عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

إميل أمين يكتب : أميركا.. بوتقة الانصهار في خطر

إميل أمين
إميل أمين

 

تطرح الأحداث المأساوية الأخيرة التي جرت في الولايات المتحدة، واستحضار

حالة العنصرية من جديد علامة استفهام جذرية... هل نحن أمام حالة فردية

جديدة أم ظاهرة جماعية؟

المؤكد أن ما جرى في دالاس الأيام القليلة المنصرمة بات يتسنم قمة أعمال

العنف العنصري التي شهدتها عدة ولايات أميركية تجاه الأميركيين الأفارقة

مؤخرا، وأضحى البحث عن أسباب هذا العنف فرض عين.

المؤكد أننا لسنا في مجال التحليل الخبري للمشهد، بل جلّ المراد هو البحث عن

أبعاد الأزمة الأميركية والتي تقف اليوم أمام استحقاقات مثيرة، في مقدمتها

ضبابية الرؤية حول فكرة المساواة القانونية في البلاد، وهل هي فكرة هيولية

بأكثر منها حقيقة؟ ثم لماذا أخفق الرهان على كون اختيار أول رئيس من أصول

أفريقية (باراك أوباما)، ربما يعيد للموازين العنصرية المختلة نصابها؟ ثم

وهذا هو الأهم هل ستشهد الولايات المتحدة هذه الأيام فورة تعقبها ثورة

للسود مثل تلك التي رأيناها في الخمسينات والستينات، وشملت شمال البلاد

وجنوبها، ومن أقصاها إلى أدناها؟

لتكن الاستشهادات هنا من على لسان كبار العقول الأميركية، وذلك بحثا عن

الموضوعية فيما يتصل بأميركا وهل هي أمة عنصرية أم لا؟

في كتابه «من نحن.... المناظرة الكبرى حول أميركا»، يضعنا صموئيل هنتنغتون

صاحب فكرة صراع الحضارات أمام الحقيقة الآتية على مرارتها: «الأميركيون

يحملون مشاعر خاصة بالعنصرية والعرقية».

أما المؤرخ الأميركي الأشهر آرثر شلينرنجر فعنده «أنه في معظم التاريخ

الأميركي كانت هناك أمة عنصرية، تميز بحدة بين البيض الأنجلو ساكسون

والهنود الحمر، والسود والآسيويين والمكسيكيين، وطويلا ما استبعدتهم من

فعاليات المجتمع الأميركي الحقيقية، وعملوا على تهميشهم».

ماذا عن حال الأميركيين الأفارقة الذين يبلغون نحو 40 مليونا أي بنسبة تقرب

من 14 في المائة من تعداد الولايات المتحدة؟

الأرقام حقا مفزعة ذلك أن 37 في المائة من أطفال أميركا السود يعيشون تحت

خط الفقر، وواحد من بين كل عشرة سود يقبع أحدهم في السجون الأميركية، كما

أن النظام القضائي الأميركي يغلظ العقوبات بنسبة 20 في المائة، مقارنة بنفس

الأحكام التي تصدر ضد البيض، الأمر الذي دعا المقررين الخاصين للأمم

المتحدة لحقوق الإنسان (كريستوف هالينس، وميران قانون) للتنديد بالنقص

الحاد للثقة بذلك النظام، أما عن البطالة فحدث ولا حرج، عن نسبتها بين

السود، والناظر إلى واشنطن العاصمة يرى كيف أنها مقسمة جغرافيا بين قطاعين

لا علاقة لأحدهما الأبيض بالآخر الأسود.

بعض الأرقام التي جمعها الكاتب والباحث الإيطالي جيوفاني ما ورد من مكتب

الإحصاء الأميركي، والمركز الفيدرالي لإحصاءات التعليم، ومكتب الولايات

المتحدة لإحصاءات العدالة، حقا مزعجة، إذ يشير بعضها إلى أن 48 في المائة

من الأميركيين البيض يحملون مواقف عنصرية ضمنية للسود، هذه النسبة ارتفعت

في عام 2012 إلى 51 في المائة.

هل باتت نظرية «بوتقة الانصهار» الأميركية مشكوكا في جدواها؟

في أواخر القرن الثامن عشر أشاع المفكر الأميركي كريفيكير في كتابه الشهير

«رسائل من مزارع أميركي» فكرة أن الولايات المتحدة هي بوتقة انصهار Melting

pot وهي الفكرة التي ستصبح شائعة جدا في القرن العشرين وتفاخر بها أميركا،

انطلاقا من أن شعبها هو محصلة أفراد من جميع

أنحاء العالم انصهروا في دولة

جديدة، لذا فقد ترك الأميركي وراءه كل تحيزاته وطباعه القديمة، واكتسب

تميزات وطباعا جديدة من نمط الحياة الجديد الذي تبناه..

ربما لو عاد الرجل للحياة واستمع إلى باراك أوباما لغير رأيه، ففي مارس

(آذار) 2015 وخلال خطاب له في مدينة سلما جنوبي الولايات المتحدة، رفض

أوباما مقولة اختفاء العنصرية في البلاد قائلا: «ثمة خطأ شائع مفاده أن

العنصرية زالت، وأن العمل الذي بدأه، رجالا ونساء انتهى»..... وأردف «هذا

ليس صحيحا».

الأمر ذاته أكدته هيلاري كلينتون في يونيو (حزيران) من العام المنصرم، وفي

مؤتمر لها مع رؤساء بلديات سان فرانسيسكو إذ اعتبرت أنه: «من المخادعة

التصديق بأن أميركا تخلصت من العنصرية إلى حد كبير» ومؤكدة أن العنف

المؤسسي العنصري لا يزال مستمرا في الولايات المتحدة.

خطورة تصاعد المد العنصري المصحوب بالعنف هذه الأيام أنه يجري على هامش

انتخابات رئاسية أميركية، ما سيجعل ذلك جزءا كبيرا ومؤثرا من التصويت يجري

برسم عرقي وعصبي مذهبي وطائفي، ويصب تلقائيا في صالح دونالد ترامب ورؤاه

العنصرية.

والأمر الأخطر هو كون ميكا أكزافير جونسون مطلق النار وقاتل الشرطة في

تكساس، عنصرا سابقا في الجيش الأميركي، ما سيلقي ظلالا من الشك على نظرائه

العاملين في الخدمة، ويعمق الشرخ القائم في جدار الأمة.

حالة التماسك الاجتماعي الأميركي غير مبشرة، فقد وصل الأمر لإحراق كنائس

المسيحيين السود، ولهذا ليس غريبا الإحباط الذي يسود الأميركيين الأفارقة

من رئاسة أوباما، فأوضاعهم لم تتعدل ومآسيهم لم تتبدل، وأن حجج أوباما على

غير حق بأن أميركا دولة غير منقسمة وما جرى كان حالة فردية، وقد أدرك

الجميع أن تغيير الأمر الواقع يقع على عاتق حركة الجماعة لا مبادرة الفرد

مهما كانت سلطته ومنصبه.

في مجتمع يخضع لسيطرة معقدة ومركبة، بإمكان المرء أن يجد الأفكار السرية

متخفية في الفنون، كذلك الحال في مجتمع السود، ربما أخفت أغاني الزنوج

الأميركيين مهما كانت شجية وتبعث على الحزن، الغضب، وربما كانت موسيقى

الجاز، مهما كانت مبهجة تنذر بالتمرد والثورة.

نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط