عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

طارق تهامى يكتب:قصة ثلاث سيدات تزعمن مظاهرات ثورة 1919

مظاهرة النساء في
مظاهرة النساء في الثورة

زعماء الثورة حذروا «صفية زغلول وهدى شعراوى وسيزا نبراوى» من «ألسنة الناس»!!

5 قيادات فقط وافقوا على خروج السيدات لمواجهة الإنجليز والرافضون وصفوا تظاهرات النساء بــ «العيب»

 

«كان الغرب ينظر للثورة التى اندلعت يوم 9 مارس 1919، مثلما، كان ومازال، ينظر إلينا دائماً، غير قادرين على حكم أنفسنا، ولا نستحق ذلك، ليطرح السؤال نفسه، أليس هذا العالم المتحضر الذى يحتفل هذا العام بيوم المرأة العالمى، هو نفسه الذى كان ينظر إلينا بازدراء، ولم يلحظ فى تحليله أن المرأة المصرية، وقتها، كانت تقود الثورة عندما يتم حبس الرجال.. والسؤال الحقيقى الذى يجب طرحه أيضاً هل تعمد الغرب تجاهل دور المرأة المصرية فى الثورة؟ وهل تعمد دعم قوى وتيارات ذات فكر منغلق حتى يهزم الثورة ويغلق الباب على إنجاز مهم حدث خلالها وهو خروج المرأة من البيت لتشارك فى ثورة الغضب لأول مرة فى تاريخ مصر؟»

كتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية وهى تصف ثورة 1919 فى تحليل تم نشره وقتها وتحديداً يوم 20 مارس 1919 «رد فعل شعبى واسع عبر عن نفسه بطريقة أو بأخرى بشكل سلمى، ربما لأنه لم يملك أسلحة التعبير الأخرى، لكنه قوبل فى النهاية برد فعل وحشى.. والسؤال المطروح لا يكمن فى هل يحق للمصريين أن يظفروا بحق تقرير المصير، وإنما هل فى مقدور المصريين أن يحكموا أنفسهم بمعزل عن أى مساعدة ربما يقدمها الإنجليز لهم؟ تجربة حكم الشعوب نفسها بنفسها نجحت فى بولندا والتشيك، لكن على العالم أن ينتظر نتيجتها فى أوكرانيا، وعليه أيضا أن ينتظر زمنا أطول ليرى مردودها فى مصر، ذلك لأنها لا تملك حكومة جيدة، كما أن سوء العناصر الحاكمة، وليس شيئاً غيرها، هى التى أوقعت البلاد تحت قبضة الاحتلال البريطانى.. وحكم الأمة يتطلب درجة أعلى من الوعى الذاتى والقدرة على حكم نفسها، وهى شروط لا تتوفر إلا من خلال طبيعة المثقفين وحجمهم فى أى أمة من الأمم».

لاحظ أن التحليل تجاهل دور المرأة فى الثورة، ولم يذكر ما قامت به صفية زغلول وهدى شعراوى وسيزا نبراوى، فى سابقة جعلت للمرأة المصرية دوراً فى المجتمع، لتنتقل منذ اندلاع ثورة 19 من تابع يترك العمل العام والوظائف للرجال، إلى شريك أساسى وأصلى لا يمكن الاستغناء عنه خلال مرحلة بناء المجتمع.

كانت صفية مصطفى فهمى التى ولدت فى عام 1878، من عائلة أرستقراطية معروفة، فهى ابنة «مصطفى فهمى» الذى تولى رئاسة وزراء مصر، وكان من أصل تركى، ولذلك كان غريباً أن يتقدم «سعد زغلول» ابن الفلاح المصرى لخطبة «صفية» بوساطة من صديقه «قاسم أمين».. وكانت المفاجأة هى موافقة صفية على الزواج من ابن الفلاح البسيط الذى أصبح بعد ذلك وزيرًا ثم نائباً برلمانياً فزعيماً للمصريين.

خاضت «صفية زغلول» رحلة كفاح ونضال وحياة غير تقليدية، مع زوجها، ووهبت وقتها وحياتها للنضال الوطنى الذى تزعمه فى البلاد.

