عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد يوسف بك أبورمضان.. زعيم دولة المجاذيب!

بوابة الوفد الإلكترونية

نجل الباشا الذى هجر السرايا ولبس الخيش وسكن المقابر

احتجزه مأمور القسم بالزنزانة فوجده خارجها

تلاميذه ومريدوه:

اصطحب قرداً فى عُرس كريمة «الأتربى باشا» وأصر على إطعامه  أولاً

خطف العصا وحطم زلعة الجبن فسقط الثعبان على الأرض وزغردت الفلاحة

 

للعائلة صيتها الذى ذاع بين أطراف المركز ماراً بالقرى المجاورة، وصولاً إلى المديرية بأكملها. عائلة الباشوات بقرية قسطا، مركز ومدينة كفر الزيات، التابعة لمحافظة الغربية، هكذا يعرفها الفلاحون، وتداولت بينهم بمسميات عدة، فهى سرايا الباشا الكبير، يوسف باشا أبورمضان، الرجل الذى يملك آلاف الأفدنة، وله مزارع الخيول التى يخدم فيها عشرات الفلاحين من أهالى القرية ومركز كفر الزيات كله.

 وللباشا ابن وسيم اسمه محمد، وينادى عليه الخدم وفلاحو القرية بـ«محمد بك أبورمضان»، وحينما ينزل البندر (مدينة طنطا) بجواده كان يسبقه خفر مترجل وحارس يسير خلفه بحصان، وقد عرف بين المارة من أبناء طنطا بمحمد بك أبوالذهب، وقد أرجعوا سبب التسمية إلى سرج الحصان المؤطر بالذهب الذى كان يركبه.

على كلٍ، هو محمد بك أبورمضان أو محمد بك أبوالذهب ابن يوسف باشا أبورمضان، وكشأن ابن الأسرة التى تنتمى للأرستقراطية الطبقية، كان تعامل الأسرة مع الفلاحين دائماً بالسوط أو ما يعرف بين أوساط الفقراء فى المديرية وقتها «الكرباج السودانى».

بدا أن الأيام متشابهة عند هؤلاء القوم، ما بين احتفال فى السرايا أو دعوة بين عائلات البشوات متبادلة فى أنحاء المديرية «المحافظة» مرة تضج السرايا بطنين هؤلاء القوم، ومرة أخرى تطن بتحضيرات الذهاب لحضور حفل عند أحد أبناء العمومة الذى ينتمى لنفس الفصيل.

لكنه فرغ من هذا الحفل أو قل شعر لبضع دقائق بالضيق، فترك حفل السرايا وقصد الدور العلوى، ومن البديهى أن يلمحه خادمه الذى لا يفارقه، فأراد أن يرافقه لكنه منعه، ثمة خنقة تسربت إلى حلقه جعلته يطفئ سيجاره، ويصعد درج السرايا وحيداً هذه المرة، فلما توقف فى بنايته شخص ببصره جهة الحقول التى تمتد لمرمى عينه يشوبها صمت الليل وضجيج يتنفسه قومه أسفله، فك أزرار من قميصه الذى يأتى له خصيصاً من القاهرة، وأثناء تأمل محمد بك أبورمضان سمع صوتاً من خلفه يباغته «أولتك العناية الإلهية أن تصير مسئولاً عن مديرية الغربية يا محمد يابو رمضان، كان الصوت كفيلاً بأن ينتفض ابن الباشا. من يجرؤ أن ينادى سليل العائلة وفتاها الأكبر بهذا الاسم، والتفت للفراغ يبحث عن مصدر الصوت، لكنه عاد وتكرر بنفس النبرة ونفس الكلمات، فاندفع داخل غرفته يبحث عن الكرباج السودانى ليؤدب من تجرأ ونطق باسمه مجرداً من لفظ البكوية، لكنه عبثاً يبحث وعبثاً يفتش، ومرت الليلة ومحمد بك أبورمضان يبحث عن مصدر الصوت الذى أجج فكره.

