عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حانت ساعة البسالة التاريخية والمصريون على أبواب امتحان صعب للحفاظ على دولتهم

بوابة الوفد الإلكترونية

عرض وتلخيص سامية فاروق:

 

بعد العرض في خمسة أجزاء سابقة، يتناول الفقيه المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة في الجزء السادس والأخير من بحثه القيم عن «المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية دراسة تحليلية في المدخل لتحقيق التنمية والاستقرار الأمن للوطن. دراسة تحليلية في الفكر الدستورى والسياسى في ظل الأنظمة الديمقراطية والمتولدة عقب الثورات الحاضنة لتحديث الدولة». والمنشور على موقع نادى قضاة مجلس الدولة على صفحته الرئيسية, عدة نقاط مهمة مستجدة تتعلق بمواجهة الدولة للإرهاب تقتضى الموازنة بين الحق والمسئولية للمشاركة فى الانتخابات ولأول مرة كلمات الرئيس لأهل الشر في ميزان فكر التاريخ الدستورى والدروس المستفادة , وخطاب مفتوح للرئيس عن الأساس الفلسفى والاجتماعى لفكرة التفويض وضمير الأمة وقد حانت ساعة البسالة التاريخية والمصريون على أبواب امتحان صعب للحفاظ على دولتهم وصندوق الاقتراع بين الحالمون والواهمون.

ونعرض في الجزء السادس والأخير من هذا البحث المتفرد للمفكر القانونى الكبير على النحو التالى:

أولاً: الأمم الغربية تحمى شعوبها وهويتها الإنسانية من الإرهاب (المشرعين الألمانى والأمريكى والأسبانى والإيطالى والفرنسى) والأمة المصرية تقود فريق لعبة الأمم:

يقول الدكتور محمد خفاجى إن كل دولة تستقل بتحديد مفاهيم الحفاظ فى كيان كل أمة منها, ففى المانيا اُدخل تعديل عام 1976 على قانون العقوبات ولأول مرة يستخدم المشرع الألمانى تعبير الجماعة الإرهابية ثم أصدر قانون مكافحة الإرهاب سنة 1986 وبعد أحداث سبتمبر  2001 صدر قانون جديد فى يناير 2002 للحفاظ على الأمة الألمانية, وفى أمريكا صدر قانون جديد patriot -act الصادر فى 26 اكتوبر 2001 فتح النار على كل ما هو معادى للأمة الأمريكية, وفى اسبانيا صدر قانون فى ديسمبر 1984 بتجريم الأعمال الإرهابية إذا ثبت أن لها علاقة بجماعة حائزة على سلاح وأخضع النظر فيها إلى القضاء العسكرى للحفاظ على الأمة الاسبانية, وفى ايطاليا صدر القانون رقم 152 فى مايو 1975 مجرماً الأفعال التى ترتكب من أجل اشاعة الرعب والاضطراب بالقصد الإرهابى عدل فى فبراير 1980 بتشديد العقوبات على الأعمال الإرهابية ثم تدابير أخرى عاجلة بالقانون رقم 438 لسنة 2001 للوقاية من الجرائم المرتكبة لأغراض إرهابية للحفاظ على الأمة الايطالية, وفى فرنسا وصل الأمر إلى القانون رقم 1020 فى مايو 1986 عرف الإرهاب أنه خرق للقانون يقدم عليه فرد من الأفراد أو تنظيم جماعى بهدف إثارة اضطراب خطير فى النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب .ثم صدر القانون رقم 686 فى يونيه 1996 تم تشديد العقوبات فى الجنايات التى تقع ضد الأمة الفرنسية.

ويطرح الدكتور محمد خفاجى تساؤلاً مهماً على ثلاث مراحل هل يجب على الدولة مواجهة الإرهاب بوصفه جريمة منظمة غايتها قلب نظام الحكم أو تغيير النظام الاجتماعي والسياسي بالقوة ؟ و هذا ما كانت تهدف إليه الجماعات الإرهابية الناشطة ، وتكفيرها لكل من يمثل الدولة، أم أنها تواجه الإرهاب بوصفه انعكاساً للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ؟ أم بوصفه قضية دينية امتزج فيها التعصب والتطرف لدرجة أن أصبح الجهاد ضد المسلمين بالذبح وسفك الدماء والتخريب مباحا من أجل الوصول إلى الحكم.؟ وكما يقول «بول ويلكنسون» الإرهاب نتاج العنف المتطرف الذى يرتكب من أجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة يضحى من أجلها بكافة المتعقدات الإنسانية الأخلاقية .

