عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكايات موجعة من "حكر السكاكيني"

بوابة الوفد الإلكترونية

لا أحد يشعر بمعاناة سكان العشش ولم يقدر المسئولون قبل وبعد الثورة ظروفهم المعيشية الصعبة، وهنا فى حكر السكاكينى القديم نموذج واقعى لحياة غير آدمية يعيش أصحابها محرومين من أبسط الاحتياجات الأساسية.. يسكنون عششاً من الخشب والصفيح هى أقرب لقبور يقطنها أحياء فى حياة مشابهة للعصور الوسطى فدورات المياه تشبه المراحيض وتطفح باستمرار وتفوح منها رائحة كريهة تجلب الأمراض.

ويبدو أن الحكومة المصرية ما زالت متمسكة بأن تصنع أعداءها الداخليين من المصريين أنفسهم، متجاهلة أن ساكنى العشوائيات لا يقف خطرهم عند العشوائيات فحسب ولا تنتهى الأزمة بهدم البيوت، بل يمتد الأمر إلى خطر البلطجة والسرقة الذى يهدد مصر منذ سنوات طويلة، ويمتد إلى ظاهرة أطفال الشوارع الذين أصبحوا بالآلاف فى شوارع القاهرة وحدها، وخطر الأمية التى استحوذت على 40% من الشعب المصرى.

بكلمات تقطر أسى وحزن تقول أم أحمد -ربة منزلـ نتمنى أن تهتم الحكومة بمنطقة حكر السكاكينى، فسكان المنطقة بسطاء وفى احتياج لوحدات سكنية جديدة ترحمهم من الفقر والحرمان الذى يعيشون فيه كما أن رئيس الحى القديم وعدنا أكثر من مرة أنه سيتم نقلنا إلى مساكن آدمية ولكنه خلف وعده.. مشيرة إلى أنهم يعيشون فى مكان موبوء ويغرقون فى مياه المجارى والرائحة تملأ المكان وأطفالنا يتعرضون كل يوم للموت بأمراض الفشل الكلوى والجهاز التنفسى.

وتضيف «أم أحمد»: المنطقة بؤرة من البؤر العشوائية وتمثل سرطاناً فى العاصمة، فالعشش والبيوت مهددة بالانهيار بسبب رشح مياه المجارى والسكان مصابون بالأمراض الرئوية، مشيرة إلى أن كل أمنيتها غرفة بأربعة حوائط تؤويها هى وأطفالها الأربعة لأنها تعيش فى عشة صغيرة من الخشب تهدم معظمها فوق رؤوس أولادها!!

 

خوف مستمر

 

أما «أم سيد» فتصف الحالة المزرية التى تعيش فيها هى وأولادها وتقول بانفعال شديد: نحن نعيش 7 أفراد فى غرفة واحدة دون تهوية وهى تمنع ابنتها «هناء» البالغة من العمر 21 سنة من النزول ليلاً لاستخدام المرحاض خوفاً عليها من ذئاب البشر الذين يملأون المكان ليلاً وأغلبهم سكارى أو مدمنو المخدرات.

ومن أجل لقمة العيش تعمل «أم سيد» هى وابنتها بتنظيف وغسل السجاد من أجل بضعة جنيهات.. وهى تتمنى أن تترك تلك المنطقة حفاظاً على سلامة بناتها.. وتقول ابنتها «هناء» وهى تغالب دموعها: نفسى أعيش مثل بقية الناس ويكون عندى «حمام» نظيف.

حياة بائسة

أما «أم عادل» فتقول والقلق يبدو واضحاً فى عينيها: فوجئت منذ عدة أيام بثعبان يخرج من الحوائط المشققة هذا بجانب الفئران التى نجدها أحياناً.... إن كل ما نتمناه هو الخروج من تلك المنطقة والعيش فى سكن نظيف.

وفى منزل صغير تسنده الأعمدة الخشبية حتى لا ينهار، تعيش «وردة» وهى تبدو ذابلة منهكة من كثرة ما تتحمله من أعباء الحياة فهى تعول وحدها أطفالها الثلاثة بعد أن تركها زوجها وتدفع إيجاراً 120 جنيهاً شهرياً وتعيش بمعاش والدها الذى بالكاد يكفى متطلبات المعيشة.. فى هذا المنزل الصغير الآيل للسقوط تسكن 12 أسرة مهددة بالموت فى أية لحظة... وتقول «وردة»: لا ندرى إذا تركنا هذا المنزل ماذا سيكون مصيرنا؟! لقد استنجدنا بالحى وننتظر أن يستجيب المسئولون لصرخاتنا من أجل إنقاذ أطفالنا من تلك الحياة البائسة.

وفى غرفة صغيرة لا تعرف أشعة الشمس طريقاً إليها، يعيش «محمد إبراهيم» -وهو يعمل على ميكروباص- بمفرده بعد وفاة والديه بمرض تليف الكبد، حيث يقع معظم سكان تلك المنطقة فريسة للأمراض التى تنهش فى أجسادهم.. ولم يملك «محمد» المال الكافى لإنقاذ والديه من براثن هذا المرض فلقوا مصيرهم المحتوم.

وفى المنزل المجاور تعيش الجدة «سيدة» وهى تنفق على أحفادها الستة بعد وفاة ابنتها، حيث تقوم ببيع قطع الحلوى وأحياناً تقوم بعمل أكواب من الشاى للمارة مقابل بضعة جنيهات قليلة.. وتقول ابنتها الأخرى والتى تعيش معها: نحن سقطنا من حسابات الحكومة ولا نملك سوى التضرع إلى الله حتى يرحمنا من العيش فى هذا المكان الكئيب.

