رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الموت في بطن البقرة

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق - إسلام أبو خطوة-تصوير - محمد طلعت

من حكمدار العاصمة إلى أحمد حمدي القاطن بدير النحاس لا تشرب الدواء فيه سم قاتل.. جملة شهيرة في فيلم «حياة أو موت» تنطبق على الطعام الذي يتناوله المواطنون في الأوانى الفخارية، حيث أثبتت الدراسات الطبية أن هذه الأوانى تحتوي على مادة «أكسيد الرصاص» المتواجدة في المادة اللامعة في الأوانى خاصة من الأنواع الرديئة والتي يتم تصنيعها في منطقة بطن البقرة بمصر القديمة، والتي تعد الأشهر في تصنيع هذه السموم القاتلة.

وأشارت هذه الدراسات إلى أن تلك المادة على المديين المتوسط والبعيد، تتسبب في إصابة المستهلك بأمراض خطيرة منها السرطان والفشل الكلوى، كما تؤثر على الجهاز العصبي والتنفسي.

«الوفد» أجرت جولة بمنطقة بطن البقرة بمصر القديمة بالقاهرة والتي تعد الأشهر في تصنيع الأوانى الفخارية، ورصدت استخدام التربة الطينية العادية السوداء، وخلطها بمواد كيميائية خطيرة وألوان صناعية، لإعطائها اللون الأصفر أو الأحمر، وحرقها في فواخير تقليدية، باستخدام المواد الضارة والأخشاب، وطلائها بعد ذلك بمادة «الجليز»، وتلميعها بمواد كيميائية من الداخل، تحتوي على «أكسيد الرصاص» القاتل الذي يتفاعل مع الطعام عند الطهي.

أول ما يستوقفك عندما تدخل منطقة بطن «البقرة» الوجوه الشاحبة، والأيادي المصبوغة باللون الأسود من كثرة العمل داخل المحاجر، بجسد نحيف وعيون غائرة يائسة قال عبدالستار كامل، «أرزقي» إنه مسئول عن أسرة من 4 أفراد، عجز عن تعليمهم بسبب المصاريف التي لا يستطيع سدادها، وحالياً يساندونه في العمل على عربته الكارو بجمع القمامة من المنازل.

«بناكل لحمة مرة كل أسبوعين بس أغلب أكلنا داخل أوانى الفخار».. يكمل عبدالستار حديثه، وأشار إلى أنه مثل جميع أهالي بطن البقرة يعاني من آلام البطن بين الحين والآخر ولا يعلمون السبب الحقيقي، فيما فسر البعض منهم أن تلك الآلام من التلوث الذي قد يلحق بالطعام من الأتربة التي تحاصرهم والأدخنة الصاعدة من ورش صناعة الفخار.

وأشار الرجل الثلاثيني إلى أن الأوانى الفخارية شيء أساسي في جهاز العروسة بالمناطق الفقيرة، لعجزهم عن شراء الأوانى الفخمة، وتابع: «سمعنا عن مخاطر الفخار ولكن هنعمل إيه؟.. عموماً ربنا هو الحارس».

كما قالت مسعدة جابر، ربة منزل، إنها اعتادت على استنشاق روائح خانقة أثناء الطهي إصابتنا بأمراض صدرية.. ففي البداية كانوا لا يعلمون مصدر المرض، إلا أن الطبيب حذرهم من التناول داخل هذه الأوانى ولكن لا يجدون مفراً منها.

وتابعت: «علشان ناكل في الأوانى النضيفة عاوزين فلوس ونجيب منين واحنا مش لاقيين ناكل العيش الحاف».

«الوفد» داخل ورشة لصناعة الأوانى السامة

وتأتي منطقة بطن البقرة في مصر القديمة الأشهر في تجارة الأوانى الفخارية، تليها عدة قرى في محافظات الصعيد أشهرها قرى المدمر والهيشة والحريقة بمركز طما محافظة سوهاج حيث تشتهر باحتراف هذه المهنة وقرية شطورة والخذندارية بمركز طهطا، فغالبية العاملين بها هم من توارثوها عن آبائهم وأجدادهم.

وقال جابر منصور، أحد العاملين في صناعة الفخار، إن الأوانى الفخارية تصنع من الطين الأسواني، يتم عجنه حتى يتحول إلى صلصال، ثم يتم تشكيله ويضاف عليه المواد الخاصة بصناعة الأوانى مثل «الجليز» والتي تحتوي على أكسيد الرصاص لتلميع الأوانى من الداخل ثم يتم حرقه داخل الفرن.

وأوضح طارق مروان، أحد بائعي الأوانى الفخارية، إن حركة

البيع والشراء متوقفة لعدة أسباب منها ارتفاع سعر الأوانى، حيث تبدأ من 50 جنيهاً وحتى 190جنيهاً على حسب المواد المستخدمة بداخلها، والسبب الثاني تخوف المواطنين من تلك الأوانى لاختلاط المواد بها بالطعام لتعطي روائح مختلفة عن رائحة الطعام الأساسية.

وقال الدكتور مجدي نزيه، رئيس قسم التثقيف الغذائي في المعهد القومي للتغذية، إن عدداً كبيراً من الأهالي بمنطقة بطن البقرة بمصر القديمة وغيرهم من البسطاء يتناولون طعامهم داخل الأوانى الفخارية التي صنعت من مواد رديئة مليئة بالسموم تهددهم بالإصابة بأمراض خطيرة، مشيراً إلى أن هذه الأوانى الفخارية تحتوى على مادة «الجليز» اللامعة، والتي تحتوى بداخلها أيضاً على مادة «أكسيد الرصاص»، التي تتسبب في أمراض سرطانية.

وأضاف: إن «أكسيد الرصاص» تعد من أخطر ال مواد التي تصيب بالسرطان، وتستخدم في تلميع الأوانى الفخارية، مشيراً إلى أن البسطاء عادة ما يبحثون على السلع الأقل تكلفة، مشدداً على ضرورة تناول الطعام في الأوانى الفخارية المصنعة بشكل سليم وصحي أو الأوانى المصنعة من «البيرلكس» أو «السراميك»، وفي حالة استخدام الألومنيوم في الطهي، ينصح بعدم ترك الطعام به بعد انتهاء الطهي.

وحول الجهات المسئولة عن التصدي لهذه الكارثة، أكد رئيس قسم التثقيف بالمعهد القومي أن المواطن هو المسئول الأول عن صحته وسلامته من خلال الابتعاد عن شراء سلع لا يعلم مصدرها.

وأكدت الدكتورة علا هيكل، رئيس قسم السموم والمنشطات، بالمركز القومي للبحوث أن الأوانى الفخارية التي تحتوي على «أكسيد الرصاص» تصيب المواطنين بالسرطان على المدى البعيد، كما تصيب الحوامل والأطفال على المدى المتوسط، وأيضاً تؤثر على مستوى الذكاء العام لمن يتعرض لها.

وأضافت رئيس قسم السموم والمنشطات بالمركز القومي للبحوث أن مادة الرصاص ثبت علمياً أنها لا تنكسر بالحرارة أثناء عملية حرق الأوانى الفخارية خلال تصنيعها داخل الفواخير، موضحاً أن الأوانى الفخارية الرديئة حينما يتم وضعها على النار تتفاعل مادة أكسيد الرصاص مع الطعام وحينما يتناول المواطن تترسب المادة في العظام.

وطالبت رئيس قسم السموم بالقومي للبحوث وزارة الصحة بأخذ العينات من هذه الأوانى وإجراء التحاليل المطلوبة للتأكد من صحتها، كما طالبت بوضع معايير محددة لتصنيعها بشكل علمي.