رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مسودة «الأحوال الشخصية» للطوائف المسيحية.. ولادة متعثرة

جميل حليم
جميل حليم

تستيقظ من نومها فزعة فى منتصف الليل، تهرول ناحية غرفة أبنائها تجدهم فى سبات عميق، فتجلس تعيد ذكريات ثلاث سنوات مضت بعد أن هجرها زوجها تاركًا لها ولدين وابنة، دون عائل أو مبلغ شهري، أو على الأقل جدران تتحامى فيها من ذل الأيام.

قصة «م.ف» لا تختلف كثيرًا عن القصص التى يعاني منها منكوبو قانون الأحوال الشخصية المسيحية منذ تسع سنوات عندما ضيق البابا شنودة الثالث، عام 2008، أسباب الطلاق لعلتي الزنا وتغيير الملة فقط، بعد أن كانت لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس عام 1938 تسمح بالطلاق لتسعة أسباب وهي الزنا، وتغيير الدين، والغيبة، والسجن، والمرض المعدي أو الجنون، والتعدي بالضرب، وإساءة السلوك، واستحكام النفور، وترهبن أحد الزوجين.

وبلغت عدد قضايا طلاق الأقباط المنظورة أمام المحاكم حوالي 400 ألف حالة، وفقاً لتصريحات حركة «منكوبي الأحوال الشخصية المسيحية» وحازت الكنيسة الأرثوذوكسية على النسبة الأكبر من هذه القضايا بنحو 70%، وتختلف الطوائف المسيحية فى قضيتي الطلاق وتصريح الزواج الثاني، فالطائفة الكاثوليكية تتمسك بمبدأ لا طلاق على الإطلاق، بينما ترجع الطائفة الانجيلية الطلاق إلى علتي الزنا وتغيير الدين، وقد أضافت الكنيسة الأرثوذوكسية حديثًا مبدأ «الهجر» ثلاث سنوات لمن ليس له أولاد وخمس لمن ينجب، إلا أنه لم يعمل به حتى الآن.

وتتمسك كل طائفة بقانونها الخاص، وقامت الطوائف الثلاث «الانجيلية والأرثوذوكسية والكاثوليكية» بإرسال مسودة قانون أحوال شخصية خاص بها للحكومة، إلا أن المستشار مجدي العجاتي فى نهاية شهر يناير، قبل تركه للوزارة طالبهم بالالتزام بصيغة موحدة للقانون لكافة الطوائف، وهو ما اضطر الطوائف الثلاث إلى عقد اجتماعات ومشاورات للخروج بمسودة قانون موحدة.

ولم تسفر اجتماعات الطوائف المسيحية عن نتائج حتى الآن، وكانت الكنيسة الأرثوذوكسية والكاثوليكية والانجيلية، قد اجتمعت مرة واحده، بينما اجتمعت الطائفتان الارثوذوكسية والانجيلية معاً، دون توجيه الدعوة للطوائف الأخرى كالروم الأرثوذوكس والأسقفية والمارونية، مما أثار غضبهم.

يقول المستشار جميل حليم، الممثل القانوني للكنيسة الكاثوليكية، إن كنيسته عرضت على الطوائف الأخرى أن تحضر النقاشات حول مشروع قانون الأحوال الشخصية، إلا أنهم لم يلبوا الدعوة، مضيفًا: أى طائفة ترغب فى الاشتراك معنا فى المناقشات لن نمانع.

وأكد «حليم» أن مشروع القانون مازال أمامه الكثير حتى يتم تسليمه لأن الطوائف الثلاث لم تنته من نقاشاتها بعد ولم تتفق حتى الآن على مسودة نهائية ترضي جميع الطوائف، مبيناً أن الطائفتين الأرثوذوكسية والإنجيلية اجتمعتا معًا فى فبراير الماضي دون طائفته نظرًا لسفر الأنبا إبراهيم اسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك.

