رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المرأة الفلسطينية بطلة الحكاية

خاص لـ"الوفد".. نساء تحت القصف.. فلسطينيات يروين قصصهن مع الحرب في غزة

بوابة الوفد الإلكترونية

- القادم أصعب وأقسى.. ولكن هناك من يستحق الحياة 
- شربت مياها غير صالحة للشرب لأوفر الصالحة لأبنائي  
- "في كل صباح كنت بستغرب هو احنا لسه عايشين" 
- محتاجة أبكي كتير.. البكاء جوايا مكتوم 
- كل يوم يأتي علينا الصبح دون موت.. فهو معجزة 
- الدمار والقذف وصل الكنائس والمساجد.. فقدنا مفهوم الأمان حتى في دور العبادة

 

 حاملات ما تبقى معهن من مؤن وذكريات، تاركات وراء ظهورهن كل الأماني والأحلام، واضعات نصب أعينهن مسؤولية الأسرة والأبناء، تروي "بسمة ورنا" السيدات الفلسطينيات لـ"الوفد"، قصصهن من قلب غزة تحت القصف والدمار، لتكون بين قصص أكثر من مليون فلسطيني تعرض للظلم والقهر بسبب الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وما يقترفه يوميًا في حق الشعب الفلسطيني من انتهاكات، فهناك آلاف من الشهداء في القطاع، وآخرون تحت الركام، وغيرهم شاهدوا بيوتهم تُدك أمام أعينهم، ومنهم من فقد أحد الأحباء، وفيهم من نزحوا لينجوا بحياتهم مع من تبقى من الأهل والجيران، وتركوا مدارسهم وأحلامهم، يعانون الجوع والعطش والأمراض، ولكنهم لم يفقدوا الأمل.

 

المرأة الفلسطينية بطلة الحكاية في غزة:

 بكلمات بسيطة روت رنا المدهون السيدة الفلسطينية المحامية، صاحبة الـ34 عامًا قصتها مع الحرب في غزة لـ«الوفد»، موضحة مدى المعاناة التي تعرضت لها من أجل النزوح والحفاظ على حياتها وحياة أسرتها الصغيرة، التي تتكون من طفلين هما الحسن 8 سنوات وميرا 6 سنوات، وزوجها صاحب الـ36 عامًا، والذي يعمل مهندسًا في جمعية جباليا لتأهيل المعاقين بغزة، بالإضافة إلى طفلها الثالث الذي لم ير النور حينها، ولكنه عاش معها كل تفاصيل المعاناة.. نعم فكانت رنا في بداية حملها في طفلها (أوس)، في ظل ظروف صحية صعبة للغاية، وذلك تزامنًا مع بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر، وهو ما زاد الأمور سوءًا.

رنا وعائلتها

 تقول رنا: «كنت أسكن أنا وأسرتي في غزة بشارع الجلاء، وفي الأسبوع الأول من الحرب قصف بيت مجاور للبرج السكني الذي أقنط فيه، وذلك حدث دون سابق إنذار، وكنت في تلك الفترة أستضيف في بيتي أهلي الذين اضطروا لإخلاء منزلهم في منطقة المقوسي بعد تعرضها لقصف شديد واتصالات بالإخلاء من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي».

 وتابعت في حديثها للوفد: «غادرنا أنا وأهلي من بيتي خوفًا من استهداف البيت المجاور مرة أخرى، ولجأنا إلى بيت أهل زوجي في تل الهوا، بعد ثلاث أيام وصلنا خبر استهداف شقق سكنية في البرج الذي كنت أسكنه، واستشهد جيراني وتعرض منزلي لأضرار بليغة وأصبح غير صالح للسكن، واستكلملت: تأثرت كثيراً وأصبت بصدمة عارمة ماذا لو كنت بقيت في بيتي؟.. هل كان من الممكن أن أكون أنا وأطفالي من الضحايا والشهدا؟ هل كان بمقدرتي أن أحمي أطفالي وجنيني الذي في رحمي؟.. ولكن سرعان ما استعدت قوتي من جديد لكي استطيع أن أصمد أمام أبنائي الذين لا ذنب لهم بكل ما يحدث، ويجب أن لا يروا مني سوى الصمود من أجل البقاء على الحياة، وبالفعل حاولت استعادة قوتي وهمس في أذني صوتاً يقول لي"القادم أصعب وأقسى ولكن هناك من يستحق الحياة".

