عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مدير سد النهضة الإثيوبي وسيناريو الاغتيال والانتحار .. ماذا حدث؟

 سيمجنيو بيكيلي مدير
سيمجنيو بيكيلي مدير مشروع سد النهضة- ارشيفية

تحليل- محسن سليم:

 

جاء إعلان الشرطة الفيدرالية الإثيوبية اليوم الجمعة، نتائج التحقيقات في مقتل سيمجنيو بيكيلي مدير مشروع سد النهضة، وتأكيدها انتحار الرجل بمسدس خاص كان موضوعًا داخل سيارته، رخصه قبل 9 سنوات، لتعيد الأضواء من جديد، صوب القضية الأكثر جدلاً وإثارة وغموضًا في الساحة، وهي مقتل عراب السدود كما يحب أن يسميه الإثيوبيون، في الـ26 من يوليو الماضي.

نتائج التحقيقات يبدوا أنها جاءت غير متوقعة لكثير من الإثيوبيين والمهتمين بالشأن الإثيوبي، خاصة أن التصريحات الصادرة عن التحقيقات الأولية للشرطة الإثيوبية، عقب الحادث، كانت تلمح إلى أن الحادث مرتبط بالتغيرات الداخلية والخارجية التي تشهدها الدولة منذ تولي رئيس الوزراء الجديد أبي أحمد، في إشارة إلى تعرضه لعملية اغتيال مدبرة، لأسباب سياسية، وطالبت الشباب بدعم تلك التغيرات الجارية، وكشفت الشرطة وقتئذن أن الحادث جنائيًا، وألقت القبض على عدد من المشتبه بهم، وتوالت التحقيقات.

في تلك الفترة تناقلت وسائل إعلام محلية ودولية والوكالات العالمية، تقارير توجه أصابع الاتهام  لعدد من الأطراف، فما بين وجود بعد قبلي وعشائري في مقتله، والحديث عن دلائل تشير لوجود أياد خفية داخلية، (الدولة العميقة)، راغبة في اعتراض عملية الإصلاح التي يقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي، من منطلق أن التحوّلات التي يقودها ستقلص نفوذها، فيما طالت الاتهامات الحركة الشعبية لتحرير التغراي.

معطيات تدعم فرضية الانتحار

نتائج تحقيقات الشرطة الفيدرالية، ومحاولة قفل ملف القضية نهائيًا، بإعلان انتحار مدير مشروع سد النهضة،  مازالت مثيرة للشكوك، وغير مقنعة للرأي العام الإثيوبي، إلا أن فرضية انتحار مدير سد النهضة الإثيوبي، مبنية على أسباب منطقية من بينها:

1-  مدير المشروع وجد ميتًا داخل سيارته، التي كان محركها يعمل لحظة اكتشاف الشرطة مفارقته للحياة والسيارة على جانب الطريق، وكان في يده اليمنى مسدس.

2- كان الأولى قتله بمحيط عمله الذي كان يقضي فيه 20 ساعة يوميًا بمنطقة السد وهي منطقة جبلية وعرة يسهل على الجاني الفرار وتنفيذ مهمته بنجاح، وعدم ضبطه، ولكن مكان القتل وقع في ميدان ميسكل وسط العاصمة أديس أبابا، أكثر ساحات العاصمة صخبًا، وهو ميدان عريض لا تتوقف فيه الحركة يستحيل أن يفكر شخص في اختيار هذا المكان لتنفيذ محاولة اغتيال لأسباب عدة من بينها:

-المكان ترابط فيه قوات للشرطة بشكل ثابت لكونه قريبًا من مقار حيوية لمؤسسات أمنية وسيادية.

-توقيت عملية القتل الساعة 8:30 صباحًا وقت ذروة لحركة السير ونشاط العمال، فيصعب تنفيذ العملية في ذلك الوقت.

- مكان الحادث من المفترض أنه مراقب بالكاميرات تمتد من مقر جهاز الأمن الإثيوبي وربما وزارة الخارجية التي تقع في نطاق ليس بعيدًا، وذلك معلوم للجميع فكيف يفكر شخص بتنفيذ عملية اغتيال ستكون مصورة بدقة عالية.

3- تواجد مدير سد النهضة في العاصمة في مثل هذه التوقيت مستغرب فالمفترض تواجده في مثل ذلك التوقيت بموقع السد خاصة أن الموسم موسم خريف وأمطار ومن المنطقي أنه الموسم الأول لاختبارات تتعلق بالبحيرة وترتيب مراجعات حول الموعد النهائي لحبس المياه خلف جسم السد، وبحسب تحقيقات الشرطة حضر مدير المشروع لمقر عمله ومكتبه بمحيط السد الساعة 7:30 صباحًا وغادر مسرعًا.

