عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نظرات في الثورة المصرية(1)

أعلم انه لربما ينتاب الكثيرين من القراء عند بداية قراءتهم لهذا المقال خيبة امل و حصرة.  فكثيرون اخذوا يرددون مؤخراً بعض العبارات المناهضة للديمقراطية و السياسة. البعض صدرت له أفكار أن الثورة لم تجلب لمصر الا الخراب و الدمار.  و فى ذلك السياق، فاننى استثنى هؤلاء الذين انتهزوا الفرصة كى يرددوا أية شعارات ضد الثورة و الميدان و هم غير مؤمنين بها ( ذلك ان استعداءهم للثورة لم يكن مخافة تقسيم  هذا الوطن؛ فهم خونوا التيارات السياسية المتواجدة فى التحرير و قسموا الوطن الى تصنيفات مبنية على أساس الانتماء للغرب الكافر أو الشرق الجاهل حتى يتمزق الوطن و تستعر المجابهات كما حدث فى العباسية مثلاً).اننى أوجه سؤالى التالى الى الطرف الاخر؛ هؤلاء الذين ظنوا فعلاً أن الثورة انكسرت، و أننا فى خطر محدق بسبب المطالبة بالحرية و الديمقراطية. اضافة الى من طن اننا فى ظل الخنوع ابان عصر مبارك لم نكن مهددين كما نحن الآن؛ و هم يحاولون تهدئة الامور عن طريق المطالبة بترك الميدان و الاستسلام لبعض التيارات المتشددةوبأننا لا مستقبل لنا بدون المجلس. اسألهم: هل فعلاً سقطت الثورة؟ هل كانت وبالاً علينا؟ هل الخطر محدق و السبب الرئيسى فى ذلك هو ميدان التحرير؟ هل علينا ان نقف عند هذا الحد و نتجه مسرعين الى منازلنا؟ ما هو تفسير ما حدث وما يحدث و ما سيحدث؟
بادئ ذى بدء، فان أول ما اود قوله انه بالطبع هناك مشكلة. و لكن ما سيفاجئ البعض أن هذه المشكلة هى ما كنا ننتظره. هى علامة وجودنا على الطريق الصحيح، و أن الثورة ناجحة. لربما ظننت انت عزيزى القارئ ان كاتب هذه المقالة مجنون. لقد كانت هذه ردة فعلى عند اول مرة اطلعت فيها على نظرية الديمقراطية. و لهذا- و للأسف- عزفت النخبة فى مصر عن إعداد المصريين لمثل هذه المرحلة. فاختيارهم الطريق السهل بايهام الناس بأن كل شئ آمن و مستتب و فى صعود دوماً بعض انطلاق شرارة الثورة جعل الوضع الآن أكثر صعوبة. فالوضع صعب. هذه حقيقة.و لكن ما يجب ان نوقن به جميعاً هو أن الوضع و ان كان صعباً فإنه ليس خطراً. فعلى العكس لما يردده البعض الان بعد ان بدأت المشاكل فى الظهور– و كثيرين منهم هم نفس النخبة، بل و فى مناصب حكومية- بأن الوضع الراهن هو حالة شذوذ سياسى يحتاج الى حلول غير تقليدية و معجزات لا تأتى ثمارها الى على المستوى البعيد؛ فإن الوضع الحالى فى مصر هو وضع صحى يدل على اننا نخطو حثيثاً نحو ديمقراطية قوية. فالاضطرابات التى نمر بها أمر طبيعى و هو الطريق المؤدى الى انشاء دولة قوية. دولة تقبل تعدد الآراء،فتستطيع مواجهة الدول المناقضة لها و التعامل معها. كل الديمقرطيات المتقدمة مرت عبر هذه المرحلة الفارقة.