 كان تل الهوا الملجأ الوحيد لي بعد تدمير بيتي وبيت أهلي وبعد صعوبة رحيلنا إلى الجنوب كما طلب الاحتلال من جميع سكان شمال القطاع، اضطررت أن أعيش فيه لمدة أسبوعين، كانوا الأدمى والأشد والأصعب، تعرضت المنطقة لأحزمة نارية لا يمكن وصفها مهما تحدثت، 50 صاروخا على الأقل بشكل متتالي خلال ساعة، واستمر لمدة 3 ساعات، الأرض زلزال من تحتك أصوات حجارة وزجاج، البيت مضاء بلهيب نيران مشتعلة حول البرج، تكرر هذا المشهد لمدة 3 أيام متتالية، من الرعب كنت أحضن أولادي وأحاول أن أأخذهم إلى أأمن مكان في البيت، ثم صمتت للحظة وقالت: "كان كل تفكيري في تلك اللحظة العصيبة أننا إذا استشهدنا نكون كلنا سوا واذا صرنا تحت الأنقاض ممكن نقدر نساعد بعض".

 

"في كل صباح كنت بستغرب هو احنا لسا عايشين":

 "في كل صباح كنت بستغرب هو إحنا لسا عايشين".. هكذا كانت تصف رنا شعورها مع بداية كل صباح، مضيفة: "طول النهار مستمرين في تدبير أساسيات الحياة وتجهيز بعض المؤن ومستلزمات أطفالنا حتى نستمر في البقاء على قيد الحياة، وعلى الرغم من شح الأشياء إلا انه الحمد لله كنا قادرين تدبير حالنا على قدر المستطاع". 

 وتقول رنا:" في يوم انبسطت إن لقيت صيدلية أجيب العلاج الضروري من فيتامينات وعلاج التجلطات والحديد حتى أستطيع الصمود والحياة، ولكن الأيام اشتدت أكتر وصار في تهديدات لمستشفى القدس القريب جدًا من البرج القانطين فيه والقصف صار ليل ونهار وبشكل كثيف وعلى بعض الأبراج، وفي يوم واحنا قاعدين بنتغدا سمعنا جارنا بينادي أخلو البرج بسرعة في تهديد بقصفه، ما بعرف كيف طلعنا مع إنه كل حد فينا مجهز شنطة ياخودها وقت الطوارئ لكن من صعوبة الموقف والخوف نسينا أغلب أغرضنا وأهمهم علاجي وملابسي وملابس أولادي الأطفال".

محتاجة أبكي كتير.. البكاء جوايا مكتوم

 تابعت: «أخلينا البرج وخرجت أنا وأهلي على مدرسة إيواء مقابل البرج لحين اتخاذ قرار اللجوء إلى مكان في هذه اللحظة العصيبة، ولكن لم يسعفنا الوقت في تلك اللحظات الصعبة المريرة وتم قصف برج مقابل المدرسة وكانت من أقسى المشاهد على أطفالي، بل وكان الأشد وجع وتعب جسدي ونفسي علينا،  وبكيت كثيرل مع أطفالي، ولم أقدر في تلك اللحظة أن اتحمل الصمود أكثر من ذلك، مضيفة: كنت محتاجة أبكي كتير.. البكاء جوايا كان مكتوم خوفي ووجعي متحملوش الصمت اكتر من كدة».

 

انقصف البيت في تل الهوا وفقدنا البرج السكني وجميع أغراضنا وذكرياتنا الحلوة والصعبة وحياتنا كلها، عشنا لحظات خوف مريرة، وأيام صعبها كان أكثرها بشاعه هو فقداننا للمنزل، فقد فقدنا معه الأمان الأخير، وفي تلك اللحظات قرر خطيب أختي يستقبلنا في بيته في وسط مدينة غزة انتقلنا للسكن هناك، وكل فترة أصعب وأقسى بكتير من سابقتها، فانقطعت كل سبل العيش، المياه الصالحة للشرب، الغاز اللازم للطهي، الخضار، الحليب، الدقيق، أصبح كل شي صعب توفيره، وان استطعنا توفيره يكون بكمية قليلة جدا، مضيفة:" في الفترة دي صاروا أطفالي بخوف شديد وجوع شديد وأنا ووالدهم أصبحنا غير قادرين على توفير اي شىء لهم، حتى الأمان أصبح شىء صعب جدا، مسؤولية كبير وشعور صعب وقاسي إنك تكون أب أو أم بغزة، في لحظة انك مش قادر توفر لأطفالك الأمان».

