عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سعد الدين وهبة.. قائد معركة مناهضة التطبيع الثقافي

الكاتب والصحفى الكبير
الكاتب والصحفى الكبير الراحل سعدالدين وهبة

كان عمره لم يتجاوز التسعة عشر عامًا، عندما قرأ فى الصحف خبر القبض على رياض الصلح، وشكرى القوتلي، فى لبنان وسوريا، من قِبل القوات الفرنسية، فخرج مع عدد من زملائه فى المدرسة بتظاهرة اعتراضًا على ما قرأه، وما هى إلا لحظات حتى ألقت الشرطة القبض عليهم، وأودعتهم السجن، ثم استدعت والده، وعندما التقى به سأله: «من هو رياض الصلح؟ قريبنا؟.. وشكرى القوتلى، أهو نسيبنا؟»، فأجابه بالنفى قائلًا: «أليسا زعيمين عربيين، أليس الجيش الفرنسى قوة أجنبية؟».. كان هذا الموقف الوطنى ليس إلا بداية لتاريخ طويل من نضال الكاتب والصحفى الكبير الراحل سعدالدين وهبة، الذى وقف بكل صلابة وشموخ ضد كافة أشكال التطبيع الثقافى والفنى مع الكيان الصهيوني.

ولد «وهبة» فى قرية «الدميرة» التابعة لمحافظة الدقهلية، فى الرابع من فبراير من عام 1925، وتخرج فى كلية الشرطة، التى أصر والده على إلحاقه بها، ثم التحق بعدها بكلية الآداب، قسم فلسفة، ويذكر أنه خلال الفترة التى عمل فيها ضابطًا تقدم بطلب لوزير الداخلية حينها، فؤاد سراج الدين، لنقله إلى بورسعيد، للمشاركة فى الحركة الفدائية التى بدأت عقب إلغاء معاهدة 1936، وقضى شهرين يعمل بـ«البوليس» نهارًا، وفى الحركة الفدائية ليلًا.

فى سبتمبر 1954 نُقِل إلى القاهرة إثر أزمة سياسية، وكان لم ينته بعد من دراسته فى كلية الآداب، فلم يدخل الامتحان مع أبناء دفعته وتخرج فى العام التالى 1956، حيث قدم استقالته من البوليس، وتفرغ لـ«صاحبة الجلالة» التى كان قد بدأ العمل بها فى ديسمبر 1955.

فى عام 1959 تم تعيين «وهبة» سكرتيرًا لتحرير جريدة الجمهورية، ثم مديرًا لتحرير مجلة الإذاعة، ثم مديرًا لتحرير الجمهورية من يونيو 1961 حتى 5 سبتمبر 1964.

وعلى الرغم من وجوده فى منصب وكيل أول وزارة الثقافة، عندما تسلم الراحل يوسف السباعى ولايتها، إلا أن علاقته بالرئيس الراحل أنور السادات، كان يشوبها شىء من «التوجس»، نظرًا للعلاقة التى ربطت «وهبة» بعدد من أعضاء مجلس الثورة، الذين يعتبرهم «السادات» أعداءً له، وفى مقدمتهم: «زكريا محيى الدين، وصلاح سالم، وجمال سالم»، وهو ما أكده الرئيس الراحل لـ«السباعي» صراحةً قائلًا: «سعد وهبة عليه علامات استفهام كبيرة قوي، مش بتاعنا لكن مش قادر أمسك عليه حاجة».

لم يستطع «وهبة» أن يتمالك نفسه، وتساقطت دموعه بغزارة عندما علم بزيارة «السادات» لمدينة القدس، ووصل الأمر إلى أنه رفض مقابلة الوفد الإسرائيلى الذى زار القاهرة إبان اتفاقية «كامب ديفيد»، معلنًا عن رفضه التام لما أسماه بـ«إدخال إسرائيل فى جسد الأمة العربية» من خلال «التطبيع».

كان أول قرار اتخذه حينما انتخب نقيبًا للسينمائيين ورئيسًا لاتحاد النقابات الفنية لدورتين متتاليتين من 1979 حتى 1988، هو مقاطعة أى عضو يسافر إلى إسرائيل أو يتعاون معهم، حتى مجرد الذهاب إلى غزة أو أريحا اعتبره

مسألة محفوفة بالمخاطر.

انتخب «وهبة» بعدها عضوًا بمجلس الشعب عن الدائرة الخامسة «وسط القاهرة» 1984 وأعيد انتخابه فى 1987، ثم أسس الاتحاد العام للفنانين العرب وأنتخب رئيسًا له منذ 1986، وأنتخب رئيسًا لاتحاد كتاب مصر.

واختير الراحل رئيساً لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 1985، الذى بدأ فعالياته بعد حرب أكتوبر بثلاث سنوات، وبالتحديد فى 16 أغسطس 1976 على يد الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين برئاسة كمال الملاخ، الذى نجح فى إدارة هذا المهرجان لمدة سبع سنوات حتى عام 1983، ثم شكلت لجنة من وزارة الثقافة للإشراف على المهرجان عام 1985، وتولى مسئوليته سعدالدين وهبة، وينسب له فضل كبير فى احتلال مهرجان القاهرة مكانة عالمية.

قدم خلال مسيرته أعمالًا تعتبر من علامات السينما والمسرح والتليفزيون، فقد كتب السيناريو والحوار لعدد من الأعمال السينمائية منها: زقاق المدق، وأدهم الشرقاوي، والحرام، ومراتى مدير عام، والزوجة رقم 13، وأرض النفاق، وأبى فوق الشجرة، وغيرها.

كما قدم للمسرح عدداً من المسرحيات من أهمها: المحروسة، والسبنسة، وكوبرى الناموس، وسكة السلامة، وغيرها.

فى 11 نوفمبر 1997 زفت الإذاعة الإسرائيلية خبرًا سارًا لأصدقائها وأعوانها، صادمًا لرافضى التطبيع مع الكيان الصهيوني: «لقد رحل الكاتب المصرى والمسرحى سعدالدين وهبة، الذى كان يمنع دائمًا أن يستمتع الشعب المصرى بتكنولوجيا الفن الإسرائيلي، ودرجة الإبهار العالية للسينما الإسرائيلية، وكثيراً ما وقف فى وجه السينمائيين الإسرائيليين، وأعلن ذلك بوضوح من خلال مقالاته، وكتاباته الصحفية فى الصحف المصرية والعربية، وبات من المؤكد أن تشارك السينما الإسرائيلية فى فاعليات مهرجان القاهرة السينمائي، إن لم يكن فى دورته الحالية، فعلى الأقل سيكون فى الدورة القادمة، فالأصدقاء ما زالوا على قيد الحياة».

رحل عنا بجسده مناهض التطبيع، العربى بالسليقة، سعدالدين وهبة، تاركًا خلفه تاريخًا من العطاء، ومسيرة زاخرة من الأعمال الأدبية والفكرية، لتبقى سيرته العطرة عالقة فى الأذهان والقلوب.