فنظرية التحول الديموقراطى تتحدث عن فكرة الشرعية، و كيف يتولد بداخل الافراد ذلك الشعور بأن اوامر الحكومة اصبحت غير ملزمة. بل أن الحكومة نفسها أصبحت غير ملزمة. فينتج عن ذلك رفض الافراد لتلك الهراوات و القنابل المسيلة للدموع التى تلقيها قوات الامن على الثوار.فيقوم هؤلاء الثوارو هم الذين يوصفون بأنهم خارجين على القانون حتى ذلك الحين،بمواجهة تلك القوات و القضاء عليها.  فكل الدول التى تحولت الى النظام الديمقراطى بدأت ديمقراطيتها بمواجهة جهاز الامن و القضاء عليه، و العمل على عدم عودته مرة أخرى.  اذا فحالة الفراغ الامنى التى تعيشها البلاد ليست شيئاً جديداً، أو استثناء على النظرية، لم تشهده دولة من قبل.  بالعكس، لو لم نمر عبر هذه المرحلة لكان لزاماً علينا أن ندق ناقوس الخطر. لربما كان كان الامر مجرد تغيير فى جلد النظام. لربما القى الينا بعض الفتات من الحريات بينما تسيطر عناصره الامنية على البلاد بقبضة من حديد كما حدث فى الصين فى اواخر الثمانينات مثلاً. و فى نفس السياق، فان الحذاذت و التناقضات المختلفة بين القوى السياسية أو الخلافات – الملتهبة أحياناً- بين هذه القوى و الجيش لا تعنى أن هذه
الأمة قد دخلت فى طريق مسدود وعلى وشك أن تموت.  بلهو دليل على ان الحياة قد دبتفى شرايين مصر من جديد. اعلمان الاحداث الجارية فى مصر تسبب صدمة شديدة لبعض المصريين. ذلك لأننا اقدم شعب فى التاريخ، تعلق بأرضه التى ترويها النيل و اتحدت ايدى ابنائه جيلا بعد جيل، فمن الطبيعى أن يعز علينا نحن المصريين رؤية أى خلاف بيننا حتى لو كان خلافاً فى وجهات النظر. الا انه فى واقع الامر الوضع الان يدل على تماسك شديد.فلو نظرنا على الجانب الاخر، الى بقية دول العالم، للاحظنا ذلك الهدوء الغريب، وعدم الادلاء بأية تصريحات من قبل أى جهة عن الوضع فى مصر.الدول التى اشتهرت دوماً بالتربص بمصر حتى الان ساكنة. الجميع مترقب. التقارير الاخبارية تتكلم عن الجديد الذى تقدمه الثورة المصرية للعالم على الصعيد السياسى و الاجتماعى، ولكن لم يتكلم احد بتعمق عن الخلافات القائمة.  اللهم حالات قليلة نادرة. فمن ذلك تصريح رئيس وزراء اسرائيل فى حديثه فى شبكة سى ان ان الاخبارية الشهيرة،و الذى اختار فيها بعناية احد اشهر مقدمى احدى البرامج الترفيهية فى الولايات المتحدة  ليتأكد من ان نسبة المشاهدة ستبلغ ذروتها، و اشار الى مصر باقتضاب حينما مدح اسرائيل بكونها امة متماسكة يجب فى حين تشهد بعض دول الجوار صراعات اهلية طاحنة.  كان ذلك اثناء اندلاع الفتنة الطائفية فى مصر. و فى الوقت الذى استعد فيه الكثيرون لرؤية حرباً اهلية بين المسلمين و المسيحيين فى مصر،استطعنا أن نحتوى تلك الازمة. بل ان اسرائيل الان تشهد مظاهرات عارمة تطالب بسقوط حكومة نتنياهو!و المرة الاخرى و هى الشهيرة بعد جمعة وحدة الصف. حيث بدأ البعض بالتحدث بلهجة تحذيرية عن المد الذى يشهده التيار الدينى فى مصر, و كيف أن ذلك من الممكن أن يشكل خطورة على مصالح الغرب. الا ان مثل هذه المقالات لم تشكل محوراً لنظرة الغرب للثورة المصرية.  إذا فالموضوع أبعد من ذلك.  و المشهد الحالى يوضح أن الغرب يرى فى هذه الثورة تماسكاً يفوق ما نراه نحن من انقسام.  فحقيقة الأمر أن ما يحدث فى مصر هو طبيعة التحول الديمقراطى.هناك ازمات تمتد الى الجذور، و لكن ذلك مقترن بظهور حلول تمتد الى الجذور ايضاً.  و حقيقة الامر ان هذه الثورة تعطى مثالا فريدا و رائعا فى كيفية التعامل مع هذه الازمات.لقد وضع المصريين مبدأ جديد للتعامل مع حالات الانفلات الامنى اثناء الثورات، وهو اللجان الشعبية، و التى لجأ اليها الانجليز الان عند اندلاع مظاهراتهم الحارقة واندلاع حالات النهب فى متاجر لندن، و هو ما لم تعان منه الثورة المصرية!!
·         كاتب المقال: طالب دراسات عليا في الحقوق بالولايات المتحدة الأمريكية