بعد أن تم القبض على سعد، وتقرر نفيه إلى جزيرة سيشل طلبت «صفية زغلول» أن ترافق الزوج والمناضل فى منفاه، الحكومة البريطانية رفضت فى أول الأمر لكن عندما شعر الاحتلال الإنجليزى بخطورة وجود «صفية زغلول» بين صفوف المصريين تشجعهم وتحثهم على النضال من أجل الاستقلال‏، قرر الاحتلال أن يسمح لها بالسفر لمرافقة الزوج، وعندئذ رفضت وقررت البقاء بمصر لمواصلة النضال قائلة، «واجبى نحو بلادى أهم من واجبى نحو زوجى»، وأصدرت «صفية» بيانًا عقب نفى «سعد» قالت فيه، «إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعد، فإن شريكة حياته تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها فى نفس المكان الذى وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن»، وألقى هذا البيان فى مظاهرة فهتف أحد قادة المظاهرة «تحيا أم المصريين»، ومن يومها اكتسبت «صفية زغلول» لقب «أم المصريين».

لقد تحول بيت الزوجية الذى تحول اسمه إلى بيت الأمة إلى مصدر قلق للإنجليز بعد نفى سعد زغلول، لأن السيدة صفية فتحت أبوابه للثوار والمناضلين، وكانت البيانات والمنشورات يتم طباعتها فى المنزل، وكانت تنطلق منه المظاهرات العارمة لتجوب شوارع القاهرة.

ولبيت الأمة وتحوله إلى مركز للنضال بإرادة حديدية من صفية زغلول قصة مهمة يحكيها الكاتب رشاد كامل نقلاً عن وثائق المرحلة قائلاً: «واندلعت الثورة فى اليوم التالى مباشرة وعادت الروح إلى الأمة.. وبعد القبض على سعد زغلول قام «على شعراوى باشا» وكيل الوفد بدعوة باقى أعضاء الوفد لاجتماع طارئ يعقد فى بيته لبحث الموقف، وسمعت «صفية زغلول» بهذا الأمر وثارت ثورة عارمة واتصلت بعلى شعراوى باشا تليفونياً، فردت عليها زوجته «هدى شعراوى» فطلبت منها صفية التحدث إلى على شعراوى واندهشت بشدة «هدى شعراوى» فلم تكن التقاليد وقتها تسمح لسيدة متزوجة بأن تطلب التحدث مع رجل متزوج فى التليفون.. واستدعت «هدى شعراوى» زوجها للحديث مع «صفية زغلول» وقالت له بحسم وحزم: سمعت أنك ستعقد اجتماعاً للوفد فى بيتك! هذا الاجتماع يجب أن يعقد فى بيت «سعد»!

قال على شعراوى باشا متسائلاً: كيف نعقد الاجتماع فى بيت «سعد باشا» وهو غير موجود؟

ردت صفية دون تردد: إنه موجود وسوف يكون موجوداً ولو قتله الإنجليز، إن هذا ليس بيت «سعد» إنه بيت الأمة وقلعة الثورة.

رد على شعراوى باشا بقوله: لك حق، سنجيئ ونعقد الاجتماع فى بيت «سعد باشا» ولكنى أحب أن أحذرك فقد تتعرضين للمتاعب نتيجة لهذا.

قالت صفية زغلول: بعد أن أخذوه لم تعد لحياتى قيمة، قيمة حياتى وهو هنا.

وأمرت صفية بفتح أبواب بيت الأمة، وتخصيص كل غرفه للثورة.. وفى اليوم التالى اجتمعت صفية زغلول مع «هدى شعراوى» وحرم «محمد محمود باشا» وقالت هدى شعراوى هانم إنها قامت بكتابة برقيات احتجاج باسم سيدات مصر إلى زوجة المندوب السامى البريطانى، وإن زوجها «على شعراوى» رئيس الوفد بالنيابة أخذ البرقيات وعرضها فى اجتماع الوفد وعاد إليها متهلل الوجه قائلاً لها: لقد أعجب أعضاء الوفد ببرقيتك حتى إنهم قرروا حفظها فى محضر جلسة الوفد.

قالت «صفية» إن كتابة الاحتجاجات والبرقيات لا تكفى، يجب أن تخرج المرأة المصرية إلى الشارع، تخرج جميع النساء إلى الشوارع متظاهرات هاتفات بسقوط الاحتلال.

قالت حرم «محمد محمود باشا» بحماس: إننى لم أضع قدمى فى الشارع منذ كنت طفلة، ولكنى موافقة على الخروج إلى الشارع حتى لو ضربنا الإنجليز بالرصاص.. ردت السيدة «هدى شعراوى» مستغربة: يضربوننا بالرصاص!! لو قتلوا امرأة واحدة فسوف تلتهب مصر كلها.

