عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإسلام والسياسة والدولة المدنية

 

مع اقتراب أي تغيير في الدستور أو نظام الحكم في مصر، تثار قضية الإسلام والسياسة والدولة المدنية والدولة الدينية، والمادة الثانية من الدستور وما تنص عليه من أن الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

والحق أن من يثيرون هذه القضايا سواء من المسلمين أو غير المسلمين، لا يفهمون الإسلام، ولا يعرفون معني المصطلحات التي يستخدمونها، مثل مصطلح »الدولة المدنية«، و»الدولة الدينية«، والمصطلح الكهنوتي الذي ساد في أوروبا في عصور الظلام وما تبعها من نهضة وهو مصطلح »دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله«، والمصطلح الساداتي المشهور »لا دين في السياسة.. ولا سياسة في الدين«.. كما أنهم لا يعرفون فحوي النظام السياسي الإسلامي، ومفهوم الدولة في الإسلام.

 

ولقد كتبنا هنا مرارا وتكرارا عن هذه القضية.. ولا مانع من أن نكرر ما قلنا وكتبنا حتي يفهم الشطار، فالإسلام لا يعرف الدولة الدينية التي سادت في أوروبا في عصور الظلام، وكانت الكنيسة فيها تسيطر علي كل مقاليد الحياة والسلطة، وتبيع صكوك الغفران لمن يرتكب خطيئة أو جرما من البشر، وهي الدولة التي كانت تعادي العلم والعلماء.

والدولة في الإسلام دولة مدنية تحكم بمنهج الله وقواعد الشريعة الإسلامية التي نظمت كل شئون الحياة، والدولة المدنية عكس الدولة العسكرية، لا الدولة الدينية، ولا يوجد في الإسلام ما يسمي بالدولة الدينية، فتاريخ الدولة الإسلامية منذ العهد النبوي والي اليوم، لا يعرف ما يسمي بالدولة الدينية، ولم نسمع أبدا أن أحداً من علماء الإسلام من قيادات الأزهر أو غيره، قد تسلط علي نظام الحكم في الدولة الإسلامية أو حكم البلاد، كما حدث من القساوسة والرهبان في أوروبا في عصور الظلام.

فالإسلام دين ودولة، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، والحكم بما أنزل الله واتباع منهج الله في كل شئون الحياة ركن من أركان العقيدة الإسلامية، ونحن عندما نتحدث عن الإسلام  كدين ومنهج حياة، يجب أن نقرر قاعدة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي، وهي أن الإسلام يؤخذ من القرآن والسنة، لا من واقع دولة أو جماعة أو تنظيم، ولا تستطيع جماعة بعينها أو تنظيم الادعاء بأنها تمثل الإسلام ككل، فالإسلام أكبر وأشمل وأعظم من الدول والجماعات والتنظيمات، ولا يأتي أحد فيحتج بدولة مثل إيران التي يحكمها منهج شيعي لا يمت للإسلام بصلة، أو يحتج بجماعة مثل التكفير والهجرة أو جماعة الجهاد، ليقول أن هذا هو الإسلام، وهذا هو منهجه في التعامل مع الناس.. فهذا والله افتراء علي الإسلام بمنابعه الصافية ومنهجه القويم.

والمطالبة بالفصل بين الإسلام والسياسة فرية كاذبة وافتراء علي الله سبحانه وعلي  رسوله، صلي الله عليه وسلم، ومخطط خبيث لاقتلاع الإسلام وحضارته، كدين شامل ومنهج حياة كامل، من جذوره لكي يخبو وتنطفيء أنواره وينعزل بمنهجه عن دنيا الناس وسياستهم، وهذا كلام ما قال به أحد في الأولين والآخرين، إلا أن يكون منافقا معلوم النفاق أو معاندا أو جاحدا للدين.

ولقد دأب مجموعة من الكتاب في مصر ممن يجهلون الإسلام، ويعرفون باتجاهاتهم وآرائهم المعادية للشريعة والمنهج الإسلامي، سواء من العلمانيين أو الماركسيين، علي محاولة الفصل التعسفي الكهنوتي بين الدين والسياسة، والترويج للمقولات الكهنوتية القديمة »دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله«، والمقولة الساداتية »لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين«.. وهم يعنون بذلك أن ينحصر الإسلام في المسجد ودور العبادة، ولا يكون له أي صلة أو شأن بدنيا الناس.