 

الجذبة الأولى

ومرت بضعة أيام، كانت للأسرة مجموعة من المراكب النيلية تسير أعمالها، فرافق محمد بك أبورمضان بسيارته حارسه متوجهاً إلى قرية «سديمة»، المجاورة لقريته التابعة لمركز كفر الزيات غربية، وبسبب تكدس أجولة القمح فى طرق القرية يختار له سائقه طريقاً مختصراً آخر، فيمر بسيارته من أمام ضريح سيدى ابى اليزيد البسطامى، رضى الله عنه، وأرضاه، فتتوقف السيارة عنوة عن سائقها فينهره محمد بك، فيخبره السائق أنه لا حيلة له بالأمر، ولأن العطل سيطول، فالأفضل أن ينزل بساحة المسجد ربما ينعم ببعض الماء يبرد على بشرته من حرارة الجو، ويدخل محمد بك أبورمضان ساحة المسجد، لكنه ينتبه إلى نفس نبرة الصوت تتأجج من داخل المقام لكنها هذه المرة تحمل كلمات جديدة: «هل خلقت لهذا يا محمد؟».. فينتبه واقفاً غير متمرد على الصوت الذى لا يعرف مصدره، طالت الوقفة، لدرجة أن سائقه نادى عليه بصوت أفزع كل من بالمسجد، «يا سيدى محمد بك... أصلحنا السيارة ونكمل مسيرنا».

لكن بأمر من محمد بك يوسف أبورمضان يطلب من السائق معاودة الرحلة والذهاب إلى السرايا، ثمة انتفاضة تملكت جسده، شعر السائق بالأمر، الويل له إذا أصاب محمد بك مكروه، ربما يحرم من رؤية أسرته، وربما يربط بالحبل فى النخلة، ويكون مثالاً لكل الفلاحين، أوصال السائق ترتعد، وهو يلمح ابن الباشا فى مرآة صالون السيارة وجهه أحمر فى لون الدم، والعرق يتفصد جبينه، وثيابه مبتلة ويرتعش، يستغيث السائق فى سره، يتمتم بالفاتحة أن ينجيه من بطش الباشا وناس السرايا، ينتهى من الفاتحة ويقرأ الإخلاص يكرر فى سره اسم الله: «يا لطيف بالغلابة يارب»، يقرأ الفاتحة لصاحب المقام الذى توقفت أمامه السيارة، يطلب منه أن يعاونه فى محنته، وأن يؤدى قول جده رسول الله «لله عباد اختصهم بقضاء حوائج العباد»، طلب فى سره من سيدى أبى اليزيد البسطامى أن يرافقه فى محنته.

وصلت السيارة رواق السرايا، محمد بك أبورمضان ثيابه مبتلة من العرق، ما إن وفدت السيارة حتى هرع خارجاً يوسف بك رمضان يتفحص أمر عودة الابن، ينظر فى ذعر إلى فتاه الذى تسمر بكرسى العربة لا يستطيع النزول، يرفع يده ليصفع السائق الذى أهمل فى مرافقة سيده، فيغمض السائق عينه دون أى اعتراض، فلما رفع يوسف باشا أبورمضان يده صرخ السائق: «السيارة عطلت أمام سيدى أبواليزيد البسطامى»، فلما نزلت يد الباشا فوجئ السائق أن محمد بك أبورمضان يتلقى الصفعة على وجهه بدلاً منه، وكأن قوة خفية أخرجته من السيارة، وأوقفته أمام يد الباشا ليتلقى الصفعة على وجهه فيسقط مغشياً عليه.

جن الليل، كل الأسرة تجمعت حول غرفته، صوت صراخ آدمى ينبعث من الغرفة، لا يجرؤ أحد على اقتحام الغرفة، يخرج البيك محمد يوسف أبورمضان، يطلب من حارسه تجهيز حصانه، لا أحد يعلم وجهة الفتى ابن الأكابر.

