى فى مكتب «عبدالرحمن الرافعى» إلى «الدكتور أحمد ماهر» رئيس مجلس الوزراء وأفرغ «العيسوى» رصاصات مسدسه فى صدر رئيس الوزراء، فسقط قتيلاً فى البهو الفرعونى بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ.

وفى 28 ديسمبر من عام 1948 كان «محمود فهمى النقراشى» رئيس الوزراء ووزير الداخلية والخارجية يتأهب ليصعد إلى مكتبه فى وزارة الداخلية، وتقدم إليه طالب بالطب البيطرى «عبدالمجيد أحمد حسن» يرتدى زى أحد ضباط البوليس، وأردى «النقراشى باشا» قتيلاً أمام مصعد وزارة الداخلية.

أما الثالث فهو «إبراهيم عبدالهادى باشا» طالب الحقوق الذى كان على رأس قائمة الطلاب الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال الإنجليزى عام 1920، وأرسل «مصطفى النحاس» من القاهرة برقية إلى «سعد زغلول» فى لندن فى أول يوليو 1920 ورأى «سعد زغلول» قطع المفاوضات مع «ملنر» والعودة إلى مصر ورأى «عدلى يكن ومحمد محمود وأحمد لطفى السيد وعبدالعزيز فهمى» ضرورة «التريث». «إبراهيم عبدالهادى» هذا حكم عليه قادة «23 يوليو 1952» بالإعدام ثم تم تعديل الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.

هؤلاء الثلاثة كانوا على رأس الانشقاق عن الوفد وشكلوا ما عرف باسم «الهيئة السعدية» نسبة إلى «سعد زغلول».

وكانت «الخصومة» هذه المرة شديدة نظراً لتاريخ قادة الانشقاق الثلاثة، وقدراتهم وماضيهم، وقد تركز نشاط السعديين فى المدن أكثر من الريف، وكان لجان «الحزب السعدى» يغلب عليها طابع التجار والصناعيين وبعض الأعيان، لقد عبر «الحزب السعدى» عن المصالح التجارية والصناعية، واهتمت الحكومات السعدية بدعم اتحاد الصناعات، وعرف عن «بنك مصر» التعاطف مع «الحزب السعدى»، وكان أحد الاتهامات الرئيسية التى وجهها رئيس الحزب السعدى ضد وزارة الوفد تمثل فى مؤازرة الوزارة الوفدية للعمال، خاصة فى الورش الحكومية والمطابع الأميرية، وأضاف «أحمد ماهر» أن موقف الوزارة الوفدية أدى إلى تفشى روح التمرد بين هؤلاء العمال الذين أصبحوا يتحكمون فى رؤسائهم!

وقد لاحظ «ماريوس كامل ديب» أن نظام رسوم عضوية الحزب السعدى كان مجحفاً بالنسبة للطبقات الدنيا «العمال والفلاحين» ما حال دون انضمام أفراد هذه الفئات الاجتماعية للحزب، فى حين تمتع العديد من أفراد تلك الفئة بعضوية لجان الوفد دون حواجز مالية أو نفسية.. وكانت عملية التوجه إلى الجماهير أكثر سهولة بالنسبة لزعماء الوفد، عنها بالنسبة لقيادات الحزب السعدى، وعلى أية حال لم يكن الحزب السعدى حزباً جماهيرياً.

وقد حاول الحزب السعدى محاكاة أساليب الوفد فيما يتصل بتنظيم الشباب والطلبة مع ملاحظة الغياب شبه الكامل لأية محاولة لتنظيم العمال، ولم يحُزْ الحزب السعدى أى نجاح ملموس بين الطلبة.

 

غداً نستكمل الحديث