رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكايات زمان.. ذكرى عودة بونابرت لفرنسا بعد فشله فى غزو مصر

نابليون بونابرت
نابليون بونابرت

تحل اليوم الأربعاء الذكري الـ219 لعودة نابليون بونابرت إلى فرنسا عائدًا من مصر ، وكان قائدا عسكريا وحاكم فرنسا وملك إيطاليا وإمبراطور الفرنسيين.

 

عام واحد قضاه نابليون بونابرت فى مصر خلال حملته العسكرية على الشرق من عام 1798م وحتى عام1799م، خلف ورائه كمّا من الوثائق والمراسلات التى تجيب عن كثير من أسئلة باتت تداعب خيال الكتاب والمؤرخين الفرنسيين والأوربيين والمصريين.

 

استطاع بونابرت ورجاله الإفلات من سفن البحرية الملكية البريطانية التي تعقبتهم منذ مغادرة فرنسا، ونزلوا أرض مصر في مدينة الإسكندرية في 1 يوليو من عام 1798، ووجّه نابليون في اليوم ذاته نداءً إلى الشعب المصري، وأصدرت الحملة نداءً إلى الشعب بالاستكانة والتعاون زاعمةً أن نابليون قد اعتنق الإسلام وأصبح صديقًا وحاميًا للإسلام.

 

كما استولى نابليون على أغنى إقليم في الدولة العثمانية، وطبقًا للدعاية الحربية أدعى أنه "صديقٌ للسلطان العثماني" وادعى أيضًا أنه قدم إلى مصر "للاقتصاص من المماليك" لا غير، باعتبارهم أعداء السلطان، وأعداء الشعب المصري وهذه رسالة نابليون بونابرت الذي دعاه المؤرخون المسلمون "اللواء علي" إلى شعب مصر.

 

وكانت فرنسا قد حشدت جهود علماء وخبراء لتجميع كل مراسلات نابليون فى مجلدات وصلت إلى 12 مجلدًا، تنشر لأول، يتعلق كل منها بمرحلة من مراحل حياته، يخص مصر من هذه الأوراق المجلد الثانى تحديدًا، الذى يحتوى على نحو 1600 وثيقة تضم كل ما صدر عنه من تعليمات، وأوامر عسكرية وإرشادات، وكتابات يومية للعامة والخاصة ورجال الدين وشيوخ الأزهر.

 

وكان معهد الآداب والمخطوطات التابع لوزارة الثقافة الفرنسية، قد أفرجت عن تلك الوثائق قبل سنوات، بعد أن ظلت مسجلة ومحتفظًا بها فى أرشيف وزارة الخارجية ووزارة الدفاع فى فرنسا، وعُهد إلى المجمع العلمى المصرى ترجمة ونشر الجزء الثانى المعنى بالحملة الفرنسية على مصر، أو حملة "جيش الشرق".

 

تصدر ترجمة الوثائق فى مجلدين بعنوان "الأوامر العسكرية اليومية لنابليون بونابرت "1798-1799" لأول مرة باللغة العربية بعد 217 عامًا على حملة نابليون فى مصر، ويقول مترجم الكتاب أحمد يوسف، الأستاذ بجامعة السوربون وعضو المجمع العلمى المصرى، لـ"bbc"، إن العمل "يكشف عن أسرار الصدام المسلح الأول بين الشرق والغرب منذ الحروب الصليبية".

 

وهناك وثيقة مثيرة عن "حلم نابليون بإنشاء قاعدة بحرية كبيرة فى مدينة سفاجا للسيطرة على البحر الأحمر، وأن تكون مصر قاعدة لإمبراطورية هائلة تمتد من شرق السويس حتى إيران وأفغانستان والهند، وأيضا طموحه فى أن تبدأ الحدود الشرقية لمصر من العريش وحتى مضيق باب المندب".

 

وتضم الوثائق عشرات الرسائل وأوامر بإعدام مجرمين وقطاع طرق فى القاهرة، وأيضا تكشف للمرة الأولى عن حالات إعدام جنود فرنسيين ثبت إجرامهم فى حق الأهالى.

 

ويوجد مراسلات تبرز كيفية إدارة شؤون الجيش الفرنسى فى مصر، فضلا عن وثائق تتعلق بمخطط بين قائد كتيبة الأقباط -المسيحيين المصريين- فى ذلك الوقت، ويدعى المعلم يعقوب، وأحد أعيان مسيحيى مصر، جرجس الجوهرى، للفصل بين المسيحيين والمسلمين فى مصر، وهى وثيقة مؤرخة فى السابع من ديسمبر 1798".

 

ويقول العالم والمؤرخ الفرنسى هنرى لورانس فى مقدمة الكتاب إن مشروع نابليون لإنشاء إمبراطورية فى "دار الإسلام" كان مقدمة الصدام الراهن بين الإسلام والغرب، وفيه وضع الغرب أسس قرنين من الاستعمار المادى على الطريقة البريطانية، وآخر فكرى على الطريقة الفرنسية.

 

من أغرب الوثائق التى تنشر لأول مرة وصية من نابليون لخليفته فى قيادة الحملة، الجنرال كليبر، قبل رحيل بونابرت عن مصر عائدا إلى فرنسا يقول فيها:"إن أردت أن تحكم مصر فترة طويلة فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم".

