رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الحياة فى دور الأيتام.. قليل من الفرح.. كثير من الحزن

بوابة الوفد الإلكترونية

فى مصر، يوجد قرابة مليونين ونصف المليون طفل، بحسب مصادر وزارة التضامن، يسكنون دور الأيتام بنوعيها العام والخاص فى محافظات مصر كافة، تلك الفئات عانت مرارة التهميش وعدم الأمان، ويطاردها شبح التشرد، وعذاب انتظار المصير المجهول، وبالتالى كان لزاماً تنفيذ مشروع «رعاية الأيتام»، بما يسمح بتحسين أساليب ووسائل تدريب وتنمية قدراتهم البشرية، وترويضهم فكرياً، واجتماعياً، وأخلاقياً، وإعدادهم مهنياً، وإشعارهم بالأمان، وزرع الانتماء، والولاء للوطن، فى مؤسسات دور الرعاية، التى بلغ عددها 448 داراً على مستوى الجمهورية، خصوصًا أن دستور 2014 فى مادته 80 يكفل حقوق الطفل، حتى يكونوا عنصراً فعالاً فى المجتمع، وهو واجب وطنى.. علينا الانتباه لذلك.

يمثل ذلك دعوة لتضافر جهود جميع الجهات التى لها صلة بالأمومة والطفولة، سواء من المنظمـات الحكوميـة وغير الحكوميـة، كل فى مجال اختصاصه، للتوصل لآليـات مناسبة تمكنهم من مساعدة وحماية هؤلاء الأطفال والتخفيف عنهم، حتى يسهل دمجهم فى المجتمع، خصوصًا أن ملف الأيتام - يمس قضية المواطنة - التى يطالب بها الجميع.

من يدقق ويتابع واقع دور الرعاية يرصد بوضوح زيادة جرائم العنف والجريمة، التى ترتكب ضد أطفال الملاجئ بشكل غير مسبوق.. فحقوق اليتامى تنتهك فى بعض المؤسسات جهاراً نهاراً إلى حد يصعب تصوره، ويذوقون مرارة الإهمال والتهميش والإهانة والأذى، بسبب انعدام ضمائر بعض المشرفين، وانحدار أخلاقهم، وغياب الجهات الرقابية التى اكتفت بمشهد المتفرج، مما كان له تبعاته الباهظة على المجتمع، كل ذلك نتيجة تباطؤ المسئولين فى وزارة التضامن الاجتماعى، التى من المفترض أن تقوم بدورها الإشرافى والرقابى، على أنشطة جمعيات رعاية الأيتام، وتتحمل المسئولية الكاملة عن رعاية تلك الفئات وحمايتها، والعمل على توافقها مع مؤسسات المجتمع المدنى، والوزارات المعنية الأخرى مثل الصحة والتعليم.. وغيرهما، وإيجاد الحلول العاجلة والمثالية للمشكلة بعيداً من الشو الإعلامى أو المسكنات الوقتية.

لنتساءل: كيف يمكن توفير الرعاية الشاملة والحماية القانونية اللازمة لأطفال الملاجئ.. وهل مازالت قلوبهم نابضة بالحياة والأمل فى حياة كريمة، أم إهمال وزارة التضامن لهم سبب فى أنهم أصبحوا على هامش الحياة؟!

وعن التصريحات الرسمية لوزارة التضامن الاجتماعى، التى تؤكد تزايد الانتهاكات بدور الرعاية الاجتماعية، الأمر الذى أدى إلى إغلاق 40 داراً، من أصل 448 داراً منتشرة على مستوى الجمهورية، أى يوجد حالياً 448 دار رعاية تخضع لرقابة الدولة، تستحوذ منها محافظة القاهرة على نحو 226 داراً، تليها محافظة الجيزة التى تبلغ 60 داراً، ثم محافظة القليوبية التى بلغت 12 داراً، فيما بلغت محافظة الإسكندرية 35 داراً.

أبرز دور الرعاية المغلقة خلال عام 2015 فقط، «مكة المكرمة» بسبب التعذيب الذي يتعرض له الأطفال من  العاملين بالدار فى أغسطس الماضى، والمشهد المحزن نفسه تكرر فى جمعية أمانة المسلم بالنزهة، كما أغلقت دار أيتام رابح بالتجمع الخامس، بسبب استغلال أطفال الدار للعمل بالسخرة فى المزرعة، وكذلك الحال فى دار البسمة لرعاية الأيتام مدينة نصر، بسبب سوء حالة الدار وعدم الاهتمام بالفتيات فى شتى النواحى الحياتية، وأيضاً غياب الترخيص بالنسبة لدار رحاب الرحمن لرعاية الأيتام بكفر طهرمس بالجيزة، مما أدى إلى إغلاقها فوراً.