 

طفولة معذبة

وأثناء تجولنا فى المنطقة شاهدنا الطفل «يوسف» البالغ من العمر 8 سنوات، وهو الأخ الأصغر لثلاثة أخوة، ويبدو عليه أنه قد شاخ قبل الأوان، علامات الحزن واضحة فى عينيه، ويوسف ليس مثل بقية الأطفال دائماً يلهو بالزجاجات الفارغة والعلب البلاستيك الملقاة حول المنزل المتهالك قال ببراءة وعفوية: نفسى يكون عندى ملابس جديدة وأعيش فى بيت تانى بعيداً عن تلك القمامة والرائحة الكريهة! ثم تركنا وجرى مسرعاً ليلبى نداء والدته التى طلبت منه شراء بعض أرغفة العيش البلدى.

 

الموت البطىء

 

وقبل أن نغادر المنطقة، اقترب منا الحاج «محمد» وهو مريض بالقلب منذ عدة سنوات وقال بكلمات يكسوها الحزن: أنقذونا من تلك العيشة.. عايزين نمشى

من هنا، نحن نموت هنا موتاً بطيئاً.. فما ذنب أطفالنا أن يعيشوا فى هذا العذاب كل يوم ومتى ستشعر الحكومة بآلامنا؟!

 

خبير إسكانى: العشوائيات تغتال أرواح الفقراء

 

د. أبوزيد راجح –خبير إسكانى رئيس مركز بحوث الإسكان والبناء والتخطيط العمرانى سابقاً– يرى أن مشكلة حكر السكاكينى جزء من مشكلة العشوائيات التى انتشرت بداية السبعينات وبلغت قمتها فى الثمانينات والتسعينات واستمرت إلى الآن تحت سمع وبصر المسئولين الذين تجاهلوها عن عمد، لأنها هى التى حلت مشكلة الإسكان فى مصر.. فالحكومة غير قادرة على توفير شقق لهذه الأعداد المتزايدة من السكان، كما أن الحكومة لم تعد تهتم بالشرائح الدنيا التى انطلقت لتقيم إسكانها بوسائلها الخاصة وفى حدود إمكانياتها وهو ما نسميه الإسكان العشوائى نتيجة عجز الدولة عن تحقيق الطلب السنوى للإسكان.. ومن هنا كانت نشأة الإسكان العشوائى الذى ما زال مستمراً حتى الآن.. وتصل نسبة الإسكان العشوائى السنوى إلى الإسكان العام 47% من مجموع المنشأ من الإسكان، بينما يصل الإسكان الخاص والرسمى، أى المنشأ تحت سمع وبصر الحكومة، إلى 42% أما الإسكان الحكومى الذى تقيمه الحكومة بأجهزتها المختلفة من وزارات ومحافظات وهيئات فلا يتجاوز 9% من مجموع الإنتاج.. ومن هنا يتضح أن الإسكان العشوائى يحتل المرتبة الأولى من الإسكان فى مصر. والمشكلة أننا لا نعرف حجم الطلب على الإسكان السنوى بأنواعه المختلفة، ولكن المؤكد أن الطلب أكثر كثيراً من العرض السنوى.. وبسبب عدم توفر تلك المعلومات تعجز الحكومات عن حل تلك الأزمة.

ويضيف: الحل من وجهة نظرى له أبعاد متعددة ويحتاج إلى تكاتف الجهود من مختلف الجهات والمنظمات الحكومية والأهلية لكنه أولاً، يستلزم وقف التوسع العشوائى، وهو أمر صعب للغاية، لأن العشوائيات تتزايد وتتوسع، والمشكلة ستكبر.

 

 

 

 

د. سعيد صادق: معمل لإنتاج التطرف والعنف

 

يقول د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى أن التفكير فى حلول لمشكلة العشوائيات الآن يعتبر نوعاً من العبث إننا نحتاج إلى حلول للنظام الاقتصادى والاجتماعى بكامله، وأشار الدكتور سعيد إلى منذ ثمانينات القرن الماضى والكتابة عن هذه الأزمة لا تتوقف لدرجة أنه قيل إن حول القاهرة حزام من الفقر والتطرف والجريمة والعنف ويجب معالجة هذا الأمر باعتباره خطراً محدقاً، فسكان العشوائيات يمضون معظم أوقاتهم فى الشارع لضيق المكان الذى يعيشون فيه، والكثافة السكانية العالية ولا شك أن حياتهم ومعاناتهم لها صلة مباشرة بانتشار الفساد.

ويضيف: الكارثة الأكبر أن سكان العشوائيات ليس لديهم ما يفتقدونه أو يخافون عليه، فلا يملكون شيئاً أو عملاً مستقراً.. فهم مهمشون يريدون أن يكون لهم نصيب من الأحلام والطموحات وأن يعترف بهم المجتمع، باختصار أن أزمة العشوائيات خطورة أمنية واجتماعية وسياسية وهذه الأماكن المخيفة أصبحت مأوى لعصابات منظمة تتاجر فى كل شىء من البشر إلى المخدرات إلى الجنس إلى كل شىء.

ويواصل: تطوير العشوائيات سيعمل على تفريخها من المجرمين والمسجلين خطر والبلطجية، لأن تطويرها سيزرع بداخلها نقاطاً شرطية وأمنية يمكنها رصد أى حركات إجرامية، مؤكداً أن سكان العشوائيات يعزفون على نغمة واحدة من الفقر والحاجة وضرورة انتباه الحكومة لهم.