فما رأيكم يا سادة في هذا الكلام؟.. أيصبح إسلامنا مجرد عبادات لرب العالمين، ويقبع في المساجد، وينفصل فصلا تعسفيا عن دنيا الناس، من أجل عيون العلمانيين والمنافقين والمرجفين في مصر؟.. هذا كلام لا يصدر إلا عن جاهل بحقيقة الإسلام كمنهج شامل وكامل وصالح للتطبيق في كل زمان ومكان، فالله سبحانه وتعالي أراد لهذا الدين أن يسود وأن يقود ويحكم كل

شئون الحياة، بما فيها من سياسة واقتصاد واجتماع وثقافة وإعلام وترفيه إلي آخر ما تحتويه دنيا الناس، وأراد له هؤلاء المعاندون أن يقبع في المساجد فقط، فلا يخرج إلي الشوارع والمنتديات والهيئات ومؤسسات الحكم، وعلي هذه المؤسسات أن تسير علي منهج شياطين الأنس والجن.. فهل هذا هو الإسلام الذي أنزله رب العالمين؟.. لا والله.. الإسلام لا يعرف الفصل بين الدين والسياسة، وهذا كلام قلته من قبل وسوف أقذف به في وجوه العلمانيين، كلما اقتربوا من ديننا وإسلامنا وحاولوا الفصل بينه وبين دنيا الناس، فالإسلام لا يعرف مصطلح »الإسلام السياسي« الذي يروجون له ، بل إن سياسة المجتمع والناس جزء يسير من منهج الإسلام الشامل.

والله سبحانه ما أراد للإسلام أن يكون دينا فقط كما يقول هؤلاء النفر، ولكن أراد للإسلام أن يكون دينا ودنيا، والدولة التي أقامها الرسول في المدينة، وكذلك دولة الخلفاء الراشدين، وسائر الدول الإسلامية في العهود المختلفة الأموي والعباسي والأيوبي والعثماني، لم تكن دولة دينية علي الإطلاق، بل دولة مدنية تسير علي منهج الله سبحانه وعلي قواعد الشريعة الإسلامية. كما أن الإسلام لا يعرف المقولة الكهنوتية »دع ما لقيصر لقيصر.. وما لله لله«، فهذا افتراء وتدليس علي الله سبحانه وعلي دينه، فقيصر وما يملك والدنيا كلها لله سبحانه يسير أمورها كيف يشاء ، وبالمنهج الذي يريد، والإسلام نظام يحكم كل شئون الحياة.

ولو كان الإسلام كما تقولون وتروجون في كتاباتكم ومؤلفاتكم دينا فقط، لجلس النبي »صلي الله عليه وسلم« في مسجده بالمدينة يدعو الناس ويقوم سلوكهم، وما تحمل عبء إنشاء دولة إسلامية، وتنظيم شئونها وتسييس أمورها وتسيير الجيوش وتعيين الولاة في الأقاليم، ولترك أمور مجتمع المدينة لأهله يسيرونه كيف يشاءون ، ولاقتدي به خلفاؤه من بعده، الذين حكموا دولة الإسلام الرشيدة، وفتحوا الفتوحات وعقدوا المعاهدات مع الدول المجاورة، وأرسلوا السفراء وأنشأوا الدواوين التي صارت وزارات للحكم.

أليست هذه سياسة يا من تجهلون الإسلام والسياسة؟! أم أنها دين فقط؟!، وهل حصر النبي، صلي الله عليه وسلم، الاسلام في نطاق ضيق - كما تقولون -، عندما سيس به حياة الناس ومجتمعهم، وأنشأ به دولة قوية سادت العالم كله، وخضعت لها رقاب الجبابرة والقياصرة من الفرس والروم؟.. أم أنكم تجهلون التاريخ الإسلامي وأنباء دولته، وتهتمون فقط بتاريخ أنبيائكم: ماركس ولينين وستالين، الذين تسبحون بحمدهم بكرة وعشيا.

فليعد كل منكم إلي صوابه ويعرف للإسلام قدره، ويكف عن ترديد هذه الشعارات البالية، وإلا فنحن لكم ولما تنعقون وتكتبون بالمرصاد، وإن زدتم زدناكم.

[email protected]