 

شربت مياها غير صالحة للشرب لأوفر الصالحة لأبنائي 

«كنت أنام ببكي كتير لإني جائعة وخجلانه أحكي، لأنه أطفالي أولى بالأكل اللي بنقدر نوفره بصعوبة جدا كل يوم، وفي مرة اضطريت أشرب مياه مالحة غير صالحة للشرب لمدة 3 أيام، لأوفر الصالحة لأبنائي، حتى تعرضت لنزلة معوية حادة وبعدها توقفت عن شرب المياه ليوم واحد؛ لإن ممكن أتحمل العطش بس مقدرش أتحمل الوجع بدون وجود صيدليات وأدوية».

 

وأضافت للوفد: «عشنا أياما مليئة بالألم والخوف الكبير؛ بسبب القصف المستمر، وبشكل كثيف وشديد رجعت الأحزمة النارية ع المنطقة يلي بسكن فيها وبطلت قادرة أسيطر على خوفي وخوف أطفالي، وبعد 10أيام عشت فيهم ببيت خطيب أختي تقدم الاجتياح البري وتفاجأنا باشتباكات عنيفة جدا و وصول الدبابات للمنطقة وصار السكان والنازحين في المدرسة المجاورة يتصلوا بالصليب لمساعدتهم بالاخلاء ولكن حتى خدمات الصليب كانت متوقفة، خرجنا من الموت بأعجوبة وقررنا أن نتوجه لجنوب قطاع غزة رغم الخوف الشديد، حيث كانت روايات النازحين عن الطريق مرعبة وإنه الممر الأمن الذي يتحدث عنه الاحتلال هو ممر الموت اضطررنا للمشي لمدة ساعتين نحمل  فيه مقتنياتنا الشخصة وأطفالنا الذين يملأ عيونهم وقلوبهم الخوف والرعب، ونظرة في عيوننا جميعا ملئية بالذل والقهر».

 

وأفادت المدهون، أنها تعرضت لوعكة صحية كبيرة وهي في مننتصف الطريق، وتمنيت في ذلك الوقت الصعب أن تجلس ولو لمدة دقيقتين، أو تشرب نقطة ماء واحدة، وذلك في ظل ظروف حملها الصعبة، مؤكدة: «كنت بتحمل اي ألم رغم حملي الصعب، وأكمل الطريق لأن أي حركة غير محسوبة ممكن تعرض حياتنا كلنا للخطر، ممنوع أن تنظر خلفك ممنوع أن تجلس ممنوع أن تلتقط أي شي سقط منك أرضا، فكنا نمر في "بركس" مجهز بالكاميرات وعلى جانبيه جنود خلف تلال مع دبابتين، وفي هذه اللحظات المطلوب فقط أن ترفع يديك واحدة تحمل بها الهوية الشخصية والأخرى لتظهر استسلامك في هذه اللحظة، للحصول على النجاة".

وأكملت: «خلال هذه الساعات الصعبة التي كنا نركض فيها نادى الجنود على 3 أشخاص عبر مكبر الصوت بالتقدم نحوهم ونادى على الأخر برمي مقتنياته الشخصية، وبعدها بدقائق سمعنا إطلاق نار، أصبت بالذعر فلا استطيع أن ألتفت خلفي لأطمن على ابني فهو مع جدته يساندها ويحتمي بها، عبرنا وهذه المرة الأولى في حياتي أتمنى أن يكون الموت أقرب لي من الحياة من شدة التعب الجسدي والنفسي وخوفي من حصول أي مضاعفت تأثر على الحمل، وكنت دائما أفكر أنه في الجنوب الوضع ليس أفضل حالا ولا بالأمان، ولكنه أمر ليس فيه خيار، وعلى الأقل استطعنا في بداية نزوحنا إلى الحنوب توفير العلاج وبعض الخضروات التي من الممكن إن تعوض بعض النقص والخلل الغذائي عن الفترة السابقة».

