عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"بن طولون" الجامع الذي لا يُحرق ولا يغرق

بوابة الوفد الإلكترونية

عرائس متراصة الكتف فى الكتف كالبنيان المرصوص وأروقة فسيحة تتدلى منها مشكاوات مضيئة وميضأة  كريمة تقابلهامآذنة  سمرائية تضفى روحا عراقية بمسجد أحمد بن طولون.

ولد أحمد بن طولون فى رمضان سنة 220 هجريا سبتمبر 835ميلاديا فى مدينة بغداد على أرجح القول وليس بمدينة سمار التى لم تكن قد شيدت بعد.

تزوجت والدة بن طولون بعد وفاه زوجها من "بغا الأصغر" أحد زعماء الجند الترك ومن المعروف أنها تزوجت لثالث مرة من "باكباك" الذى خلف بغا فى وظيفة الأمين بالبلاط العباسى .

ولقى أحمد بن طولون وأخوه موسى الكثير من عناية الجند الأتراك بعد وفاه أبيهما كما حصلا على التعليم العسكرى الذى يؤهلهما للعملفي جيش الخليفة  كما درس الفقة والدين متفردا بذلك عن أمثاله من الجند الترك الذين كانوا لا يعنون بتلك الدراسة .

تزوج أحمد بن طولون "خاتون" ابنه عمه "يارجوخ" وانجب  منها ابنه البكر "العباسى" ولم تثن هذه الحياة عزم بن طولون عن طلب العلم فطلب من الوزير "عبدالله بن يحي بن خاقان" أن يُعين فى طرسوس ليتصل بمن فيها من العلماء والفقهاء، لكن الحدث المباغت في  مقتل الخليفة المتوكل وبيعة المستعين هى التى عجلت بعودته إلى سامرا ليكون على مقربة من الأحداث .

وعندما عاد من طرسوس الى سامرا تصدى للأعراب الذين أغاروا قرب مدينة الرها على قافلة عائدة من بلاد الروم محملة بأمتعة للخليفة المستعين فما كان من الخليفة إلا أن كافأ "أحمد بن طولون" وقرّبة إليه ثم تعمقت علاقته بالخليفة  الذي منحه العديد من العطاياه ووهبه جارية اسمها "مياس" وانجبت له  "أبا الجيش خماروية" .

كانت علاقة "بن طولون" بالخليفة "المستعين" طيبة بدليل أن الأخير اختاره ليصحبة إلى مدينة واسط ثم إلى مكة عند اعتزالة الحكم وقد أحسن "بن طولون" معاملة "المستعين" فى واسط ولكن غلمان المتوكل خافوا من المستعين فطلبوا من "بن طولون" أن يقتله فأمتنع وكتب إلى الأتراك أنه لا يقتل خليفة فى رقبتة بيعة .

ويقال بأن الذى قام بهذه المهمة هو "سعيد الحاجب" بعد أن أوعز إليه الجند فتسلم المستعين وقتلة وقام بن طولون بدفن جثتة ثم عاد إلى سامرا .

وروى أن أحمد بن طولون كان يقول بعد أن تولى حكم مصر "كانت غايه ما وعدنا به على قتل المستعين ولايه واسط ،فتركت ذلك لله عز وجل فعوضنى الله ولايه مصروالشام وسعة الأحوال معها "

وكان لابن طولون مواقف كثيرة تدل على تدينه وتمسكه بالأخلاق الحميدة وسيرة على نهج أبيه فيذكر أيضاً قصته مع الجاسوس الذى كشفه فى الفسطاط من عيون "الموفق" وأتباعه وقد طلب منه "بن طولون" أن يعمل لحسابه ويترك الموفق ورجاله فرفض الجاسوس قائلاً بـأنه اتصل بهم قبل أن يتعرف بابن طولون وأنه لايستطيع أن يكون عليهم بعد أن كان لهم وأنه لن يعترف بشىء ولو أنزل به ابن طولون أشد وأقسى أنواع العذاب، وقد أعُجب بن طولون بسلوك هذا الجاسوس وخيّرة بين الإقامة بأملاكة بدون أن يعمل ضده أو أن يعود إلى العراق، ففضل العودة ذاكراً لابن طولون فضلة وكرم خلقة ".

وجد "ابن طولون "عند عودته إلى سامرا أن السلطان والنفوذ قد صارا إلى يد الأتراك الجند الذين نصبّوا "المعتز" على عرش الخلافة وكان أقوى الجند مركزاً وشأنا "باكباك" الذى أقطع مصر سنه 868 ميلادياً وهو زوج والده أحمد بن طولون .

