رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

انتحار امرأة يكشف أسرار العالم الغامض للمتطرفين اليهود فى إسرائيل

بوابة الوفد الإلكترونية

التطرف الدينى الذى يعيشه العالم اليوم ليس صناعة إسلامية كما يروج البعض.. فالتعصب موجود فى كل الديانات السماوية وليس ظاهرة حاضرة فلها جذور ممتدة عبر مئات السنين حيث واجهته أوربا فى مطلع العصر الحديث مع ظهور البروتستانتية، عندما شهد القرن السادس عشر تعصباً كاثوليكياً ضد البروتستانت، وقد ظل هذا التعصب الدموى بين الديانتين طوال القرن السادس عشر.. وكان هذا بمثابة بداية للتعصب الدينى فى العالم بما فيه العالم الإسلامى لاحقاً.. وأشد أنواع التطرف هو الذى نجده فى اسرائيل.. فالتعصب الدينى نشأ عند اليهود كرد فعل على التحولات الثقافية والعلمانية وظاهرة التحرر فى أوروبا الغربية التى دفعت الكثير من اليهود إلى الخروج من مجتمعاتهم والانصهار داخل المجتمعات فى الدول التى يعيشون فيها، ونتيجة لذلك قرر الكثير من اليهود اعتناق الديانة المسيحية ومن ثم شعر اليهود المتدينون «الأرثوذكس» بأنهم مهددون وسعوا إلى حماية أنفسهم منها. وفى هذا السياق التاريخى تأسست حركة «أجودات يسرائيل» فى أوروبا والتى ما زالت قائمة وتنشط بين الحريديم «المتدينين» فى إسرائيل حتى يومنا هذا.

وهذه الأيام يشهد الشارع الإسرائيلى عاصفة هزت أركان المجتمع كله حيث استيقظ الإسرائيليون على خبر انتحار امرأة تنتمى الى العالم المتدين وبالأخص تنتمى إلى جماعة «حسيدوت جور» وهى أشهر الجماعات المتشددة فى إسرائيل. الخبر الذى حظى باهتمام كل وسائل الإعلام الإسرائيلية المرئية والمكتوبة والمسموعة حيث كشف انتحار تلك السيدة أسرارًا غريبة تحيط بعالم المتطرفين اليهود تعيشه آلاف النساء فى إسرائيل.

إستر فاينشطاين يهودية فى الخمسين من عمرها.. منشقة عن العالم الحريدى.. أم لسبع بنات.. وُجدت ميتة داخل سيارتها على شاطئ البحر، بعد ستّة أيام من اختفائها. وتقول صحيفة هاآرتس الإسرائيلية إن إستر شعرت أنها غير قادرة على احتمال الواقع الذى تعيش فيه، فقررت قبل ثمانى سنوات ترك نمط حياتها الدينى ففرّت من زوجها وأسرتها . وفى المقابل قطعت أسرتها، بما فى ذلك بناتها وأحفادها، العلاقة معها.

وأشارت هاآرتس الإسرائيلية إلى أن نمط الحياة فى المكان الذى هربت منه «فاينشطاين» بعيد جدا عن عالم معظم الإسرائيليين الذين نراهم فى منتهى التحرر. وتضيف هاآرتس أن جماعة «حسيدوت جور» التى تنتمى إليها «فاينشطاين» هى إحدى المجموعات الأكثر تطرفا من الناحية الدينية داخل المجتمع اليهودى الحريدى «المتدين» . وتُعرف هذه الجماعة برموز سلوكها الخاصة، التى تشدد أكثر مما تطلبه الشريعة اليهودية، وخصوصا فى مجال الزوجية والحياة الجنسية. هذه الجماعة تعمل على قمع الحياة الجنسية وترى أنّ حبّ الله وحبّ المرأة لا يمكن أن يسيرا جنبا إلى جنب، وأن هناك منافسة مستمرة بين الحياة الروحانية والجنسية، ولذلك يجب القضاء على الحياة الجنسية.

الزهد الجنسى عند الحسيديم

كشفت هاآرتس أن هذا العالم يكتنفه الغموض وله قوانينه الخاصة التى تنتقل من الفم للأذن ولا تُكتب أبدا.. الرجل الذى يتبع التيار «الحسيدى» لا يصح أن يمشى بجانب زوجته فى الشارع ولكنه يجب أن يسبقها على الأقل بمائة متر..ولا يحدثها فى الطريق وهناك نكتة إسرائيلية تسخر من هذا الواقع «حسيدى التقى بآخر فى الشارع فقال له رأيت زوجتك البارحة تسير فى الطريق بعدما قابلتك بحوالى عشر دقائق.. فرد عليه «الحسيدى» نعم كنا ذاهبين للتنزه سويا» وهذه النكتة تكشف كيف يحرم على «الحسيدى» السير بجانب زوجته فى الطريق حتى عندما يقررا الخروج للتنزه فى أحد الأماكن العامة.