 

باب السر الأحمدى

يخطو بجواده وحيداً فى الليل، الصوت هذه المرة يواليه، «اذهب يا محمد إلى صاحب اللثام ومر من أمام باب السر الأحمدى»، يتحدث بصوت مسموع يتلقفه الريح ويسمعه رجال القرى الذين يجلسون على المصاطب فيهبون واقفين لرؤية ابن السرايا، محمد بك أبورمضان: «متجه إلى صاحب اللثام سيدى أحمد البدوى.. باب السر الأحمدى يا بدوى».

يصل ابن الأكابر باب السر، متوقفاً بحصانه فيصهل الحصان جامحاً رافعاً قدمه للأمام ليلفظ البيك من فوقه فيقع وحيداً، فينهض واقفاً وقد تغبرت ثيابه بتراب ساحة المسجد الأحمدى، يقف، تجتمع حوله مجموعة من الدراويش الذين يجدون فى شيخ العرب مأوى، يصرخ درويش يرتدى سترة حمراء، «وصل الطرد يا ست يا رئيسة الديوان».. يقف ابن الباشا مشدوهاً إلى باب السر لا يتحرك.. لا ينطق، لا تلتفت عيناه، تطلق درويشة زغرودة تخترق فضاء ليل مدينة طنطا، يتحدث درويش آخر ويضرب بعصاه الأرض: «بالراحة على الجدع يا أهل الحنان والمدد».

ينطلق محمد بك يوسف أبورمضان، يجرى مهرولاً خالعاً نعليه، يقف أسفل كوبرى «ستوتة» بمدينة طنطا يتجرد من كل ثيابه، يقف عارياً كما ولدته أمه، يصرخ وحيداً وعارياً حافياً: «أشهد أن لا إله إلا الله.. وأن محمد بورمضان ولى الله».

حدث هذا عام 1898م. أحفاد من عاصروا الرجل شهدوا بكل هذا منهم، الأستاذ عيد محمد، شيخ حضرة دلائل الخيرات، واللواء طيفور بسطامى، مدير الجوازات بطنطا، نجل تلميذ الشيخ بسطامى شلبى الذى رافقه طيلة حياته وزوجه من قريبته، وطلب منه تغيير اسمه من عبدالونيس إلى بسطامى ولهذا المريد قصة أخرى يطول شرحها.

 

الجذبة الإلهية

قال العارفون حدثت للرجل الجذبة الإلهية، سأل أمثالى: ماذا تعنى الجذبة الإلهية؟، فأجاب الأستاذ محمد الصيف، مدير سابق بمصلحة الطب الشرعى، وأحد مريدى مسجد السيد أحمد البدوى: «بعضهم أنها لحظة تنكشف فيها الحجب فتصعد الروح لعوالم أُخر ترى ما لا يراه الناظرون، فيتجرد المجذوب من الدنيا، ويبصق عليها تاركها وراء ظهره، وأصحاب الجذبة لهم حالهم مع الله ويسمون أصحاب العلم الخضرى؛ لأن جذبتهم جعلتهم يطلعون على اللوح المحفوظ فيرون مصائر العباد، صدر منهم أفعال مخالفة للشرع مثل التعرى أو قذف الحجارة.

واستكمل الشيخ إبراهيم عساسة أحد شيوخ الطريقة الأحمدية: إذا رأيت أمثال هؤلاء فلا تعترض ولا تقتد بهم، وإذا طلب منك شيئاً اعطه له وانصرف، فله عالمه الذى يعيش فيه وعينه تبصر عوالم الملك الأرضى والعلوى، لكن حذارِ من المدعين فهم كثر.. وسيدى أبورمضان وقع عليه ظلم من أهله؛ لأنهم منعوا عنه ميراثه، فترك كل شىء وتوجه لله وأصبح مجذوباً فى معية الخالق لا الخلق.

