رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الذين طغوا في البلاد.. فأكثروا فيها الفساد

 

أتدرون سبب ما يحدث لمبارك وعصابته اليوم من ذل وهوان وقيود وسجون ومحاكمات؟.. أتدرون لماذا سقط فرعون مصر من علياء عرشه وهوي هو وأولاده ورجاله إلي غياهب السجون والقيود، وتحول بهم الحال من عز وسطوة وسلطان وأمر ونهي إلي ذل وخزي وهوان؟.. إنها والله دعوات آلاف المظلومين والثكالي والجوعي والمرضي في مصر عبر عشرات السنين من حكمه غير المأسوف عليه.. تلك الدعوات التي سرت بليل فغفل عنها مبارك ورجاله، ولم يغفلها الله.

إنها دعوات الأمهات الثكالي والآباء والزوجات والأبناء الذين فقدوا أحبابهم وذويهم في عبّارة الموت، فصاروا طعاما للحيتان وأسماك البحر.. إنها دعوات من فقدوا ذويهم في قطار الصعيد الذي احترق في دقائق، ليخلف آهات وآلام آلاف الثكالي من أبناء الشعب المصري العظيم.. إنها دعوات ملايين الجوعي في مصر الذين يتضورون جوعا كل ليلة، ومبارك ورجاله يتنعمون بأموال الشعب، وينهبون المليارات تلو المليارات، ويبنون عشرات القصور التي ربما لم يسكنوها، إلي أن جاءهم النذير علي يد شباب الثورة، فقضوا مضاجعهم، وهدموا أركان حكم ظالم قبع علي صدورنا ثلاثين عاما عجاف.

إنها دعوات الأمهات والآباء الذين تعرض أبناؤهم للاعتقال دون ذنب، فأمضوا في معتقلات مبارك سنوات وسنوات دون محاكمة، وكان الواحد منهم عندما يحصل علي إفراج من نيابة أمن الدولة أو المحكمة، لا يذهب إلي بيته، بل إلي المعتقل مرة أخري بعد أن يكتب اسمه علي أمر من أمور الاعتقال التي وقعها العادلي ومن سبقه علي بياض، تحت حكم قانون الطواريء.

إنها دعوات ملايين المرضي في مصر، الذين نهشت الأمراض أجسادهم، ولم يجدوا لهم مكانا في مستشفيات مبارك، ولم يحصلوا علي ما كان يحصل عليه كلب مبارك "البرنس" من علاج علي نفقة الدولة في الداخل والخارج.

إنها دعوات ملايين الشباب من العاطلين والعوانس، الذين لم يحصلوا علي أدني حقوقهم في دولة مبارك، فهاجر بعضهم إلي الخارج بصورة غير شرعية، لتبتلعهم البحار والمحيطات، ولم ينظر مبارك إليهم نظرة عطف ورحمة، كما نظر لعلاء وجمال، والمفترض أنه أب لكل شباب مصر، ومسئول عنهم أمام الله.

إن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كان يدرك مسئوليته عن تلك البغلة التي تعثر في أرض العراق، وكان علي يقين بأن الله سبحانه، سوف يسأله: لماذا لم يمهد لها الطريق؟.. فهل أدرك مبارك للحظة واحدة عبر الثلاثين عاما من حكمه مسئوليته، لا أقول عن بغال مصر وحيواناتها، بل عن أهل مصر من البشر الذين كرمهم الله.. لقد ضيع الملايين منهم، وأغرق مصر وشعبها في بحر لجي من الفساد والفقر والجوع والمرض، علاوة علي الذل والهوان وضياع الكرامة مع شعوب الأرض قاطبة.

فيا أيها الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيه الفساد.. ما ظنكم بربكم؟.. لقد ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون، وذالكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فكنتم من الخاسرين .. يا من ملأتم مصر طغيانا وفسادا: ألا تظنون أنكم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين؟.. أم أن إبليس قد صدّق عليكم ظنّه وسوّل لكم أعمالكم فأطعتموه، وأصبحتم من الأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم

يحسنون صنعا.. لقد زينت السلطة في قلوبكم وظننتم بالله ظن السوء وكنتم قوماً بوراً.

إن الله يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة، ويهدم دولة الظلم ولو كانت مسلمة، فها هي دولة مبارك ونظامه قد هدمها الله علي أيدي شباب مصر، لأن الظلم قد ساد فيها واستشري في كل أركانها، حتي بلغ السيل الزبي، وكان حقا علي الله أن يذل أركان هذه الدولة، بعد أن صاروا عصابة من المفسدين والظلمة واللصوص والخائنين.. وتلك سنة الله في خلقه.

ومن أعجب ما يذكَرُ هنا ما وقع للوزير "يحيي ابن خالد البرمكي"، في العهد العباسي، وهو الجواد المشهور الذي كان يضرَب به المثلُ في سَعَة الجود والكرم، فعندما وقعت نَكَبة البرامكة، وغضب عليهم هارونُ الرشيدُ، قبض علي يحيي بن خالد، وولديه: جعفر والفضل، ووضعوا في السجن، فقال جعفر لأبيه يحيي، وهُمْ في القيود والحَبْس: يا أبتِ بعدَ الأمر والنهي والأموالِ العظيمة، صرنا إلي القُيودِ ولُبس الصُّوف والحَبْس!، فقال له أبوه يحيي: "يا بُني لَعلَّها دعوةُ مظلوم  سَرَتْ بليل غَفَلنا عنها ولم يغْفُل اللهُ عنها".

وفي العهد العباسي نري مثالا آخر لدولة العدل الكافرة، فقد كان أحد علماء المسلمين يسافر إلي الصين، فقدمها مرة وقد أصيب ملكهم بسمعه، فصمت أذنه، فبكي الملك بكاءً شديداً، فحثه جلساؤه علي الصبر علي مصيبته في سمعه، فقال: أما أني لست أبكي للبلية النازلة، ولكني أبكي لمظلوم يصرخ بالباب فلا أسمع صوته. ثم قال: أما وإن قد ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب، ثم أمر بأن ينادوا في الناس ألا يلبس ثوباً أحمر إلا مظلوم، وكان يركب الفيل طرفي النهار، وينظر هل يري مظلوماً، فينصفه ويرفع عنه الظلم.

فهذا مشرك بالله بلغت رأفته وعدله بالمشركين هذا المبلغ، فما بالنا بالحاكم المؤمن، كيف لا يرأف برعاياه، ويرفع الظلم والمظالم عنهم؟.. إن الظلم لظلمات.. وإن مسئولية الحاكم لأمانة.. وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها.. فاتقوا الله يا من تتولون مسئولية البلاد والعباد، وليكم لكم في مبارك ورجاله العبرة والمثل.

[email protected]