وقد قاربت الطائفتان الانجيلية والأرثوذوكسية على الانتهاء من الخروج بصيغة مسودة موحدة، نتيجة المشاورات المستمرة بين الطائفتين، وقال المستشار منصف سليمان، الممثل القانوني للكنيسة الأرثوذوكسية، إن المشاورات بين الكنيستين كانت ناجحة بنسبة 100% وكان هناك اتفاق شبه كامل بينهما، إلا أنه لن يتمكن من عرض نتائج الاجتماع إلا بعد مناقشة ما اتفقتا عليه مع الطائفية الكاثوليكية التى من المقرر أن يحددوا موعد لعقد اجتماع معها.

وأضاف: سيتم توجيه الدعوة لكافة الطوائف المسيحية وأخذ رأيها فى مسودة القانون ولكن بعدما تتفق الطوائف الثلاث أولاً على صيغة واحدة.

تأكيد المستشار منصف سليمان أن الأرثوذوكسية حريصة على مشاركة كافة الطوائف فى المناقشات، أتفق مع ما أوضحه المطران منير حنا، مطران الكنيسة الأسقفية، بأن البابا تواضروس الثاني، بابا الأقباط الأرثوذوكس، أبلغه عن رغبته لإدخال الطائفة الأسقفية فى مناقشات الطوائف الكنسية حول مسودة قانون موحد للأقباط، مضيفاً: ظروف سفري إلى شمال إفريقيا منعتني من التشاور مع الطوائف المسيحية الثلاث الأرثوذوكسية والإنجيلية والكاثوليك.

وأكد أن طائفته شاركت فى القانون الأول الذي وضعت بنوده عام 1998 وقت الراحل البابا شنودة الثالث، متابعًا أن وزير الدولة للشئون القانونية السابق طلب منه مسودة قانون خاصة بطائفته وأرسلها له، إلا أنه فوجئ عقب ذلك بالحديث عن مسودة موحدة.

وأشار إلى أن قانون الأحوال الشخصية بالطائفة الأسقفية ليس سارياً على الطائفة فى مصر فقط وإنما على الشرق الأوسط كله، لافتًا إلى انها متقاربة إلى حد كبير مع ما أقرته الكنيسة الأرثوذوكسية، كما أنها تتيح مبدأ الهجر ولكن لمدة ثلاث سنوات ولم يفرق بين من له أولاد من عدمه بخلاف الأرثوذوكسية التى تحدد ثلاثاً لمن لا أولاد له وخمساً لمن أنجب.

وتابع: كنيستنا تضع سبعة أسباب للطلاق منها الزنا وتغيير الدين والشذوذ الجنسي والامراض المعدية، والأمراض النفسية التى لا يمكن الشفاء منها، والسجن لمدة 15 سنة، وليس لدينا مشاكل فى الطلاق.

ويطمع منكوبو قانون الأحوال الشخصية فى أن تراعي الكنيسة أحوالهم وتتعامل معهم بمبدأ قول المسيح «تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وأنا أريحكم».

ويقول مجدي فهمي، أحد متضرري الأحوال الشخصية للطائفة الانجيلية، إن طائفته متعنتة معهم بشكل كبير فى توسيع أسباب الطلاق، ورفضت اعتبار الهجر من أسباب الطلاق مثلما فعلت الأرثوذوكسية.

ولفت إلى أن كل طائفة ترغب فى أن يكون لها باب خاص بها فى الأحوال الشخصية خاصة فى قضيتي الطلاق والزواج الثاني وكأنها ثلاثة أديان مختلفة عن بعضها وليست ديانة مسيحية واحدة، مطالبًا أن تقوم الدولة بوضع القانون بنفسها وأن يكون رأي الكنيسة استشارياً فقط.

وأضاف «فهمي»: «اعطوا مال الله لله ومال قيصر لقيصر» كفاية تعدي على سيادة

الدولة وقوانينها، الكنيسة دورها ديني ويجب عليها أن تعمل فى هذا الجانب وأن تبعد عن الجوانب المدنية وتتركها لأجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة التى يقع عليها جانب التشريع.

وهدد مجدي فهمي بأنه وكثيرون سيقومون بالطعن على دستورية قانون الأحوال الشخصية إذا لم تتفق الكنائس الثلاث على صيغة واحدة عادلة للجميع لا تميز بين مواطن مسيحي وآخر.

