رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نور

قال لى المناضل الوفدى الكبير الراحل«طلعت رسلان» رحمة الله عليه، خلال أحد لقاءاتى معه فى مطلع التسعينيات، الرواية الكاملة لحكاية انتشار خبر وفاة الزعيم مصطفى النحاس، رغم امتناع الإذاعة المصرية أو التليفزيون، عن نشر الخبر إلا بعد الحصول على إذن جمال عبدالناصر شخصيًا.

عمنا وأستاذنا النائب طلعت رسلان حكى لى تفاصيل الحكاية! وهى باختصار، أن راديو لندن «بى بى سى» أذاع خبر وفاة الزعيم مصطفى النحاس، بعد منتصف ليل يوم23 أغسطس 1965، ولذلك انتشر الخبر، عن طريق الاتصالات التليفونية بين الوفديين، ومن ثم بين المصريين، لتشهد شوارع القاهرة، جنازة تاريخية، بدون إعلام أو حشد ممنهج، وكانت جنازة تعبر تعبيرًا صادقًا عن حب المصريين للنحاس، الذى اختفى عن الأنظار لمدة وصلت إلى 13 عامًا.. وما لاحظه طلعت رسلان ولفت انتباهى إليه، هو أن هذه الحشود كانت عام 1965 فى عز مجد جمال عبدالناصر، وأوج شعبيته، وبالتالى كانت جنازة طبيعية، ولكنها عكست مدى احتياج المصريين لأيام النحاس وزعامته!

ولاحظ أن ذلك الوقت لم تكن فيه فضائيات أو إنترنت، ولم يكن يمكن معرفة الخبر إلا من خلال الإذاعة أو فى الصحف المطبوعة فى اليوم التالى، ورغم ذلك شارك الملايين فى الجنازة التاريخية.

ومن الحكايات المثيرة التى تم تداولها حول شغف وجنون المصريين بحب مصطفى النحاس ما نشره رئيس تحرير الجمهورية الأسبق الكاتب الصحفى مصطفى بهجت بدوى، فى منتصف السبعينيات، فى مقال بعنوان.. «رقصة النصر فوق جثمان النحاس»، تحدث فيه عن ثلاثة شخصيات مصرية مؤثرة فى التاريخ رحلوا فى شهر أغسطس، قائد الفدائيين فى حرب فلسطين، القائمقام أحمد عبدالعزيز، والزعيم سعد زغلول، ومصطفى النحاس باشا.. وقال فى مقاله المثير إن الحكومة أرادت أن تلغى تشييع جنازة النحاس باشا، بحجة المحافظة على الأمن، رغم أن آلاف الآلاف من الجماهير، احتشدت وسدت الطرق من جامع عمر مكرم إلى ميدان التحرير، وحتى جامع الحسين.. فنشأت معركة حقيقية، بغير مبرر، بين الشرطة وبين جماهير الشعب: أيهما يفوز بالجثمان.. وهل تستمر الجنازة أم تتبدد؟! وانتصر الشعب بطبيعة الحال، خُطف الجثمان والجماهير تهتف: «لا زعيم بعدك يا نحاس اشك لسعد الظلم يا نحاس.. والزعامة ماتت من بعدك يا نحاس».. حتى شوهد أحد البسطاء يرقص بجوار الجثمان فرحًا بخطف جسد الزعيم من الشرطه، وسيطرة الشعب عليه! هكذا كان النحاس.. مع الناس.. منذ مولده وحتى الممات! فقد خطف قلوب الناس فاختطفت القلوب والأيادى جثمانه لتشييعه بما يليق بمكانته.

