رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

السلطان قابوس.. دبلوماسية فريدة ومبادرات عدة لتسوية الخلافات

السلطان قابوس قائد
السلطان قابوس قائد النهضة العمانية

مثلما تعد جنيف السويسرية عاصمة دبلوماسية الغرب، أضحت مسقط تلك المدينة العمانية الواعدة عاصمة دبلوماسية الشرق والغرب معاً، حيث استضافت العديد من جلسات التفاوض وفى أحيان كثيرة نجحت فى إتمام ملفات عجزت عواصم أخرى عن إطلاق مقدمات حلها.

وبسبب مواقفها المحايدة توصف سلطنة عُمان بأنها «سويسرا الشرق»، فهى على مسافة واحدة من الجميع، ولا تنحاز إلا إلى خيار السلام، وتؤكد العديد من التقارير السياسية أن الدبلوماسية العمانية، تعد من أهم العناصر الفاعلة إقليمياً ودولياً، فى نفس الإطار نوهت هذه التقارير بأهمية إسهامات السلطنة، مشيرة إلى أنها شهدت على مدار الأشهر القليلة الماضية، حوارات، ولقاءات بين أطراف العديد من المواجهات التى تحولت إلى حروب أهلية، سواء فى ليبيا أو اليمن أو سوريا، أو العراق، وذلك ضمن المحاولات المخلصة لوقف نزيف الدم العربى.

ويمثل ذلك امتدادًا لمساعٍ خيرة سابقة ومستمرة، مثلما تدخلت الدبلوماسية العمانية فى الوقت المناسب لتعيد– على سبيل المثال- صوغ العلاقات بين واشنطن من ناحية وطهران من ناحية أخرى، ما أفضى إلى الاتفاق التاريخى بين إيران ومجموعة 5 + 1 الذى أنهى المخاوف من حروب مدمرة.

وتعقيباً على كل ذلك نشرت صحيفة «الإكونوميست» البريطانية المستقلة تحليلًا حول دلالات ومؤشرات توجهات السلطنة، فذكرت أنها «دولة تمتلك القدرة على اتخاذ القرار الصائب والحكيم دون تردد حتى لو بدت أنها تتبنى موقفاً متفرداً». وأشارت إلى أن مغزى الخصوصية هو استقلال السياسة الخارجية.

وبينما تستعد سلطنة عمان للاحتفال بيوم النهضة الذى يوافق 23 يوليو 1970م، وشكل علامة تاريخية انطلقت من خلالها سلطنة عمان دولة وشعباً إلى بناء دولة عصرية قادرة على تحقيق التقدم والرخاء للإنسان العمانى، تجسد الأعوام الستة والاربعون الماضية مدى اهتمام السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان بترسيخ أسس قوية لعلاقات وثيقة مع مختلف دول العالم خاصة فى الأمة العربية، ولذلك تواصل دبلوماسية القوة الإيجابية الناعمة العمانية دورها حول العالم، ويقدم السلطان قابوس دعماً غير محدود لجميع الدول العربية، كما يقوم بجهود مكثفة وبمبادرات إيجابية تاريخية تسهم فى ترسيخ سياسات حسن الجوار وتحقيق الاستقرار الإقليمى وصون السلام العالمى، مع إدانة الإرهاب والتطرف نتيجة لذلك تؤدى الدبلوماسية العمانية أدوارًا إيجابية بالغة الأهمية على الأصعدة الإقليمية والعربية والعالمية.

على سبيل المثال رفضت السلطنة احتلال العراق للكويت عام ١٩٩٠، وفى الوقت نفسه ساندت برنامج النفط مقابل الغذاء لصالح الشعب العراقى، كما اعترضت على احتلال إيران جزر الإمارات.

على حين أدت الدبلوماسية العمانية دوراً محورياً قاد إلى انفراج أزمة العلاقات الغربية- الإيرانية والتوصل إلى الاتفاق النهائى بشأن حل قضية الملف النووى الإيرانى.