واتفق معه إسحق فرانسيس، منسق حركة صرخة للأحوال الشخصية، في أن ما يحل أزمة الأحوال الشخصية للأقباط أن يتم وضع بند الهجر واستحالة العشرة، لأن أكثر من 80% من أسباب الطلاق تعود إلى هذا البند، مبينًا أن وجود مشروع قانون جديد جيد جدًا إذا ما اتفقت الكنائس على مسودة موحده لا يتم التمييز فيها بين طائفة وأخرى بالإضافة إلى التركز على مبدأ الفصل فى العرض المدني.

واعتبر «فرنسيس» أن مشروع القانون الجديد فى «الإنعاش» نتيجة عدم اتفاق الثلاث طوائف على مسودة واحدة للقانون حتى الآن بالرغم من أنها اجتمعت معًا عدة مرات من أكثر من شهر ونصف الشهر، مؤكدًا أن حركته سيكون لها رد فعل قوي إذا لم تتفق الكنائس على مشروع قانون موحد لا يميز بين المسيحيين.

وكانت للجنة الدينية بمجلس النواب رأي آخر في ما يخص الأحوال الشخصية للأقليات الدينية، حيث اعتبرت أن الدولة تعترف بثلاث ديانات فقط، وهي الاسلام ويمثلها الأزهر الشريف، والمسيحية وتمثلها الكنيسة الأرثوذوكسية، واليهودية، التى لا تمثل سوى 12 شخصاً فقط، سيتم وضع مادة بالقانون أن تكون مرجعيتها وفقاً لشريعتها، وفقًا لقول محمد شعبان عضو اللجنة الدينية بالبرلمان.

وأكد «شعبان» أن المبدأ العام يشير إلى أن كل منشأة خاصة بأهلها وقياداتها، فالأزهر منوط به رعاية أبناء الدين الإسلامي مهما اختلفت مذاهبهم، سواء كانوا سُنة أو شيعة، كما أن جميع الطوائف المسيحية لابد لها أن تندرج تحت مظلة الكنيسة، وأن تعاملاتها الدينية يتم تشريعها بالتشاور مع الكنيسة.

وألمح «شعبان» إلى انه فيما يخص الطوائف الأخرى التى لا تعترف بها الكنسة أو لا تجعلها تحضر مشاوراتها ومناقشاتها حول مشروع القانون، فإنه سينطبق عليهم كل ما يأتي بالمسودة النهائية، قائلا: إذا كنت متمرداً علي القوانين أو تنتمي إلي طائفة أخرى غير معترف بها فأنت مواطن لك حقوق وعليك واجبات ولكنك في الأمور الدينية والشرعية ستخضع للكنيسة بإرادتك أو بحكم القانون ولن ندعم تمردك، وكل بلدان العالم تفعل ذلك، فدول أوروبا تمنع تعدد الزوجات بما يخالف الدين الإسلامي.

وأشار إلى أنه فيما يخص الأقليات الدينية الأخرى التى لا تعترف بها أى من الديانات الثلاث كـ«البهائية» فلابد أن تندرج تحت الأزهر أو الكنيسة وإلا فإنها ستكون كمن يرغب فى إقامة دولة جديدة داخل الدولة لا تعترف بالمؤسسات الرسمية بمصر، والمؤسسات الدينية الرسمية هى الأزهر والكنيسة، وغير ذلك يعتبر خروجاً على سيادة الدولة ومؤسساتها.

وفيما يخص الديانة اليهودية، أكد عضو اللجنة الدينية بمجلس النواب، أن الطائفة اليهودية عبارة عن 12 أو 14 شخصاً على الأكثر، وبالرغم من صغر عددهم إلا أن الدولة تحترمهم وتقدر شعائرهم، وكانت الطائفة قد طلبت بأن يأتى حاخام ليصلي صلاة الجنازة فى وفاة أحدهم ونفذت الدولة طلبهم على الفور.

وأضاف أن مشروع القانون مازال فى مرحلة النقاش، لافتًا إلى أن الأزهر والكنيسة لم يقوما حتى الآن بإرسال مسودة القانون الخاصة بهم، إلا أن اللجنة كانت قد عقدت عدداً من الاجتماعات مع علماء الأزهر وتمت مناقشة عدد كبير من مبادئ المسودة.