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أنه يخيل للبعض أن مصر حديثة العهد بالحفاظ على فكرة هوية الأمة ضد الإرهاب بمناسبة اصدارها القانون رقم 94 لسنة 2015 بمكافحة الإرهاب والذى سبقه القرار الجمهورى رقم 8 لسنة 2015 فى شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين إذ سبقهما قرارات جمهورية بالموافقة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالإرهاب أرقام 279 لسنة 1998 بشأن الموافقة على الاتفاقية العربية بشأن الموافقة على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب و294 لسنة 2003 بشأن الموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية و426 لسنة 2004 بشأن الموافقة على الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب الموقعة فى نيويورك بتاريخ 10 يناير 2000 و94 لسنة 2004 بشأن الموافقة على الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل والموقعة فى نيويورك 12 يناير 1998 و70 لسنة 2014 بشأن الموافقة على انضمام مصر إلى الاتفاقية العربية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الموقعة فى القاهرة 21 ديسمبر 2010 وتعد مصر لموقها الفريد عصب منطقة الشرق الأوسط مما جعلها ملتقى القوى طمعاً أو رهباً لذا هى تقود الأمم كافة فى محاربة الإرهاب خاصة العربية والافريقية وهو ما فرض عليها أن تكون دولة الدور , فقواعد اللعبة الحديثة بعد سقوط قناع المواجهات العقائدية أضافت لدور مصر ولم تخصم منها.

ثانياً : صندوق الاقتراع بين الحالمون – والواهمون

يقول الدكتور محمد خفاجى أن الشعوب لها أحلامها المشروعة فى الحياة الاَمنة وتحقيق التنمية التى غدت من حقوق الإنسان وأن مشاركتهم الشعبية فى الانتخابات الرئاسية تحقق لهم تلك الأحلام المشروعة ليكون صوتهم أمام صناديق الاقتراع الدرع الواقى للوطن من أى عدوان , ولكن الواهمون يتصورون أنهم يمكن ضرب الوطنية بمطرقة الدين وإثارة الفقراء بأحلام الاستهلاك ومطاردة العقائد بفكر القوميات هؤلاء هم الواهمون.

ثالثاً: مواجهة الدولة بكل قواها للإرهاب تقتضى الموازنة بين الحق والمسئولية والمشاركة فى الانتخابات :

يقول الدكتور محمد خفاجى إن كل نظام ديمقراطي يسعى لتحقيق تمثيل مقبول للإرادة الشعبية، و الانتخابات وسيلته المشروعة لبلوغها، وما يميز الارادة الشعبية انها متغيرة بطبيعتها ، بمعنى أن ما يريده المجتمع قيد البحث لا يثبت على حال معين إنما هو يتغير بتغير الظروف والملابسات مثله في ذلك مثل أى ظاهرة اجتماعية، وتمثل الانتخابات عقل الارادة الشعبية، التى  تضمن للأنظمة السائدة  تمتعها بالشرعية والاستقرار.

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أنه بعد اندلاع  ثورة 25 يناير 2011 فى البلاد أعقب نشوبها شلل بكل مرافق الدولة وانفلات أمنى فى كل أرجاء البلاد مما كان له أثار سيئة على كل مصادر الدخل القومى  أنهك الاقتصاد المصرى وعطل التدفق السياحى وتدهورت الأمور وصُدم ما كان يحلم به الشعب المصرى وساءت أحوال البلاد أكثر مما كان, وما كان ذلك سيحدث  إلا بسبب خلط الدين بالسياسة واستغلال الدين كأداة للوصول إلى مقاليد السلطة حتى صحوة الشعب التى أضاءت الطريق وأوقفت نزيف التدهور والانهيار وبددت اًمال جماعة العنف ليعيد مصر لدورها الحضارى بثورة 30 يونية 2013 والتى وصفتهما ديباجة الدستور أن كلاهما فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية، وكانت الفترة بين الثورتين عصيبة على الشعب المصرى ألقت بظلالها على كل شىء فى مصر, حتى تم انتخاب رئيس جديد للبلاد التف حوله المصريون وفوضوه فى أمرهم داعمين له لمواجهة الإرهاب, عازمون معه على النحت فى الصخر لرفعة البلاد وعلو شأنها , وعلى هذا النحو فإنه يجب على  المواطنين أن يعادلوا ويوازنوا  بين الحق والمسئولية  بالمشاركة فى الانتخابات الرئاسية باعتبار أن التنمية شراكة بين الدولة ومواطنيها لصياغة العقد الاجتماعى الجديد.