 

سكن المقابر

العائلة بذلت كل الجهد للبحث عن نجلهم، أين محمد بك أبورمضان؟، وفدت إشارة من مركز كفر الزيات، التابع لمديرية الغربية، أن المذكور بنفس مواصفاته، وجدوا له شبيهاً بشوارع طنطا، يسكن الخرابات، ويأكل مع القطط، لكن التحريات أفادت بأنه لا يمكن أن يكون هو محمد بك أبورمضان.

إشارة أخرى من قسم ثان لمدينة طنطا تفيد بأن ملامح قريبة من المذكور لشخص يرتدى ثياباً ممزقة ولها رائحة كريهة، يرتاد سوق منطقة العداسة، ويجلس بجوار أصحاب السيارات الكارو.

لا مناص إذن. يتخذ الوالد يوسف بك أبورمضان القرار، يتصل بالمأمور، ويطلب منه القبض على الشخص الذى يشبه ملامح محمد بك أبورمضان، وأنه سيأتيه فى صباح الغد للتيقن.

جميع من فى القسم تحرك لخدمة الباشا الذى يمن عليهم بالعطايا، تحركت الدورية الراجلة للقبض على الرجل، اقتادوه عنوة وهو يبتسم، أدخلوه إلى ساحة القسم، اشمأز الضابط من الرائحة، دخل للمأمور وأخبره أنه أحضر الرجل، سخر المأمور من المجذوب الذى يمشى حافياً، ويهتم به الباشا يوسف بك أبورمضان. أمر المأمور أن يقتادوا الرجل إلى الزنزانة، دخل الرجل الذى ثيابه رثة وحافى القدمين.

زنزانة القسم تعج بالنشالين وأرباب السوابق، سخر النزلاء من الوارد الجديد، قال سجين، هى الحكومة اتهبلت راحت تجيب المجاذيب تقرفنا.

رد الرجل صاحب الثياب البالية: «المجاذيب انضف منك يا بن نعيمة، على الأقل ما بيسرقوش شقا الموظفين فى الأتوبيسات ورامين أمهم تغسل البلاط عند الناس».

انتبه الرجل، توقف مشدوهاً يلوح بيده، هو كوماندا الحبس، الدرويش كشف له عن حاله، وعرى قبحه أمام الجميع، ضج الحبس بالضجيج، فلما همَّ ابن نعيمة أن يجرح وجهه بالموس، كان سيدى محمد أبورمضان خارج

الزنزانة متوقفاً فى ساحة القسم، فبهت رجال الدرك، قال الصول للرجل الذى يجهله: «نهار أبوك اسود.. الوردية دخلتك ونسيت باب الحجز مفتوح وفتحته».. تبسم الرجل وقال كلمة واحدة «يا هوووووو».

أسرع الصول للضابط النوبتجى، فتح الحجز مرة أخرى، أدخلوا الرجل الذى يهتم الباشا يوسف أبورمضان لأمره، أغلقوا الباب تأكدوا من إغلاقه، شهد على الواقعة الضابط النوبتجى والصول واثنان من رجال الخدمة بساحة القسم، أحدهما بدرجة عريف والآخر عسكرى درجة أولى.

دخل سيدى محمد أبورمضان الزنزانة، والناس له جاهلون، تحرك ابن نعيمة من جلسته، وتسمر بجانب الباب، يؤدى التحية العسكرية للرجل الذى يرتدى الخرق البالية، يصرخ سيدى أبورمضان فى الجميع: «فز يا نطع يا بن الكلب انت وهو اتوضوا.. عشان الفجر».. همَّ الرجال خائفين من الرجل بالدخول للوضوء، صرخ سيدى محمد أبورمضان، فى أحدهم هتضحك على ربنا يا على يا كور، مش تستحمى الأول يا نجس.. تمتم الرجال، أذن الفجر, التفت الرجال المحبوسون إلى الرجل الذى كان يتحدث وجدوه قد تبدد وجوده.. سمعوا صراخاً من الخارج.

