عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شجاعة وزير

بالأمس نهروه وسبوه ولعنوه واحتقروه، واليوم حولوه إلى أشرف وأطهر وأعظم وأنظف إنسان.. عامل النظافة «الزبال» فى لحظة حوله الذين اتهموه بالتسول وتشويه صورة المصريين إلى نموذج فريد للافتخار.. ولو عدنا إلى أرشيف الصحف والبرامج التليفزيونية، لوجدنا فيه الكثير ممن يتأففون من منظر الرجل الذى يمسك مقشة بيده، ويمد اليد الأخرى طالبًا من المارة أن يعطوه «حسنة»، ولَوَجدْنا مَنْ ينظرون إليه بقرف واحتقار.. 

وصحافة وبرامج اليوم  حوَّلت نفس الرجل إلى النموذج الشريف العظيم.. كُل ذلك لأنَّ وزير العدل المستشار محفوظ صابر رأى أنَّ مهنة القضاء لا تُناسب ابن «الزبال»، ولو أنَّه قال إن ابن «الزبَّال» شرفٌ للقضاء لقالوا إنه كاذب، ويخفى الحقيقة، ويتستر على واقع نعلمه.. و«الوزير» عندما قال فى حوار تليفزيونى إنَّ ابن عامل النظافة  لو أصبح قاضيًا سيتعرض لأزماتٍ عِدَّة، ولن يستمر فى هذه المهنة، قد هاجت الدنيا عليه، وتجيش المصريون ضده، فانتقدوه، وأيضًا سبُّوه ولعنوه، وتجاهلوا أنه قال فى ذات البرنامج التليفزيونى: «كتَّر خير عامل النظافة إنه ربَّى ابنه، وساعده للحصول على شهادة، لكن هناك وظائف أخرى تناسبه».
ومُعظم الذين هاجموا وزير العدل لم يسمعوا نص الحوار، لكنهم ساروا فى سكة آخرين أرادوا أنْ يُعكِروا الدنيا.. والذين استفاقوا فجأة وكتبوا على مواقع التواصل على الانترنت إنَّ «الزبَّال» أنظف وأطهر ما أنجبت مصر، هُم الذين استعرُّوا مِن منظره بالأمس، وإذا شتموا أحدًا وصفوه بابن الزبَّال.. وهذه «الشيزوفرينيا» وانفصام الشخصية المصرية قد ظهرت واضحة فى أزمة وزير العدل الذى لم يقُل إلا ما يراه الحق، ولم يكذب كما يكذب كثيرون، كالذين اجتزأوا مِنْ كلامه وأخرجوه من سياقه الذى أشاد فيه وقدَّرَ فيه تربية عامل النظافة لابنه، والتفتوا فقط إلى جزءٍ من الكلام يقول فيه إنَّ مهنة القاضى لا تناسب ابن عامل النظافة.     
وعندما كشف وزير العدل عن الواقع، وتكلَّم بلسان القاضى، ولم يتكلم بلسان السياسى، انهالت عليه الطعناتْ.. والسياسة لعبة قذرة لا تخلو مِنَ الكذب والمراوغة، والرجل رغم كونه رجل سياسة فإنه لا يُجيد هذه الألاعيب.. ومعلوماتى أنَّه رفض الاعتذار، كما رفض تهدئة الأمور ولو بكلمتين، وتمسك باستقالته، وانسحب من وظيفة لا تٌناسبه، تمامًا كما مهنة القضاء لا تُناسِب ابن «الزبَّال».. ولو أنه استجاب للضغوط واعتذر؛ لبقى فى مُستنقع السياسة، لكنه تمسك برأيه، ولم يتراجع.. ورغم اشتعال الحملة ضد الوزير فى وسائل الاعلام وعلى مواقع الانترنت منذ أيام إلا أنى أُلاحظ من الأمس أنَّ أصواتًا عاقلة تشجعت وبدأت توضح أنَّ الوزير لم يكن يقصد أبدًا إهانة «الزبَّال»، وبدأ رواد الفيس بوك وتويتر يتفهمون موقف الوزير، وشجاعته، واعتزازه وتمسكه برأيه.. ولعل أهم ما يتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعى على الانترنت تلك الأقوال المنسوبة للخليفة العادل عمر بن الخطاب، فى رسالته إلى حُكَّام الولايات، يُحدد فيها شروط تعيين القُضاة، مُشترِطًا أنْ يكون القاضى ذا مال، وذا حسب، لأنَّ ذا المال لا يرغب فى أموال الناس، وذا الحسب لا يخشى العواقب بين الناس.. فهل لدى من هاجموا الوزير الجُرأة أنْ يُهاجِموا الفاروق عُمر؟

[email protected]