 

وتابعت: « كان القصف في الجنوب مستمر للغاية والخوف لا يزال هو الشعور الأقسى؛ وذلك لاقتراب موعد ولادتي، في ظل هذه الظروف الصعبة.. فكنا أسال نفسي كل يوم كيف سأضع طفلي بعملية قيصرية دون وجود بنج، أو بأدوات غير معقمة، كان كل الشعور الذي يسيطر على في هذه الفترة، هو الخوف من فقدان جنيني، أو أحد أطفالي، وللاسف وصلت للشهر التاسع، وذهبت إلى أقرب مستشفى وهي المشفى الوحيد في المنطقة، وبالفعل لم يكن الوصول سهلا، وذلك لشح وسائل المواصلات، واضطررت أن أمشي مسافة بعيدة جدا بشارع مزدحم بالناس ومياه الصرف الصحي وعوادم بعض السيارات التي تمشي على زيت الطهي برائحة كريهة وملوثه، وبعد أن وصلت إلى المستشفى فاجئتي الطبيبة أن موعد ولادتي بعد 10 أيام من الأن.

ولم تتوقف معاناة رنا عند تلك اللحظة بل حدث ما هو أفظع وأصعب، ولأنها في بلد الحروب وعدم الأمان، تفاجأت رنا بإنذار من الجيش مرة أخرى لاخلاء المنطقة التي نزحت إليها من الحصول على الأمان لوضع طفلها الثالث، والتوجه إلى منطقة أخرى وهي (من البريج الى رفح)، وكان الأمر ليس بهين عليها وعلى حالتها النفسية الغير مستقرة بسبب الام الحمل الأخيرة، في ظل عدم وجود أي مأوى، حتى اضطررت أن تتواصل مع معظم الأصدقاء في منطقة رفح لاستقبالها هي وعائلتها لمدة أسبوع الولادة فقط.

 

كل يوم يأتي الصبح دون موت.. فهو معجزة

وذكرت، أنها وصلت رفح بدموع القهر والحزن والتيه، محاولة وجود مأوى، باحثة عن احتياجاتها هي وأسرتها، فلا سرير ولا فراش ولا غطاء يأوي هذه الأسرة الضعيفة، واستمر هذا الالم مصاحبا للحظات أكثر قسوة، بسبب ولادتها، فقد وضعت طفلها الصغير عن طريق الولادة القيصرية، بعد أن مرت بأصعب اللحظات من أجل البحث عن  مستشفى تكون الأقرب والأنسب للولادة، وهي مستشفى الخير بخانيونس المحاصرة، وتقول رنا: «مريت بأصعب لحظات حياتي، كنا هموت من الخوف والرعب لما شوفت جنود الاحتلال تجبب سيدة أن تسير بمولدها في ساعة متأخرة جدا من الليل، والبرد القارص في منطقة تجهل معالمها، وذلك بعد تهديها بالقتل لو اتلفت أو غيرت الطريق التي رسمها لها.. بكيت عليها كما لو أني أنا التي شهدت ذلك لأنه لم يكن ببعيد عني ولولا عناية الله.. ففي كل  يوم يأتي الصبح دون موت.. فهو معجزة». 

 

وأشارت إلى أن  الظروف لم تكن  جيدة أو مناسبة لحالتها الصحية أثناء الحمل، بل كانت في أمس الحاجة لسرير حتى تستطيع النهوض؛ وذاك لأن النوم على الأرض مع عملية قيصرية يعني أن تصرخ كلما اضطررت إلى النهوض من المكان، مؤكدة:« تحملت كثيرا وكان كل همي انا أكون صامدة أمام عائلتي، حتى يبقوا أحياء بالأمل»


وأفادت: «نعاني حتى الآن من نقص شديد في البامبرز، وإن وجد فهو ب 5 أضعاف سعره الطبيعي وأيضاً نبحث عن الحليب كمكمل غذائي له بجانب الرضاعة الطبيعية التي لا يستفيد منها كثيرا بسبب سوء التغذية الخاص بي، وعدم توفر الغذاء المناسب، ثم صمتت للحظات وأكملت باكية: "ثلاث شهور بعد الولادة وانا باكل ساندويتشات جبنة ان وجد الخبز، وإن وجد الغداء وجبة الغذاء المحصورة أيضا بأنواع معين بازيلاء فصوليا يكون فول من (معلبات المساعدات) بدون أي انواع من اللحوم، بالإضافة إلى نقص الملابس الذي عانينا منه في فصل الشتاء مع وجود سوء في الأحوال الجوية.