لذلك يؤكد المراقبون أن رؤى السلطان قابوس ومواقفه ذات أهمية بالغة لأنها كفيلة بأن تقود المنطقة دائماً وبسلام وسط الأمواج العاتية للتحديات السياسية الراهنة وعواصف المتغيرات الإقليمية والدولية لترسو شعوبها على بر الأمان.

ونتيجة لذلك فإن الدبلوماسية العمانية تحقق المزيد من الإنجازات والانتصارات السياسية، ويرى المحللون السياسيون أن هذا الأداء رفيع المستوى يتميز أيضاً بأنه يعكس حرصاً بالغاً من السلطنة على العمل فى صمت وهدوء، وبمعزل عن صخب ماكينات الإعلام الدعائى المدوية التى تفسد فى أحيان كثيرة جهوداً غير عادية، خاصة أن السلطنة تترك هذه الإنجازات لتتحدث عن نفسها بنفسها، ولقد أكسبها ذلك تقدير الزعماء والقادة وثقة الشعوب.

وينطلق كتاب «عمان والثقافة والدبلوماسية» لمؤلفيه جيرمى جونز ونيكولاس ريداوت من فرضية أن الفهم الواعى لمواقفها المعاصرة، ينبع فى أحد أهم جوانبه من استيعاب الثقافة الوطنية السائدة فيها، حيث تتجسد الكثير من الممارسات الإنسانية الراقية والمتحضرة اليومية، التى تترجم فى الأداء الدبلوماسى، الذى تميزه أيضاً عدة خصائص هى الميل للتركيز على العوامل الجيوسياسية الدائمة، والابتعاد عن النزاعات الإيديولوجية والطائفية، والارتقاء بمستويات التوافق فى الممارسات الاجتماعية والسياسية، والتأكيد على التسامح، فهذه المبادئ تتوافق تماماً مع سمات شخصية الإنسان العمانى، كما تعبر عن توجهات المسارات التى اختطتها السلطنة، وللموقع الإستراتيجى الأثر الكبير فى ترسيخ علاقاتها مع كثير من الدول التى تطل على المحيط الهندى وعلى الخليج، فى ظل الخبرة التاريخية الطويلة التى ساعدت على ذلك، وفق أسس عدم التدخل فى الشئون الداخلية، وتحقيق المصالح المشتركة بين الدول على امتداد الخريطة العالمية.

يعكس كل ذلك ملامح وطبيعة شخصية الإنسان العمانى وخبراته التاريخية، فهى تتسم بالهدوء وعدم الاندفاع وتجنب ردود الفعل الانفعالية الحادة، مع الصراحة والوضوح على خلفية احترام الشرعية الدولية، والتمسك بعدم ازدواجية المواقف، فلا تناقض مطلقاً بين القرارات التى تشارك السلطنة فى اتخاذها داخل قاعات الاجتماعات المغلقة، والمواقف التى تعلنها عبر وسائل الإعلام.

 وتؤكد العديد من الدراسات أن السلطنة سيتواصل تعاظم دورها فى المستقبل، لأن العالم على وشك الولوج الى مرحلة جديدة من العلاقات السياسية والاقتصادية. وتشير تلك الدراسات إلى أن لكل دولة العديد من المرتكزات. منها «القدرات السياسية»، «والحدود الجغرافية»، والثانية تتصل بكل ما له علاقة بالأرض وامتدادها فى الجهات الأصلية والفرعية، ومن خلالها تُرسَّم الحدود البرية والمائية والمجالات الجوية.

أما القدرات السياسية فهى «بلا حدود» إذا كانت الدولة صاحبة حضور سياسى قوى بين مجموعة مصالح متقاطعة، وفى قلب منطقة إستراتيجية، لأن ذلك يكسبها قدرات فائقة لا غنى عنها فى إدارة العلاقات الإقليمية والعالمية، ودائماً ما تتمتع مثل هذه الدول بقدر واسع من الاستقلال عن التوجهات الجمعيَّة المحيطة بها، فتتحول إلى «مركز توازن» فى لحظتَيْ الصراع والوفاق على حد سواء، وهذا بالضبط هو الدور الذى تضطلع به سلطنة عُمان بينما تحتفل بيوم النهضة فى الثالث والعشرين من يوليو.