رابعاً: كلمات الرئيس لأهل الشر في ميزان فكر التاريخ الدستورى والدروس المستفادة:

يقول الدكتور محمد خفاجى إن كلمات رئيس الدولة المصرية لأهل الشر خلال حفل بدء الإنتاج المبكر لحقل الغاز الطبيعى «ظهر» ببورسعيد، شديدة الأهمية على مستوى الفكر المؤسسى في بناء الدول لأنها كانت بمناسبة من يعبث بأمن مصر واستقرارها، محذراً بشدة  قوى الشر من الاقتراب من أمن مصر , معرضاً حياته للموت قبل أن يُمس المجتمع بسوء , وبنظرة فاحصة موضوعية وبحكم تخصصى العلمى في دراسة أنظمة وفلسفة الحكم في حقب التاريخ المتباينة, فقد حمل رئيس الدولة تركة ثقيلة من الفساد جعلت الشعب يثور مرتين في زمن وجيز أحدهما ضد الفساد السياسى والادارى والمالى والثانى ضد الفاشية الدينية التى تستخدم الدين ستاراً لتحقيق أطماع في السلطة والحكم , فجاء وفي يده اليمنى إجراء التنمية وفى يده اليسرى مكافحة الإرهاب , وفى الحالتين كان عماده وسنده هو الشعب.

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أنه يمكن تحديد الدروس المستفادة من تلك الكلمات الفاصلة في تاريخ شعب من أعرق شعوب الأرض حضارة فيما يلى :

الدرس الأول: يقول الدكتور محمد خفاجى أن تحذير رئيس الدولة لأهل الشر من التخطيط بالعبث بأمن مصر فإنه تحذير بالمساس  بالدولة المصرية للحفاظ على كيانها , وتفسير ذلك في فقه القانون الدولى العام التقليدى أن فناء الدولة يعنى انتهاء شخصيتها الدولية ويكون ذلك مادياً أو قانونياً بخضوعها لدولة أخرى أو ضمها إليها , وهو الحريص على وجود الدولة المصرية , فإن التاريخ القديم يكشف لنا أن فناء الدولة لها سوابق في التاريخ العربى عن تصفية الخلافة الإسلامية بنقلها من بنى أمية إلى بنى العباسى , فإن الانتقال يبدو في ظاهره انتقال من أسرة إلى أخرى ومن قطر عربى إلى أخر لكنه في حقيقة الأمر أعمق بكثير إنه انتقال من فضاء جغرافى إلى اخر ومن محيط حضارى إلى أخر , وبعبارة أخرى أكثر عمقاً الانتقال من عوالم البحر المتوسط إلى عوالم المحيط الهندى , ذلك أننا نرى أن بعض المؤرخين يهتمون بالتاريخ الإسلامى في الأقطار المطلة على البحر المتوسط المتأثرة بتلك العوالم على حين نراهم يتجاهلون ذلك التاريخ في الأقطار المطلة على البحر الأحمر والخليج العربى المرتبطة بشكل وثيق بالمحيط الهندى.

ويرى صفوة من المؤرخين المنصفين أن انتقال مركز الخلافة إلى بغداد أصبح موضحاً لتأثيرات ثقافية وعرقية وتيارات قوية من جهات مختلفة فانفتاح العراق جغرافياً على أقاليم ايران وبلاد ما وراء النهر (وهي منطقة تاريخية وجزء من اَسيا الوسطى، تشمل أراضيها أوزباكستان والجزء الجنوب الغربي من كازاخستان والجزء الجنوبي من قيرغيزستان) وجزيرة العرب والخليج العربى المتصلة بسواحل الهند وافريقيا كان ذا أثر كبير على الوضع البشرى والثقافى والاقتصادى والسياسى , وقام العباسيون بتحويل السلطة بدعم قوى من الخُراسانيين فكان طبيعياً أن يصبح للفرس دوراً في بناء السلطة الجديدة وأحد ركائزها إلا أن الخلفاء العباسيين كانوا منذ البداية تساورهم المخاوف من القادة الفرس الذين لعبوا أدوراً مهمة في وصولهم للسلطة وازدادت مخاوفهم عندما شعروا بتعاظم نفوذهم فأخذوا في ابعادهم عن مراكز القرار السياسى بل ونكلوا بهم فكان لذلك أثاراً بعيدة, كما عمل العباسيون على موازاة ذلك عن طريق الاكثار من غلمان الترك عن طريق الشراء ليكونوا في خدمتهم وحراستهم نظراً لاطمئنانهم لولائهم , ولم تمض سوى بضعة عقود أصبح فيها الغلمان الاتراك القوى الأساسية في الجيش العباسى مما دعا العباسيين إلى أبعاد العنصر العربى عن الجيش واسقاطهم من ديوان العطاء فكان قراراً خطيراً قوض الأسس التى قامت عليها دعائم دولة بنى العباس من الفرس والعرب فابتعدوا عن مراكز القرار الحاكم.