بهت أفراد الخدمة بالقسم، الرجل فى الخارج يشمر ثوبه ويستعد للوضوء، قال الرجل البدين العريف بشريطتين على كتفه، الله أكبر..، تسمر فى مكانه وصرخ: «إلحقنى يا سعادة البيه.. المسجون طلع بره»، هرول الضابط من داخل غرفة النوبتجية، تسمر لرؤية الرجل فى ثوب بالٍ يشمره ويضع يده تحت الماء والأذان ينطلق من مسجد جياب الأسير سيدى أحمد البدوى فيصل صداه لساحة القسم.

يهرع الضابط إلى التحويلة، فيزعج المأمور فى الاستراحة، يطلبه فى أمر هام: «الحقنى يا أفندم المسجون الدرويش كل ما أضعه فى الزنزانة وأقفل عليه ألاقيه بره».. يهرع المأمور لساحة القسم يتوعد الضابط الذى فقد عقله، يطلب منه مفتاح الحبس ويدخله بنفسه، ويغلق الباب عليه ويُحكِم غلق القفل، يعطى المأمور ظهره للباب فيجد الرجل أمامه، قال سيدى محمد أبورمضان «لا تنزعج لن أخرج من ساحة القسم حتى يأتى أبى»، بُهِت المأمور، أهو محمد بك يوسف أبورمضان الذى أنهك المديرية فى البحث عنه، يأتى يوسف باشا أبورمضان ساحة القسم، يتأمل الرجل فيبكى، طلب منه أن يعود معه للسرايا، وسيعرضه على الطبيب النفسى، فيرد سيدى محمد أبورمضان، رضى الله عنه: «فى جيبك الأيمن ثلاث ورقات فئة الخمس جنيهات، وفى جيبك الأيسر صورة ضوئية أعطتها والدتى لك لتعطيها لرجال الشرطة، وبعد غدٍ هو يوم الجمعة ونحن فى عام 1898م».

ولم يملك الأب أمام ما سمعه سوى أن يعود مخلفاً ابنه، فيتركه المأمور هائماً على وجهه، بعد أن يرجوه أن يسامحه ويدعو الله له.

 

ذاع صيته

ولم يكن للشيخ مكان معين يستقر به، رفض أن يناديه الناس بلقبه القديم، كانت جلسته كما أكد تلميذه ومريده بسطامى محمد شلبى المدرس بمدرسة الجمعية الخيرية بطنطا: «له ابن لا يزال حياً يرزق، عمل لواء بوزارة الداخلية اسمه اللواء طيفور بسطامى وذكرنا ذلك سلفاً».

ويعرض السيد بسطامى محمد شلبى تلميذ ومريد العارف بالله سيدى محمد أبورمضان فى كتابه نور فى سطور، «ولهذا الكتاب قصة طويلة أيضاً»- بعض كرامات العارف بالله صاحب مقام العلم الخضرى سيدى محمد أبورمضان، وجاءت الكرامات موثقة بأسماء أشخاص أحياء لا يزال ذووهم على قيد الحياة، لذا فستندهش عزيزى القارئ إذا جلست على مقهى الأحمدية الشهير بجوار المسجد الأحمدى بطنطا فتجد صورة سيدى محمد أبورمضان معلقة فيه؛ لأن له كرامات عدة مع رواد المقهى. وكذلك صيدلية السيد البدوى التى تجاور المسجد الأحمدى، فستجد صورة ولى الله سيدى محمد أبورمضان تزين جدران الصيدلية.

