رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

كتيبة‭ ‬الإعدام‭!‬

بوابة الوفد الإلكترونية

ثمة حركة غريبة أحس بها خارج غرفته بينما يحاول الخلود إلى النوم.

تململ فى فراشه مع ارتفاع الصوت.

انتفض جالسا وصاح فى غضب:

_ ألا أستطيع النوم فى هذا البيت.

ثم ما لبث ان ازدادت نبرته حدة عندما وقعت عيناه على مقبض الباب يدور وكأن أحدهم يحاول فتحه:

- أمانى.. قلت لك لا أريد إزعاجا ولا تدخلى الا بعد ان أغط فى النوم.. ألا تفهمين؟

قالها فى فجاجة زادت وجهه حمرة وجحظت معها عيناه فى ثورة.

إلا ان ثورته لم تفلح فى إقصاء الداخل عما يفعل.

انعقد حاجباه فى غضب وهو يرى الباب يفتح ويدلف من بالخارج ثم يغلق فى حدة.

حاول أن يدقق النظر فى الظلام ليتبين من امامه فلم يفلح.

تحركات غير عادية.. جلبة تنذر بأن الداخل لا يمكن ان يكون زوجته أو ابنته.

هتف فى ذعر:

من؟ من؟

تجمدت الدماء فى عروقه عندما امتدت أيد غليظة تكبله وتشل حركته.. وفجأة غمر الضوء المكان.

ثلاثة شباب يمسكون بالمطاوى والسكاكين ويسددون إليه نظرات متحفزة.

شهقة هلع يصدرها تحولت إلى ذهول وسؤال مصدوم يرتسم على وجهه.

وحده كانت نظراته تحمل من الحقد مثلما تحمل من الكره.. هاله ان رآه بين الواقفين يشهر نحوه سكينه فصاح فى هلع مذهول:

- أنت؟!

لم يمهله الوقت ليكمل بل انهال الشاب على صدره طعنا بالسكين وما لبث الآخر ان غمر صدره ووجهه طعنات بمطواته بينما يحكم الثالث قبضته عليه.

لم يستغرق الأمر كثيرا.. فقد تهاوى الرجل الخمسينى تحت وطأة الطعنات غارقا فى دمائه.. وأسلم الروح بينما لا يزال سؤاله معلقا فى عينيه المذهولتين.

● ● ●

- كفاك ظلما لنا..كفاك.

صاحت بها «أمانى» فى عنف غاضب وقد ارتسمت أمارات الدهشة على وجه زوجها ولوح بيديه فى وجهها قائلا:

- كيف تجرئين على الحديث إلىّ بتلك اللهجة.. هل جننت يا امرأة؟

وكأنها كانت إشارة الى غضبها بأن يشتعل أكثر.. فصرخت فيه:

- أجل.. جننت.. جننت يوم أكملت حياتى معك ورضيت بالذل والهوان انا وابنتى.. خمس وعشرون سنة ونحن نعيش حياة بائسة مع بخيل ظالم مثلك.. لو انك لا تملك مالاً لعذرتك.. لكنك أكثر اهل البلدة ثراء..ورغم ثرائك فإنك ترضى ان تحيا امرأتك وابنتك طالبة الجامعة حياة الفقراء المعدمين وسمحت لى بأن أمد يدى لأهلى كى أنفق على تعليم ابنتك التى ترفض الإنفاق عليها.

ولم يكفك هذا بل ترفض كل خاطب يتقدم إليها بحجة أنه ليس غنيا..والحقيقة انك لا تريد ان تنفق مليما على تجهيزها.

توقفت برهة تلتقط انفاسها ثم استطردت:

- تحملتك كثيرا من أجل ابنتى.. لكنك اليوم تهدم مستقبلها وتقف فى طريق سعادتها ولن اسمح لك.. اتفهم.. لن اسمح لك.

