رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل سمعتم عن حاكم فقير؟

هل سمعتم عن حاكم فقير؟، هل سمعتم عن سلطان كان غنيا مترفا قبل أن يجلس على كرسى الحكم، فلما جلس عليه أفقر نفسه وزوجته وعياله؟، لقد تعودنا فى بلادنا العربية أن يتولى الحاكم السلطة وهو فقير أو مستور الحال، وفى بضع سنوات من حكمه يتحول إلى مليونير أو ملياردير،.. ليس وحده بل زوجته وأولاده وأقاربه أصهاره وكل من يمت له بصلة. أما الذين يفتقرون فهم رعايا هذا الحاكم الذين تولى أمرهم ونسيهم وغفل عنهم، أمنه الله على شئونهم وأرزاقهم، فخان الأمانة وبدد الأموال وضيع العيال.

أما الحاكم الفقير الذى أقصده فهو عظيم من عظماء تاريخنا الإسلامي، يقف المرء إجلالا وتعظيما أمام شخصيته وعظمته وورعه وتقواه.. انه عمر بن عبد العزيز، هذا الفتى الأموى الذى عاش طفولته وشبابه فى الترف والنعيم، ترف الإمارة والخلافة، ونعيم الحياة بكل زخارفها، فجده مروان بن الحكم مؤسس الدولة الأموية، وأبوه عبد العزيز بن مروان أمير مصر، وعمه عبد الملك بن مروان خليفة المسلمين، وأبناء عمومته الخلفاء الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك، وزوجه فاطمة بن عبد الملك.. ثم هو خليفة المسلمين الزاهد التقي، الذى اعتبره المؤرخون خامس الخلفاء الراشدين، والذى ملأ الأرض عدلا ورحمة، بعد أن امتلأت ظلما وجورا على يد سابقيه من الخلفاء الذين اتخذوا الحجاج ابن يوسف الثقفى سيفا مسلطا على رقاب المسلمين، يقتل كل مخالف ومناوئ للحكم الأموي.
نعم كان عمر بن عبد العزيز أميراً من أمراء الدولة الأموية، يغيّر الثوب من الحرير فى اليوم أكثر من مرة، وتحت يديه الذهب والفضة، والخدم والقصور، المطاعم والمشارب، كل ما اشتهى وطلب وتمنى.
ولكن عندما تولى الخلافة وصار ملك الأمة الإسلامية تحت يديه انسلخ من ذلك كله، وترك متاع الدنيا، ورد جميع أمواله وأموال زوجته إلى بيت مال المسلمين، وباع كل قصور الخلافة وأعتق كل العبيد الذين فى القصور، وزهد فى الدنيا واشتغل فى أمور الناس.
وقف على المنبر يوم الجمعة فبكى، وقد بايعته الأمة، وحوله الأمراء والوزراء والعلماء والشعراء وقواد الجيش، فقال: خذوا بيعتكم، قالوا: ما نريد إلا أنت، فتولاها فما مرّ عليه أسبوع، إلا وقد هزل وضعف وتغيّر لونه، ما عنده إلا ثوب واحد.
قالوا لزوجته: مال عمر تغير؟ قالت: والله ما ينام الليل، والله إنه

يأوى إلى فراشه، فيتقلّب كأنه ينام على الجمر، يقول: آه آه، توليت أمر أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) يسألنى يوم القيامة الفقير والمسكين الطفل والأرملة.
وقال له أحد العلماء: يا أمير المؤمنين، رأيناك قبل أن تتولى الملك، فى نعمة وفى صحة وفى عافية، فمالك تغيّرت، فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، ثم قال: كيف بك يا ابن زياد، لو رأيتنى فى القبر بعد ثلاثة أيام، يوم أجرد عن الثياب، وأتوسد التراب، وأفارق الأحباب، وأترك الأصحاب، كيف لو رأيتنى بعد ثلاث! والله لرأيت منظراً يسوءك.
وما حضرت عمر الوفاة قال ادع لى بنى فدعوهم، وهم بضعة عشر ولدا، وقال لهم: يا بنى إن أباكم خير بين أمرين: إما أن يترككم أغنياء ويدخل النار، وإما أن يترككم فقراء ويدخل الجنة، ولا أحسب إلا أنكم تؤثرون إنقاذ أبيكم من النار على الغنى، ثم نظر إليهم فى رفق وقال قوموا عصمكم الله قوموا رزقكم الله.
ولقد تتبع الناس أخبار أبناء عمر بن عبد العزيز من بعده فرأوا أنه ما احتاج أحد منهم ولا افتقر وصدق الله العظيم إذ يقول «وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا»، وقال أحد التابعين الذى عاصروا أبناء خلفاء بنى أمية: لقد رأيت أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتبرع بمائة جمل فى سبيل الله، ورأيت أبناء سليمان بن عبد الملك -الخليفة الذى سبق عمر- يتكففون الناس فى الطرقات، وهم الذين ترك لهم أبوهم أموالا طائلة.
[email protected]