قالت «صفية زغلول» وهذا ما نريده تماماً.. وبالفعل قادت صفية زغلول هذا الاتجاه بمساندة من صديقتها هدى شعراوى ومعها تلميذة هدى وقائدة المظاهرات النسائية سيزا نبراوى ليصبحن النساء الثلاثة قصة تستحق التسجيل والتوثيق فى زمن عادت فيه المرأة للخلف مرة أخرى!!

سرد الكاتب الكبير مصطفى أمين فى كتابه «من واحد لعشرة» قصة خروج السيدات فى مظاهرات لأول مرة قائلاً: ما كاد (على شعراوى باشا) يعرض الفكرة حتى ثار وهاج وماج كل الأعضاء ورفضوا خروج النساء فى مظاهرة، وكان من رأى الأغلبية أن هذا الفعل وقاحة وقلة حياء!! وكان من رأى الأقلية أنها مع تقديرها للوطنية التى أملت هذه الفكرة الجريئة، إلا أن الأغلبية العظمى للشعب تستنكر خروج النساء إلى الشوارع، وأن هذا سوف يقسم الرأى العام فى مسألة فرعية، بينما هو مُجمع لأول مرة على مسألة واحدة هى مسألة الاستقلال، فخروج النساء إلى الشوارع قد يجعل الإنجليز يتهمون الثورة بأنها تدعو إلى الخروج على الدين الإسلامى!!.. وبذلك تنفض أغلبية الشعب عن الثورة!

وكانت الأغلبية التى تعتبر خروج المرأة إلى الشارع وقاحة وقلة حياء مؤلفة من (على باشا شعراوى) نفسه، و(عبدالعزيز بك فهمى) و(محمد على علوبة) و(جورج بك خياط) و(حسين باشا واصف) و(عبدالخالق باشا مدكور) و(محمود

أبو النصر بك) و(عبداللطيف المكباتى بك)

وكانت الأقلية التى رفضت رفضاً دبلوماسياً خشية انقسام الأمة مؤلفة من (أحمد لطفى السيد بك) و(مصطفى النحاس بك) و(سينوت حنا بك) و(على ماهر بك) ودكتور (حافظ عفيفى)

وقال (عبدالعزيز بك فهمى) إننى أعجب أن سيدة عاقلة مثل (صفية هانم) تقترح خروج النساء إلى الشوارع !!

وقال (عبدالعزيز فهمى) إنه سيتصل بـ(صفية هانم) ويبلغها قرار الوفد بالإجماع بمنع مظاهرة النساء!!.. واتصل عبدالعزيز فهمى تليفونياً بصفية زغلول وأبلغها بأسلوب رقيق قرار الوفد: نحن نخشى أن تتبهدل السيدات!

فقالت صفية: أى بهدلة أكبر من بهدلة الإنجليز لمصر باحتلالها وقتل شبابها ونفى زعمائها!!

قال (عبدالعزيز فهمى): لو كان (سعد باشا) موجوداً لرفض أن تخرج السيدات الفضليات إلى الشوارع !

قالت (صفية) أبدا إن من رأى (سعد) أن ثورة لا تشترك فيها المرأة المصرية لا يمكن أن تنجح!!

 فقال (عبدالعزيز فهمى): إنه لم يقل لنا ذلك!!

قالت (صفية): ولكنه قال لى.

قال (عبدالعزيز فهمى): أخشى أن تفشل المظاهرة، إن بعض أصدقائى قرروا أنهم سيطلقون زوجاتهم إذا خرجن فى مثل هذه المظاهرة!

قالت (صفية): لن يجرؤ رجل أن يطلق زوجته لأنها تدافع عن شرف بلادها!

قال (عبدالعزيز فهمى): إنهم يخشون على مراكزهم فى البلد من ألسنة الناس!!

قالت: إن الرجل الذى يخشى من الألسنة، سوف يخشى أكثر مدافع الإنجليز، ومثل هؤلاء الرجال لا يحسب لهم حساب فى قيادة البلد!

وأنهى (عبدالعزيز فهمى) الحديث وهو يحاول جاهداً أن يمسك أعصابه ويقول: تأكدى أننى أحترم المرأة وأقدرها.

قالت له (صفية): لو كنت تحترم المرأة لما حاولت أن تحرمها من شرف الدفاع عن بلادها!!

المهم أن إرادة صفية وصديقاتها انتصرت وخرجت السيدات إلى المظاهرات، لتخرج بعدها المرأة المصرية إلى الحياة العامة والعمل بلا خجل فكان الخروج من باب الثورة الأعظم فى تاريخ مصر.