 

ويظل نابليون فى وجدان الخيال الجمعى للفرنسيين، فهو ابن الثورة الفرنسية الذى خرج يحمل مبادئها الإنسانية من حرية ومساواة وإخاء، ليفرضها تارة بالعلم والعلماء، وتارة بالمدافع لينهى حياته فى جزيرة نائية ويظل مثيرا لأحلام الفلاسفة والعلماء والأدباء وزعماء أوروبا حتى وقتنا الحالى.

 

ووُلد نابليون في جزيرة كورسيكا لأبوين ينتميان لطبقة أرستقراطية تعود بجذورها إلى إحدى عائلات إيطاليا القديمة النبيلة ، ألحقه والده "كارلو بونابرت"، المعروف عند الفرنسيين باسم "شارل بونابرت" بمدرسة بريان العسكرية ، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة سان سير العسكرية الشهيرة، وفي المدرستين أظهر تفوقًا باهرًا على رفاقه، ليس فقط في العلوم العسكرية وإنما أيضًا في الآداب والتاريخ والجغرافيا ،وخلال دراسته اطلع على روائع كتّاب القرن الثامن عشر في فرنسا وجلّهم، حيث كانوا من أصحاب ودعاة المبادئ الحرة. فقد عرف عن كثب مؤلفات فولتير ومونتسكيو وروسو، الذي كان أكثرهم أثرًا في

تفكير الضابط الشاب.

 

أنهى دروسه الحربية وتخرّج في سنة 1785م وعُين برتبة ملازم أول في سلاح المدفعية التابع للجيش الفرنسي الملكي ، وفي سنة 1795 أعطيت له فرصة الظهور، ليبرز براعته لأول مرة في باريس نفسها حين ساهم في تعضيد حكومة الإدارة وفي القضاء على المظاهرات التي قام بها الملكيون، تساعدهم العناصر المحافظة والرجعية. ثم عاد في سنة 1797 ودعم هذه الحكومة ضد توجه أن تكون فرنسا ملكية دستورية فبات منذ هذا التاريخ السند الفعلي لها ولدستور سنة 1795.

 

بزغ نجم بونابرت خلال عهد الجمهورية الفرنسية الأولى، عندما عهدت إليه حكومة الإدارة بقيادة حملتين عسكريتين موجهتين ضد ائتلاف الدول المنقضة على فرنسا. وفي سنة 1799، قام بعزل حكومة الإدارة وأنشأ بدلاً منها حكومة مؤلفة من 3 قناصل، وتقلّد هو بنفسه منصب القنصل الأول؛ ثم سعى في إعلان نفسه إمبراطورًا وتم له هذا بعد 5 سنوات بإعلان من مجلس الشيوخ الفرنسي. خاضت الإمبراطورية الفرنسية نزاعات عدّة خلال العقد الأول من القرن التاسع عشر، عُرفت باسم الحروب النابليونية، ودخلت فيها جميع القوى العظمى في أوروبا.

 

أحرزت فرنسا انتصارات باهرة في ذلك العهد، على جميع الدول التي قاتلتها، وجعلت لنفسها مركزًا رئيسيًا في أوروبا القارية، ومدّت أصابعها في شؤون جميع الدول الأوروبية تقريبًا، حيث قام بونابرت بتوسيع نطاق التدخل الفرنسي في المسائل السياسية الأوروبية عن طريق خلق تحالفات مع بعض الدول، وتنصيب بعض أقاربه وأصدقائه على عروش الدول الأخرى.

 

شكّل الغزو الفرنسي لروسيا سنة 1812م نقطة تحول في حظوظ بونابرت، حيث أصيب الجيش الفرنسي خلال الحملة بأضرار وخسائر بشرية ومادية جسيمة، لم تُمكن نابليون من النهوض به مرة أخرى بعد ذلك. وفي سنة 1813، هزمت قوّات الائتلاف السادس الجيش الفرنسي في معركة الأمم؛ وفي السنة اللاحقة اجتاحت هذه القوّات فرنسا ودخلت العاصمة باريس، وأجبرت نابليون على التنازل عن العرش، ونفوه إلى جزيرة ألبا. هرب بونابرت من منفاه بعد أقل من سنة، وعاد ليتربع على عرش فرنسا، وحاول مقاومة الحلفاء واستعادة مجده السابق، لكنهم هزموه شر هزيمة في معركة واترلو خلال شهر يونيو من عام 1815م.

 

استسلم بونابرت بعد ذلك للبريطانيين، الذين نفوه إلى جزيرة القديسة هيلانة، المستعمرة البريطانية، حيث أمضى السنوات الست الأخيرة من حياته. أظهر تشريح جثة نابليون أن وفاته جاءت كنتيجة لإصابته بسرطان المعدة، على الرغم من أن كثيرًا من العلماء يقولون بأن الوفاة جاءت بسبب التسمم بالزرنيخ.

 

تُدرّّس حملات نابليون العسكرية في العديد من المدارس الحربية حول العالم، وعلى الرغم من أن الآراء منقسمة حوله، حيث يراه معارضوه طاغية جبارا أعاد الحكومة لامبراطورية ووزع المناصب والألقاب على أسرته ودخل مغامرات عسكرية دمرت الجيش، فإن محبيه يرونه رجل دولة وراعيًا للحضارة، إذ يُنسب إليه القانون المدني الفرنسي، المعروف باسم قانون نابليون، الذي وضع الأسس الإدارية والقضائية لمعظم دول أوروبا الغربية، والدول التي خضعت للاستعمار والانتداب الفرنسي في العصور اللاحقة.