اتسعت عيناه محاولا استيعاب ما أصاب امرأته الصبورة طيلة عمرها..لكن عقله لم يدرك حقيقة ذلك التغير.. فهتف مصرا على موقفه:

- كل هذا من أجل الشاب المعدم الذى تقدم إلىّ خاطبا ورفضته؟ قلت لك مرارا اننى لن أزوجها إلا لثرى يتحمل مسئوليتها كاملة.. وذلك المتشرد مازال طالبا فكيف أزوجها له؟

مطت شفتيها فى تذمر قائلة:

- وانا اخبرتك من قبل بأن لديه عملا مؤقتا سينفق منه عليها حتى يتسلم عمله كمهندس بعد تخرجه.

ثم اننى اخبرتك بحبه لها..

صمتت مترددة ثم حسمت أمرها وأردفت:

- وابنتك أيضا هى الأخرى تحبه وتصر على الزواج به.

وقعت  كلماتها على رأسه كالصاعقة.. فهجم عليها ممسكا بشعرها صارخا:

- ماذا تقولين ايتها الوقحة.. ابنتك تحبه.. هل وصل الفجور

بها لهذا الحد.

قالها وطرحها أرضا فى قسوة مردفا فى حسم:

- منذ الغد ستترك ابنتك الجامعة وتمكث فى البيت ولن ترى الشارع بعينيها و. ..

- حرام، إنها فى الليسانس.. مستقب..

لكمة عنيفة الى وجهها جعلتها تبتلع باقى عبارتها.

● ● ●

- حجم الإهانة التى تسكنه ربما كان اكبر من قدرته على التغاضى عنها ونسيانها ..لكن شيئا بداخله ذكره بما لم يستطع نسيانه حقا.. فاستدرك:

- رغم إهانة أبيك لى ومعايرتى إلا أننى سأكون رجلا معك للنهاية وسأظل بجانبك.. لأن ما بيننا ليس حبا فحسب فلو كان كذلك لقتلت مشاعرى لكن...

● ● ●

 - ماما.. ادركينى.. ان كل مكان بجسدى ينزف دما.. أرجوك فكى هذا القيد عن يدى ورجلى.

منتحبة صرخت بها وهى تقاوم إعياء أصابها من شدة ما تحس من الألم.

- ماما.. أنا أموت.

انتفضت «أمانى» من هول الكلمة وانطلقت تفك القيود عن ابنتها  وتحتضنها فى وصلة من البكاء العاجز جمعتهما.

- ماذا سنفعل.لقد كاد يقتلنى.. ولا أمل فى موافقته على الزواج.

سؤالها كان كفيلا بأن تكف امها عن النحيب وتمسح دموعها بكفها ثم تشرد قليلا وتجيب:

- معرفته بحبك لـ «أحمد» جعلته فعل ما فعل.. فماذا لو عرف السبب الحقيقى وراء إصرارنا على زواجك به؟

اطرقت «إيمان» فى خجل وهمست فى أسف:

- رغما عنى.. سامحينى.

ثم استطردت فى حزن:

- وحده كان مصدر الحنان بعدك يا أمى.. لقد اشعرنى بالأمان الذى لم يمنحنى أبى إياه.. وجدت نفسى رغما عنى  أنساق فى حبى له و.....

ثم انهارت باكية بين أحضان امها التى ربتت عليها فى حنان وقالت ساهمة:

- لست وحدك التى افتقدت الأمان والحب فى هذا البيت.. فلقد عشت خمسة وعشرين عاما افتقد كل تلك الأشياء واتحمل فوق ذلك ما لا يتحمله بشر.

ثم برقت عيناها وقد سكنتهما نظرة تحد وأردفت:

- لكننى أبدا لن استسلم.. وسوف تتزوجين انت وأحمد.

رفعت إليها وجهها متسائلة:

- كيف هذا يا ماما..

أجابتها:

- إذا هربنا.. فإن اباك لن يسكت على هذا وعندئذ سوف يفتضح أمرنا بين اهل البلدة ونوصم بالعار أينما كنا.

ثم نظرت إلى ابنتها الذاهلة وقالت فى بطء:

- اتصلى بـ«أحمد» واطلبى منه ان يقابلنى حالا فى أقرب مكان.. فليس غيره يمكنه أن ينفذ ما أريد.