 

الحلول المقترحة

بداية، يرى محمد المفتى، عميد تربية سابق: يجب على الدولة مسئولية كبيرة فى تنمية وتطوير دور الأيتام، والاهتمام بأطفال الملاجئ، لأنها فرصتنا للتغيير الحقيقى الذى نتمناه بوجود خطة جديدة ومتكاملة للنهوض بدورها من 8 محاور رئيسية.. أولاً ضرورة تقييم أداء مؤسسات الرعاية الاجتماعية المنتشرة فى كل أرجاء مصر، وثانياً توافر رقابة فعالة على المشرفين لمراقبة تصرفاتهم بشكل دائم، وثالثاً وجود منهجية متكاملة لبناء القدرات البشرية الإدارية والمهنية للعاملين بدور الرعاية، والوعى الثقافى الكامل بأهمية دورهم الخدمى والتنموى، وتجنب الفشل، والتغلب على الأخطاء، ورابعاً تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، أى أن تتم محاسبة كافة المقصرين وصرفهم من الخدمة، أما من ثبتت نزاهته تتم مكافأته وترقيته.. ويري خبراء وجوب اتباع منظومة متكاملة لتأمين احتياجات أطفال الملاجئ وتوفير جميع صور الرعاية والتربية أخلاقياً ودينياً وعلمياً، إلى جانب الاعتناء بالتغذية والصحة النفسية والجسدية، بخلاف برامج إعادة التأهيل، وبرامج التعليم الخاصة بالأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، يقوم عليها فريق عمل متميز ومتخصص فى جميع المجالات، لاكتشاف مواهبهم وقدراتهم وهواياتهم وتوجيهها بشكل سليم، فى الإنتاج والإبداع والابتكار، وزرع الحب والثقة فى النفس، باعتباره مطلباً أساسياً وضرورة ملحة، يعطى الانطلاق والتجديد، ويحقق الاستقرار النفسى والتوافق الاجتماعى الذى يعوضه من الحرمان من الرعاية الأبوية ويشعره بأنه مكرم لذاته.

 

تضافر الجهود

ويمسك طرف الحديث، وحيد الأقصرى، الخبير القانونى، الباحث الاجتماعى بالدراسات الإسلامية، قائلاً: إن حماية أطفال الملاجئ يجب أن تبدأ فوراً، بما يكفل حياة كريمة لهؤلاء الأيتام، بعد أن فقدوا أهم أركان الحياة وهى الرعاية الأسرية، مما يلزم تقديم الرعاية المتكاملة لتلك الفئات، وإعدادهم من الناحية المهنية أيضاً، حتى وصولهم إلى سن 18 عاماً، لكى يستطيعوا بعد ذلك إيجاد أعمال تساعدهم في المعيشة الكريمة، والتواصل مع المجتمع بلا ذل أو عقد نفسية، ويمكنهم إقامة بيوت تخرج أبناء صالحين ومفيدين لوطنهم، ومواجهة مصاعب الحياة.

يذهب خبراء إلى أنه عندما نتحدث عن المادة 80 من دستور 2014، التى تمثل حماية دستورية مبتكرة للطفل، يشترط إيجاد آليات لتطبيقها على أرض الواقع، فحسب القانون: «يعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق فى اسم وأوراق ثبوته، وتطعيم إجبارى مجانى، ورعاية صحية وأسرية بديلة، والتغذية الأساسية السليمة، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية، وتكفل الدولة حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم فى

المجتمع».

وتنص أيضاً على التزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى، ولكل طفل الحق فى التعليم المبكر بمركز للطفولة حتى السادسة من عمره، ويحظر تشغيله قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسى، كما يحظر تشغيله فى الأعمال التى تعرضه للخطر، كما تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائى خاص بالأطفال المجنى عليهم، والشهود، ولا تجوز مساءلة الطفل جنائياً أو احتجازه إلا وفقاً للقانون وللمدة المحددة فيه.

وينتقد هؤلاء تراخى المجلس القومى للطفولة والأمومة، الذى لم يؤد دوره الإشرافى والرقابى كما يجب، بالتنسيق مع الوزارات المعنية، مثل التضامن الاجتماعى والصحة والتعليم.. وغيرها، على أنشطة جمعيات رعاية الأيتام، وهو أمر غاية فى الخطورة، خصوصًا مع تكرار حوادث انتهاك الأطفال فى دور الرعاية المختلفة.