معطيات ترجح سيناريو الاستهداف

رغم الدلائل المنطقية التي من المتوقع أن تكون بنيت عليها تحقيقات الشرطة الفيدرالية الإثيوبية، أن سيناريو آخر تدعمه عدة دلائل، قد تذهب بالقضية لمنحى جنائي، بعيدًا عن ما توصلت له نتائج التحقيقات، وهي وجود جهة ما قامت بقتل واستهداف مدير المشروع ويدعم تلك السيناريو عدة معطيات من بينها:-

1- المعاينة الأولية للحادث كشفت إصابة القتيل برصاصة من الجانب الأيسر، رغم تعرض زجاج السيارة من الجانب الأيمن للكسر، وهو ما يرجح تعرض السيارة للاستهداف والمطاردة، ولم يكن مدير المشروع منفردًا داخل السيارة وقت الحادث فزجاج السيارة من الجانب الأيسر  تجاه الرصاصة غير محطم.

2-  كون مهندس المشروع الرجل الثاني الذي يقتل في أقل من 3 أشهر، بعد حادث قُتل ديب كمار، مالك مصنع دانجوت للأسمنت، الأكبر في إثيوبيا، والمورد الأكبر للأسمنت الخاص بتشييد سد النهضة، مع اثنين من مساعديه، وتزامن الحادث بعد محاولة فاشلة لاغتيال رئيس الوزراء آبي أحمد خلال لقاء جمعه مع حشد من أنصاره في يونيو الماضي، يؤشر ذلك لوجود استهداف للقائمين على المشروع، ووجود جهة ما راغبة في عرقلة المشروع، ووقفه.

3- مشروع سد النهضة كان وراءه فساد المالي، وتربّح من وراءه عشرات الشخصيات من النظام الحاكم فى إثيوبيا، بحسب ما يتم تدواله بين الأوساط الإثيوبية مؤخرًا، ويعتبر المهندس سيمجنيو بيكيلي الصندوق الأسود فى هذا، ولهذا هناك أعداء راغبين في التخلص منه سريعا، يدعم ذلك :-

- رفض مدير المشروع التعليق عن أسباب تأخر المشروع في لقاء إعلامي مايو الماضي، ووقوع الحادث قبل يوم من أنباء عقده مؤتمر صحفي للكشف عن ملابسلات تأخر إتمام مشروع سد النهضة، وفساد مالي وإداري.

-تعرض مكتب مدير المشروع للحرق قبل 4 أيام من حادث القتل، ومن المعلوم أن مكتبه به كافة الوثائق و العقود والأوراق المرتبطة بالسد، ومعروف أن مدير السد يقضي 20ساعة من يومه في مكتبه بمحيط المشروع، ولا يذهب لمنزله سوى للنوم، ومن المرجح حفظه كافة الأوراق داخل مكتبه، وهناك شكوك حول اختفاء الوثائق الخاصة بعمليات الصرف على البناء، وسط إرهاصات باختفاء ملايين الدولارات من حساب السد.

 - بعد أيام من مقتل مدير المشروع تحدث رئيس الوزراء الحالي أبي أحمد عن وجود مشاكل فنية في السد مرتبطة بشركة، ميتك التابعة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبي إحدى شركات المقاولة وتأخرها في القيام بالأعمال الهيدروميكانية رغم دفع ملايين الدولارات، دون أن تحقق تقدم ملحوظ في البناء، في إشارة لوجود فساد مالي في إدارة المشروع، ومن المعلوم أن حساب السد لا يصرف منه سوى بتوقيع من مديره الذي تم اغتياله.

تضارب التحقيقات الأولية

التحقيقات الأولية في وفاة سيمجنيو بيكيلي والتصريحات التي صدرت عقب الحادث من الأجهزة الأمنية أشارت إلى أنه قُتل بطلقٍ ناريٍ أُصيب به في الرأس من ناحية مؤخرة الأذن في الجانب الأيسر وأفادت بوجود مسدس خاص بالقتل ومرخص ملقى بالجانب الأيمن من القتيل، وانطلق البعض لترجيح قتله ببندقية قنص ليزر من سيارة أخرى بالقرب منه لوجود كسر في الزجاج الجانبي للسيارة من الجانب الأيمن، فيما راح البعض لفتح الباب لترجيحات قتل نفسه وانتحاره.

 الغريب في الأمر كان حديث الشرطة الفيدرالية عن أن الميدان غير مغطى بالكاميرات منذ بناء الطريق، والبعض أشار إلى أن الكاميرات معطلة وفي الصيانة،

ما يؤكد بشكل غير مباشر أن دليل الإثبات الدامغ  في هذه القضية غير متوفر في مثل هذه الحالة، مما يحتم عليهم البحث عن أدلة أخرى مثل شهود العيان، ويكشف  لغز في الحادث ومحاولة لطمس معالم القضية، خاصة أن الحادث في ميدان ميسكل وسط العاصمة الإثيوبية، وهو بالقرب من بعض المؤسسات الحيوية كجهاز الأمن الإثيوبي، ووزارة الخارجية، ومراقب بالكاميرات.

