رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حضارة الحمير وحضارة العقول "بعيداً عن صدام الحضارات"

اخترت هذا العنوان لا للفت الانتباه أو ما شابه ذلك، ولكني عندما بدأت التفكير في الجوانب المختلفة لأزمة الحضارة في مجتمع ما والعوامل المصاحبة له، لم أجد أفضل من هذا العنوان تعبيراً عن حالة قد يعيشها مجتمع معين قد يوصف في كثير من الأحيان بالتخلف أو حالة أخري يحيى فيها هذا المجتمع حياة خيالية عن تقدم حضاري

وهمي بينما أرض الواقع تخبر بعكس ذلك (وأقصد به التخلف الأممي وليس العقلي وأن كانت النتيجة في كلا الحالتين واحدة)، ولفض الاشتباك حول المفهوم الذي ينبغي فهمه عن الحضارة ومن ثم ألقاء تبعية هذا المفهوم عن الحضارة في تقييم ودراسة المجتمعات أستعين ببعض الكلمات التي جاءت في كتاب "قصة الحضارة" للبروفسور "ول ديورانت" -1885/1981م-، والتي قال فيها:
"أن الحضارة هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها."
ويبدوا من هذا التعريف أن الركيزة الأساسية لقيام الحضارات هي شيوع الأمن ومن ثم قيام الحريات المعتمدة على احترام حريات الآخرين والذي لا يكون أبداً إلا في مجتمع متسم بالعدالة في جميع شئونه الأمر الذي معه  يبرز الدافع الأساسي للإبداع وزيادة الإنتاج الثقافي للإنسان، إلا أن العناصر الأربعة سابقة الذكر والتي تتألف منها الحضارة لا يمكن الاستفادة منها وتسخيرها للعمل وفقاً لمتطلبات الحضارة الإنسانية في معزل عن التفكير المنطقي المتثمل في أعمال العقل في كل الأمور، وعليه يمكن القول أن الحضارة  ترتكز على البحث العلمي والفني بالدرجة الأولى، فالجانب العلمي يتمثل في الابتكارات التكنولوجيا وعلم الاجتماع...أما الجانب الفني فهو يتمثل في الفنون المعمارية والمنحوتات وبعض الفنون التي تساهم في الرقي. فلو ركزنا بحثنا على أكبر الحضارات في العالم مثل الحضارة الرومانية سنجد أنها كانت تمتلك علماء وفنانون عظماء. فالفن والعلم هما عنصران متكاملان يقودان أي مجتمع  للتطور الحضاري.
فنقطة البداية هي العلم والفن، ودون التطرق لكثير من التفاصيل فإن أي مجتمع لا ينعم بالحريات فهو في حقيقة الأمر لا ينعم بالأمن ومن ثم العدل ...الخ، وأن كان ظاهره يبدو غير ذلك، وأن وجد مثل هذا المجتمع فهو مجتمع تابع لقوة (حضارة) عظمى لا تسمح له أبداً ببناء حضارته الخاصة والتي قد تصبح في يوم ما (وفق مخيلة القوة العظمى) منافسة للحضارة الأقوى، والسؤال الذي قد يثار في ذهن قارئ هذه الكلمات هو عن السبل (التي قد تبدو سلمية) والوسائل التي قد يتم ممارستها للضغط على هذه المجتمعات التابعة لمنعها من أقامة حضارتها الخاصة، وللإجابة عن مثل هذا التساؤل يصيغ المقال إجابته ضمن تحليل العناصر الأربعة التي تتألف منها الحضارة سابقة الذكر وذلك على النحو التالي:
- الموارد الاقتصادية: وهنا يكمن السر، حيث تسعى القوي العظمي إلى شيوع سوء توزيع الثروات داخل هذا المجتمع المعني  لصالح فئة معينة منه تعمل علي سوء إدارة الموارد الاقتصادية وفق مصالحها الخاصة دون أي اعتبار للمصلحة العامة في هذا الشأن، كما تتمتع هذه الفئة بدعم القوي العظمي لها سياسياًَ واقتصادياً، وجعلهم على رأس متخذي القرار في هذا المجتمع، الأمر الذي يصبح معه حلم "العيش الصامت" أكثر أماني الفئة الغالبة من أبناء هذا المجتمع، الأمر الذي معه  تضمن هذه القوة العظمى حالة ثبات عميق لهذا المجتمع تثنيه عن أي فكرة أو حتى حلم لأي حضارة وطنية له في المستقبل القريب.

-  النظم السياسية: تأتي هذه المرحلة كمرحلة لاحقة لمرحلة الموارد الاقتصادية، ولا تنفصل عنها، فمن خلال استيلاء هذه الفئة المجتمعية الضالة على جميع الموارد الاقتصادية لحسابها الشخصي، يصبح من السهل عليها أن تصبح الفئة السياسية والسيادية الوحيدة المتحكمة في جميع القرارات الفاصلة لهذا المجتمع، الأمر الذي يعني إدارة هذا المجتمع وفق المصالح الأجنبية وليس المصالح الوطنية، الأمر الذي يعني الكثير والكثير من الآثار السلبية المتراكمة والمتراكبة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا المجتمع، الأمر الذي يصبح معه الأمل في بناء حضارة مزدهرة لهذه الأمة في طي النسيان.