ونقلت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عن إحدى النساء المنشقات عن العالم «الحسيدى» وكشفت بعض الأسرار عن علاقة الرجل بزوجته داخل هذا العالم الغريب.. حيث يحرم على «الحسيدى» أن يلمس زوجته أبدا داخل البيت أو خارجه وأن يجلس إلى جانبها أيضا سواء فى البيت أو حتى فى وسائل المواصلات أو الحدائق العامة.. وممنوع أن يأكل «الحسيدى» فى نفس الطبق مع زوجته أو يشرب من نفس الكوب.. وحرام أن يرى أحد الزوجين الآخر دون ملابس كاملة.. ممنوع أن يناما سويا فى نفس السرير واذا ناما فى حجرة واحدة يجب أن تكون الأسرة منفصلة وتبعد عن بعضها بحوالى  متر ونصف المتر.

وتضيف هاآرتس أن الزوح «الحسيدى» يحرم عليه تبادل الأغراض من يد زوجته مباشرة بمعنى أنه يجب أن يكون هناك طرف ثالث يعمل عمل الوسيط بين الزوجين ولتكن أخت الزوج الصغرى مثلا أو تضع الزوجة الغرض على منضدة ثم يمد الزوج يده يأخذه بعد ذلك.

أما بالنسبة للعلاقة الحميمية بين الزوجين فهى رهن أوامر الحاخام وليس وفقا لرغبة الزوجين. حيث يحدث اللقاء الجنسى بينهم مرة أو مرتين فى الشهر على الأكثر.. ويحرم على الزوجين ممارسة الجنس نهارا بل ليلا وبشرط أن تكون حجرة النوم مظلمة ظلامًا دامسًا حتى لا يرى أحدهما الآخر.. وبعد الولادة تنقطع العلاقة بين الزوجين لمدة عام كامل حيث يحرم على الزوج لمس زوجته خلال هذا العام.

وتقول صحيفة معاريف الإسرائيلية إن فاينشطاين كتبت يوميات كشفت فيها ما يحدث داخل هذا المجتمع المغلق ونُشرت مقتطفات تقشعرّ لها الأبدان ومنها «لا يمارس أتباع حسيدوت جور الجنس فى الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. يحدّد الحاخام عدد المرات التى تُمارس فيها العلاقات الجنسية والتواريخ... لا يكفى أنه طوال فترة الدورة يجب التقليل قدر الإمكان من الحديث مع الزوج، أيضا يحظر النظر إليه مباشرة بنظرات قد تثير لديه لا سمح الله الشهوة بـ «أشياء محظورة»، وبالتأكيد ألا تظهرى جميلة وجذابة أمامه».

وتضيف معاريف أن «فاينشطاين» تزوجت بعد أن التقت مع زوجها مرة واحدة فقط.. وبعد الزواج ناداها زوجها «تعالى للحظة»، أو «أخبرينى»، ولم يدعوها باسمها الشخصى أبدا. وتجرأت «فاينشطاين»، التى كانت شابة صغيرة ومتعطّشة للحميمية والحبّ لمرة واحدة على أن تطلب من زوجها أن يقيما علاقة جنسية أكثر من الوتيرة المسموحة التى يحددها الحاخام بمرتين فى الشهر- لم يعرف زوجها ماذا يجيب، واتصل بحاخامه ليتشاور معه فى الموضوع.. وعندما عاد كانت إجابته: «لن نمارس أكثر مما حدّده الحاخام بمرتين فى الشهر وقد فعلنا ذلك مرتين فى الشهر! ولذلك قال الحاخام، إنّنا لن نقوم بذلك مجددا هذا الشهر، وأضاف :وأمر بأنّك إذا قبلتِ كلامي، فهذا عظيم! وإن لم تقبلى - سأذهب لأنام فى غرفة الجلوس، وإذا كان ذلك أيضًا لا يساعد وواصلتِ إصرارك، فقد أفتى الحاخام بأن أذهب للنوم فى الكنيس! تصبحين على خير!». وفى تلك الليلة لم تنم «فاينشطاين»، لأنها بكت طوال الليل.

وتكشف يوميات «فاينشطاين» فى أحد المقتطفات فى يومياتها الحالة الشعورية الناجمة عن نمط الحياة الشديد فى

هذا المجتمَع الحريدى المغلق وتقول : «الخوف.. الخوف يسيطر على أفكار من يعيش حياة مغلقة داخل مجتمع يحظر فيه على الفرد أن يختار، أن يقرّر بل وحتى أن يفهم الأمور بطريقة خاصة به، لأنّه فى اللحظة التى تبدأ فيها بالتساؤل، فإنّك تشعر بالذعر بشدّة، وتضع فورا هذه الأسئلة داخل صندوق أسود وتدفعها إلى الداخل، وتخفيها وراء قناع الابتسامة».

وكشفت تقارير إسرائيلية أن سكان إسرائيل العلمانيين يكنون الكراهية «للسود» أكثر من أى شىء آخر والحديث هنا ليس عن لون البشرة الأسود بل عن الذين يرتدون السروال الأسود والقبعة السوداء والمعطف الأسود « الحريديم» ويقول الإسرائيليون إنهم عالة على الدولة ولا يخدمون فى الجيش ويتكاثرون مثل الأرانب. وهم يفضلون العيش فى القدس والحى المفضل لديهم فيها، «ميئا شعارى».