 

وما زاد الأمور سوءا وحزنا هو صراخ طفلي الرضيع ليلا ونهارا بسبب اضطراب الأمعاء وانا اقف أمامه عاجزة أبكي معه من شدة القهر والألم، فلم أترك مكان الا بحثت فيه عما يدفيء جسمه الصغير، فالغطاء ليس كافي وملابسه غير مناسبة، وأصبت كثيرا خلال شهر واحد بالانفلونزا الشديدة، التي أثرت على رضيعي، ولم نجد طريقة لنخفف عن صدره الألم، فمن الصعب أن تصل المستشفى الأن لانك ستخرج بأمراض قبل أن تعالج مرضك.

 

واختتمت رنا حديثها للوفد قائلة: المضحك المبكي أننا في يوم استطعنا أن نوفر بعضا من زجاجات الحليب لأطفالي، الذي نسينا طعمه منذ شهور طويلة جدا، كان بالنسبة لنا فرحة عظيمة، وكأننا أول مرة نعرف مذاقه، ولكن فرحتنا لم تكتمل، فاستيقظنا على طفح جلدي ينتشر في كل جسمنا يؤلمنا كثيرا إلى حد لا يتخيلها أحد، وتأكدت مما كان يخيفني حينها، بعد أن بحثت عن تاريخ الصلاحية ووجدته منتهى منذ فترات بعيدة للغاية، وفي تلك اللحظة كنا معرضين لكارثة أخرى، في حين عدم توافر مستشفيات للعلاج، أو حتى الحصول على الأدوية المناسبة من خلال الصيدليات.

 

خرجنا من غزة لكنها لم تخرج منا

كنت أعيش في مدينة غزة، متزوجة وأم لثلاث بنات، جوانا عمرها 20 عاما، وميرا 18 عاما، ونتالي 14، وزوجي كامل عياد في ال 50 من عمره، وأنا أبلغ من العمر 40 عاما، كانت أجمل أيام حياتي كانت في هذه المدينة الجميلة، خاصةً إني كنت أعيش هناك بجانب بحر هذه المدينة، نحن غزاويون وحتى بعد خروجنا من غزة لم تخرج هي منا، فلك السلام وستظلين أرض السلام والزيتون حتى القصف والدمار والخراب، قبل الركام وبقايا المنازل يا غزة، بتلك الكلمات العظيمة، المليية بالعزة والكرامة.. بدأت بسمة عياد تحكي روايتها للوفد:

بسمة وعائلتها

قالت بسمة: نشعر أنا وعائلتي كثيرا بالألم واللوعة والقهر، كباقي أهل غزة، وذلك منذ بداية حرب الإبادة، تمر بنا أيام عصيبة لا يتخيلها أحد، ففي تمام الساعة السادسة ونصف من صباح 7 أكتوبر ذعرت غزة بأكملها على صوت الانفجارات والقصف، وفوجئنا جميعاً بحرب تبدو مختلفة عن سابقتها التي عشناها، وتمنينا ألا تطول الأيام الصعبة لكنها بغير ما تمنينا، وفي 10 أكتوبر الساعة الثانية صباحاً فزعنا على صوت عشرات ومئات من النساء والأطفال والرجال وضجيج سيارات يملأ المنطقة حولنا قرب ميناء غزة. 

هرعنا لمعرفة سبب نزوح الناس وخروجهم من بيوتهم، فكان الجميع يخلي المنطقة وسط بكاء أطفال ونساء ورجال وشيوخ، فكان الجميع في حالة رعب وخوف، فأسرعنا نحن أيضاً نعد ما يمكننا من أغراض أساسية لكل فرد من أسرتي، وقبل أن نخرج تم قصف العمارة التي تجاور بيتنا، كنا نركض في رعب ونمسك بأيدينا بعض الحقائب، فقد ملأ الخوف قلوبنا من شدة الانفجارات والقذائف التي لم تتوقف أبدا.

 

الكنائس فتحت لنا أبوابها للاحتماء بها

وأضافت بسمة في حديثها للوفد: «انتقلنا إلى بيت أهلي في منطقة النصر بغزة، ولم نفكر اننا مجبرون على الخروج من غزة، وفي 12 أكتوبر قامت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بإلقاء عشرات الآلاف من المنشورات باللغة العربية تطالبنا بإخلاء منطقة غرب غزة والتوجه نحو الجنوب، ولم ندرك وقتها أين يمكننا الذهاب نحو الجنوب!.. فقامت الكنائس الموجودة وسط مدينة غزة بالبلدة القديمة بفتح أبوابها لاستقبالنا، وسارعنا بالانتقال الي كنيسة القديس برفيريوس الموجودة في منطقة الزيتون وهناك احتمينا، وكنا هناك قرابة 400 مسيحي في الكنيسة.

 

وأكملت: «كنا في تلك الفترة أصبحنا كيف نأمن ابناءنا من مأكل ومشرب وكيف نوفر لهم الأمان، ولكن في يوم 17 أكتوبر قام الاحتلال بقصف مستشفى المعمداني القريبة من مكان نزوحنا، مما أسفر عن استشهد 500 شهيد وشهيدة وأدي إلى تناثر الشظايا علينا، حتى أصيبنا بالخوف والهلع من شدة ما يحدث ونحن محاصرين من كافة الجهات ولا نرى نحن وأطفالنا وشيوخنا سوى الدمار، ولا نسمع غير صوت القصف».

 

وتابعت: في الـ19 من أكتوبر، عند الساعة الثامنة والنصف مساءاً، تم قصف مبنى تابع لكنيسة القديس برفيريوس من   قبل طيران الحربي الاسرائيلي، فزعنا وقتها على صوت الانفجار، وصوت هلع وصراخ وبكاء الأطفال والنساء لن ندرك وقتها أن القصف في المكان الذي نحتمي فيه، لنشاهد مكان القصف وإذ هو داخل محيط الكنيسة ويوجد دمار هائل وعدد كبير من الإصابات، حاولنا إسعاف المصابين، وبعد ذلك جاء الدفاع المدني ليحاول انقاذ من هم تحت الأنقاض لساعات طويلة واستمرت لليوم التالي، وبسبب انقطاع الكهرباء زادت المشقة والمعاناة لإنقاذ الناجين ليخرجوهم من تبقى شهداء، وكان معظمهم من النساء والأطفال حيث استشهد 18 نازح بريء في هذه اللحظة.


وأفادت: «كان من بين هؤلاء الضحايا ابنه اخت زوجي هي وزوجها وطفلها وسلفها وزوجته وابنته التي لم تتعدي أشهر من عمرها، وأنا كنت في تلك الفترة في وضع انهيار تام مما شاهدته، وأصبت بصدمة وخوف شديد مما شاهدت من الضحايا والجرحى وهي تنزف والاصابات، كان مشهد صعب لا يوصف، وخاصة مشهد أب وأم فقدوا أبناءهم الثلاثة كان هذا المشهد هو الأكثر قساوة، إضافة إلى مشهد سيدة أخرى فقدت كل أحفادها الأطفال.

 

الدمار والقذف وصل الكنائس.. فقدنا مفهوم الأمان حتى في أماكن العبادة

وذكرت "عياد"، أن الدمار الذي لحق بالكنيسة جعل المكان لم يعد أمنا؛ فاضطرت وأسرتها للنزوح إلى مكان آخر، وتوجهوا لكنيسة دير اللاتين الموجودة في حي الزيتون بالبلدة القديمة بغزة، موضحة أنها بقيت فيها هي وأسرتها لمدة 23 يوم تحت الحرب والاحزمة النارية المستمرة التي لا تتوقف، موضحة أن كنيسة دير اللاتين مدرسة وبداخلها صفوف منفصلة، قائلة: «لجأنا اليها نحن وباقي النازحين للصفوف المدرسية كمعيشة ومنام وكان متوفر فيها مياه وطاقة شمسية لتوفير الكهرباء لسد احتياجات النازحين وكان عدد النازحين في كنيسة دير اللاتين حوالي 600 نازح لكننا جميعا فقدنا مفهوم الأمان حتى في أماكن العبادة.. فلا يوجد أمان في غزة».