ثم يضيف الدكتور محمد خفاجى أن بناء الدولة بصفة عامة وفي مصر خاصة له خصوصة لأن مصر تعرف التماسك الأسرى وتعلى فيها قيم التسامح وهى الدائرة الوطنية التى حققت معادلة غير مسبوقة في المجتمعات الترابط الانسانى الهادىء , إذن فحينما يقوم رئيس الدولة بتحذير قوى الشر من المساس بأمن مصر وكيانها, فإنه يعى دروس التاريخ في الحفاظ على كيان الدولة وتماسك أمنها القومى ونسيجها الانسانى, فمصر منذ اَلاف السنين تعرف الدولة بأركانها من شعب واقليم وتنظيم (سلطة ذات سيادة) ومفهوم الولاء بصفة عامة بعيداً عن الطموحات العرقية الفئوية إلى حد التلاشى.

الدرس الثانى: يقول الدكتور محمد خفاجى إن تحذير رئيس الدولة بأن الدول لا تبنى بالكلام وأنه ليس سياسياً فإنه حينما تتعرض الدول لخطر محدق يمس كيانها فإنه يعنى أنه لا مكان للمناورات السياسية وإنما يتطلب الأمر وقفة جادة لحماية الأوطان بقرارات مصيرية تتعلق بحياة شعب موغل في التاريخ البشرى ضد عوامل التآمر واللعب في الظلام, وقد قرأت كتاباً نادراً يرجع تاريخه إلى عام 1956 لمفكر بريطانى قال انه حينما تعرضت مصر إبان حكم جمال عبد الناصر لكثير من التحديات والمحن التى كانت تتعرض لها الأمة العربية كلها خاصة عقب ثورة يوليو 1952 وخروج الانجليز وأرادت أمريكا أن تحل محل انجلترا في الشرق الأوسط وفقاً لنظرية الفراغ التى أطلقها الرئيس الأمريكى دوايت ديفيد أيزنهاور أحد نجوم الحرب العالمية الثانية فقام وزير الخارجية الأمريكى حينذاك جون فوستر دالاس – أشهر وزير خارجية أمريكى في العالم حتى الاَن – بالمناورة والمحاورة والدهاء مع جمال عبد الناصر بشأن حسابات المنطقة والمعونة الأمريكية والتسليح وسحب تمويل السد العالى فقال عبد الناصر رداً على وزير الخارجية الأمريكية بعد أن شعر بالمراوغة أننى أجلس  مع مناور يهدف إلى تحطيم الحلم المصرى في بناء السد العالى بأسلوب الالتفاف الذى تصادم مع حلم الشعب , ونفس الاسلوب اتبعه يوجين بلاك مدير  البنك الدولى للإنشاء والتعمير في ذلك الوقت وقال فيه الرئيس عبد الناصر أننى اشعر أننى أجلس مع ديليسيبس فقال قولته أنا لست سياسياً بل ثائراً واتخذ قراراً حاسما حينما تعرضت مصر للخطر بتأميم قناة السويس , والخلاصة أن الرئيس حينما يقول أنا لست سياسياً والدول لا تبنى بالكلام فإنها تعنى– من وجهة نظرنا- في سياق تاريخ الفكر الدستورى المعنى المجازى لها وليس المعنى الاصطلاحى المحدود في علم السياسة .