 

التضامن الغائب

ووافقه الرأى السابق، الدكتور عبدالمنعم الحاج، أستاذ أصول التربية بجامعة السويس، الخبير السياسى، موضحاً أن دور الأيتام فى حاجة ماسة إلى إشراف مباشر وعاجل من الدولة، والمقصود بذلك وزارة التضامن الاجتماعى باعتبارها المسئول الأول عن الرقابة والمتابعة والتقييم لدور الرعاية، وضمان حد أدنى من الأداء يكفل أمان وصحة ورعاية الأطفال الملحقين بمؤسسات الرعاية، مع إعطاء المزيد من الدعم المالى والتطوعى من أفراد المجتمع لتحقيق الأهداف الإنسانية التى تعمل عليها، لذا لابد من توافر الرؤية والاستراتيجية المتكاملة والواضحة لدى دور الرعاية الاجتماعية للنهوض بدورها، والتصدى لانتهاكات البراءة التى نسمع عنها يومياً فى أبشع صورها، باستعمال جميع أنواع العنف والإساءة والاستغلال التجارى فى بعض الدور.

 

الرعاية الطبية والنفسية

ومن ناحيته، يؤكد إيهاب إبراهيم، مدير دار ملائكة الهرم لرعاية الأيتام أن الدار تستقبل مختلف الحالات من سن يوم إلى عام كامل، ويوجد لدينا 18 أماً بديلة قائمة على رعاية 33 طفلاً مجهول النسب، مؤكداً حرص الدار على اتباع منظومة متكاملة للأيتام، للاعتناء بالقدرات الفكرية لتنمية وتطوير المهارات المختلفة، المتمثلة فى المهن اليدوية البسيطة مثل أعمال التريكو والنول، التى تتناسب مع ظروف الإعاقة وقدراتهم العقلية، ويتم تدريبهم عليها داخل مركز التأهيل المهنى لذوى الاحتياجات الخاصة، وعددهم 26 مركزاً ثم بعد ذلك عرض منتجات هؤلاء الأطفال فى المعارض والفعاليات المختلفة، التى تشارك فيها جمعية الأورمان، للتأكيد على قدرة هؤلاء الأطفال فى العمل والإنتاج، كما يتم الاعتناء بالصحة البدنية، والتغذية السليمة، لجميع الأطفال، كما يأتى طبيب متخصص يقوم بالكشف الدورى لفحص الأطفال والاطمئنان على حالتهم الصحية، كما تحرص الدار على مراعاة الجانب النفسى للأطفال، عن طريق إخصائى نفسى بالجمعية، إضافة إلى نشاط «الأخ الأكبر» للأطفال الذى تتميز به جمعية الأورمان عن الجمعيات الأخرى، بحيث يصبح للطفل مجموعة من الأخوات يتحملن المسئولية مع الدار ومشاركتهن الإيجابية من أجل مصلحة الطفل، لكى يشعر أنه يعيش وسط أسرة يشاركها المناسبات والأعياد كأى طفل عادى، وبما يؤدى لتحسين كل نشاطاتها الاجتماعية والنفسية والدينية والصحية والترفيهية التى يحتاجها الأطفال.

 

منظومة متكاملة

أما الدكتور محمد خالد حسن، استشارى الأمراض النفسية والعصبية بوزارة الصحة، فيشير إلى ضرورة توفير رعاية تلقائية دينية فطرية وإنسانية ووظيفية أيضاً لأطفال الملاجئ، بهدف تحجيم عزلتهم عن المجتمع.

ويرى مهتمون بالقضية أهمية وضع لوائح تحميهم من خطر الاستغلال الجسدى والنفسى، إلى جانب الاهتمام بالأيتام صحياً وعلاجياً، جنباً إلى جنب مع مساعدتهم دراسياً عبر برامج تعلمهم بعض الحرف المهنية، مع الوفاء بالاحتياجات الثقافية والترفيهية، لإعادة البهجة والسرور على الأيتام، باعتبارها من أعظم الطاعات على تلك الفئات، على أن يشرف على تلك الدورات أساتذة للتعليم يتمتعون بالمهارات والمعرفة الحديثة حول التدريس، وكذلك تطبيق الفصل السكنى وفق النوع والسن، حتى نستطيع أن نصل إلى ما نريده من أهداف إنسانية وتنموية داخل المجتمع.