كانت عادة القادة الذين يقطعون الأقاليم أنهم لا يغادروا عاصمة البلاد ليكونوا على مقربة من مجريات الأحداث حتى لا يؤخذوا على غرة وليكونوا فى مأمن من دسائس خصومهم، بالإضافة الى وجودهم بالعاصمة يجعلهم بين أشياعهم من الجند مصدر قوتهم وعصبيتهم لكل ذلك فقد اختار "باكباك" أحمد بن طولون ليكون نائبا عنه فى مصر.

 

جاء "أحمد بن طولون" إلى وادى النيل فى رمضان 254 هجرياً "منتصف سبتمبر سنه 868 ميلاديا " واستقدم معه بعض الجند للدفاع عنه ضد أى ثورة يقوم بها الشعب ولإحباط

ما قد يقوم به بعض المواطنين من دسائس .

بعد أن قدم "أحمد بن طولون " إلى مصر بنى جامعه الذى هو تحفة فنية في قلب القاهرة الفاطمية سنه 265هجرياً،- 879ميلادياً،  حيث يبلغ مساحته أكثر من ستة أفدنة ونصف ويعتبر من أقدم المساجد فى العالم الإسلامى حيث لا مثيل له فى معماره  وأيضا في الخامات الفريدة المستخدمه في بنائه  حيث هذا  شيد هذا الجامع  من الجير والرماد والأجر الأحمر وليس من الحجر مع أنه أقيم على جبل المقطم فكان من السهل أن يقطتعوا منه الأحجار ويقوموا ببنائه منها لكن قد كان  "لأحمد بن طولون" رؤية بعيدة فى بناء جامعه حيث أراد أن يبقى هذا البناء أمد الدهر ليخلد ذكراه ويكون بناءً عظيماً شاهدا على عظمة الدولة الطولونية وازدهار  عصرها فروى أنه قال "أريد ان أبني بناءً إن أحترقت مصر ،بقى، وإن غرقت، بقى، فقيل له يُبنى بالجير والرماد والأجر الأحمر القوى النار إلى السقف ولا يجعل فيه أساطين رخام فإنه لا صبر لها على النار ".

 

أقام بن طولون جامعه هذا فسيحاً فى منتصفة ميضأة منقوش عليها أبراج الشمس كى يُستعان بها فى معرفة مواقيت الصلاة ويحيط بها أربعة أروقة أكبرهم رواق القبلة ويميز المسجد مأذنته الملوية سمرائية الشكل وتزين حواف سوره عرائس متراصة وكأنهم متشابكون  بأيدى بعضهما البعض .

 

وقد بنى "ابن طولون "جامعه هذا بعد أن انتهى من إنشاء عاصمته "القطائع" فأختار مكاناً فسيحا فى سفح جبل يُشكر إلى الشمال الشرقى من الفسطاط وقام ببناء قصره وميدانه وأمر أصحابه ان يختطوا لأنفسهم حول هذا المكان بيوتاً فأختطوها وأقتطعت كل طائفة قطيعة أقامت فيها الدور وكانت كل قطيعة تسمى باسمها مثل قطيعة السودان وقطيعة الروم وقطيعة النوبيين فعرفت العاصمة الجديدة بالقطائع التى أسسها احمد بن طولون سنة 265 هجرياً  .

 

ولما ولى ابنه خمارويه حكم الديار المصرية من بعده أكمل عمارة قصر أبيه وزاد فيه محاسن كثيرة وحول الميدان الفسيح إلى حديقة غنّاء زرع فيها أنواع الرياحين وأصناف الشجر وكسا أجسام النخيل نحاساً مذهباً حسن الصناعة وبنى فى هذا البستان برجاً من خشب الساج المنقوش المطعم وداراً اسماها (دار الذهب) كانت مجلساً له طُليت جدرانها بالذهب ووصفها المؤرخون بأنها" من أعجب ما بنُي فى الدنيا" وهذه صورة لما كانت عليه الديار المصرية من  مجد ورخاء فى العصر الطولونى .

 

إلاّ أن  ذلك لم يدم طويلاً فى ظل الاهمال الواقع على الآثار بمصر وذلك من قبل مسؤلين لا يدركون قيمة هذه التحف التاريخية الذى رسمت ملامح مصر فى أبهى صورتها على خريطة العالم .