الدرس الثالث : يقول الدكتور محمد خفاجى إنه حينما يشير رئيس الدولة إلى إنشاء أكاديمية لتعليم المواطنة ومعنى الدولة فإن هذه الاكاديمية هى بداية الطريق الصحيح في البناء الديمقراطى , على أننا نرى أنه يجب ألا تقتصر على منظومة مكافحة الارهاب فحسب بل يجب أن تتعداها لكافة المنظومات الأخرى خاصة الشرق أوسطية فلا تكون أكاديمية تقليدية بل غير تكرارية تضم فيما فوق حملة الماجستير والدكتوراه في كافة التخصصات والعلوم النظرية والعملية في سبيل بناء الدولة لعصر جديد تعلو فيها مصر من بين الأمم وهذه الخطوة تنادى المفكرين والفقهاء أن يدلوا بدلوهم في بناء تلك الأكاديمية لتكون حجر الأساس في بناء الفكر الوطنى الموضوعى المسئول.

الدرس الرابع: يقول الدكتور محمد خفاجى إن قول رئيس الدولة بأنه يعرض حياته للموت قبل أن يمس المجتمع بسوء , هذه العبارة تكشف عن حقيقة العلاقة بين الحاكم وشعبه فالالتفاف الزعامى من الشعب حول زعيمه الذى يحقق لمجتمعه معظم الأهداف التى يصبوا إليها الشعب على جناحى الأمن والتنمية قائم في التاريخ الدستورى للدول في وقت الازمات والمحن وهو ما يسمى « الالهام الجماهيرى " وهو اعتراف من الرئيس بأن الجماهير هى أساس السلطة وشريك فاعل يغتنم الفائدة من تحقيق الاستقرار وهى قاطرة العمل, وقديماً كانت الجماهير في الماضى تقول لرئيس الدولة « سر ونحن خلفك « ولكننا اليوم وبعد أن جعل رئيس الدولة حياته مرهونة بعدم المساس بأمن وسلامة الشعب المصرى فإن لسان الجماهير تنطق «سر ونحن حولك وإذا تعرضت مصر للخطر فنحن إلى الخطر قبلك».

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أنه من المعلوم أن الجماهير تحتل في التاريخ البشري موقعا أساسياً على مسرح التغيرات السياسية والاجتماعية في معظم المجتمعات على رأى فيلسوف علم الاجتماع الفرنسى الشهير جوستاف لوبون  Le Bon في مؤلفه «سيكولوجية الجماهير»، الذي صدر أواخر القرن التاسع عشر, ونحن نرى أن الجماهير تظهر عبر التضحيات العظيمة في سبيل قضايا وطنية في المحن والشدائد التى تحاك للأوطان خاصة في وطن يحتضن الأزهر الشريف منارة العلم الدينى الوسطى والكنيسة القبطية الوطنية التى وقف قساوسها منذ ثورة 1919 على منبر الأزهر معلنين أن دماء المصريين دماء واحدة, إزاء ما يقوم به أعداء الوطن من تحريض الناس بقصد انهيار الدولة خاصة المنابر التى تتخذ من عواطف التعصب الديني على الجماهير وسيلة ايمانية شكلية وظاهرية تدفع بمعتنقيها الى التضحية غير المحدودة في سبيلها وهى بعيدة عن الدين والوسطى المستنير , ويظهر ذلك بكثافة وقت الانتخابات في ظل مخاطبتهم الجماهير

في الحياة السياسية العربية بما يؤمن صعود الحركات الدينية المتطرفة واستخدامها الجماهير في اثارة المشاعر والأحقاد والكراهية ضد الآخر, فيكون من واجب القائد أن يلعب دوراً ملهماً للحفاظ على ممتلكات الشعب وأمنه في يومه وغده توجيهاً يزيدهم نوعاً من الروح الجماعية، هذه الروح تجعلهم يحسون ويتحركون بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي كان سيحس بها ويفكر كل فرد منهم لو كان معزولاً دون إدراك الحقيقة التى أبان محاذيرها الرئيس للشعب.

