رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الشيطانة

بوابة الوفد الإلكترونية

التقط كفها بين يديه فى لهفة وشوق واضحين، ثم أغلق الباب خلفه فى حذر.. ولم يكد يفعل حتى جذبها إليه وضمها إلى صدره هامسا:

- أوحشتنى كثيرا.

جفلت  بين ذراعيه لثوان ثم ابتعدت عنه فى بطء وحزم معا، وقالت وسط دهشته:

- "عادل"، لابد وأن نجد حلا لما نحن فيه.

جلس على أقرب كرسى له، ومط شفتيه فى ضجر، قائلا:

- وهل لديك حل لمشكلتنا يا ”هند”؟

اومأت برأسها وقالت بسرعة:

- نعم.. لقد فكرت فى أن أطلب الطلاق.

رفع حاجبه فى دهشة ساخرة وفغر فاه فى ابتسامة جانبية مستهزئة وقال:

- حقا؟! وهل تظنين يا حبيبتى أن زوجك سوف يطلقك بتلك البساطة.. وإذا فعل، فهل ترين عندئذ أن بإمكاننا الزواج؟

صمت لحظات يزدرد لعابه بينما حاولت هى أن تجيبه فأشار إليها مقاطعا:

- لو أننا تزوجنا فسوف يفتضح سرنا وسوف يفهم تلقائيا أنك طلبت الطلاق حتى تتزوجى بى.. ثم...

ثم إن حاولنا الزواج سرا وافتضحنا لأى سبب فإن زوجك وقتها لن يغفر لك أنك قد خنته ومع من... مع... أخيه..

ولن يتورع لحظتها عن قتلى وقتلك.

برقت عيناها بوميض غامض عندما نطق حروف كلماته الأخيرة، ورددت كفحيح أفعى:

- قتلى وقتلك.......

* * *

لست غبيًا، لكننى أحاول تكذيب عينى وإحساسى، كم تمنيت لو كنت مخطئا فى ظنى، فما أراه من نظرات عيونهما المشتاقة وابتساماتها المريبة أكبر من قدرتى كرجل على التحمل..

أحبها.. ربما.. لكن ما فعلته وتفعله بى كفيل بخنق الحب بين ضلوعى.

ورغم ذلك كله أنتظر أن أرى ما يجعل ظنى يقينا.. وعندئذ...

- أحضرى الماء يا «هند».

انتزعه نداء أمه لزوجته  من شروده فتابعت عينه تلك الأخيرة وقد انتفضت ذاهبة حيث المطبخ لتحضر الماء.

كاد يعود إلى تناول الطعام  لولا أن لمح أخاه ينهض عن المائدة ويتجه فى حذر صوب المطبخ مستغلا انشغال العائلة فى طعامهم .

سقط قلب “عصام” بين قدميه... ها قد حانت اللحظة التى طالما انتظرها.

وبحذر ربما أشد من حذر أخيه.. انسل من بين الجالسين متجها نحو المطبخ على أطراف أصابع قدميه وكلما اقترب ازداد وشيج قلبه.

حتى صار فى مواجهة المطبخ تماما... اقترب أكثر.. اقترب...

وارتد كأن صاعقا أصاب جسده.. دفن وجهه بين كفيه وكأنه يدفن بينهما ذلك المشهد الذى أذل كبرياءه .

ها هى الخائنة تسكن بين ذراعى أخيه فى شوق.

ربما خشي  أن ترى عيناه ما هو أكثر، فأسرع يقتحم المكان هاتفا:

- ما الذى يحدث هنا؟

انتفض كلاهما فى فزع وأسرعت هى تبتعد عن ذراعى أخيه وتقف بعيدا قائلة فى ارتباك لا يخلو من خوف:

- لقد.. لقد شعرت بدوار وكدت أسقط على الأرض فساعدنى أخوك و.....

لم تستطع أن تكمل فقد كانت نظرات زوجها الحادة كفيلة بأن تخرسها، بينما وقف “عادل” محاولا تمالك نفسه واستعادة ثباته مرددا فى تلعثم وعيناه تهربان من محيط عينى أخيه:

- ه.. هذا ما حدث بالفعل.....

جذب “عصام “ زوجته من ذراعها قائلا فى عنف:

- اصعدى إلى شقتنا .

قالها وتحولت عيناه إلى أخيه فى نظرة تحمل من الصدمة واللوم مثلما تحمل من الحزن والقسوة.