 

الأتربى باشا.. والقرد

كانت جلسة سيدى محمد أبورمضان فى كثير من الوقت بمنطقة سوق العدس بمدينة طنطا، أحياناً يجلس على المقهى، وكان يدخن، وأحياناً كثيرة يسكن فى الخلاء، ولا يدرى أحد وجهته، عرف عنه مداومته احتساء الشاى، وذات يوم مر عليه محمود باشا الأتربى، جاء ليزوره بسيارته، فما إن رآه سيدى أبورمضان حتى طلب منه أن يصحبه بسيارته إلى بلدة على طريق مدينة المحلة الكبرى تسمى «أخطاب»، فاندهش الباشا وقال له: «غريبة يا شيخ محمد ابنتى سيتم تزويجها اليوم بهذه القرية، لكن أنا تحت أمرك»، وفى أثناء سير السيارة، طلب الشيخ أن يدخل السائق إلى قرية على الطريق تسمى محلة أبوعلى، فلما دخلوها وجدوا فيها «قرداتى» يلاعب قرده، والأطفال حوله يمرحون ويدفعون بمليمات، فنزل الشيخ محمد أبورمضان، رضى الله عنه، إلى القرداتى يطلب منه أن يبيعه القرد، فيوافق القرداتى، ويطلب منه ان يعطيه نصف جنيه ثمن القرد، فيتوجه سيدى محمد أبورمضان للأتربى باشا الذى ذهل من الأمر ويطلب منه أن يعطى القرداتى مبلغاً قدره 9 جنيهات، فيخرج الباشا من محفظته المبلغ متذمراً، ويعطيه لصاحب القرد، ثم يزداد اندهاشه عندما يرى سيدى أبورمضان يأخذ القرد ويدخله السيارة ويركب إلى جواره.

يتساءل الباشا: «انت رايح بالقرد فين يا شيخ محمد»؟!

فيرد سيدى محمد أبورمضان رضى الله عنه: «خليك انت جنب سواقك وأنا مع القرد صاحبى ورا».

ويدخل الرجال بصحبة القرد مدينة «أخطاب» ثم منها إلى سرايا الزوج الذى سيتزوج من كريمة الأتربى باشا، ويطلب الشيخ من الباشا أن يتركه بصحبة ضيفه القرد فى حديقة السرايا، لكن شريطة أن يطعموا القرد لأنه جوعان.. وبمجرد دخول الضيوف ساحة السرايا لحضور حفل الزواج تتبادر منهم نظرات الامتعاض والاستغراب، ثم بدأ الحفل لإتمام الزواج، فأشار الرجل الذى يرى بنور الله للقرد أن تنتابه حالة هياج، فيدخل فيخيف كل المدعوين الذين يفرون مذعورين خارج السرايا بمن فيهم العريس والعروس، ويخرج الجميع فى استياء وهمهمة، وما إن يجرى الأتربى باشا على الشيخ ليؤنبه على إفساد العُرس، فيجد صوت تهشم جدران السرايا يلاحقه ثم تتهدم كلها، فلم يجد الأتربى باشا أمام دهشته إلا أن قبَّل يد سيدى محمد أبورمضان الذى نجى ابنته والمدعوين بفضل الله وبركة نبيه.

والكرامة الأكثر شهرة التى يرويها سكان مدينة طنطا ممن يجاورون المسجد الأحمدى، أن سيدة كانت تمر تحمل على يدها طفلاً رضيعاً وعلى رأسها زلعة للجبنة تبيعها بسوق طنطا، فهب سيدى أبورمضان من جلسته بالمقهى، وخطف عصا من رجل يجاوره وحطم زلعة الجبن فخرج منها ثعباناً كبيراً، فزغردت المرأة التى نجت وطفلها من الثعبان.

كرامات كثيرة أحصاها مريده وتلميذه السيد بسطامى محمد شلبى رحمه الله داخل كتابه «نور فى سطور» والذى ما زال مخطوطاً بخط اليد وعلى هذه الكرامات أحياء يرزقون شاهدين على مقام الرجل وعطية الله له.. العارف بالله سيدى محمد يوسف أبورمضان الكائن ضريحه ومقامه بقرية قسطا التابعة لمركز ومدينة كفر الزيات محافظة الغربية.