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أن هذه التحذيرات كانت كاشفة عن بيان حقيقة علاقة القائد بالجماهير فهى علاقة ناضجة يسودها  التعقل والموضوعية والمسئولية لحماية الوطن من المخاطر , وقد مهدت جماهير الشعب لهذا الطريق بميثاق سطروه بالدم في المسجد والكنيسة, إن دور القائد هنا هو إزالة الرهبة والخوف من نفوس الجماهير من تلك المخاطر  والإحساس بالأمان , أنه  يعرف ما يعتمل بطبقات الوعي الأعمق للجماهير فيناديها ويحترك بها نحو غدها الأفضل، فهو لا يستلب الجماهير ولا ينشئ موقفاً جديداً وإنما يكشف عن مشاعر الخوف المكبوتة التى عاشوها بين الثورتين المتقاربتين زمنياً  ويوجهها إلى حيث ما يحقق الطمأنينة والأمان النفسى للشعب.

الدرس الخامس: يقول الدكتور محمد خفاجى إن تحذير رئيس الدولة باستنهاض همة المصريين بالتفويض لمواجهة الأشرار عند اللزوم ممن يريدون العبث بأمن مصر, فإنه يعنى اظهار ممارسة قانونية عرفت في ظل مفهوم القانون الدولى التقليدى بحق الدفاع الوقائى , الذى تحول من مجرد إجراء لتدابير الدفاع الذاتى التوقعية Anticipatory Self Defence Measures  إلى نظرية شاملة Preventive Self Defence Theory نظرية الدفاع الذاتى الوقائية وهى نظرية دولية ترتكز على الأمن القومى الذى يتحلل لعنصرين الأول «الأمن» ويعنى التحرر من الخوف والشعور بالأمان وغياب الخطر الحقيقى والثانى «القومى» ويعنى توفير الأمن للدولة ذاتها , وينجم عن هذا الحق استخدام الدولة لكل قوة بالمفهوم العام ولأقصى  حدودها لخدمة غرض بقاء الدولة. وتعبير حق الدفاع الوقائى عرفته مصر فثمة مشهد قديم على جدران معابد يعود تاريخها منذ أكثر من ثلاثة الاف سنة وهى تظهر الملك رمسيس الثانى يمسك بأسراه من الحيثيين والفرس من شعورهم ويحملهم إلى مصير مجهول حماية لمصر القديمة.

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أن طلب الرئيس من الشعب التفويض عند اللزوم لمواجهة قوى الشر يعنى أن الرئيس درس أبعاد التهديدات ومصادرها وأنواعها وأدرك أبعادها للحفاظ على الأمن القومى للبلاد ومصطلح الأمن القومى قضية كبرى ذات أبعاد إنسانية وأخلاقية وحضارية ومسألة مصيرية وطنية لا تتعلق بالسلطة وبقائها أو بنخبة من الناس ومصالحها بل بكيان وهوية الأمة بأكملها, ذلك أن البعد القومى لقوة مصر وحماية أمنها واستقرارها جزء من الأمن القومى العربى وشرف الأمة العربية يؤثر فيه ويتأثر به سلباً أو ايجاباً مما يعزز صموده ومناعته , فتكون مسئولية الرئيس بإزالة أى تهديد للوطن واجبة. ولا ننسى الاطماع من الخارج في تحديد مفهوم الأمن القومى فكما قال «بارى بوزان» Buzan إن مفهوم الأمن الوطنى من المفاهيم المعقدة ويشتمل على ثلاثة أمور السياق السياسى للمفهوم وأبعاده المختلفة والغموض والاختلاف الذى يتربط به عن تطبيقه في العلاقات الدولية. ونرى أن مفهوم الأمن القومى مفهوم ليس استاتيكياً بل ديناميكياً متحركاً متطوراً متغيراً بتغير الظروف المحلية والاقليمية والدولية. لذا فإن أى محاولة لتفسير مفهوم الأمن القومى لابد من أن تبدأ بتحديد مصادر التهديد وتحديد مخاطر التهديدات الفعلية أو المحتملة وتحدد مفهوم التهديدات ينطلق من فهم حقيقة التحولات الدولية والإقليمية وانعكاسها على صعيد الأمن, وهذا بالضبط ما فعله الرئيس بموجب مسئوليته الدستورية.