أسرع “عادل” يغادر المكان هربا من نظرات أخيه الحارقة، بينما لحق “عصام” بزوجته والشرر يتطاير من عينيه.

* * *

صفعات متتالية قاسية حملت كل غضبه وغله .. هكذا كان رده عليها.

صرخت.. حاولت أن تبرر من بين صراخها.. أن تثنيه عما يفعل بأسباب واهية.. لكن غضبه كان أقوى من كل محاولاتها.

استعاد غضبه ذلك المشهد ثانية فانهالت يداه تضربان جسدها فى كل موضع وكأنه يضرب كل لمسة ذاقتها من جسد أخيه.

واخيرا سقطت على الأرض وتوقف هو ليلتقط أنفاسه.. ثم لم يلبث أن قال فى انهيار لم تغادره قسوة:

- ماذا يمنعنى عن قتلك ومحو عارى بيدى؟

انتفضت عندما سمعته وقالت فى وهن:

- اقسم لك إنك قد فهمت الأمر خطأ و....

قاطعها فى عنف:

- كفاك كذبا أيتها الساقطة.. فإن رجلا غيرى لن يتردد عن قتلك لحظة..لكن..

أطرق لحظة بينما تعلق قلبها بكلمته وقد عاد الأمل إليها، فاستدرك قائلا:

- لكن قتلك لن يمحو العار عن عائلتى.. فإن من خنتنى معه ليس غريبا.. إنه أخى .. أخى.. فهل أقتل أخى لأمحو عارى تماماً.. أنا لا أستطيع أن أقتل أخى؟

ثم اجتذبها من شعرها فى عنف صائحاً:

- لكننى سأنتقم منك بطريقتى.. سأفضحك بين أهلك.. سأقص كل شىء على ابيك واخوتك وسأطلقك واتركك لانتقامهم.. أما اخى فسوف يكون لى معه شأن آخر.

تعلقت بذراعيه صارخة:

- لا.. ارجوك لا تفضحنى أمام اهلى.. فإن ابى واخوتى سوف يقتلوننى إن أخبرتهم.. ارجوك...

أزاح يديها عنه فى اشمئزاز هاتفا:

- الان تخشين الفضيحة.. لماذا لم تفكرى بها وانت تخونين زوجك؟

ثم نهض فى حسم صائحا فى لهجة لا تحتمل النقاش:

- هيا.. ارتدى ملابسك حتى تذهبى لبيت أبيك.

* * *

كطير ذبيح سارت خلفه تجر قدميها جرا يسبقها ذل ملأ كيانها وعينيها.

- ارجوك.. حاول أن نمشى من الطريق الآخر.. فإن تورم وجهى وعينى يجذب نظرات الناس وتساؤلاتهم . ارجوك.

نبهه استجداؤها لنظرات الناس حوله وتذكر حرصه ألا يعرف احد من اهل البلدة بعاره، فعرج إلى طريق مهجور لا يسلكه احد من المارة وظل سائرا أمامها يثقل القهر قدميه

وجسده . وفجأة توقفت هى، التفتت يمنة ويسرة لتتأكد أن ليس ثمة أحد يراها.. ثم..

ثم انحنت تلتقط حجرا كبيرا وواصلت السير خلف زوجها.. حتى إذا صارت قريبة جدا منه.. قذفت الحجر بكل عنف وقسوة وحقد نحو.. نحو رأسه.

تهاوى جسده من عنف الضربة بينما أظلمت الدنيا أمام عينيه وسقط غارقاً فى دمائه.

سكن عينيها طيف من تشفٍ وغل وتمتمت:

- أظننت أنى سأتركك تفضحنى

أمام أهلى.. ها قد تخلصت منك مثلما كنت أتمنى.. لكنك تعجلت أجلك أيها الغبى.

ثم أسرعت تمسك بذراعيه وتجره منهما فى اتجاه الترعة.

* * *

- ألم أقل لك يوما إنك ستصبح لى للأبد؟

قالتها وأطلقت ضحكة عابثة وتعلقت بذراعي  “عادل” فى لهفة. فقطب ما بين حاجبيه متسائلا:

- ماذا تقصدين.. أين “عصام”؟ ولا تخبرينى بما تخبرين به أهل البيت بأنه سافر الى عمل.

نظرت إلى عينيه مباشرة وكأنما تريد أن ترى تأثير كلماتها عليه، وقالت ببطء:

- لقد تخلصت منه.