 

وأضافت: «اضطررنا مع شدة القصف وعدم الشعور بالأمان إلى التقديم على السفر، حينما توجهنا لسفر توجهنا بما يسمي الممر الأمن، وقد تمكنا من العثور على سائق سيارة إلى أن يوصلنا إلى دوار الكويت عند مشارف مدخل غزة للجنوب، وفعلا نزلنا ومعنا الحقائب المدرسية الخاصة ببناتي ووضعنا فيها الأشياء التي تمكنا من أخذها من بيتنا سابقاً، ثم مشينا على الاقدام حتى وجدنا عربة يجرها حمار، وكان السائق يوصينا ألا نلتفت لأي صوت لإطلاق نار، وإذا سقط منا أي شيء لا يجب النظر اليه، او محاولة اخذه، كما أوصانا ايضاً ألا ننظر خلفنا حيث كانت الدبابات موجودة ومختفيه خلف السواتر الرملية ونقترب منها».

 

وأكملت: «واضطررنا نمشي كباقي آلاف النازحين سير على الأقدام، وكان الجيش الإسرائيلي ينادي عبر مكبرات الصوت كانوا ينطقون باللغة العربية يطالبون شبابا أو شابات معينين ويقومون باعتقالهم، وقد شاهدت بعض الرجال والنساء راكعون على الأرض وايديهم خلف ظهرهم، ومشيت أنا وزوجي بطريقة معينه كي أحمي بناتي، وكنا نسير بجانب بعض خوفا و خشيه من فقدانهن؛ بسبب الاعداد الكبيرة من النازحين أو تعرضهن لأى اذي من جنود الاحتلال، فهم لا يرعوا طفل او شيخ أو امرأة، وفي أثناء نزوحنا كانت ابنتي تلبس جاكيت اسود وبلوزة برتقالي قام الجيش بالنداء عليها هنا شعرت بالخوف والقلق ما الذي سوف يحدث لابنتي؟.. وماذا سوف أفعل، وبعد ذلك قام الاحتلال بنداء على شخص أخر كان يحمل جاكيت برتقالي وجاكيت اسود هنا شعرت بالقليل من الراحة، كانت ساعات قاسية جدا ومشهد مخيف وصوت الأطفال والأمهات تبكي وتصرخ تريد أبنائهم الذين اعتقلوا.. بالفعل كان كابوس صعب».

 

لك السلام منا يا أرض السلام . سلام حتى نلتقي.. سلام سلام

واختتمت بسمة حكايتها للوفد قائلة: «بحمد الله وبعد عناء ومشاهد مرعبة وصلنا إلى معبر رفح أنا وزوجي وبناتي تاركين خلفنا أهلنا وأحبابنا وبيوتنا وكل شيء جميل بغزة التي قام الاحتلال بتدميرها وقصف كل شىء جميل فيها، وقضى على مستقبلنا، وجعلنا لا نكف عن الشعور بالخوف والقلق على من تبقى من اهالينا، والخوف والرعب من مستقبلنا وكيف حياتنا ستصبح بدون غزة وبدون أرضنا، فلك السلام منا يا أرض السلام.. حتى نلتقي سلام سلام».

 

ولم تكن رنا وبسمة، هن فقط الفلسطينيات اللاتي تعرضن لمواقف عصيبة في هذه الحرب في غزة، ونقلنها بقلوب يملؤها الصدق والأمل، ممزوجة بالكثير من الألم والدموع، والحسرة على ما حدث لهن من أحداث شاقة؛ وذلك من أجل الحصول على النجاة لهن ولأسرهن الصغيرة، وذلك منذ بداية هذه الحرب الغاشمة على قطاع غزة، وحتى الآن، ولكن هناك العديد من النساء والأطفال الفسطينيين وغيرهم، تحملوا الكثير من الأعباء والظروف الصعبة؛ من أجل الحصول على النجاة، فمنهم من قصف وراح ضحية هذه الحرب الغاشمة، ومنهم من ركض بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على حياته وحياة أبنائه وذويه.