ويضيف الفقيه الدكتور محمد خفاجى أنه لا ريب أن تحذير الرئيس لأهل الشر يعبر بإيمان عميق بفكرة الوطن للحفاظ على الأمن القومى بمفهومه الشامل السياسى والاقتصادى والاجتماعى والعسكرى والتقنى والمعلوماتى وتأمين متطلبات الشعب وما يتطلبه السلام العام لدعم الاستقلال الوطنى للقرار المصرى ومواجهة الأطماع أيا كانت وأياً كان مصدرها حتى تستطيع الدولة القيام بمهام التنمية التى تشهدها البلاد بمعدلات أسرع وبأسلوب أحدث من الصور التقليدية للتنمية وتوجيه كافة الطاقات البشرية والمادية للوفاء بحقوق الإنسان الأساسية بما يحقق خير الشعب الذى سيجنى ثمار هذه التنمية في المستقبل القريب. وفيما نعتقد أنه بعد استعراض انجازات المرحلة السابقة التى تفوق العمر الزمنى لها فإنه استكمالاً لمنجزات الأمة يحمل الرئيس عزماً أكيداً وهو ما سوف يجعل مصر في عيد الديمقراطية وعرسها من خلال الصندوق الانتخابى.

خامساً: خطاب مفتوح للرئيس عن الأساس الفلسفى والاجتماعى لفكرة التفويض وضمير شعب مصر وحانت ساعة البسالة التاريخية والمصريون على أبواب امتحان صعب للحفاظ على دولتهم:

يقول المستشار الدكتور محمد خفاجى في خطابه المفتوح للرئيس (إن لسان الشعب المصرى الأصيل يقول لمن انقذ الأمة من الهلاك لقد استطعت في فترة وجيزة القيام بإعداد تتويج العيش على عرش الضرورة, واستطعت في الاختبار الصعب في السنوات الأربع الماضية أن تحرك الآلية الاقتصادية مع بداية حكمك في مشروع ازدواج القناة لمجرد أنك خاطبتنا فالتقى ضميرنا مع ضميرك , والتقى عقلنا مع عقلك, نحن نعترف بمدى الجهد الذى بذلته والنيات الطيبة التى ناضلت من أن تنعش هذه الصحوة على أرض مصر أرض الواقع بركائز ومقومات هى الانتاج والعمل والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتطهير أرض الوطن من الدنس والإرهاب وإعلاء قيمة الشهادة في سبيل الأهداف الوطنية فنزلت خطواتك علينا برداً وسلاماً).

ويضيف الدكتور محمد خفاجى (نحن لا نشك أنك تعرف أكثر من غيرك أن الطريق صعب وطويل وملغوم وتكتنفه معوقات عديدة وتناقضات فكرية ونظامية لكنك استطعت أن تبذر البذور في أرض معظمها قابلة للنماء والتوريق, ومساحة قليلة تربتها عصية على المعالجة لكن أفقك الذى اتسع لفلسفة التخطيط والسياسات بالمشروعات الواضحة أمام الجميع وفى ذات الوقت وفى أربع سنوات جربت القيادات رجالاً ونساءً واستبدلت مواقعهم عدة مرات وهذا دليل واضح على أنك دائم البحث هنا وهناك عن طريق النجاة الذى ينقذ مصر من معاناتها وأزماتها الطاحنة , والتجريب المتعدد قصير المدى لأول مرة يجرى على أرض مصر بعد أن كانت السلبيات في عقود مضت تحت شعار الاستمرارية والقبوع في المنصب عشرات السنين بحجة الاستقرار وهى في الحقيقة أدت إلى الجمود واستنفدت على مدى عقود الفاقد من حصيلة الجهد الوطنى , ولهذا فإن لسان المواطن يقول لك إن انجازات عهدك انجازات حقيقية تعبر عن الارادة  الشعبية والطاقة البشرية).

ويذكر الدكتور محمد خفاجى (إن انجازات الأربع سنوات هى بداية على الطريق الصحيح وينبغى علينا في ضوء الأحداث والمتغيرات والمستجدات والتحديات داخلياً وخارجياً أن نستخلص الدروس الواقعية فيها وأن نتائج هذا التحليل سيكون منك أنت , بمعنى أدق فهذا يعطينا الثقة واليقين بأنه لا يوجد هناك ما يدعو إلى القلق أو المبالغة من أى مجموعة قريبة منك أو بعيدة عنك لكن التجربة علمتنى وتعلم الشعب منك وتعلمت انت من الشعب أن البسطاء هم أقرب إلى فكرك من الذين منحوا أنفسهم حق احتكار الحكمة وأطلقوا على أنفسهم أنهم حكماء ومفكرين وعلماء ولأنهم يريدون فرض أفكارهم ومصالحهم ويريدون أكثر من هذا أن توصم مصر كما كانت في الماضى بأنها كانت دولة فقيرة يسكنها بعض الأغنياء).