وصف المؤرخ عبد الرحمن الرافعى مشهد المظاهرة النسائية التى تحدث لأول مرة قائلاً: «خرجت المتظاهرات فى حشمة ووقار، وعددهن يربو على الثلاثمائة من كرام العائلات، وأعددن احتجاجاً مكتوباً ليقدمنه إلى معتمدى الدول، طالبن فيه بإبلاغ احتجاجهن على الأعمال الوحشية، التى قوبلت بها الأمة المصرية، ولكن الجنود الإنجليز لم يمكِّنوا موكبهن من العبور، فحين وصلت المتظاهرات إلى شارع سعد زغلول (ضريح سعد زغلول حالياً)، قاصدات بيت الأمة ضربوا نطاقاً حولهن ومنعوهن من السير، وسددوا حرابهم إلى صدورهن، وبقين هكذا مدة ساعتين تحت وهج الشمس الحارقة، بل تقدمت هدى شعراوى وهى تحمل العلم المصرى إلى جندى، وقالت له بالإنجليزية «نحن لا نهاب الموت، أطلق بندقيتك إلى صدرى لتجعلنى مس كافيل أخرى»، فخجل الجندى، وتنحى للسيدات عن الطريق وجعلهن يعبرن.. و«مس كافيل» ممرضة إنجليزية، أسرها الألمان فى الحرب العالمية الأولى وأعدموها رمياً بالرصاص، وكان لمقتلها ضجة كبيرة فى العالم.

ظهرت المشاركة الإيجابية النسائية فى صورة لم يعتدها المجتمع، بخروجهن لأول مرة فى المظاهرات الحاشدة والمنظمة إلى الشوارع فى ثورة 1919، وكانت أول شهيدتين فى هذه الثورة السيدتين «حميدة خليل» و«شفيقة محمد». وفى عام 1920 تم تشكيل لجنة الوفد المركزية للسيدات، نسبة لحزب الوفد بزعامة سعد زغلول، وانتخبت السيدة هدى شعراوى رئيساً لها.

لاحظ أننا تحدثنا كثيراً عن هدى شعراوى صديقة صفية زغلول، وهى رفيقة نضالها، وكان لها دور كبير فى الثورة، وبعدها، فهى نصيرة المرأة الأولى وكانت منذ صغرها تعرف حقوقها ولها قصة طريفة تؤكد أنها تبحث عن حقوق المرأة من صغرها، فهى من مواليد 1879 واسمها الأصلى نور الهدى محمد سلطان، ولدت فى المنيا وهى ابنة محمد سلطان باشا، رئيس المجلس النيابى الأول فى مصر فى عهد الخديوى توفيق، وقد توفى فى وقت مبكر من حياتها، إذ كانت طفلة صغيرة دون التاسعة من عمرها، وتولى ابن عمها والوصى عليها «على باشا شعراوى» تربيتها ورعايتها، ثم طلبها للزواج، وكان متزوجاً، ووافقت هدى بعد إلحاح من أمها بشرط أن تكون وحدها فى عصمته، وأن يتم النص على هذا الشرط فى وثيقة الزواج، فكانت هدى شعراوى رائدة فى تطبيق شرط موافقة الزوجة على اقتران زوجها بغيرها.

كان يوم 16 مارس سنة 1919 بداية نشاط هدى شعراوى السياسى عندما خرجت على رأس مظاهرة نسائية من 300 سيدة مصرية للمناداة بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، وخرجت لتواجه لتحد فوهة بندقية جند بريطانى، وشهد هذا اليوم التاريخى استشهاد أول شهيدة للحركة النسائية، والتى أشعلت حماس بعض نساء الطبقات الراقية التى خرجن فى مسيرة ضخمة رافعات شعار الهلال والصليب دليلاً على الوحدة الوطنية، وينددن بالاحتلال وتوجهت هذه المسيرة إلى بيت الأمة، ومنذ ذلك التاريخ والمرأة المصرية تحتفل بالسادس عشر من مارس، بعد اختياره ليكون يوماً للمرأة المصرية.

 ساهمت هدى شعراوى فى إنشاء مبرة محمد على لمساعدة أطفال المرضى سنة 1909، ولم تكن قد تجاوزت الثلاثين، كانت من أولى المساهمات فى تشكيل اتحاد المرأة المصرية المتعلمة عام 1914، كما أسست لجنة تحت اسم جمعية الرقى الأدبى للسيدات فى إبريل سنة 1914.

أما سيزا نبراوى فقد سارت على خطى صديقتها الأكبر سناً هدى شعراوى فتقدمت معها صفوف المظاهرات النسائية فى ثورة 1919، وكانتا أول من طالبا بتحرير المرأة.