ولأن النحاس كان يواجه كل المؤامرات الموجهة ضده بالعقل، صار زعيمًا ولم تتوقف شعبيته عن الصعود، وهذا سر الحشود فى جنازته.. قرأت منذ فترة، فى «اليوم السابع» حكاية مهمة تستحق القراءة، سردها الكاتب الكبير سعيد الشحات، قال فيها.. إن الأميرة «شويكار»، رفعت قضية عام 1920 ضد «القيم» لرفع الحجر عن شقيقها المصاب بحالة نفسية، ولم تسفر الدعوى عن شىء، فلجأت إلى مغامرة تهريبه من المستشفى إلى الأستانة، ورفعت وأمها الأميرة «نوجوان هانم» «دعوى أمام» مجلس البلاط كمؤسسة تنظر فى خلافات الأسرة المالكة، وتم توكيل ثلاثة محامين هم، مصطفى النحاس، ويصا واصف، وجعفر فخرى، مقابل 117 ألف جنيه، أتعاب فى حالة الحصول على قرار رفع الحجر، وعشرة آلاف جنيه فى حالة تقدير نفقة تصل إلى 22 ألف جنيه، وبدأت أولى الجولات أمام مجلس البلاط يوم 30 مارس 1927.. وتشاء الظروف أن يتم انتخاب مصطفى النحاس يوم 22 سبتمبر 1927 رئيسا للوفد خلفًا لسعد زغلول، وفى17 مارس 1928 شكل وزارته الأولى، ولكن فى يوم 22 يونيو 1928 خرجت الصحف التى تصدر فى المساء، وفى اليوم التالى ظهرت صحف «الاتحاد» و«الأخبار» و«السياسة» بمانشيتات عريضة هى «فضائح برلمانية خطيرة.. رئيس الوزراء «النحاس» ورئيس مجلس النواب «ويصا واصف» يستخدمان السلطتين التنفيذية والتشريعية لمصالحهما الذاتية، وتحت هذه المانشيتات نشرت صورة لعقد أتعاب المحامين بعد سرقته من منزل «جعفر فخرى بك» بالإسكندرية قبل ثلاثة أشهر والنصف.. ويؤكد صلاح عيسى فى كتابه «حكايات من دفتر الوطن» أن النحاس تقدم ببلاغ يتهم هذه الصحف بقذفه لأنها وصفته هو وزميليه بالمجرمين بالفطرة والنذالة، ورغم ذلك تم حفظ التحقيق، وأحيل المحامين الثلاثة إلى مجلس تأديب المحامين، لارتكابهم عشرة اتهامات، من بينها، المبالغة فى الأتعاب، وعدم قطع «النحاس» صلته بالقضية بعد رئاسته للحكومة، ومواصلة ويصا، مرافعته فيها وحدها رغم تركه الأشتغال بالمحاماة بعد انتخابه رئيسًا للنواب.

وأمام مجلس تأديب المحامين وفقًا لصلاح عيسى دارت «واحدة من أكثر المعارك القانونية ضراوة»، فند فيها خمسة من ألمع المحامين هم «نجيب الغرابلى» و«محمود بسيونى» و«كامل صدقى» و«حسين صبرى» و«مكرم عبيد» كل الاتهامات، ويؤكد «صبرى أبوالمجد» فى كتابه «سنوات ما قبل الثورة 1930-1952» أن دفاع مكرم عبيد كان فى 156 صفحة بالغة الروعة، وجاء فيها: «ليس للسياسة ضمير فى أى بلد من بلاد الله، أما فى مصر فليس للسياسة عقل أيضًا»، وأنهى مرافعته قائلًا: «اجتمعت فى هذه القضية كل عناصر الظلام بل وعناصر الإجرام، فمن سرقة إلى تزوير إلى شهادة الزور إلى شراء الذمم، إلى الدس والتلفيق وكنا فى كل ذلك مجنيًا علينا لا جناة، فقولوا كلمتكم حاسمة فاصلة فإن شعاعًا واحدًا من نوركم يكفى لتبديد كثيف الظلام وكلمة واحدة من عدالتكم أنفذ إلى الباطل من حد السهام»، ويؤكد «أبوالمجد»: «فى7 فبراير 1929» قضى مجلس التأديب بأن التهم التى أسندت إلى، النحاس، ويصا، فخرى، خالية من كل أساس».

هكذا كان «النحاس» حتى وهو رئيس للوزراء.. يواجه الدسائس والمؤامرات من أعدائه أعداء الأمة.. وحتى خلال جنازة رحيله.. أرادوا دفنه من سكات.. ولكن سيرته العطرة كانت على كل لسان مُحب لهذا الوطن.. فعاش النحاس زعيمًا ومات زعيمًا!!