فى مدخل الحى توجد يافطة تطلب من السياح باللغتين الإنجليزية والروسية عدم المس بشعور سكان الحى والدخول إليه بملابس متواضعة ومحتشمة. ويمنع سكان الحى وسائط النقل من التجول فيه يوم السبت.

فى الفترة الأخيرة زاد انتشار «الحريديم» فى القدس وهو ما دفع سكان المدينة العلمانيين للقول إنها «اسودت». ويعيش الحريديم الروس بشكل أساسى فى حى راموت بالقدس. ويبدو لزائر المدينة فى البداية أن جميع السكان يرتدون «زيا موحدا» ولكن فى الواقع هناك يعيش ممثلو الكثير من التيارات والحركات والاتجاهات الدينية. ولكل منها «ملابسها» الخاصة ولذلك يمكن القول إن قواعد اللباس« dress code» تعتبر من أهم عناصر الحياة الإسرائيلية. وهذا لا ينطبق على «الحريديم» فقط بل على الكثيرين ولكنه يمس هذه المجموعة بشكل خاص. هناك أيضا جماعة «تولدوت هارون» الذين يرتدون الرداء المخطط وهناك أتباع الحركة «الحسيدية» بقبعاتهم المستديرة وهناك أيضا يهود ليتوانيا (يستخدم هذا المصطلح أحيانا لتغطية جميع اليهود الأرثوذكس الذين ينتمون إلى «ليتوانيا» من الاشكناز وغير «الحسيدية»  فى أسلوب الحياة والتعلم) الذين يرتدون قبعات بورسالينو. فى القدس الملابس تدل على صاحبها على الفور.

و«الحسيدية» هى «حسيدوت» بالعبرية، مصطلح مشتق من كلمة «حسيد» أى «تقي» وهناك ما يفسرها على أنها تعنى «المريد» و«الحسيدوت» هى مذهب صوفى تأثر بـ«القابالاه» وتعنى الفلسفة الصوفية اليهودية التى سيطرت على الحياة اليهودية فى أوروبا فى القرن السادس عشر. وتحث «الحسيدية» اتباعها على البحث عن كل وسيلة للالتحام والالتصاق بالخالق، بل والتوحد معه، أو ما يطلق عليه بالعبرية «دفيكوتس، حتى يصل» المؤمن إلى القوة الروحية الكامنة، وذلك عبر حب الإله والثقة به وهجر الحزن والخوف. ونشأت «الحسيدية» بالأساس رداً على التشدد الذى أبدته المرجعيات الدينية لليهود فى أوروبا الشرقية، التى تطرفت فى إجبار أتباعها على تخصيص أوقات كثيرة لدراسة العلوم الدينية بالإضافة إلى الحث على تهذيب النفس بالصوم والعبادات، وهو ما دفع الحاخام إسرائيل اليعازر، الذى كان يطلق عليه «إسرائيل بعل شمطوف» إلى رفض هذه الدعوات، حيث أخذ يحث على عدم الزهد والصيام، باعتبار أنها مجلبة للحزن؛ فى حين أنه رأى فى الخلاص خلاصاً فردياً وأن الخلاص الجماعى لا يمكن أن يتحقق إلا فى آخر الزمان .

وترى «الحسيدية» أن التبحر فى علوم الدين يجب أن يقتصر على الحاخامات دون عامة اليهود، كما أنها كانت تقلل من أهمية التعليم الديني. وتُعد «الحسيدية» إطاراً فضفاضاً يضم داخله العديد من الجماعات «الحسيدية» التى تربط أتباعها بشكل تنظيمى متين، ويقف على رأس كل جماعة حاخام كبير يطلق عليه «أدمور»، وهذا المصطلح يمثل اختصاراً لثلاث كلمات باللغة العبرية: أدونينو (سيدنا)، مورينو (معلمنا)، رابينو (حاخامنا) ويطلق على هذا الحاخام أيضاً "تسديك"، وهى بالعبرية تعنى «الصديق».

وأشهر الجماعات «الحسيدية» فى إسرائيل هى حسيدوت «جور»، التى هاجر أعضاؤها من بولندا، حيث جرت العادة أن يقف ممثل هذه الجماعة على رأس القوى التى تمثل «الحسيدية» فى إسرائيل وثانى أهم هذه الجماعات هى حسيدوت «حباد»، وتعتبر أكثر الجماعات «الحسيدية» والحريدية تطرفاً فى مواقفها من الصراع مع العرب، وهى أحرص الجماعات الحريدية على التعاون مع الحركة الصهيونية. وقد تبنى مؤسس الجماعة الحاخام ميلوفافيتش المواقف الأكثر تطرفاً من الصراع العربى الإسرائيلى، فقد أفتى أثناء حرب العام 1973 بضرورة أن يواصل الجيش الإسرائيلى التقدم حتى يصل للقاهرة، كما أنه اشتهر بفتاواه التى تحث على عدم التنازل ولو عن سنتيمتر واحد من الأراضى العربية التى احتلت عام 1967.

 

هيام سليمان