رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بين العلماء والسلاطين نصائح ومواعظ

كتاب‮ »‬التبر المسبوك في نصيحة الملوك‮« ‬لحجة الإسلام أبوحامد الغزالي من الكتب الرائقة،‮ ‬فقد جمع فيه الغزالي قدرا كبيرا من نصائح الملوك والسلاطين،‮ ‬التي جاءت علي لسانه،‮ ‬أو علي لسان‮ ‬غيره من العلماء الذين خالطوا الحكام والولاة ونصحوا لهم‮.‬

 

يقول الغزالي‮: ‬أيها السلطان خطر الولاية عظيم،‮ ‬وخطبها جسيم،‮ ‬والشرح في ذلك طويل،‮ ‬ولا يسلم الوالي الا بمقارنة علماء الدين،‮ ‬ليعلموه طرق العدل،‮ ‬ويسهلوا عليه خطر هذا الأمر‮.‬

فيجب علي السلطان أن يشتاق أبداً‮ ‬إلي رؤية العلماء،‮ ‬ويحرص علي استماع نصحهم،‮ ‬وأن يحذر من علماء السوء الذين يحرصون علي الدنيا،‮ ‬فإنهم يثنون عليك ويغرونك ويطلبون رضاك،‮ ‬طمعاً‮ ‬فيما في يديك من خبث الحطام ووبيل الحرام ليحصلوا منه شيئاً‮ ‬بالمكر والحيل‮.. ‬والعالم هو الذي لا يطمع فيما عندك من المال وينصفك في الوعظ والمقال‮.‬

فقد دخل شقيق البلخي علي هارون الرشيد فقال له‮: ‬أنت شقيق الزاهد فقال‮: ‬أنا شقيق،‮ ‬ولست بزاهد‮.. ‬فقال له‮: ‬أوصني‮.‬

فقال شقيق‮: ‬إن الله تعالي قد أجلسك مكان الصديق،‮ ‬وأنه يطلب منك مثل صدقه،‮ ‬وأنه أعطاك موضع عمر بن الخطاب الفاروق وأنه يطلب منك الفرق بين الحق والباطل مثله،‮ ‬وأنه أقعدك موضع عثمان بن عفان ذي النورين وهو يطلب منك مثل حيائه وكرمه،‮ ‬وأعطاك موضع علي بن أبي طالب وهو يطلب منك مثل العلم والعدل كما يطلب منه‮.‬

فقال له‮: ‬زدني من وصيتك‮.‬

فقال‮: ‬اعلم أن لله تعالي داراً‮ ‬تعرف بجهنم،‮ ‬وأنه قد جعلك بواب تلك الدار،‮ ‬وأعطاك ثلاثة أشياء‮: ‬بيت المال والسوط والسيف،‮ ‬وأمرك أن تمنع الخلق من دخول النار بهذه الثلاثة،‮ ‬فمن جاء محتاجاً‮ ‬فلا تمنعه من بيت المال،‮ ‬ومن خالف أمر ربه فأدبه بالسوط،‮ ‬ومن قتل نفساً‮ ‬بغير حق فاقتله بالسيف،‮ ‬بإذن ولي المقتول،‮ ‬فإن لم تفعل ما أمرك فأنت الزعيم لأهل النار والمتقدم إلي البوار‮.‬

وخرج هارون الرشيد والعباس‮ (‬أحد جلساء هارون وليس العباس بن عبد المطلب‮)‬،‮ ‬ليلاً‮ ‬لزيارة الفضيل بن عياض،‮ ‬فلما وصلا إلي بابه وجداه يتلو هذه الآية‮: »‬أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن تجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات‮«‬‭ ‬فقال هارون‮: ‬إن كنا جئنا للموعظة فكفي بهذه موعظة‮.‬

ثم أمر العباس أن يطرق عليه الباب فطرق بابه فقال‮: ‬افتح الباب لأمير المؤمنين‮.‬

فقال الفضيل‮: ‬ما يصنع عندي أمير المؤمنين‮.. ‬فقال‮: ‬أطِع أمير المؤمنين وافتح الباب‮.‬

وكان ليلاً‮ ‬والمصباح يتقد فأطفأه وفتح الباب فدخل الرشيد،‮ ‬وجعل يطوف بيده ليصافح بها الفضيل،‮ ‬فلما وقعت يده عليه قال الفضيل‮: ‬الويل لهذه اليد الناعمة إن لم تنج من العذاب في القيامة‮.‬

ثم قال له‮: ‬يا أمير المؤمنين استعد لجواب الله تعالي فإنه يوقفك مع كل مسلم علي حدة يطلب منك إنصافك إياه‮.. ‬فبكي هارون الرشيد بكاء شديداً‮ ‬وضمه إلي صدره‮.‬

فقال له العباس‮:‬‭ ‬مهلاً‮ ‬فقد قتلته‮..‬‭ ‬فقال الرشيد للعباس‮: ‬ما جعلك هامان إلا وجعلني فرعون‮.. ‬ثم وضع الرشيد بين يديه ألف دينار وقال له‮: ‬هذه من وجه حلال من صداق أمي وميراثها‮.‬

فقال له الفضيل‮: ‬أنا آمرك أن ترفع يديك عما فيها وتعود إلي خالقك،‮ ‬وأنت تلقيه إلي‮.. ‬فلم يقبلها‮.‬

وحضر بعض الزهاد بين يدي خليفة عباسي فقال له‮: ‬عظني‮.. ‬فقال‮: ‬يا أمير المؤمنين إني سافرت الصين،‮ ‬وكان ملك الصين قد أصابه الصمم وذهب سمعه،‮ ‬فسمعته يقول يوماً‮ ‬وهو يبكي‮: ‬والله ما أبكي لزوال سمعي،‮ ‬وإنما أبكي لمظلوم يقف ببابي يستغيث فلا أسمع استغاثته،‮ ‬ولكن الشكر لله إذ بصري سالم‮.‬

وأمر منادياً‮ ‬ينادي ألا كل من كانت له مظلمة فليلبس ثوباً‮ ‬أحمر‮.. ‬فكان يركب الفيل،‮ ‬فكل من رأي عليه ثوباً‮ ‬أحمر دعاه ونظر في شكواه وأنصفه من خصمائه‮.‬

فانظر يا أمير المؤمنين إلي شفقة ذلك الكافر علي عباد الله،‮ ‬وأنت مؤمن من أهل بيت النبوة،‮ ‬فانظر كيف تريد أن تكون شفقتك علي رعيتك‮.‬

‮ ‬[email protected]