شهود العيان في القضية، كانوا هم البطل الحقيقي في كشف ملابسات الحادث، بعد تضارب المعلومات عن كاميرات المراقبة في المنطقة، هل معطلة، أم غير موجودة بالأساس؟، طبقاً لشهود عيان خضعوا للتحقيق والتقت بهم وسائل إعلامية، تحدثوا عن تواجدهم في المحلات التجارية القريبة من الميدان في الساعة الثامنة والنصف، وفوجئوا بتوقف سيارة من طراز تويوتا لاند كروزر، خرج منها رجل من الجانب الأيمن لها مكان القيادة، توقع شهود العيان عودته، وعقب تأخره نصف ساعة، ذهب أحد العمال في المحال التجارية، وفوجئ بقتيل داخل السيارة من الجانب الأيسر، وأبلغ الشرطة، تلك الرواية تفيد قيام مدير مشروع السد بالانتحار، خاصة أن الرواية ترجح وجود شخص كان يقود السيارة، من الجانب الأيمن تجاه الرصاصة التي أودت بالمجني عليه قتيلاً.

مكان الحادث وسيناريو مغادرة البلاد

معروف عن سيمجنيو بيكيلي منذ سنوات أنه لا ينام سوى 4 ساعات يوميًا وُجد ميتاً، في أكثر ساحات العاصمة صخبًا، وهو ليس قريبًا لا من مكان سكنه، ولا من عمله أيضًا، الذي يقضى فيه يوميًا 20 ساعة، على مدار 7 سنوات منذ توليه إدارة المشروع عام 2011،  واتساقًا مع تصريحات مدير الشرطة الفيدرالية اليوم زينو جمال، أن الرجل قبل موته حاول الخروج من البلاد، وأن كل الدلائل والمعلومات التي تحققت منها الشرطة، تشير إلى أنه كان يودع أهله وأولاده والعاملين في مكتبه الخاص، كما أنه كان مثقلاً بعدة قضايا منها تأخر أعمال البناء في سد النهضة، والأموال التي انفقت على بناء السد دون أن يحقق تقدمًا في البناء خاصة الجانب الخاص بشركة، ميتك التابعة لقوات الدفاع الوطني إحدى شركات المقاولة وتأخرها في القيام بالأعمال الهيدروميكانيكة، والإشارة إلى أنه لايمكن صرف أي أموال للشركات المقاولة دون توقيع مدير سد النهضة، يأخذ القضية لمنحى آخر ويلمح من بعيد لتعرض مدير المشروع لضغوطات ما مرتبطة بمشروع السد فيما يتعلق بالموصفات الفنية وسعة التخزين، ومدة الإنجاز، لا تتوافق مع رؤاه وخططه، خاصة أنه يعتبره مشروعًا شخصيًا، يحمل على عاتقه بحسب تصريحات سابقة له، وصية رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي، الذي توفّي العام 2012، بإنهاء سد النهضة، ومع تزايد مخاوف توقف المشروع بسبب الفساد المالي والإداري، لجأ الرجل للانتحار.

أخيراً:-

- الحديث عن تواجد الرجل في موقع الحادث في مكتبه الذي تعرض للحرق قبل أيام من مقتله، وفقدان عدة وثائق ومستندات مالية، وعقود توريد الساعة الساعة 7:30، ومغادرته مسرعًا، ومقتله الساعة8:30 في ميدان وسط العاصمة، وربط ذلك بتوجه الرجل لعقد مؤتمر صحفي للكشف عن ملابسات تأخير المشروع، وفساد مالي وإداري متورطة به شخصيات بارزة في الدولة، ترجح سيناريو تعرضه للاغتيال، لإغلاق الصندوق الأسود للمشروع، خاصة أنه يُعد ثاني مسئول بالشركة يتوفى في الأشهر الأخيرة، بعد مقتل المدير المحلي للمجموعة النيجيرية، دانجوتي، ديب كامرا، هو واثنين من مساعديه، في هجوم خارج أديس أبابا في مايو الماضي، وهي الشركة المسئولة عن توريد أسمنت السد.
- أما الحديث عن تعرض الرجل لضغوطات سياسية من عدة جوانب مرتبطة بإعادة تصميمات السد، وسعته التخزينية وفترة ملء السد، وفتور اهتمام القيادة السياسية بالمشروع والحديث عن احتمالية تأخر الانتهاء من المشروع لعشر سنوات مقبلة، وسط فساد مالي وإداري قد يتورط فيه مدير المشروع لكونه الموكل بصرف الأموال الخاصة بصندوق السد، ترجح فرضية انتحاره، ما يعزز ذلك، ما تم كشفه عن محاولة الرجل الخروج خارج البلاد الفترة الماضية وتوديعه لعمال المشروع والمهندسين وأهله قبل أيام من مقتله.

 

- سيظل مقتل مدير مشروع سد النهضة لغزًا محيرًا وغامضًا للكثيرين، فنتائج التحقيقات التي أعلنتها الشرطة الفيدرالية الإثيوبية، لن تكون نهائية، ومن المتوقع أن تتكشف مزيدًا من الحقائق بشأن مقتل الرجل الفترة المقبلة، خاصة في ظل تنامي الأزمات الخاصة بالمشروع، وتعثره، ووجود أزمات مالية نتيجة الفساد الذي انتاب المشروع في السنوات الماضية.