- التقاليد الخلقية: أو يمكن تسميتها ضمن هذا الإطار بالتقاليد الثقافية والتي تعد أكبر تحد يواجه القوي العظمي في مواجهة أي تطور حضاري قد تسعي إلية أي من المجتمعات المعاصرة لها، فمن المعروف أن الثقافة المحلية هي مزيج مركب من الموروثات الثقافية التاريخية بالإضافة إلى بعض المشاهدات والمكتسبات المجتمعية المعاصرة، إلا أن الجزء الخاص

بالموروثات التاريخية يعد الجزء الأصعب في هذا الشأن عند الحديث عن جعل المجتمعات المعنية مجتمعات تابعة ثقافياً، فغاية الأمر عند هذه القوي العظمي ليس جعل هذه المجتمعات تابعة ثقافياً ولكن جعلها تائهة ثقافياً تقف موقف المتذبذب بين الأصالة الذاتية والمكتسبات المعاصرة، بحيث يكون محصلة الأمر هو ثبات الوضع لهذه المجتمعات وإلا فوجئت هذه الحضارة أو القوة العظمى بحضارة موازية وفق أسسها الخاصة تقف موقف الند لها، وهو أخر ما ترجو أن تعاصره هذه القوي العظمي.   

- العلوم والفنون: العلوم والفنون هما بيت القصيد لمن أراد النجاة، ولكن وفي ظل شيوع هذه المعلومة تسعي القوة العظمى إلى تخريب وإفساد المعني المستمد من هاتين الكلمتين حسياً ومعنوياً.
فعلى المستوى الحسي "للعلوم": تصبح العلوم والقائمين عليها- الجامعات في وقتنا الحاضر - من أكبر الأعباء المادية على هذا المجتمع، وعلى هذا الأساس تتم معاملة القائمين على البحث العلمي معاملة دونية، سواء من حيث مخصصات البحث العلمي والتي في أغلب الأحوال تكون متدنية للغاية، أو من حيث الأوضاع المعيشية والتي قد تصل بهم إلى مستويات من الدخل لا ترقى لرفع الأعباء المعيشية عن كاهل أهل العلم في هذا المجتمع، وعلى هذا الوضع تصبح القوة العظمى مستفيدة من ناحيتين:
الأول: ضمان عدم حدوث أي تقدم علمي في المجتمع المعني على أيدي هؤلاء العلماء.
الثاني: الاستفادة من هؤلاء العلماء ضمن منظومة حضارتها في حال ما إذا قرروا الهجرة وترك أوطانهم جراء ما يعانونه من تجاهل وأوضاع معيشية صعبة.
أما على المستوى المعنوي "للعلوم": ووفق الأوضاع سابقة الذكر تضمن القوي العظمي التهميش السياسي والاجتماعي لهذه الفئة المجتمعية المهمة (القائمين على الجامعات الوطنية) وتكميم أفواههم والاستهانة بأرائهم، الأمر الذي تصبح معه فكرة الوصول لهذه المكانة المرموقة (نظرياً) لا طائل منها ولا فائدة على أرض الواقع فيقل عدد المنتسبين إليها مع مرور الوقت ويكون مآلها إلى زوال. 
أما بالنسبة "للفنون": فيمكننا مناقشتها ضمن إطارها الحسي والمعنوي في ذات الوقت، فإذا قلنا أن الفن هو لغة يستخدمها الإنسان لترجمة التعابير التي ترد في ذاته الجوهرية، فعندها يمكننا القول أن الفن ضرورة حياتية للإنسان.
فالفن هو موهبة إبداع وهبها الخالق لكل إنسان لكن بدرجات متفاوتة من فرد لآخر، فكلمة الفن هي دلالة على المهارات المستخدمة لإنتاج أشياء تحمل قيم جمالية راقية، وهنا يتم العمل (عمداً) علي تهميش تلك الفنون الرفيعة ذات الطابع الحضاري الراقي المؤثرة إيجابياً على المستوي المجتمعي، لحساب تلك التي يمكن تسميتها بالفنون الوضيعة ذات التأثير السلبي على مسيرة التقدم الحضاري في المجتمع المعني، ليصبح القائمين على مثل هذه الأفعال المسماة بالفنون (تجاوزاً) مثلاً يحتذي به في مجتمع تهدمت عمداً أركانه الحضارية.

أن غاية هذا الأمر من هذا السرد الذي ارجوا أن يكون يسيراً كافياً هو أن بداية بناء الحضارة لأي أمة تريد أن تري الشمس هي كسب معركة التحرر من التبعية  الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لأي قوة كانت، لتصبح قوة ذاتية محركها الأساسي نحو الحضارة هو إيمانها بأصالتها الإنسانية.

-------

بقلم- أحمد عبد الموجود محمد
مدرس الاقتصاد المساعد
كلية التجارة (بنين) – جامعة الأزهر