ويمضى الدكتور محمد خفاجى في خطابه المفتوح للرئيس (لقد أثلجت صدورنا كلمة واحدة منك حينما أطلقت مشروع صندوق تحيا مصر وقولت للمنتفعين الذين نهلوا من خيرات الوطن ورفضوا أن يساهموا في دعم الصندوق الذى يعود بالخير على بسطاء الشعب قولتك الواضحة (حتدفعوا حتدفعوا) لن ينسى البسطاء استدعاءك للمواطنة منى السيد إبراهيم بدر، صاحبة صورة جر عربة البضائع بالإسكندرية واستقبلتها في القصر الجمهورى وقمت كرئيس للدولة بتحطيم البروتوكول أمام هذه المواطنة البسيطة لتفتح لها باب السيارة! أليست هذه إحدى المحطات الحيوية التى تعكس اعتزازك والتحامك وتعاطفك واحساسك بالبسطاء, وأتذكر حينما صافحت الشاب ياسين الزغبي من متحدي الإعاقة خلال المؤتمر الوطني الرابع للشباب بمكتبة الإسكندرية وقمت باحتضانه وتقبيل رأسه بعد أن طاف محافظات الوجه البحري على دراجة للقاء المواطنين والجلوس معهم لمعرفة مشكلاتهم ومطالبهم، ليجمع لك احساس الناس ومعاناتهم وسلمها إليك شخصياً وعرضتها على الرأى العام ,وأتذكر الفلاح البسيط بجنوب الصعيد بقنا التى ضجت شكواه إليكم عن الأراضى المنهوبة فسمعته وحققت له سيادة القانون على جميع الرؤوس, لا أريد أن استرسل في هذا المجال ولكنى أقول منذ أول تعاقدك مع الشعب وأنت في الموقع الأول لقيادة الوطن حينما طلبت التفويض من الشعب فوضك لأن الشعب شعر بالصدق في عزمك الأكيد على أن تنفذ إرادة هذا الشعب لتطهير البلاد من دعاة الظلام والإظلام  ومن هنا يكمن الأساس الفلسفى والاجتماعى لفكرة التفويض.

ويختتم الدكتور محمد خفاجى خطابه للرئيس قائلاً: (وانت تقود بإرادة شعبية معركة الحفاظ على الهوية القومية حتى لا تنقسم الأمة, وأن التيارات التى تحاول أن تتستر خلف العقائد والدين عجزت عن تقديم حلول عملية للمشاكل اليومية الدنيوية , ومن هؤلاء المارقين عن فكرة الوطن نحن نحسدك على قفص صدرك الحديدى الذى يتحمل من أجل مصر في كل ساعة الانتقاد والتطاول والتجاوز , أما عن المشروعية والشرعية فإن الرياح القوية التى تهب من حين لآخر على الشعب في تقرير مصيره وحقه في الحياة الآمنة تكشف عن أن كل تيار يحاول تقويض الدولة فقد صلته بالعصر وبالحقيقة, وأن مصر ليست على استعداد أن تدفع فواتير باهظة الثمن لكل من يحاول جر هذه الأمة للخلف فتتحول إلى شظايا متناثرة في فترة من الزمن تقاس بها  عمر الشعوب, إن اختبار يوم التصويت اختبار ما بين الحفاظ على الدولة وتأكيد مقوماتها من بناء صلب وبين تسييل الدولة  واظهار مصر أمام العالم بأن شعبها يعيش حالة استرخاء سياسى وأبناؤها لا يهتمون بأبسط حقوقهم وإذا لا قدر الله واهمل المصريون في حقوقهم الدستورية فكيف يقنعون العالم بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ؟ خاصة في عالم لا يحترم إلا القوى الذى يحافظ على حقوقه في هذه المرحلة التى تموج العالم بموجات من العواصف والاعاصير؟) إن خير ما أختتم به بحثى القول بأن هذه ثمار يجتنيها من يعملون ودرساً للذين لا يريدون لغيرهم أن يعملوا.

وبهذا الجزء السادس والأخير من هذا البحث المتفرد للمفكر الكبير عن المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية الذى حرصنا على نشره كاملاً ينتهى هذا البحث المتميز الذى لقى انتشاراً كبيراً واستحساناً بين قطاعات عريضة من الشعب على وسائل التواصل الاجتماعى وأوساط المثقفين والساسة والمواطنين بصفة عامة.