انتفض واقفا وصاح:

- أقتلته؟

ثم هدأ فزعه ليتحول إلى قلق فحسب واستطرد:

- لكننا لم نتفق على ذلك.

ابتسمت لنفسها فى انتصار، وقالت:

- لقد كاد أن يفضحنا يا “عادل” ثم.. ثم إنه كان ينوى قتلى وقتلك .

ارتسم على وجهه الانزعاج فأسرعت هى تطرق على الحديد الساخن:

- لقد أقسم أن يقتلنا لينتقم لشرفه ..

ثم لانت لهجتها فجأة وقالت:

- ثم إن الامل فى زواجنا صار الآن موجودا.. فيمكننى بعد فترة أن أعلن اختفاءه ثم اطلب الطلاق لتغيبه وحينها يمكننا الزواج دون أن تلحق بنا تساؤلات الناس.

ولم تكد تنتهى من عبارتها حتى أسرعت ترتمى بين يديه فى دلال هامسة:

- ألا تحلم معى بيوم زواجنا يا حبيبى؟

أنساه دلالها صدمته.....................

* * *

انتزعتهما صرخة ملتاعة من لحظاتهما معا.. فإذا بأمه واقفة عند باب الغرفة وقد أغرق الغضب والصدمة وجهها، فأسرعا يقصفان عليهما من الملابس ما يصل إلى ايديهما ويستر عوراتهما ، وما كانا بحاجة إلى ذلك فإن الستر ابعد ما يكون عن نفسيهما.

وقف “عادل” محاولا تهدئة أمه فكان نصيبه صفعة قوية على وجهه لم يستطع بعدها رفع عينيه عن الأرض، فصرخت أمه:

- زوجة أخيك.. أتلوث شرف أخيك أيها الخائن.. اذهب من أمامى لا أطيق رؤية وجهك النجس.

أسرع يغادر المكان ويهبط إلى حيث غرفته وكأنه كان ينتظر طردها له ليهرب من نظراتها.

أما هى فلم تستطع أن تهرب من نظرات حماتها التى راحت تكيل الركلات والصفعات على كل مكان بجسدها وهى تصرخ:

- أيتها الفاجرة.. كيف تجرأت وخنت زوجك.. ومع من.. مع أخيه.. والله لأقتلك قبل أن يقتلك زوجك.. والله..

ثم كفت فجأة عن الضرب وصاحت وكأنما تذكرت أمرا:

- أين ابنى.. أين “عصام”؟

نظرت إليها” هند” فى قلق فاستطردت هى:

- أنت تدعين أنه قد سافر منذ أسبوع فى عمل.. ورغم ذلك فإنه لم يتصل بى أبدا على غير عادته وكلما حاولت الاتصال به أجد هاتفه مغلقا، وإذا سألتك تخبريننى بأنه يتصل بك... انت تكذبين.. أين ابنى.. ماذا فعلتما به أيها الخائنان ؟

ثم عادت لتهجم عليها فى قسوة أشد، إلا أن “هند” لم تستسلم لها هذه المرة فقد أمسكت بيدها اليمنى بعنف لتمنعها عن ضربها فصاحت حماتها:

- ماذا.. هل ستضربيننى أيتها الفاجرة.

- بل سأقتلك .

اتسعت عينا حماتها فى ذهول ورددت:

- إذن فقد قتلت ابنى.

لم تجب، لكن نظرة التحدى بعينيها كانت كافية لتجيب عن تساؤل الأم، فلم تتمالك الأخيرة نفسها وحاولت أن تقبض بيدها اليسرى على عنق «هند»، والتى أسرعت تبعد عنقها عن محور يدها ثم دفعتها بكل عنف لتسقط أرضا، وأمسكت برأسها بين يديها صارخة:

- أتريدين قتلى أيتها العجوز؟ سأريك كيف يكون القتل إذن.

ثم هوت برأس المرأة على حافة طاولة حديدية بكل ما تملك من قوة.. مرة وثانية وثالثة... حتى خمدت حركة الجسد الهزيل وانفجر نهر من الدماء من رأسها.. و.... وأسلمت الروح.

- أمى.

صرخت بها ابنتها التى صعدت على وقع صرخات امها لتدرك ان صعودها كان متأخرا.

هرولت «هند» ناحية الباب فى محاولة للهروب، لكنها فوجئت بالناس وقد تزاحمت عند الباب على وقع الصرخات فالتصقت بالجدران وهى ترتعد فى رعب.

* * *